فُلَّتي العزيزة

أعرفكم على فُلّه، أو كما أناديها داخل المنزل (فلّتي)، كنت في الأيام السابقة حين أدخل المنزل أبادر بالسؤال وأقول (كيف حال فلتي اليوم) فلا أتلقى سوى نظرات التعجب والسخرية، ربما بالغت في الأمر، لكن الأمر قد تطور إلى علاقة حب ومشاعر فياضة.

أتيت بها قبل شهر إلى المنزل، لقد سحرني جمالها ووقعت في حبها من أول نظرة، دخلت المشتل أبغي نبتتة ظلية، لأن الشمس لا تدخل إلى الشرفة إلا قليلاً، فأشار علي البائع بأن ألج إلى الداخل، لكني وقفت أمام نباتات الفل وقد أسرني جمال المنظر، الكثير منها يتراص بجانب بعض، وقد تزينت بزهور الفل الأبيض الفواح، كل نبتة تعرض أجمل ما لديها، تتسابق لتفوز بفرصة الحب الأول، حب من أول نظرة، حينها قررت أن أشتري واحدة، قال لي البائع أن هذه النباتات تحتاج إلى الشمس ست ساعات في اليوم، وأنا لا أملك ذلك، لكني عزمت أن أتحايل على أشعة الشمس، عزمت على أن أقتني نبتة فل، والتي أصبحت (فلّتي العزيزة).

متابعة قراءة فُلَّتي العزيزة

يا نوح اهبط بسلام منا وبركات ….

هبط في صمت، لا أدري متى على وجه التحديد نزل الملك ونفخ فيه الروح، فلقد كان مختفيًا عنا سبعة أشهر في ظلماته الثلاث، مر الشهر الأول قبل النفخ، أما الشهر الأخير فلم يكمله، أراد الله أن يخرج مبكرًا ليبدأ مسيرته الأرضية.
.
هنالك، في تلك الغرفة الهادئة، بجانب غرفة العمليات، جلسنا أنا وأخويه نترقب، كنا نتحدث عن الإسم المناسب، وقبل أن نقرر كانت الممرضة قد انطلقت مسرعة إلى غرفة الحضانة، فلحقناها نبغي نظرة خاطفة، ثم اختفت عنا لعشر دقائق ولم نكن نسمع إلا صراخًا خفيفًا، كانت هنالك فرحة تسري في قلوبنا بقدوم هذا الضيف الجديد، لقد وصل بسلامة الله، وتبقى لنا سلامة الأم، ثم سلمها الله وخرجت بخير وعافية، أما نوح فقد أذنوا لي برؤيته سريعًا وترديد الأذان في أذنه، ففعلت ثم عدت إلى الغرفة، وبعد ساعة أو أكثر أتانا وهو نائمٌ في سلام.

متابعة قراءة يا نوح اهبط بسلام منا وبركات ….

قررت أن أكتب كل صباح

قررت -مستعينًا بالله- أن أُلزِم نفسي بالكتابة كل صباح، أن أكتب قطعة نصية سواءً كانت فنية أو فكرية أو معلوماتية، والمعلومات الصادرة ليست بالضرورية علمية، فحتى تفاصيل حياتك اليومية هي معلومات خام يمكن الاستفادة منها، وليس شرطًا أن تنشر تلك المعلومات، بل يمكن أن تودعها خزانتك الخاصة (كراسة يومياتك) لتعود إليها فيما بعد حين تسترجع الذكريات وتستخلص منها الفوائد.

الكتابة متنفس للروح، طريقة لتسجيل الخواطر وترك الأثر، وسيلة الإنسان للتواصل وبناء الحضارة، فهي وسيلة التواصل حتى مع نفسك، نفسك المستقبلية، أو للتواصل مع أبناءك، حيث يمكن أن تدون لهم بعض الخواطر وما يبوح به القلب لتهديها إليهم حين يكبروا، فقد لا تتسع آذانهم الآن لنصحك وتوجيهاتك، قد تعاني كلماتك الآن من عذابات التجاهل والتطنيش، ربما لأن الوقت لم يحن، أو لأنهم لم يخبروا الحياة بعد، لكن لماذا تذهب كلماتك النفيسة ونصائحك الخبيرة سدى، لماذا لا تدونها في كراسة تصبح فيما بعد كتابًا تهديه لإبنك أو بنتك حين يكبروا، حينها ستكون لكلماتك أثر ولذكرياتك معنى.

