آه منك أيه الإنسان

حصل على الدكتوراة ثم ما بعد الدكتوارة، لم يصل للـ(د) فحسب، بل لما بعد الـ(د)، وكان عقله مليئ بالأفكار والمشاريع والآمال و…الخ، ثم حدث الذي حدث!

حدث بأن كان ذات يوم، وهو يمشي في الطريق آمنًا مطمئنًا، حاملًا ألقابه الثقيلة فوق ظهره وآماله العريضة أمام عينه، إذ برجله تثقل عن الحركة، ثم تتمادى أكثر وتلحقها أختها، يوم بعد يوم، أسبوع بعد أسبوع، حتى أصبح قعيدًا لا يستطيع المشي.

المشي !!

أنا البروفيسور فلان بن فلان، أنا الذي للتو بدأت حياتي، أنا لا أستطيع المشي !

حين زرته في غرفته، رأيت في عينيه إنسانًا عصرته التجربة عصرًا، رأيت فيه حكاية كل إنسان غرّته الدنيا وأرسلت له الأقدار دروسًا متتالية دون جدوى، رأيتني فيه، رأيت فيه ذلك الشاب الذي تجاوز الأربعين، وقد فتح الله عليه الدنيا، وحين انفتحت؛ أغلق باب العبودية لله، وظن الأقدار قد ابتسمت له، نسي أنه في اختبار، وأن المال فتنة، كما كان الفقر فتنة في سابق عهده.

لقد أمضى البروفيسور عدة سنوات على وضعه الحالي، عجز الأطباء عن اكتشاف هذا المرض العجيب، جرب طرقًا من العلاج ولايزال في محاولاته للعودة من جديد لحياته السابقة، تلك الحياة التي كان (المشي) من ضمن مفرداتها، وخلال سنوات المحاولة تلك، عاد إلى نفسه واكتشف أولوياته، كانت فرصة لمراجعة حساباته، لتقوية علاقته بالله والقرآن، كان القرآن جليسه حين ملّه الجلساء، فقد بردت جميع الآمال وبقي الأمل الأكبر: أن يمشي من جديد.

أما ذلك الذي تجاوز الأربعين، وتجاوز المليون بعد المليون، الذي رزقه الله المال الوفير والخير العظيم، فلديه نعمة (المشي) لكنه لا يستعملها في (المشي إلى بيوت الله) كي يضع جبهته على الأرض ويناجي ربه شكرا وتمجيدا وتذللا، لا يستعمل (المشي) في زيارة مريض أو إعانة محتاج.

فلديه أهداف أكبر من ذلك.

لديه دنيا قد أحكمت أقفالها عليه.

آه منك أيه الإنسان، ما أصعب مراسك وما أجهل طباعك.