آه منك أيه الإنسان

حصل على الدكتوراة ثم ما بعد الدكتوارة، لم يصل للـ(د) فحسب، بل لما بعد الـ(د)، وكان عقله مليئ بالأفكار والمشاريع والآمال و…الخ، ثم حدث الذي حدث!

حدث بأن كان ذات يوم، وهو يمشي في الطريق آمنًا مطمئنًا، حاملًا ألقابه الثقيلة فوق ظهره وآماله العريضة أمام عينه، إذ برجله تثقل عن الحركة، ثم تتمادى أكثر وتلحقها أختها، يوم بعد يوم، أسبوع بعد أسبوع، حتى أصبح قعيدًا لا يستطيع المشي.

المشي !!

أنا البروفيسور فلان بن فلان، أنا الذي للتو بدأت حياتي، أنا لا أستطيع المشي !

متابعة قراءة آه منك أيه الإنسان

لحظتك لحظتك

الأوهام تحاصرك، المخاوف تحاول اختطاف قلبك، تحوم حوله لتوقعه في شباكها الخبيثة، وصوتٌ يرن في أرجاء الروح ينادي (لحظتك لحظتك) فتحاول جاهدًا الإنقياد إليه موقنًا أنه حبل النجاة، فتقطع حبال أفكارك التي ما فتئت تتخيل المستقبل وترسم الاحتملات الأسوأ، رسوم ظهرت في جدران القلب مذ وصلتك الأخبار السيئة، أخبار متعلقة برزقك المكتوب في حاضرك المحسوب.

متابعة قراءة لحظتك لحظتك

النشاط المحبب إلى قلبي

تسللتُ إلى الخارج، بعد أن أقعدني المرض خمسة أيام، متلحفًا بأغطيةٍ في كل بدني مخافة البرد، وطئت قدماي صفحة الشارع، ورأت عيناي وجه الحياة، آه ما أجمل الحياة، ثم رأيت شعاع الشمس، آه ما أجمل الشمس، ثم ما لبثت أن سمعت زقزقةً خفيفةً من جهةٍ مجهولةٍ داخل روحي، أهي روحي حقًا؟ أم هو طائرٌ حبيس قد ابتسم حين اشتم رائحة الحرية، مشيت ومشيت، خطوة بعد خطوة، ثم تذكرت ذلك النشاط، نعم إنه النشاط المحبب إلى قلبي، لربما أنا قادرٌ على القيام به اليوم، ولو بشيءٍ يسير، نصف ساعة أو ساعة، آه ما أحلى النشاط.

متابعة قراءة النشاط المحبب إلى قلبي

قبل فتح الإشارة بعشر ثواني

عشر ثواني فقط، هي المدة التي تبقت إلى أن تفتح إشارة عبور المشاة في الطريق السريع، الطريق نفسه الذي حصلت فيه حادثة قبل سنوات لشابين كانا يعبرانه فأتى طائشٌ بسيارته المسرعة، فمات الأول وأصيب الثاني، الآن أصبح لدينا إشارة لعبور المشاة تم تركيبها قبل سنة تقريبًا، صحيحٌ أنها ليست بقرب منزلي، لكني أتعمد أن أمشي إليها مرات عديدة من أجل أن (أسن سنة حسنة)، أن أعلم نفسي والآخرين أن هذا سلوكٌ حضاري، بل أنه سلوك (مصيري).

متابعة قراءة قبل فتح الإشارة بعشر ثواني

الرضى هو المفتاح

استمعت لحلقة صوتية أخذتُ منها جملة واحدة هي في غاية الأهمية، وقبل أن أشاركها معكم، أريد أن أقول أن الأفكار التي نتلقاها فتتقاطع مع تجاربنا الحياتية، هي أفكار برّاقة نتمنى أن نخبر العالم كله بها، لكن -وهذا شيء محبط- لا يتلقّاها الآخرون بنفس الحماس، لأنها لا تتقاطع مع تجاربهم أو اهتماماتهم، لذلك، وهذا مدخل لما سأقول، خذ هذه الفكرة وتوقف مع نفسك بضع دقائق، حاول أن تطبقها في حياتك، جرب فلست بخاسر، فقد تغير حياتك 180 درجة.

متابعة قراءة الرضى هو المفتاح

الشبسي الذي لم يعد يُعجِب

دار الجدال وحصل الخصام، والسبب كيس الشبسي، الأطفال يريدون (نكهات مختلفة) وأنا مُصرٌ على الشبسي العادي بالملح، وكم من مرة حكيت لهم عن أضرار تلك الألوان والنكهات الصناعية، فحين يقدمون لنا شبسي بطعم (الجبنة) فليس هنالك ثمة جبنة، إنما هي نكهة صناعية لا أدري من أي مواد كيمائية تم استخراجها، كما أن الشبسي أبو (كباب) لم يتم قليه في زيت مع سيخين كباب مثلاً، فكنت أخسر جولة ويكسبون أخرى، مرة أصر فأشتري لهم بالملح، ومرة ينتصرون فأشتري لهم بنكهة أخرى.