لقد سهلت لنا التقنية الكتابة، هذه نعمة من الله، وقد زادني الله من نعمه أن أرشدني لتعلم الطباعة السريعة عبر الحاسوب، وهذه مهارة أنصح الجميع بإتقانها، وليس شرطا أن تتعلم في مركز أو معهد كما فعلت أنا قديمًا، بل هنالك اليوم الكثير من المواقع التي تساعدك على تعلم الكتابة السريعة، وحين تتقن ذلك ويصبح معدل كتابتك 50 كلمة في الدقيقة، حينها ستسبقك أصابعك إلى الكتابة.

لكن لماذا الصباح؟ لأن الصباح متنفس الروح، ألم يقل الله (والصبح إذا تنفس) والصبح عندي محطة الإبداع الرئيسية، وموعد المعجزة اليومية، والمعجزة لها شروط كي تتحقق، فيجب أن يكون الفرد في الموعد حين ينادى للفلاح، ويجب أن يغسل قلبه بذكر الله ويزكي عقله بالتفكر في كتابه، تلك الساعة الأولى في يومه هي المنطلق الأساسي والعدة اللازمة للإبداع والعمل الصالح.

الله ما أجمل الصباح، ها هي أشعة الشمس تعكس بهاء نورها في السماء، أكتب الآن من داخل الشرفة، أكتب وقد ابتسم قلبي وانعكس ذلك على وجهي حين وصل نورها إلى حارتنا الصغيرة وانعكس في واجهات العمارات القريبة، لذلك، فمن أراد الكتابة فعليه بالصبح حين يتنفس، لأن روحه سوف تتنفس وستخرج أجمل ما فيها، لكن بشرط أن يفوز بالفجر ويبدأ يومه بالذكر.

كما قلت أن التقنية قد سهلت علينا الكتابة، فأنا أكتب الآن في مدونتي الشخصية، والمدونة هي موقع رقمي يمكن لأي شخص أن يحصل عليه مجانا أو باشتراكٍ سنوي، وقد أكتب في صفحتي في الفيسبوك أو أي منصة أخرى، وربما أكتب مذكرة شخصية (ذكريات) في زاويتي الخاصة، وهي زاوية في موقع (Penzu) المخصص لكتابة المذكريات عبر الانترنت، فقد اعتدت قبل سنوات أن أكتب في دفتر ورقي لكني انتقلت بعدها إلى الطرق الرقمية.

سأكتب أيضًا في مدونات فرعية صغيرة سأخصصها لبعض المواضيع التي تهمني، سأنشئها عبر منصة (blogger) التابعة لقوقل، وهي منصة مجانية تكتب فيها فتبقى تدويناتك متاحة إلى ما شاء الله، وهذه ميزة مهمة لأن المواقع المدفوعة مرهونة بالدفع السنوي، إن قصرت في الدفع أو إن قدر الله أن تخرج من حلبة الحياة الدنيا، فسوف ينتهي الاشتراك ويحذف المحتويات، فإن أردت بقاء الفائدة وانتفاع الناس بعلمك أو خواطرك، فعليك بالمنصات المجانية، لكن الفرق بين الشبكات الاجتماعية والمدونات أن المدونات تعطيك ميزة ترتيب المحتوى وسهولة البحث والوصول، كما أن تدويناتك سوف تؤرشف بشكل جيد في قوقل وهذا يضمن أن يصل إليها من يحتاج لها.

ثم أما بعد، فقد كانت هذه قطعة اليوم وكان هذا هو الواجب الصباحي، تم بحمد الله، أراني غدًا في الواجب الجديد.

الحمد لله، على منعه قبل عطائه

أكتب الآن بعد أن تلقيت ما يمكن أن نسميها (صدمة معرفية) … ههه

لقد (عرفت) أني لم أفز في مسابقة للقصة القصيرة كنت قد شاركت فيها قبل عدة أشهر، وكنت أتوقع (ربما بسبب غروري) أني سأفوز بأحد المراكز الثلاثة، واليوم تم إعلان النتائج ولم يظهر اسمي.

