الحمد لله، على منعه قبل عطائه

أكتب الآن بعد أن تلقيت ما يمكن أن نسميها (صدمة معرفية) … ههه

لقد (عرفت) أني لم أفز في مسابقة للقصة القصيرة كنت قد شاركت فيها قبل عدة أشهر، وكنت أتوقع (ربما بسبب غروري) أني سأفوز بأحد المراكز الثلاثة، واليوم تم إعلان النتائج ولم يظهر اسمي.

أحاول الآن استرجاع المشاعر التي حلت بقلبي في تلك اللحظة كي أفهم نفسي أكثر، كنت متحمساً حين شاهدت العنوان في محركات البحث، وضربات قلبي تسارعت حين فتحت صفحة الخبر ثم قرأت العبارات الأولى، نزلت سريعاً بمؤشر الماوس أسفل الصفحة وعيناي تجولان وهي تبحث عن القائمة، فقرأت ولم أجد (عمر).

تضاربت المشاعر داخلي، ما بين حزن يتعارك مع تسليم ورضى، مشاعر تخللها بعض الحنق على اللجنة التي لم تتمكن من رصد هذه الموهبة الطرية (الذي هو أنا، إحم إحم)، لكن مر الأمر سريعاً، تعاركت المشاعر في القلب وذهبت دون أن تلحق به أي أضرارٍ جسيمة، فقد جاءتهم كلمة (الحمد لله) لتصرخ في وجيه الجميع، فتوقف العراك، وفرّت تلك المشاعر ليأخذ (الحمد) دفة القيادة.

قد يكون في هذا المنعِ عطاءٌ أكبر

لقد تذكرت القصة اللطيفة التي ممرت بها قبل عامين تقريباً، حين ذهبت للبنك كي أفتح حساباً، والحساب بالنسبة لي أمرٌ مهمٌ ويتعلق به أمر الرزق والعمل، لأني أعمل عبر الانترنت وأستلم مستحقاتي عبر التحويل البنكي، وفتح الحساب، في هذه البلاد، له شروط عديدة، ونحن (أصحاب الأعمال الحرة عبر الانترنت) نعاني أيما معاناة عند فتح حسابٍ بنكي، وخاصة أني لست من هذه البلد.

أجريت حساباتي وقمت بأبحاثي حتى رست سفينتي على أحد البنوك الجيدة والذي يوفر الخدمات التي أريدها ولديه فرعٌ قريبٌ من المنزل، كل المواصفات منطبقة، وقد جهزت الأوراق اللازمة، وذهبت وأنا واثقٌ من نفسي، ثم جلست وتحدثت وقدمت الأوراق، وكل شيء سار على ما يرام إلا نقطة (ورقة) فقال وقلت ثم طلب مني وقبلت، عُدت إليه في اليوم التالي بما طلب، فقال وقلت وأشار وحزنت، ثم عدت في اليوم الثالث، لكن للأسف لم أتمكن من فتح الحساب رغم تعاون الموظف، إنها الإجراءات الإدارة الرتيبة، والتي يفرضها عليهم البنك المركزي، أو كما قال.

حاول الإحباط أن يتملكني، لكن دفعته بعيداً وذهبت للبنك التالي، وقد اخترته بناءً على بعض الحسابات التي اجريتها بيني وبين نفسي بعد جمع المعلومات، فذهبت، ثم قالت -الموظفة- وقلت، وطلبت وقدمت، وقد كانت تباشير القبول بادية، قالت أن هنالك نقطة صغيرة سوف تتأكد منها إلى اليوم التالي، وذهبت وكلي أملٌ أن طلبي لن يُرد، ثم مضت أجازة الأسبوع ورجعت بعد يومين لأواجه الرفض من جديد، “لا مكان لك هنا”، هكذا كان الجواب ضمنياً لكن بكلامٍ حسنٍ وابتسامة هادئة.

كان الهم قد تملكني، أعرف أنها لم تكن نهاية العالم، لكن القلب الصغير ضعيف مسكين يغلبه الحزن بأبسط أسلحته، ثم كانت المحاولة الثالثة، في بنك آخر، وكانت فرصتي ضعيفه، فقلت أجرب، فتيسر الأمر وتم فتح الحساب في هذا البنك، ثم اكتشفت أنه أفضل من الجميع، ويوفر الخدمات التي أريدها وأكثر، فأحسست حينها أن الله قد حرمني ليعطيني، ضيق علي السبل الأخرى كي أصل لما هو أفضل، وأنا أحمد الله على هذا الخيار الذي سلكته، والذي لم أكن لأسلكه لو أن الموافقة قد تمت عند أول محاولة، هذه التجربة تؤكد حقيقة مفادها:

قد يمنعك ليعطيك

إذاً لماذا تم منعي من هذه الفرصة، الله أعلم، ربما لست جيداً كفاية، أو هنالك ما هو أفضل منها (هنالك فرصة فعلاً أفضل منها لم أكن قد عرفتها إلا حديثاً) أو قد يكون هذا الباب ليس مناسباً لي، فلو أنه انفتح لي (أي فزت في الجائزة) لكنت أكملت الطريق، لكني لا أعلم إلى أين سيوصلني، الله من يعلم، وهو من يقدر، وهو من يرحم ويدبر، سبحانه جل جلاله.

أو ربما أن الأمر أبسط من ذلك، لقد مُنِعت لأني أقل كفاءة من غيري، وهذا يعني أن أبذل جهداً أكبر، أن أواصل طريق العلم والعمل، لأن الفوز والنجاح قد يغري المرء ويعطيه وهماً ويكسبه غروراً، أو ربما قد يوقفه عن العمل، وهل خلقنا أصلاً إلا للعمل؟

الفشل له مهمة جليلة في حياة الإنسان، إنه دافع قوي يدفع للمزيد، ربما مزيداً من التعلم، أو من العمل، بينما النجاح والفوز يقول لك: لقد بذلت ما يكفي من المجهود، لذلك فالنجاح قد يكون أخطر على النفس من الفشل، ففي الأول القعود وفي الثاني الحركة.

وقد يكون الفشل رسالة ودرس من الله، لذلك يجب أن يقف الإنسان بعد كل فشل ليراجع حساباته، ويتأكد من توجهاته ومقاصد قلبه، والأهم من ذلك أن يتذكر النعم الأخرى المحيطة به، فإن حُرم من شيء فقد أعطي أشياء كثيرة، هو في هذه الحياة مكفي في أكله وشربه وسكنه، مطلوب منه أن يستمر في (الإيمان والعمل)، والله لم يطلب منا نتائج، لقد طلب من نبيه أن يصيح بصوته الضعيف وهو من سيوصله لكل أذن في أمته، إذاً ما لنا نحن وللنتائج.

أحياناً يحارب الإنسان في معركة ليست في أرضه، أو يسبح في مياه ليست مياهه، قد يخوض غمار تجربة ليست مناسبة له، وهنا يجب التنبيه لأهمية المراجعة الدورية والسعي لاكتشاف النفس والمواهب والقدرات، لكن دون أن يكون سريع التقلب، لا يترك سبيل إلا بعد أن يوغل فيها، ولا طريق إلا بعد أن يصل آخرها.

أحياناً قد ينخدع الإنسان بنيته وقصده، فيعتقد أنها سامية وهي منحطة، فيتلقى بعض الصفعات هنا وهناك، ولهذا يجب التنبيه لأهمية مراجعة القلب وسؤاله -باستمرار- السؤال السرمدي الدائم: ماذا تريد؟

ثم تأتي الكلمة الجامعة الشاملة التي لا غنى لأي قلب عنها، إنها:

الحمد لله وكفى