بيني وبين عقلي 8 (5 مارس)

نعمة البيان

كتب (خالد برية) مقالة ذكر في أولها أن نعمة (القدرة على الكتابة) هي أهم نعمة منحها رب العالمين لهذا الإنسان الضعيف، لكني أعتقد أن نعمة (البيان) هي الأشمل والأعظم، ذلك أن البيان يشمل الكتابة والتحدث، فقد يُعطى أحدهم نعمة الكتابة ويُعطى آخر الفصاحة في القول، ومهارة الكتابة قد تتطلب قدرة عالية على الصياغة الجمالية والكتابة الأدبية، لكن الأهم من هذا كله أن يتمكن المرء عبر تلك المهارة من (البيان) أي أن يتمكن من الإيضاح والإتيان بالمعاني، أن يبين ويظهر ما خفى عن الأنظار، والبيان قد يتم بدون لغة أدبية او مهارات بلاغية، وإن كان الأفضل هو إتقان هذه الصنعة حتى يكون البيان ذو حلاوة وطلاوة.

في سورة الرحمن، وفي بداية البيان القرآني المعجز، ذكر الله بعض النعم والآلاء:

الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)

لقد ذكر خلق الإنسان ومباشرة قال (علّمه البيان) وكأن في هذا التلاحق إشارة للشيء الأكبر والعطاء الأعظم الذي أعطاه الله سبحانه وتعالى للإنسان، إنه (البيان)، وكذلك في سورة البقرة حين خلق الله آدم فقالت الملائكة (قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ….) ثم قال الله (وعلم آدم الأسماء كلها ….) إلى أن قال (قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم …) وهذا كله يدل على عظم هذه الميزة التي تفضل الله بها على هذا المخلوق العجيب (الإنسان) ألا وهي البيان، لأن البيان يرتكز أساساً على الأسماء، أسماء كل شيء من حولنا أو في عقولنا، وبدون مهارة التسمية لا تقوم للغة قائمة ولا يستقيم للبيان قوام.

ثم إن الله قد وصف القرآن في أكثر من موضع بأنه (آياتٍ مبينات)، وكأن أهم خاصية لهذا القرآن العظيم أنه (يبين)، وهو حين يبين فلا ينازعه في طريقته أحد، لأنه بيان من نوعٍ آخر وعلى مستوىً رفيع هو فوق كل مستوى.

ذنب تضييع أوقات الناس في اليوتيوب

اليوتيوب يُعلّم صناع المحتوى بأن الفيديوهات الطويلة التي تنجح في كسب انتباه المشاهد أطول فترة ممكنة هي الفيديوهات التي يحبها، وبالتالي تتبناها خوارزمياته وتقوم بنشرها على نطاق واسع، وهذا يعني شهرة القناة وزيادة المشتركين والمشاهدات والذي يعني زيادة الأرباح والمكاسب، وأعترف اني كنت في فترة من الفترات أتعمد أو أفرح حين يطول الفيديو، لعل وعسى أن ينتشر الفيديو وأكسب أكثر.

من جهة أنا لا أحسه ذنب لأني أقوم بنشر فائدة في كل فيديو، لكن قد أتمكن من إيصال الفائدة في وقت أقل، قد أتمكن من الاختصار أو استخدام فنون المونتاج لإيصال نفس الفائدة التي كانت ستصل في عشر دقائق في خمس دقائق فقط، فهل أكون مذنباً حين أطيل الفيديو لمدة عشر دقائق بدلاً عن خمس؟

أنا لا أدري، لكن الحريص على رضى ربه والذي هو متوكل على الله ويعلم أنه هو الرزاق فسوف يقوم بالاختصار والإتيان بالزبدة إلا لو كانت الإطالة لسبب آخر مثل تعميق الفائدة أو تثبيتها أو تفصيل بعض الأمور التي تحتاج إلى تفصيل، وإن أراد أن يكون مقطعاً طويلاً فليكن إذاً مليئاً بالفائدة التي تناسب طوله، لا أن تكون الإطالة في أمور جانبية مفتعلة.