متابعة قراءة الحمد لله، على منعه قبل عطائه

خطتي لاكتساب المعرفة في 2021

بسم الله وبه نستعين

كانت خطة العام الماضي المتعلقة باكتساب المعرفة محصورة في قراءة الكتب، والحمد لله بعد أن حققت نجاح التعود (وليس نجاح الأرقام)، وأصبح الالتزام بالقراءة أمر يسير بحمد الله، كان لابد أن أوسع خطة هذا العام فيما يخص هذا الجانب (اكتساب المعرفة) ليشمل مصادر أخرى.

متابعة قراءة خطتي لاكتساب المعرفة في 2021

إقامة جديدة… فرصة جديدة

أبشركم يا أصدقائي، لقد حصلت على إقامة أخرى لسنة جديدة.

لقد غمرني السرور، وامتلأ قلبي بالبهجة، وعدت للمنزل كطير يخرج من قفصه.

حصل هذا قبل أيام، حين ذهبت لمصلحة الجوازات لاستلام الإقامة، كانت هذه هي الزيارة الثالثة لهم، الأولى للتقديم، الثانية للتنفيذ، والأخيرة للاستلام، كلها في شهرٍ واحد، شهر من كل سنة.

نعم أنا مقيم يا سادة، لست من أهل هذه البلاد، ولأني كذلك، فيجب علي أن أقدم الأوراق وأنتظر في الطوابير وأدفع مبلغاً من المال كل سنة، حتى أحصل على إذن يسمح لي بالإقامة هنا.

حتى أنتم ..!

أنتم مقيمون كذلك وإن كنتم في أوطانكم، نحن جميعاً في إقامة في هذه الأرض، وكل سنة تتاح لنا فرصة جديدة للإقامة حيث نقيم، أياً كان محل إقامتنا، الفرق بيني وبينكم (يامن تقيمون في أوطانكم) أن هنالك محطة سنوية (هي موعد تجديد الإقامة) تذكرني دائماً وتقرع رأسي، تذكرني أن سنة كاملة قد انقضت، تذكرني (عبر التاريخ المدون) بأنني قد أُعْطِيت مهلة أخرى، كي أنجز، وأحقق، وأعمل.

إن كنت تسكن في وطنك، فللأسف ليس لك هذا الامتياز، ليست لك هذه المحطة السنوية التي تحثك على الخطى وتدفعك للجد، ليس ثمة تاريخ انتهاء مدون في بطاقة أو في جواز سفر، في حين أن هنالك تاريخ انتهاء حقيقي لكل واحدٍ فينا، لكنه غير مدون، ويفترض بك أن تؤدي عملاً رائعاً وتبلي بلاءً حسناً خلال هذه الفترة، فترة إقامتك في هذه الحياة.

لكن ماذا عن المال الذي أدفعه أنا، ولا تدفعه أنت؟ سأجيبك وأقول: الله هو الملك والمالك، وهو المعطي والمانح، هو من يتكفل بمصاريف الإقامة (مِن وإلى)، سواءً ما أدفعه نقداً لشباك التحصيل، أو ما أدفعه للبقالة والسكن، لقد حصلت على وعد منه سبحانه (كما حصلت أنت)، أليس هو القائل (وفي السماء رزقكم وما توعدون)، أعلم أن هنالك بلداناً تفرض أموالاً طائلة نظير هذه الإقامة (كان الله في عونهم) لكن لا قلق عليهم ما دام الله موجوداً، لا قلق مادام باب الدعاء والطلب مفتوح لا يغلق، ومن لم يتمكن، فأرض الله واسعة، والله يعين كل من عزم وتوكل.

في كل سنة، وبعد أن استلم الإقامة، يزايلني شعورٌ فريد من مشاعر (السعادة) فهنالك -كما تعلمون- أنواع كثيرة من (السعادة) لكن للأسف قاموس اللغة لا يتسع لها كلها، وقد ذقت -بحمد الله- أنواعاً جديدة حين استقر بي الحال في هذه البلاد، ومن هذه الأنواع (السعادة التي تأتيك فور استلام الإقامة).