هذا المنشور يطرح نقطة مهمة، أنا هنا لا أعرض موقفًا عاديًا من مواقف الحياة، كما أني لا أتطرق لموضوع الصحة -رغم أهميته-، بل ما هو أكبر من ذلك، إنني أتحدث عن الـ(عادي)، عن حياتنا وكيف أصبحت مملة، وعن المنتجات التي تظهر بشكل مستمر بأشكال وألوان، عن الحياة العصرية والشركات الرأسمالية، عن الإنسان والجشع والقيمة والعمل الصالح، يمكن أن نستخدم (كيس الشبسي) كمدخل لعدة قضايا مصيرية.

قبل عشر سنوات تقريبًا، زارني أخي إلى بلد الدراسة، وقد تذوق حينها أول شريحة شبسي مقرمشة، وكم أُغرِم بها، كان يشتري تلك الأكياس بشكل يومي ولا يشبع من طعمها، بل أنه صرّح أنه يتمنى أن يسافر من بلده ويقيم هنا من أجل أن يأكل الشبسي كل يوم، فقد كانت متعته بهذا الطعم لا توصف.

فعلا طعم تلك الشرائح لذيذ، كان لذيذ ولايزال لذيذ، لم تكن الشركات حينها قد اخترعت فكرة (النهكات)، فما الذي تغير؟

انبثقت فكرة هذه المقال حين قالت ابنتي أن هذا الشبسي (العادي) ليس له طعم، لقد عاتبتني عتابًا شديدًا وكأني قد ألحقت بها عقابًا أليمًا، قلت في نفسي مندهشًا (بدون طعم!!)، قلتها وأنا أتذكر دهشة أخي من هذا الكيس نفسه، ثم جلسنا سويًا واقترحت عليهم أن نقوم بنشاط (التذوق)، أخذت الكيس من يدها وأعطيتها شريحة واحدة فقط، وأكلت أنا شريحة، ثم طلبت منها أن تغمض عينيها ثم تأكله ببطئ وتتذوق، فعلنا ذلك سوية، لقد أخذني الطعم إلى السماء وحلقت به فوق السحاب، وسألتها عن الطعم وعن شعورها، هل هو فعلاً (بدون طعم) فأجابت بالنفي، واذعنت لكلامي بعد أن أثبته بلسانها لا بلساني.

دعونا ننقتل لسؤالنا الجوهري: لماذا أصبحت الحياة بدون طعم، لماذا وهي المليئة بالبهجة والسرور والأشياء الجميلة التي تسهل حياتنا وتدعم مقامنا؟

لقد أصبحنا نمتلك من المقتنيات ما لم يحلم به أسلافنا لكننا أقل سعادة ورضى منهم، والسبب لأنه أصبح هنالك (نكهات أخرى)، حياتنا الجميلة أصبحت عادية (بدون طعم) لأن أصحاب الأموال يريدون المزيد، فأوهمونا أن هنالك أشياء أفضل (مما لا نمتلكه) ونكهات أخرى (مما لم نتذوقه) فأعرضنا عن الحياة البسيطة الجميلة وانطلقنا في سعي ليس له نهاية، لتحصيل تلك النهكات التي لا تُشبِع روح ولا تُرضي قلب، فانتشرت فينا الأمراض النفسية وتعددت الأزمات الحياتية.

لنعد إلى الوراء قليلاً، لنتذوق قطعة الشبسي العادية، لنغمض أعيننا ثم نوقض فينا الوعي ليكتشف ما فيها من لذة ومتعة، لقد وهب لنا الله حياة أصلية خالية من نكهات صناعية خادعة، شروقُ شمسٍ، بسمةً طفلٍ، ضحكة حب بين زوجين، ركعتين في جوف الليل، تسبيحٌ وتأملٌ وذكرٌ لله، الحياة لها طعم أصلي لا يقارن بأي شيء، نحتاج فقط أن نعود ونهدأ ونتأمل.

لقد بدأ الأمر حين قررت شركة (س) أن توسع مبيعاتها، أو حين ظهر المنافسون فاضطر الجميع أن يفكروا خارج الصندوق، فابتكروا النكهات الصناعية، وبالمثل حين ظهرت لنا شبكات وتطبيقات ثم ظهر المنافسون، كان لدينا فيسبوك ويوتيوب فظهرت تويتر ثم تكتوك، كلها منصات للمحتوى لكن بنكهات أخرى، ينتقل الناس فرادا وجماعات لتجربة نكهات جديدة، وكل نكهة تأتي بمضارها، والإنسان لا يشبع، يريد الجديد، يريد المزيد، وهو في سعي مستمر وفي شقاء متجدد.

