النشاط المحبب إلى قلبي

تسللتُ إلى الخارج، بعد أن أقعدني المرض خمسة أيام، متلحفًا بأغطيةٍ في كل بدني مخافة البرد، وطئت قدماي صفحة الشارع، ورأت عيناي وجه الحياة، آه ما أجمل الحياة، ثم رأيت شعاع الشمس، آه ما أجمل الشمس، ثم ما لبثت أن سمعت زقزقةً خفيفةً من جهةٍ مجهولةٍ داخل روحي، أهي روحي حقًا؟ أم هو طائرٌ حبيس قد ابتسم حين اشتم رائحة الحرية، مشيت ومشيت، خطوة بعد خطوة، ثم تذكرت ذلك النشاط، نعم إنه النشاط المحبب إلى قلبي، لربما أنا قادرٌ على القيام به اليوم، ولو بشيءٍ يسير، نصف ساعة أو ساعة، آه ما أحلى النشاط.

اليوم، وأنا أقوم بذلك النشاط، سَرَت في بدني قشعريرة لطيفة مصدرها شعورٌ خافت بالامتنان، تأملتُ في نفسي، كيف صرت أستمتع بهذا النشاط أيّما استمتاع، كيف صار أحب متعة أسلي بها أيامي، لكم أنا محظوظ، قلت لنفسي مغتبطًا، يبذل الناس المال لقضاء سهرة ماتعة أو التهام أكلة فاخرة، يسافرون إلى بقعة بعيدة بعد دفع أموالٍ طائلة، من أجل أن يحظوا بمتعة أو لذة، أما أنا، فمتعتي هنا عندي، وأجمل الأوقات أقضيها بصحبة نفسي.

ما هي متطلبات النشاط؟ لا شيء تقريبًا، لكن سيكون من الأفضل أن تمتلك حذاءً مريحًا، وأن تؤديه بعد العصر، أما إن تمكنت من القيام به وقت الشروق، وقت انبلاج الصبح وانبعاث المعجزة، فهذا بحد ذاته متعة فوق المتعة، فأن تكون صفحة وجهك أول ما تطلع عليه الشمس، تطلع وأنت في الخارج تستنشق عبير الحياة المتجدد، وتجدد ماء الحياة في عروقك، فأنت بذلك تختزن سعادة تكفيك كل يومك، بل وتفيض بها على من حولك.

عدتُ بعد تسللي الأول ممنيًا نفسي أن أعود لممارسة النشاط بعد قطيعة دامت أيام، ثم أمدني الله بالصحة وبعض النشاط، فصليت العصر وامتطيتُ قدميَّ وانطلقتُ أمشي في الشوارع، أستمع بأذني لكتابٍ خفيفٍ مناسب، يتحدث القارئ عن قضايا الناس وهموم البشر، الناس … أسمع أقاصيصهم بأذني وأشاهد أحوالهم بعيني، أشاهدهم متناثرين في الحارات والأماكن، الشاب والشائب، العامل والعاطل، البائع والشاري، إنه الشارع الذي تنبض الحياة في عروقه، وأنبض أنا في أرجائه، أما النشاط! فهو المشي، المشي وليس غير المشي.