هذه السعادة مرتبطة بالأمل الذي يرتسم أمامك حين تعطى فرصة جديدة للعمل والإنجاز، لا أنكر أنها ناشئة أيضاً من استكمال الاجراءات دون إعاقة، ومن توفر المال دون مشقة، لكن الباعث الأهم هو (الفرصة)، ويمكن أن نشبهها بشعور السعادة الذي ينشأ فور نجاتك من موت محقق، لأنك حينها ستعطى (فرصة) جديدة للحياة، ولو سألت أحد الناجين عن شعوره بعد النجاة، لأخبرك أن قلبه قد تحول إلى عصفور يطير من فرط السعادة.

طبعاً الفرق كبير بين سعادة النجاة من الموت، والحصول على الإقامة، لكنها من نفس النوع والصنف، وهنالك سعادة أخرى أصغر منهما هي من نفس النوع أيضاً، وهذه -لحسن الحظ- يمكن للجميع تذوقها، من يعيشون في بلدانهم ومن هم مغتربون عن أوطانهم، إنها السعادة المنبعثة من معجزة الفجر، ومطلع الصبح.

تطلع الشمس كل يوم بعد أن أكملت الأرض دورتها اليومية، تشرق الشمس على الأرض كما تشرق على قلوب البشر، تعيد لهم الأمل والنشاط والقوة، هنلك صبح جديد يولد في رحم الكون، هنالك فرصة أخرى تتاح للإنسان، هنالك إقامة جديدة ليوم كامل تتاح لك بالمجان، فإما أن تصحو حين يصحو العصافير، وتملأ قلبك من رحيق الحياة، فتنطلق بطاقة الفجر، وتعمل ما يمكن عمله، وتنجز ما يمكن إنجازه، وإما أن تفوتك معجزة الفجر، فتنام والأرض تصحو، وتغفل بينما الأرزاق توزع.

هنالك إقامة لسنة كاملة، وهنالك إقامة لشهر كامل، وهنالك إقامة لأسبوع (تستلمها بعد صلاة الجمعة) وهنالك إقامة جديدة كل يوم، ونصيحتي لك، أن تبكر ثم تصلي ثم تخرج وتمضي باتجاه النور، فتشهد بزوغ الشمس، وتحصل على ختم الإقامة المجانية، وهو ختم بدون حبر، تطبعه الشمس على جبينك في أول ظهورٍ لها.

من شرفتي الصغيرة

مربعة الجدران، مفتوحة على السماء، تسمح لمن يستلقي في أحضانها بمشاهدة السحب الصغيرة وهي تداعب القمر، هي الشرفة (البلكونة) الصغيرة التي تسمح للشمس بالمكوث فيها ساعات عديدة كل يوم، على عكس أختها الكبرى، والتي لا تسمح للشمس إلا بساعة من نهار، تطل في خجل وما تلبث أن تغرب قبل غروبها.

هائنذا أستلقي بعد أن نام الجميع، وبعد أن أطفئت الأنوار في الداخل، لم يبقى إلى نور السماء الذي لا يكاد يضيء شيئا من هذه العتمة، وأشعة ساطعة تخرج من شاشة الحاسوب الذي أطقطق على أزراره محاولاً صياغة هذه الكلمات، مادٌ لأرجلي التي لا تستطيع التمدد في هذا المربع الصغير، متكئ على وسادتي التي أصبحت نزيلة دائمة في هذا المكان الحي، وكأني بها وهي تشكرني صباح مساء أن بوأتها هذه المنزلة السامية واخترت لها مكان إقامة في الهواء الطلق.

صوت طفل يبكي، همهمات أمٍ مع أولادها، رجل يمشي فيحدث ضجيجاً بقدميه، باب يغلق، صوت شاحنة مزعجة تمر في الشارع القريب، أصوات خفيفة متداخلة تندمج مع سكون الليل المهيب لتصنع لوحة فنية تراها جميع الحواس، العين والأذن مع الأنف الذي يستنشق نسيم الهواء البارد في ليلة صيفية هادئة.