الزواج بعد موت الزوج أو الزوجة

إنني بعد التأمل والتفكير، قد استنتجت أشياء كانت غائبة عني، فأنا -مثل غيري- كنت أبادر إلى الاعتقاد بأن الشخص الذي يتزوج مباشرة بعد موت زوجته الأولى، أنه قليل الوفاء ضعيف الحب لزوجته السابقه، وهذا للأسف تفكير طفولي سطحي، بل قد يكون زواجه السريع من أكبر الدلالات على حبه ووفائه لحبيبته الأولى، وسأوضح هذا الأمر عبر تحليل منطقي بعد قليل، لكن أولاً دعوني أقف معكم عند هذا النص من سيرة نبينا العطرة (صلى الله عليه وسلم):

متابعة قراءة الزواج بعد موت الزوج أو الزوجة

القهوة

اكتشفت -متأخرًا- هذه النعمة العظيمة، كنت أقول عنها مضيعة للوقت ومكانًا للعاطلين، لكن… متأسف… كنت مخطئاً، هي مكان رائع وملهم.

إنها (القهوة).

أصبحت مدمنًا مؤخرا على القهاوي، أتنقل من واحدة إلى الأخرى، أسجل مواقعها على الخريطة، أُقيّم كل واحدة بحسب مواصفات عدة، أتخير الأفضل فالأفضل لأقضي فيها سويعات كل يوم.

إنها مصر، بلد القهاوي بامتياز، حيث تجتمع بالأصحاب أو تختلي بنفسك، وأنا من النوع الثاني، أحب العزلة المختلطة، أن أكون لوحدي وسط الناس، أحمل هاتفي لأقرأ كتابًا، أو سماعتي لأستمع لحديثٍ ماتعٍ عبر حلقة بودكاست، أو حاسوبي لأنهي عملاً أو أكتب شيءاً.

تنتشر القهاوي بين الشوارع، تخترق الأزقة والحواري، هي ديار مفتوحة لكل عابر سبيل، لكل هارب من دوشة الحياة وضغط الأسرة، لكل من يريد أن يقف على قارعة الطريق يراقب الحياة وهي تمر من أمامه، يتأمل، يفكر، يأخذ استراحة محارب ثم يكمل مشوار حياته.

أما مواصفات القهوة المميزة، فهي عديدة، أولها الهدوء، أحب القهاوي التي تتمركز في شوارع فرعية، شوارع واسعة نظيفة تحفّها الأشجار وتداعب ناصيتها الشمس في الشروق والغروب، ويمكن إجمال المواصفات بالبعد عن التلوث، صوتيا أو مرئيا أو هوائيا، التلوث الصوتي هو الإزعاج من محركات العربات أو من صراخ الشاشات، أما التلوث الهوائي فهو ما تنفثه الأفواه من دخاخين، والقهوة الجيدة هي التي تمتلك مكانًا واسعًا ليتمكن المحافظ على رئتيه أن يبتعد عن كل مشيش ومدخن.

ما أجمل القراءة في القهوة، وما أجمل الهواتف الذكية حين تُستَثمر لإثراء الحياة، بدلاً من التجول في ردهات الفيس والواتس، تقرأ كتابك عبر الهاتف، وعبر الانترنت -هذه النعمة التي سهلت لنا الوصول لأصحاب العقول والاطلاع على التجارب والخبرات- تصل لما تريد أينما تريد.

كل شخص في القهوة يقضي أفضل جزء من يومه، يحتسي أفضل مشروباته، هي لحظة وصول الركب إلى الواحة للتخفف من وعثاء السفر، الكل يمارس نشاطه الذي يرفع عنده (الكيف)، هي الساعة السليمانية لمن لا يملكون نبتة (القات)، وكل واحد أدرى بساعته، منّا من (كيفه) في القراءة، آخر يكيّف على كوب من الشاي الثقيل، شخص يكيف بالتحدث مع الأصدقاء، وشخص يكيف -ربما- بمجرد البعد عن زوجته.

بائعة الدونت

خرجت اليوم من المنزل بينما كانت ابنتي تستمع لأغنية (بائعة الكبريت)، كانت تستمع إليها بقلبها لا بأذنيها، كانت متأثرة بهذه الفتاة المتخيلة والقصة المسرودة، وابنتي حفظها الله تمتاز بقلب عطوف، لديها مشاعر فياضة ورحمة واسعة، وأنا أحب فيها هذا وأشجعها على أن تكون من الذين يرحمون من في الأرض، كي ينالوا رحمة من في السماء.

متابعة قراءة بائعة الدونت