بيني وبين عقلي – أبريل 2022

خواطر عقل أنعم الله عليه بالحياة في هذه الحياة، تقبع هنا حتى يأتي يوم خبزها ثم نشرها ليأكل منها الخلق ويفتح الله بها، هي بيني وبين عقلي، لا تدخل بيننا إلا على احتراز

نشاط (شكر النعمة) مع الأطفال

قمبت قبل أمس بنشاط جميل، حيث أني أعاني هذه الفترة بضائقة مالية، لكن وعلى الرغم من ذلك، أنا في خير عظيم، والبيت مليء بأصناف المواد الغذائية الأساسية، وهذا هو الحال في معظم البيوت المستورة بحمد الله، حتى لو كان الحياة صعبة، لكنك ستجد الكثير من أشكال الغذاء في المنزل، فالغذاء لم يعد المشكلة، المشكلة في مصاريف المدرسة والايجار والفواتير، المشكلة ربما في الملابس والمواصلات والخروجات والرحلات، وقد يشتكي الإنسان ويعاني وفي بيته ما يكفيه لشهر وأكثر من شهر.

المهم أنني اقترحت عليهم أن نلعب لعبة، وقد كان لي مغزى وهدف من ذلك هو أن أربيهم على استشعار النعمة وحمد الله عليها، قلت لهم، كم تتوقعون لدينا في المنزل من أصناف الغذاء، كم نوعاً مختلف نمتلكه؟ وطلبت من كل واحد أن يخمن رقماً، وقد كان رقمي الأكبر (15 صنف)، ثم ذهبت للمطبخ وبقيت آخذ من كل صنف حبة أو جزءاً يسيراً، ووضعت كل ذلك في طبق كبير، ثم كانت المفاجأة.

لقد جمعت 25 صنف مختلف، ما بين خضروات وفواكه وحبوب، طبعاً لم أحسب الملح والبهارات، لكني حسبت السكر والشاي والقهوة، وهي أصناف مختلفة يمكن أن نغذي بها جسمنا، وطبعاً لم أكن أحسب الاصناف التي هي من اصل واحد، مثل الطماطم والكاتشب، لكن الزيت هو صنف مستقل تم استخراجه من زهور دوار الشمس، وهكذا.

ثم بعد أن جلسنا وتحلقنا حول هذا الطبق الكبير، وعددنا الأصناف وأعلنا الفائز، قلت لهم: تعالوا الآن نحمد الله على هذه النعمة العظيمة وهذا الفضل الكبير، وجست أحدثهم من أين أتت هذه الأصناف، فكلها تقريباً مما تنبت الأرض، بعضها أتى من قريب والبعض الآخر من دول بعيدة، بعضها مباشرة من المزارع إلينا والبعض تم تصنيعه ليخرج بطريقة مناسبة، فسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله.

ماذا تعني … إقامة الصلاة

سألني ابني عن (إقامة الصلاة) فضربت له مثالاً بالبناء، فهو يحتاج إلى مكونات ومراحل عديدة، وكذلك الصلاة، فهنالك وضوء وحركات وكلمات، وأهم من ذلك كله (الخشوع) كذلك الصلاة جماعة من إقامتها، والصلاة في المسجد من إقامتها كذلك، والمفروض على المسلم أن يسعى لتحقيق أكثر مكونات حتى تقام الصلاة كما يجب، كما هو الحال في البناء الذي لا يكفيه حديد واسمنت، ولا يجب الوقوف عن العمدان والجدران، وهنالك أمور أساسية وأخرى كمالية.

ألعاب للترويح أم للتوتر؟

التفت لابني الكبير وهو يلعب (ماينكرافت)، فوجدته متوتر يسكب جام طاقته وكل تركيزه في اللعب، فهو يعلب في سيرفر مع ناس آخرين، والمنافسة شديدة، ويجب عليه أن يركز في عدة أمور في نفس القوت، فساعة يلعب بالماوس وساعة يكتب على على الكيبورد، فهي لعبة يتواصل فيها اللاعبين عبر الدردشة الكتابية التي تظهر في أسفل الشاشة أثناء اللعب، وأحيناً يتم ربط برنامد الدسكورد للتواصل الصوتي، فيكون الانشغال بكل الحواس، العين والأذن والفم، مع التركيز الشديد الذي يؤدي إلى التوتر، ويا ويلك لو قاطعته أثناء العراك مع الآخرين، أو قطعت عليه اللعبة أو سلك النت، سيتعصب ويتغير سلوكه، والسبب ليس منه، فهو مسكين متأثر بهذا الجو الرقمي المفتعل، بل بسبب هذه الألعاب التي عكست أصل كلمة (لعب).

اللعب هو عكس الجد، اللعب هو لأجل الترويح عن النفس والاسترخاء، هذا هو الأصل، لكن هذا الأصل قد غاب، فبقي الإسم وغاب العنى، فهذه ليست ألعاباً، كيف تكون ألعاباً واللاعب فيها يشغل عقله وجوارحه بأكثر مما يشغلها في عمله أو دراسته، الله المستعان، لقد هزلت، لقد أصبحنا في وضع عجيب، وعالم غريب.