إنها لحظات الهدوء والانسجام التام، الغياب في بحار النسيان دون أن يعكر مزاجك تفكير أو تذكير، الغوص في اللاشيء والحديث بدون كلام، إنه صمت العقل الذي يرهقك كل ساعة بألف فكرة وفكرة، لكنه حين يأتي هنا يصمت مذهولاً من قوة الشعور، إنه بسمة القلب وانبساط الروح، إنه النعيم الذي لا يعادله نعيمٌ دنيوي، نعيمٌ سهل المنال، لا يكلف الكثير، فالسماء متاحة بالمجان، والليل يعطي الجميع دون جدال، أما نسمات الهواء فهي تدخل كل دار دون استئذان.

من شرفتي الصغيرة أحدثكم، معذرة، بل أنا صامت لا أتحدث، إنما أحاول ترجمة الكلام، رغم أني مترجمٌ سيء، أحاول نقل حديث الروح وهمسات المشاعر، أحاول يائساً تحويل الشعور إلى كلمات، ولا يتم ذلك إلا بالمرور بقنطرة العقل، وقد أزعجته حقاً، هذا العقل المسكين، فهو لا يريد العمل في هذه الأثناء، فهي فترته الذهبية كي يهدأ ويستريح، يصيح في قائلاً، ألا دع الكتابة واتركني جانباً، دع اللحظة تغمرنا بجلالها، دع السكينة تبهجنا بجمالها، دع الليل يسكب علينا من خشوعه الغامر.

أيها العقل اللبيب، أستميحك عذراً وأطلب منك طمعاً أن تأذن لي بإزعاجك شيئاً يسيراً في بعض حين، أن أخرجك من حالتك السرمدية إلى مهارتك الذكية، كي نكتب بعض السطور الألمعية، في بعض الليالي التي نجلس فيها هاهنا، في هذه الشرفة الصغيرة، كي أدون بعض الأخبار، وأوثق بعض الأفكار، فكما ترى، لم يبقى إلا القليل قبل أن نرحل، وفيك الكثير مما يود أن يظهر، دون بعض ما فيك كلما غمرك حضور الليل الجليل.

وافق العقل بعد هنيهات من تفكير، سيتعاون معي لأكتب بعض اليوميات والخواطر، ويودع في هذه المقالات ما يلح من حكم المواقف ومنوعات المآثر.

كان معكم عمر، من شرفته الصغيرة، دمتم في خير، وإلى اللقاء

علاقة حب من نوع آخر

لم أكن أتصور أن تتطور العلاقة بيننا لتلك الدرجة، جلبتها إلى المنزل، إلى غرفتي الخاصة والتي أتخذها مركزاً لإنجاز المهام والأعمال، من أجل المظهر فحسب، فإذا بي أتعلق بها، فلم يعد الأمر مجرد مصلحة، بل أصبحت “علاقة حب”.

إنها الزهرة الصفراء الفاقعٌ لونها، وهي أيضاً تسر الناظرين، عبارة عن نبتة صغيرة اشتريتها بثمن بخس من المركز التجاري الذي يعطيك البضائع بأقل الأثمان، جلبتها إلى غرفة التصوير كي تظهر معي في الفيديو، مجرد مصلحة، تبادل منفعة، تعطيني ما أريد مقابل رشفات من الماء كل يوم.

لكن الأمر تطور بطريقة غير متوقعة.

لقد ذبلت تلك الزهرة بعد أيام، كانت منكسرة حين اشتريتها، ظهرها منحني، وقد اخترتها دون غيرها لأن انحناءها ذاك كان في مصلحتي، فقد وجهتها ناحية الكاميرا وكأنها تنظر للمشاهدين، بينما في الواقع؛ كانت انحناءة ألم، كان هنالك حزن يختفي خلف اللون الساطع، وتحت الطلة المشرقة، ألم مكتوم لا يجد طريقة للتعبير عن نفسه، فلا الزهرة قادرة على الكلام، ولا أرواحنا قادرة على الفهم.

ربما لو كانت روحي شفافة كفاية، كنت فهمتها دونما كلام، وأحسست بمعاناتها دونما نظر.

قد يقول قائل: ما مصلحتك بعد الآن من تلك النبتة التي خسرت روحها، وتحولت من الصفرة إلى الخضرة، وخاصة أن بقية البراعم لا زالت صغيرة واحتمالية نجاتها ضعيفة، ألا فتخلى عنها، وتخصلت من هم سقياها ورعايتها.

