قصة الانمساخ

مراجعة قصة الانمساخ لـ: فرانس كافكا

لقد حظيت قصص وكتابات كافكا باهتمام كبير في عالم الأدب، وأصبحت بعض قصصه تدرس في الجامعات والمدارس، قررت أن أتعرف على هذا الكاتب الذي عاش قبل بحوالي مئة سنة، عبر قراءة أحد كتبه، إنها قصة (الانمساخ) حسب ترجمة ابراهيم وطفي، أو (المسخ) حسب ترجمة منير البعلبكي، وقبل أن أدلف إلى هذه القصة والتحدث عن عالمها الخاص، دعوني أذكر أولاً ما أثار اهتمامي حول المترجم نفسه، وما ذكره هو في آخر هذا الكتاب.

لقد قام ابراهيم وطفي بترجمة هذه القصة وبقية قصص وآثار فرانس كافكا، وأيضاً الكثير من الدراسات والأبحاث التي تمحورت حول كافكا، وقد أفنى في هذا المشروع الكبير شطراً من حياته، بل إنك حين تبحث عن اسمه في قوقل فيسظهر لك موقعاً إلكترونياً مرتبطاً بـ (كافكا) لقد عاش ابراهيم فترة من الزمن وهو يشرب من معين كافكا، فلا يكاد يفيق من نومه حتى يغذي عقله ببعض رسائل كافكا أو آثاره أو ما قيل عنه، وذلك أثناء شربه لكوب قهوته الصباحي (كما ذكر عن نفسه).

تأملت وقلت: كيف أن حياة شخص ما، بما فيها من أفراح وأتراح، أفكار وأخبار، وبما في نفسه من متاهات وألغاز، والتي عادة ما تظهر عبر كتاباته القصصية منها خاصة، كيف لحياة ذلك الشخص أن تؤثر على حياة شخص آخر في المستقبل، شخص أو أشخاص يبعدون عنه زمانياً بمئات السنين (أو آلافاً) ثم تأملت، هل سأكون أنا (أو أنت) من أولئك الأشخاص، هل سنترك أثراً ما في حيوات الآخرين، سواءً من يعيشون معنا أو من يأتون بعدنا، بشكل مباشر أو غير مباشر. أرجو ذلك.

المهم، لنعد إلى الكتاب

تحكي (الانمساخ) قصة موظف يتحول إلى حشرة عملاقة، هذه هي القصة بكل بساطة، وليس ثمة أحداث كبيرة تحدث بعد هذا التحول، فالقصة تبدأ حين يصحو بطل القصة “قريقور” (بصوت الـ g الانجليزية أو الـ (ق) اليمنية) في الصباح ويكتشف أنه يمتلك جسم حشرة، لا ندري ما هو شكل الحشرة بالتحديد، ولم يسمح المؤلف بأن ترسم الحشرة على واجهة الكتاب حين طبع أثناء حياته، وليس هذا مهماً، فالمهم -والذي يظهر من خلال القصة- هو ردة فعله وتعامله مع هذه الحالة الغريبة، وكذلك ردة فعل أسرته وتعاملهم معه.

تفاجأك القصة بغرابتها وغرابة تصرف بطلها، فهو رغم هذا المصيبة الكبرى التي حلت به، إلا أن تفكيره منصب في اللحاق بالقطار كي لا يتأخر عن عمله، ثم من خلال الصفحات التالية ستكتشف طبيعة عمله وطبيعة علاقته برؤسائه وأسرته، ثم ستمر الدقائق ببطئ حتى يأتي أحد المسؤولين في الشركة ويتم اكتشاف المصيبة الكبيرة، فيهرب هذا المسؤول، ثم تبدأ معاناة الأسرة ومعاناة ابنها المتحول أيضاً، والذي كان يسمعهم ويفهمهم، لكنهم لا يفهمونه، ثم تحدث أشياء عادية وتمر الأحداث ببطئ حتى تصل إلى نهاية القصة.

أعترف أنني شعرت بالملل وخاصة في منتصف القصة، حين طالت الأحداث وتم ذكر تفاصيل ليست ذات أهمية، صحيح أن البداية مشوقة والنهاية كذلك، لكن المنتصف مليء بالتفاصيل الغير مهمة، لكن رغم ذلك كانت تجربة مثيرة، نوعية مختلفة من القصص تعبر عن حياة صاحبها، ذلك الإنسان العجيب، وكل إنسان هو عجيب في ذاته.

يحاول الكاتب أن يوصل لنا رسائل واضجة أو مستترة من خلال عمله هذا، ففي البداية يكون التركيز منصباً على علاقة البطل بالعمل والوظيفة، ثم في نصف القصة الآخر يتم تسليط الضوء على علاقة بطل القصة بعائلته، ويمكن أن تخرج ببعض الرسائل المطوية في صفحاته هذه القصة، منها ما هو متعلق بأسر الوظيفة إن صح لنا تسميتها بذلك.

أتطلع لقراءة بعض أعمال (كافكا) الأخرى، وكذا مذكراته ورسائله التي عكست جانباً كبيراً من حياته، لأتعرف على تضاريس حياة إنسان آخر، وما فيها من مطبات هوائية وآفاق ممتدة.