خسارة الفجر

إنها لخسارة فادحة، لا تعدلها أي خسارة، خسارة أن تضيع عليك هذه الفرصة التي تفتح لك كل الفرص، وأن يضيع عليك هذا العطاء الذي لا يعدله عطاء.

آه ثم آه، نُح على ما فقدت، ودع قلبك يصيح بأعلى صوته، علّ يقظة تهزه وتبعثه من مرقده، كي لا يعيد الكرة، ولا تتكرر الخسارة.
أعلم أنك خسرت في يوم كذا مبلغ كذا، وخسرت فرصة لعمل كذا حين كنت في وضع كذا، خسارات عديدة تُصنّف أنها “دُنيوية” متعلقة بفترة قصيرة هي في الحقيقة “وهمٌ ليس زائف”، دنيا تزول بما فيها قريبًا وتبدأ حياتك الحقيقية، لكن الخسارة التي أتحدث عنها هي من جِنس آخر.

آه ثم آه، لقد فاتك الفجر، فاتتك بركة اليوم، فاتتك زهرة الصلوات ومستهل العبادات، فاتتك مصدر السعادة ونور اليوم بأكمله، فإن عشت يومك دون نور، أو هدى به تستنير، فأي يومٍ هذا وأي حياة هذه؟
سيمر اليوم، كما مر غيره، أيامٌ ثقيلة متراكبة بعضها فوق بعض، أيامٌ كثيرة أحداثها قليلة بركتها، أيامٌ ليس فيها حلاوة وتغيب عنها الطراوة، نحن نعيش نفس الأيام، لكن ليس من عاش يومًا فيه فجر، كمن عاشه بدون فجر.

إنه الفجر، وما أدراك ما الفجر، إنه عطاء الله لعباده المؤمنين، هدية يتلقاها ثُلّة قليلة من المحظوظين، أولست منهم؟ يا للخسارة الفادحة، كم تفوتك من فرصٍ رائعة.

إنك بحاجة لأن تعلن حالة الطوارئ، أن تضع كل شيء جانبًا، لأن ما عدا الفجر تافه بالنسبة له، ثم تعلن الحداد القلبي، وتطلق اللسان لأن يبدأ حملة استغفار موسعة، أن تنكس الروح أعلامها، ثم تعلن حالة التوبة في سجودك.

أقول لك السر، إنها تلك الذنوب من الداخل، وهذا الدنيا في الخارج، آه من ذنوب تراكمت وشكّلت حجابًا أعمى قلوبنا عن فداحة الخسارة، آه منها حين ألهتنا عن مصدر القوة ومنبع السعادة المتجدد، عن هذا المنهل الذي يغرف منه القليل فيحصلون على خيرات عظيمة، ونحن مساكين محرومين متخبطين في أمواجٍ متلاطمة من الغفلات.

ثم إن الدنيا ومن خلفها جحافل الشياطين تقود حربًا ضروس، يتواصون فيما بينهم بأن “فوّتوا عليه الفجر، فإنه فاته فقد خسر وفزتم، وتعقدت حياته وتسهلت مهمتكم”. ها هو يومٌ يفوت، آخر يتلوه، ثالثٌ من بعده، ثم يغرق المرئ منا في بحر من الغفلة، وآه من هذا البحر المظلم، ومن مياهه الراكدة السئيمة.

أعلِن حالة الطوارئ، فإن المصاب جلل والخطب عظيم، وإن الأيام تَفُوت واحدًا تلو الآخر، خسارة تلو خسارة، ضياعٌ بعد ضياع، بُعدٌ يتلوه بُعد، املأ يومك بالاستغفار في ذُلّ، وسجودك بالدعاء المضطر، واطلب من الله أن يمنحك فرصة رص الأقدام في الفجر، والتسبيح قبل الشروق.
واعلم أن الفجر هو حزمة مكتملة، تشمل صلاة الجماعة، والذكر قبل الشروق أو تلاوة القرآن، إنها فترة ذكرٍ خاشع، وخلوة عن دنيا الناس وحياة البشر، ساعة أو نصفها، مع الله ولله، تبدأ بها لتعدل مزاج يومك كما تعدل القهوة مزاجك.