لكني لم أفعل، بل أبقيت النبتة إلى جواري، حافظت على خضرتها يوم بعد آخر، أعترف أنني في أحد الأيام نسيت أن أسقيها، وحين رجعت إليها -وقد كانت في الشرفة آنذاك- وجدت أن بعض أوراقها قد يبست، وبدأ اللون البني يغزو كيانها، فسارعت إلى إمدادها بماء الحياة.

تلك الحادثة كشفت أكثر عن نوع العلاقة، وعن ذلك الحب المدفون، فقد حزنت يومها، وعاهدت نفسي على أن أهتم لموضوعها أكثر، فما دمت قد تحملت مسؤوليتها واشتريتها من البداية، إذاً علي بالاستمرار في رعايتها، رغم أني لا أعلم الكثير عن عالم التشجير والبستنة، بل أكاد لا أعرف شيئاً في هذا المجال، لكن يكفي أن أسقيها كل يوم وهذا أقل القليل.

أما الآن، فهي تؤنسني في وحدتي، تصنع ابتسامة خفيفة على القلب كلما وقعت عيني عليها، تشعرني بالانتماء إلى الأصل الذي أتيت منه، إنها صديق وفي لا يقاطعك في الكلام، ينظر إليك بهدوء وأنت تنجز أعمالك، ويقف هناك دونما حراك حتى ترمقها أنت بالنظر، فتؤنس فؤادك، وأنت تراقب خضرتها يوم بعد آخر، تستمتع برش رذاذ الماء فوق أغصانة، تشعر بالرضى بعد كل سقيا، فأنت بذاك قد أديت مهمتك، وساهمت في حياة كائن في هذا الوجود، حتى لو كانت مجرد نبتة صغيرة.

يذكرني هذا الأمر بالأطباء، من هم سبب في إنقاذ الناس وبث الحياة فيهم من جديد، طبعاً مع وجود الفارق الكبير، لكن المبدأ واحد، والمطلوب مني الآن أن أتجرد من المصلحة، أن لا يكون إساهمي الصغير هو من باب المصلحة، بل بدافع بث الحياة في الوجود، وحينها قد أكون أحسن حالاً، وأعلى مقاماً، من ذلك الطبيب الذي لا يعمل إلا من أجل القروش والدراهم، (أقول “قد” ولا أدعي ذلك).

أحدثكم الآن وقد كبرت قليلاً، وقد بدأت بعض البراعم بالتبلور، إنها بنات الزهرة الأم، ولدت من رحم ألمها، وكأن موتها كان مخاضاً لولادة جيل جديد من الزهور الصغيرة، جيل يظهر للحياة ويضرب لنا أمثلة متجددة عن معجزة الخلق، تذكرنا بأن الله هو فعلاً من (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ)، سبحانه وتعالى جل في علياءه وتقدست أسماؤه.

وأخيراً … هذه صورة تجمعني بالمحبوب

الحمد لله أن لي بيتاً (رقمياً) آوي إليه

أشعر بالسعادة وأنا أكتب هذه الكلمات …

أقصد بالبيت الرقمي هذه المدونة، فأنا الآن أمتلك هذه المساحة التي يمكن أن أسجل فيها نوادر الأفكار، وخواطر الأسحار، صحيح أنني لازلت أفتقد لنسمات الأسحار من بعد أن انقلب نظام نومي رأساً على عقب، لكن سيعود يوماً، سيعود وسيشعل العقل بالأفكار التي تضج محاولة الخروج.

قبل سنوات طويلة، لم أكن أرى لفتح مدونة شخصية أيُ فائدة، في الحقيقة: لم أكن أرى لوجودها أي منفعة دنيوية، لم يكن السبب في نقص في مهارة الكتابة أو عدم وجود ما أكتب عنه، فلقد كنت أكتب في موقعي الآخر بعض المقالات التعليمية عن الفيسبوك وتويتر وبعض التطبيقات الحاسوبية، كنت أرى أن لتلك النوعية من المقالات أثراً ومنفعة، ليس فقط للقارئ، بل أيضاً منفعة مادية تعود على الكتاب ببعض الدولارات (عبر الاعلانات وروابط الإحالات وغيرها).

