إرادة الفجر

أجلس هنا لأكتب، أجلس في قهوة قد تعودت الذهاب إليها، أصبحت من روتين يومي الصباحي، وكذلك هم الذين يصلون الفجر في جماعة، لقد أصبح نشاطًا روتينيًا سهل المنال، على عكس من لم يتعود، فمن لا يصلي الفجر جماعة أمامه عقبة كؤود يجب أن يصعدها، جبل شاق يجب أن يتسلقه، وأنا أقول (يجب) لأن الخسارة أكبر من أن تُحتمل، وحياتك هي رأس مالك الذي تتاجر به يوم القيامة.

وقبل أن نسأل: كيف تصبح صلاة الفجر جماعة من أساسيات حياتك، ومن روتين يومك، هنالك سؤال آخر يجب أن يُطرح أولًا: كيف يمكن أن تعيد ترتيب أولوياتك فتضع صلاة الفجر في المكان المناسب في جدول اهتمامتك، كيف يمكن أن نعيد صلاة الفجر إلى قمة سلم الإرادة، حتى تسهل علينا بعد ذلك مهمة وضع الفجر في قمة سلم أنشطة اليوم، تستفتح به يومك كل صباح فتتفتح زهرة قلبك وتنفتح لك الحياة بأبهى صورة.

عند هذه النقطة لا يمكن أن أقدم لك الكثير، فتغيير شيء متعلق بالإرادة هو أمرٌ داخلي، يتطلب منك وقفة محاسبة، ولحظات خلوة، يتطلب منك بعض تأمل وكثيرُ تفكير، يجب أن تعيد حساباتك وتتفكر في حياتك الماضية، وحياتك الباقية، وكلامي هذا لن يساعدك كثيرًا، بل كلام ربّ العالمين، أن تجلس مثلًا بعد العصر (اليوم وليس غدًا) في مسجد لا يُغلِق أبوابه، وتتلوا كتاب الله أو تستمع إليه، وتسمح لآيات الله أن تخترق قلبك وتعيد تشكيل وعيك، آية بعد آية، صفحة بعد صفحة، اغترف ولا تبخل على نفسك، الأمر يحتاج إلى الكثير من القرآن حتى تتكسر جدران الرّان في صدرك، حتى يفيق قلبك من سكرته وتبصر عيناك بعد أن عميت عن الحقيقة.

الحقيقة! ما الحقيقة؟ الحقيقة أن الله هو (الحق) وما عداه باطل، أليس أجدر بك أن تفرَّ إلى الحق بداية كل يوم وقبل أن تغمر قلبك الهموم التافهة وتشغل عقلك الأفكار الزائلة، أن ترص الأقدام مع الرّاصين في هجعة الفجر الجليل، فتستمع لكلام الله يُسكب على قلبك فيُصَبّ في الروح صبّا، كما تُصب قوالب الإسمنت والحديد، فتخرج بعدها إلى الحياة ثابتًا راسخًا لا تهزك الخطوب ولا تثنيك الدروب.

ولا بأس أن تستعين ببعض المواعظ، لا، بل بالكثير منها، يختلف الأمر حسب مستوى الغفلة، والغفلة تُقاس بناءً على علاقتك بصلاة الفجر، هل تصليها بعد الشروق في المنزل متثائبًا متثاقلاً؟ أي أن الغفلة في قلبك قد بلغت مستوى الخطر الشديد، أو تصليها قبل الشروق فوق سجادتك بعيد عن منابع النور، كذلك أنت تعيش في غفلة شديدة، وكما قلت سابقًا، لا يتعلق الأمر بصلاة الجماعة فقط، بل هي حزمة مكتملة، تبدأ بصلاة الفجر وركعتي السنة ثم الذكر والدعاء، إنها حالة، بل ساعة، حالة من الانقطاع عن الدنيا والإقبال على الله فقط، أن تكون مع الحق، وهي ساعة منفصلة متعالية عن كل ساعات يومك، فهي الساعة الحاكمة، الآمرة الناهية.

أعود فأقول أن الأمر يحتاج إلى تغيير داخلي حتى تمهد الطريق إلى التغيير الخارجي، الهدف هو أن يصبح لديك إرادة قوية لأداء (حزمة) الفجر، والتي تبدأ بصلاة الجماعة، فالإرادة القوية لا يقف أمامها عائق، تأمل معي؛ لو أن مديرك في العمل أعلن عن جائزة مقدارها ثلاثة أضعاف راتبك الشهري، لمن يأتي أول شخص إلى المكتب في اليوم التالي، هي سيكون القيام مبكرًا أمرًا سهلاً؟ والخروج من منزلك قبل أن يخرج شعاع الشمس نشاطًا يسيرًا؟ نعم، فما هو السبب؛ الإرادة، لأنك (تريد) حقًا أن تحصل على تلك الجائزة، الجائزة التي سوف تحل مشاكل مالية أو تعطيك فوائد معاشية.

أفلا أدلك على الشيء الذي سـ(يحل) أكبر مشاكلك، و(يعطيك) أعظم فوائد الحياة والآخرة، إنه الفجر، إنها حزمة الفجر، إنها هدية الله الكريم لعباده المخلصين، إنها المكافأة التي يحصل عليها جارك أو صديقك كل يوم وأنت نائم غافل، يا مسكين، آه يا مسكين.