قبل فتح الإشارة بعشر ثواني

عشر ثواني فقط، هي المدة التي تبقت إلى أن تفتح إشارة عبور المشاة في الطريق السريع، الطريق نفسه الذي حصلت فيه حادثة قبل سنوات لشابين كانا يعبرانه فأتى طائشٌ بسيارته المسرعة، فمات الأول وأصيب الثاني، الآن أصبح لدينا إشارة لعبور المشاة تم تركيبها قبل سنة تقريبًا، صحيحٌ أنها ليست بقرب منزلي، لكني أتعمد أن أمشي إليها مرات عديدة من أجل أن (أسن سنة حسنة)، أن أعلم نفسي والآخرين أن هذا سلوكٌ حضاري، بل أنه سلوك (مصيري).

بينما كنت أقف هناك في ناحية، رأيت امرأتان ومعهما طفلة صغيرة، رأيتهم يعبرون الطريق السريع قبل أن تفتح الإشارة بعشر ثواني فقط، كنت أشاهدهم وفي قلبي مشاعرٌ مختلطة من التعجب والاستنكار، بل هي أقرب إلى الحنق والغيظ، ليس لأني أرى هذا المشهد لأول مرة، بل لأنه يتكرر أمامي مرات تلو مرات.

بالأمس فقط، نعم بالأمس، رأيت امرأة تعبر نفس الطريق وفي يديها الثنتين طفلان صغيران، لكن ليس هذا فحسب، فلو أني رأيت المشهد في طريقٍ بعيد ليس فيه إشارة أو جسر للمشاة، لعذرتها، لكن هذا المشهد كان في نفس الشارع، كانت تعبر على بُعد عشرة أمتار فقط من إشارة مرور المشاة، كنت أود أن أزجرها لكني امتنعت، كنت أود أن أنصحها لكني استحيت، لكن لم أتمكن من منع قلبي من أن يمتلئ بمشاعر الغيظ، لو كانت نفسها تهون عليها إلى هذه الدرجة فما ذنب الأطفال المساكين، هل في قلبها أدنى حس للمسؤولية، أم أنه الجهل أم اللامبالاة، لا أدري.

قبل ثلاث سنوات تقريبًا، وفي طريق بعيد هو أخطر من الشارع الذي بقرب سكني، كنت هناك لإنجاز مصلحة حكومية، في السابق كنت أضطر لقطع الشارع -السريع جدا- لوحدي، كنت أقوم بذلك وقلبي في يدي من الخوف، بعدها بفترة تم تركيب إشارة لعبور المشاة في نفس المكان، وأعتقد أنهم فعلوا ذلك بعد أن وقعت حوادث مؤلمة، المهم أنني كنت في ذلك اليوم وأنا أقف أمام الإشارة، إذ بامرأة تحمل طفلها معلقًا في بطنها تقطع الشارع ثم نسمع صوتًا فضيعًا لإطارات سيارة وهي تحتك بالأسفلت، كانت السيارة على وشك أن تصطدم المرأة لولا لطف الله، شاهدت الموقف وفمي مفتوح مذهول، لقد كنت أنتظر وأنا رجلٌ وحيد، أما هي فلم تنتظر وهي امرأة ولديها طفل، لقد اندلعت نارٌ في صدري من ذلك الموقف.

أخيرًا، يجب أن ننشر الوعي ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، لا يكفي جهود الدولة في الارتقاء بالأمة، الرُقي والحضارة هي ثقافة يجب أن تنتشر فينا أولًا، والأمر يشبه نظافة شوارعنا، فمهما قامت الدولة بنشر الصناديق في الشوارع، ستبقى أحياءنا متسخة مالم نتعود على رمي كيس الشبسي والبسكويت في المكان المخصص، أو في جيوبنا حتى العودة إلى منازلنا، كذلك حين نقطع الشارع، حتى لو كنت شابًا خفيف الجسد متوقد الذهن، اقطع الشارع من المكان المخصص كي تترك أثرًا وتسن سنة حسنة.