أما اليوم، فأنا أكتب لأسعد قلبي، أكتب استجابة لغريزة المشاركة التي تلح علي كلما طافت فكرة عابرة أو نبتت في الروح رغبة لقول شيء معين.

اليوم كنت في أحد البقاع الخضراء الجميلة أتمشى مع ابني، حصل موقف صغيرة استخصلت منه فكرة جميلة، تذكرت أنه قد أصبح لي مدنة أكتب فيها بحرية، فسعد قلبي وبدأت أخيط معالم تلك التدوينة التي تلخص تلك الخاطرة والتجربة الإنسانية.

للأسف نسيت الفكرة قبل أن أودعها سجن الكلمات.

لا مشكلة، فالأفكار تتوارد كتوارد الماء من النبع الصافي، دروس الحياة كثيرة ولن تتوقف بالورود مادمت تسعى وتعمل وتجرب، وسآوي إلى هذا الكهف كلما طاردتني الأفكار، سأخرج ما بجعبتي محاولاً تنميق العبارات بدون مبالغة.

لكن من سيقرأ لك أيها المغمور.

لا مشكلة، لم أعد أتهرب من هذا السؤال، لن أقلق هنا عن ترتيب المحتوى في محركات البحث، لن أبالغ في تضبيط ما ينصح به خبراء الـ”سيو” كي تفوز الصفحات بأعلى الدرجات في نتائج بحث قوقل، لأني ببساطة، لا أريد شيء، لا أطلب من هذه الدنيا أي مصلة.

جميل أن تتحرر من أسر المصلحة، أليس كذلك؟

سأعود أنا بنفسي وأقرأ ما كتبت، قد يكون ذلك بعد عشر سنوات من الآن أو عشرين، قد أعود حين أريد تأليف كتاباً فأستعين بالتنقيب فيما هاهنا عن بعض نفاحت العقل أيام النقاء وانجلاء الغمام، أو قد يأتي ابني الذي يشق طريقه نحو الشباب، فيستلهم من تجارب والده بعض الزاد في استكمال الطريق والنجاح فيه.

هذا ما عندي والسلام

الآن أكتب … الآن أتنفس

مع الأيام ستكبر يا صديقي، ستعلم وتعرف وتزداد خبرة في كل شيء من حولك تقريباً …

مع الأيام ستكثر في رأسك الأفكار وتزداد في عقلك الأخبار، ستحتاج لأن تتحدث لشخص ما، لتعطي ما لديك وتخبر عن مضمون ما في عقلك، وحين تبدأ بالكلام، ستكتشف أن لسانك ليس بتلك السلاسة التي كنت تعتقدها، التعبير يخونك، وحتى إن لم يخنك، ستخونك الآذان التي لم تعد تصغي جيداً، وحينها ستبدأ بأخذ القلم (أو بالنقر على أزرار لوحة المفاتيح) ثم تتعلم كيف ترص الكلمات وتكتب.

لا يقاطعك أحد عند الكتابة، لا تضطر لأن تصيح وتعلي صوتك لتوضح وجهة نظرك، لست مجبراً على كتم بعض الكلام وتليين البعض الآخر حتى لا تجرح الآخر، حين تكتب أنت تتوجه بكلماتك إلى العالم بأسرة، وقبل ذلك، لنفسك، نعم النفس، وهذا هو أعظم جزء.

الكتابة تلغي الغربة بينك وبين نفسك، فأنت تتحدث مع أفكارك، بل تعرضها أمام عينيك وتخرجها من أرفف ذاكرتك وتفكيرك، كي ترتاح منها وترتاح منك، تطلقها في الفضاء الرحب كي تحلق في أجواء العالم الرقمي عل روحاً تلتقطها فتبني عليها، فتتحول تلك الكلمات إلى واقع ملموس في حيوات الناس.

الكتابة تحل لك مشكلة التلعثم، تساعدك على ترتيب أفكارك، زر “الباك سبيس” أو الحذف، متوفر دائماً وبالمجان، تكتب جملة فتمسح وتكتب أحسن منها، وتستمر حتى تكمل العقد النفيس، العقد المليئ بالجواهر والحكم.

