ساعة من نهار أعادت للحياة ألوانها

ثم تأتي ساعة من نهار، تقلب حياتك وتغير واقعك، تعيدك لرشدك وصوابك، تُهدِّأ من أعصابك وتطمئن قلبك، تخفف من قلقك وتحسّن من طباعك، إنها ساعة تزيل عنك غشاوة أضنتك وتعيد لك بصيرة القلب المفقودة، ساعة تحتاجها كما يحتاج الغارق لطوق نجاة، أو هالكُ الصحراءِ لشربة ماء.

اسمعوا له يحكي عن حاله، قال:

عِشتُ أيامًا يحتويني حزنٌ ثقيل، أتشاغل عنه بمهام الحياة فأظنني أُفلِت، فإذا به قابعٌ مكانه، ينتظرني حتى آوي إلى نفسي فينهش قلبي ويفترس روحي، غابت عني ابتسامة الروح وبهجة الحياة، افتقدت خفة الظل وصدق البسمة، تساءلت في قلق: ماذا حل بي، صحت في صمت: ماذا جرى لي.

لم يكن يدري أن حمّى الغفلة قد أنهكت روحه، مريضٌ لا يبحث عن علاج، موجوع لا يداوي جرحه، كان بعيدًا وإن ارتاد المساجد، يعاني من نقصٍ شديد في منسوب الإيمان، يحتاج لجراعات مركزة من الذكر، وجلسات عاجلة من التوبة والاستغفار، كانت حالته حرجة، ووضعه خطير.

ثم أتت تلك الساعة الفارقة، قرر المكوث في المسجد بعد الجمعة، ذهب الجميع وبقي، قام وصلى وفي السجود أطال وبكى، وحين انتهى كان التعافى قد ابتدى، لم يكن يدري أنه بحاجة إلى تلك الركعات المداوية، لقد كانت الذنوب هي الداء، والتوبة الصادقة هي الدواء، حاول سابقًا أن يجلس في بيت الله، فتح المصحف مرات عديدة، لكن القلب غافل، وغفلته مستعصية، كانت القسوة تكسو قلبه والضجر يملأ فؤاده، لم يكن يستعمل الدواء بالترتيب الموصى به من قبل الطبيب، أن يبدأ أولاً بالتوبة، ثم يكمل بقية الوصفة.

ثم أشرقت الحياة من جديد، ظهر النور بعد طول غياب، ابتهج القلب وعادت بسمة الروح، كانت مباهج الحياة باهتة، أما الآن فقد عادت لها الألوان، أصبح يستمتع بالأمور البسيطة، في المشي والقراءة وملاعبة الأطفال، كل شيء عاد للحياة.
.
{‏‏وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}