ساعة من نهار أعادت للحياة ألوانها

ثم تأتي ساعة من نهار، تقلب حياتك وتغير واقعك، تعيدك لرشدك وصوابك، تُهدِّأ من أعصابك وتطمئن قلبك، تخفف من قلقك وتحسّن من طباعك، إنها ساعة تزيل عنك غشاوة أضنتك وتعيد لك بصيرة القلب المفقودة، ساعة تحتاجها كما يحتاج الغارق لطوق نجاة، أو هالكُ الصحراءِ لشربة ماء.

اسمعوا له يحكي عن حاله، قال:

متابعة قراءة ساعة من نهار أعادت للحياة ألوانها

أقبل بعقلك وقلبك على القرآن

قال لي والمشاعر تختطف كلماته قبل نطقها: لو تعلم كمية السكون والسعادة حين تجلس بعد العصر في المسجد تقرأ كتاب الله، لما تركتَ ذلك يومًا، ثم يكمل حديثه ناصحًا: جرب أن تجلس في مسجد الحي الكبير، في زاويةٍ تداعبها شمس الغروب، في تلك الإضاءة الصفراء التي تزيد المكان هيبةً وجمالا، ثم تمسك مصحفًا يشع النور من بين دفتيه، وتبدأ بهدوء في قراءة آيات الله، جرب أن تُخلي عقلك أولاً من كل شغلٍ أو فكر، فإن كان هنالك ما يشغله فسجله في هاتفك كي تعود للتفكير به في وقتٍ لاحق، أعطِ القرآن كلك.

ثم اقرأ وتأمل، اقرأ وتدبر، اسمع خطاب الله إليك بعقل منفتح، حاول أن تفهم سر الوجود، حاول أن تعيش أحداث تلك القصص، وكأنك بقرب نبي الله وهو يخاطب قومه، أو ترقب من فوق جبل والعذاب ينزل بهم، وتكاد عيناك تذرفان رأفة وندما على هذا الإنسان، ثم إن وصلت إلى تلك الآية التي تهزق القلب، حيث يقول الله عز وجل ( يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ)، فقف مليًا وتفكر.

استعمل خاصية الخيال أثناء قراءة القرآن، هذه الميزة الفريدة المعطاة لبني الإنسان، تخيل الأحداث وكأنك معهم، تخيل الجنة وكأنك فيها، تخيل النار وأنت ترقبها من بعيد في خشية ووجل، اجعل عقلك مستغرقًا مع كل آية، وافهم هذا الترتيب المهم: أنت تقرأ بلسانك كي تستحث عقلك لأن يفكر، تحرك عقلك كي تتحرك مشاعرك، والسر في المشاعر، فهي تنبع من القلب حيث نظر الله، وحيث تجد الله.

استمر في القراءة، استمر حتى تشعر في لحظة أنك تسبح في بحر من نور، أن روحك خفيفة كأنها تصعد في طبقات السماء، استمر حتى تأتي آية مؤثرة، أو حكمة مختبئة، أو فكرة نادرة، وهنا تضيء الحكمة جوانب عقلك، ستشعر بهدوء يغمر فؤادك، وبسعادة تجتاحك، حينها قد تبتسم، أو قد تذرف الدموع وجلاً، المهم أنك ستفرح فرحًا غامرًا بما أنت عليه، وستقول من كل قلبك: شكرًا يا رب أن جعلت لنا قرآنًا يُقرأ، أن يسرت لنا هذا النور عبر كلماتٍ وأحرف، وهنا تتذكر قول الله.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا)،
(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)

ينصبُّ النور على قلبك حين تقرأ القرآن طالبًا الهداية، حين تقبل عليه ولسان حالك يقول (سمعًا وطاعة يارب، أخبرني ما يجب علي فعله وما يجب أن أجتنبه، أخبرني ما يرضيك كي أفعله)، ومع كل آية، إن كان فيها أمرٌ فتوقف وراجع حياتك، واعزم على الاجتهاد في الفعل، أو استغفر من الإهمال والترك، وإن كان فيها نهيٌ فتوقف وراجع حياتك، واعزم على الترك.

اقرأ القرآن في أوقاتك الذهبية، وفي الأمكان التي يغمرها السكون، اجعل ورد القرآن أحد مفردات يومك الأساسية، أن يكون أهم مورد للعلم وتوجيه الدفة، أن تقرأ بهدف العلم والعمل، واستمر على ذلك يومًا بعد يوم حتى يعيد القرآن صياغة حياتك، حتى يعيد ترتيب أولوياتك، واعلم أنها رحلة مجاهدة لا يغفل الشيطان فيها عن انتهاز كل فرصة، وليس ثمة وصول ما دمت في هذه الحياة، فلا تغتر واستمر في التحلية والترقية، وتمسك بالقرآن تمسك الغريق بلوح خشب.