من قال أنه يجب عليك أن تكون أديباً حاذقاً، أو مفكراً لامعاً، الكتابة ليست لؤلئك فقط، الكتابة لنا جميعاً، حتى وإن امتلأت عباراتنا أخطاءً إملايئة (تعمدت كتابتها بهذا الشكل)، أو نحويةٌ، لا مشكلة يا صديقي، ولا يهم ذلك، المهم أن تتمكن من إيصال الفكرة عبر الكلمة.

قبل عشر سنوات تقريباً، قررت أن أكتب كتاباً، كان ذلك بعد تخرجي من الجامعة، لا أدري ما سبب تلك الرغبة بالتحديد، لكني اتبعتها، وأمضيت الأشهر تلو الأشهر وأنا أكتب حتى انتهيت ثم طبعت ووزعت النسخ بنفسي في الأكشاك ثم تابعت المبيعات، كانت تجربة ممتعة، أما الكتاب فقد كان من النوع التعليمي، يعلمك كيف تستخدم أحد البرامج الحاسوبية لإنجاز بعض المهام الرقمية (مونتاج الفيديو).

في نهاية 2010 بدأت بالكتابة في موقع قمت بانشائه، أحسست برغبة غامرة في الكتابة، لكن كان يوقفني طول الطريق، كنت أرى المواقع الأخرى والتي أصبحت جذورها ممتدة في تربة العالم السيبراني، فأقول لنفسي: متى سأصل لمثلهم، مثلما هو الحال الآن وانا أبدأ الكتابة هنا، الفرق أني أصبحت على وفاق وصلح مع البدايات، لم أعد أتحمس كثيراً للوصول للنهايات وتحقيق النجاحات.

في الحقيقة … أنا لا أرمي من وراء هذه المدونة أي نتائج معينة، لا مشكلة عندي حتى وإن لم يصل إلى ها هنا أي زائر، أنا أعلم أن عصر المدونات لم يعد بذلك البريق كما كان في السابق، لا مشكلة، أنا هنا فقط أعبر عن نفسي، أتحدث، أكتب، أتنفس.

بالتأكيد ليست هذه هي وسيلتي الوحيدة للتنفس، فكيف إذاً كنت أتنفس في السابق قبل هذه اللحظة، بل أنا أكتب يا صديقي، أكتب لأحصل على بعض رزقي، وأكتب كذلك داخل كراستي السرية والتي لا يعلم عنها أحد، البعض يسمونها (مذكرات).

لي كراسة ورقية كنت أكتب فيها منذ سنوات عديدة، أدون فيها بعض المواقف والأيام المميزة في حياتي، لكن بعد أن تطور الأمر، صرت أكتب عبر الأجهزة الحاسوبية، فلقد كثر الكلام، لم يعد يتعلق بالمواقف فقط، بل بالأفكار والتأملات وإخراج الآهات الفكرية.

كتابة مذكرات حياتك هو أمر مهم، يساعدك كي تتنفس، أنت من خلاله توثق نفسك لنفسك، تحكي لنسختك المستقبلية أحداث أيامك الماضية، تذكر نفسك بما كنت عليه، بنعم الله وفضله، بالصعاب التي تجاوزتها والتحديات التي نجحت فيها، بتلك اللحظات السعيدة، أو حتى الحزينة، فقد تقرأ في يوم أنت فيه حزين مذكرة كتبتها حين كنت سعيداً فتسعد.

قررت -فقط- أن أشارك بعض تلك المذكرات معك، إيها الإنسان، إن كنت تقرأ الآن، فخسارة أن تبقى حبيسه، خسارة أن ينقطع أثري وتمسح بصمتي بمجرد خروجي من حلبة هذه الحياة، دعني أكتب وأكتب، فقد يمر عابر سبيل يوماً، فيأخذ زاده ثم يمضي في حال سبيله، فألقاه في ساحة العرض هناك، فنتعرف ونصبح أصدقاء، لا لا، بل إخوة على سرر متقابلة.

عمر الحمدي
بعد فجر يومٍ جميل، من أيام هذه الحياة