العطاء يجلب المسؤولية

لدينا شقة واسعة بحمد الله، وكنا قديماً نسمكن في شقة ضيقة، وقد تأملت في هذه الشقة فرأيت أنها تتطلب الكثير من العمل، فهذا (الوسع) يأتي بمسؤلية التنظيف والترتيب، وإلا أصبحت الشقة سلة مهملات كبيرة، لذلك فالأمر يتطلب جهد أكبر، وهذا هو حال العطاء، العطاء يأتي بالمسؤلية، فإن لم تكن مستعداً لتحمل المسؤلية، فلا تسعى أو تطلب المزيد أو تتوق للعطاء الكثير.

كم يريد الأولاد، سوف تستمع به في صغره، وستحمل هم تربيته في فتوته، ويالله كم يضيع الناس في هذا الأمر، كم يقصرون في تربية أولادهم، ما دمت أردت العطاء (في الأولاد) فتحمل المسؤلية الصعبة وخاصة في هذا العصر.

كذلك المال، المال يجلب المسؤلية، إن كنت صاحب مال فالله ينتظر منك أن تكون فاعلاً محسناً، أن تصرف هذا المال في تحريك المياه الراكدة وإنبات الأرض الجافة، أن تنفق وتجاهد نفسك في الإخراج مع حبها له وإرادتها تكديسه، إن طلبت المال وأعطيت، فستكون عليك مسؤلية أكبر مما هي عليك الآن، وحتى عند اخراج المال، يجب أن تجتهد لتصل للمحتاج فعلاً، وكم ستجد حولك من متملقين وكذابين، وكم سيكون الضغط عليك كبيراً في إرضاء هذا وإجابة ذاك، لكنها مسؤلية وأنت من اخترت.

حيلة لصلاة الفجر في المسجد

وهي أن لا تتخذ القرار قبل الوضوء، أعني قرار الخروج للصلاة في المسجد، فكم من مرة يوقضوني لصلاة الفجر فأجر نفسي جراً إلى الحمام والنوم يثقلني، فأتخذ القرار (بيني وبين نفسي) أن أصلي الفجر البيت لظني أني لا أقدر على الخروج بسبب ثقل النوم، ثم تعودت بعدها أن لا أحدث نفسي في هذا الأمر، بل أترك المسألة مفتوحة، فأذهب للوضوء ثم بعد الوضوع يتغير الحال ويزيد النشاط، فصرت أخرج لصلاة المسجد لأن ثقل النوم قد خف بعد الوضوء.

فهذه حيلة نفسية، تعقدها بينك وبين نفسك في ثوان معدودة، قرار داخلي تؤجله إلى بعد الوضوء، وستجد أن الله يعينك على نفسك، فأنت قد بادرت بالوضوء والله أكرم من أن يتخلى عنك، فترى نشاطاً وهمة إلى الخروج إلى المسجد.

لا يحبه إلا لله

لاحت لي فائدة من فهم الحديث الشريف ( ثلاثٌ من كُنَّ فيه، وجَد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون اللهُ ورسوله أحَبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرءَ لا يحبه إلا لله، وأن يَكرهَ أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يَكرهُ أن يُقذَف في النار).

تأملت في قوله (يحب المرء لا يحبه إلا لله) نحن هنا نتحدث عن الحب (لله) وليس الحب (في الله) فهل هنالك فرق؟ ربما يكون الفرق أن الحب (في الله) هو حب الصالحين والحب على طاعة الله، أما الحب (لله) فهو أن تحب خلقه بشكل عام (لله)، أي لأجل الله، أي لأجل مرضاة الله، فأنت تحب الآخرين سواءً الطائعين أو العاصين لله (تحبهم لكن تكره ماهم فيه من معصية) وهذا الحب الصادق الذي هو (لله) يدفعك لمساعدتهم في الخروج من دوائر المعاصي، وهكذا تحب الخلق بشكل عام (لله)، أي أنك تريد وجه الله بحبك، تتوسل إلى الله بأن تحب خلقه.

وفي الحديث الشريف: «من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان»، أي أن يكون تحركك في هذا العالم هو لأجل مرضاة الله سبحانه وتعالى.

بهذا يحصل الترقي الإيماني

(المجاهدة) هي المفتاح وهي سر الترقي، فقد تذهب لصلاة الظهر والعصر والمغرب، لكن في العشاء نفسك تكسل، أو لديك شيء تقوم به، أو موعد تريد لحاقه، فهنا يكون المعيار، هنا تكون المجاهدة، حين تغلب نفسك وتغلب الظروف في طاعة الله وتنفيذ أمره، هنا أنت امام خيار واختبار، وكم يا اختبارات كل يوم، وكم من مرة تتخذ القرار، إما أن تفعل أو لا تفعل، إما أن تفعل كذا أو كذا، وهذه القرارات هي ما يحدد تراقيك الإيماني.

المجاهدة حين يكون هنالك بذل جهد، جهد أولاً لاتخاذ القرار، ثم جهد بدني آخر لإتمام الفعل، ثم جهد لأحضار قلبك أثناء الصلاة أو القرآن، ثم جهد لطرد الرياء والعجب وغيرها من أمراض القلب، أما إن فعل الفعل، فصليت وصمت حين تطيعك نفسك على ذلك، بأن يكون كل الناس تفعل ذلك، أو تكون النفس قد تعودت على الفعل، فهذا ليس فيه جهد كبير، وهذا لا يحصل معه ترقي إمانيٌ واضح، وليس المطلوب أن نترك الفعل لأجل أنه سهل على النفس، بل يجب أن نستمر، لكن العبرة في تلك اللحظات حين تضعف أو تكسل أو تنشغل، حينها يكون وقت (المجاهدة) وحينها تكون الفرصة بأن (ترتفع درجة) أو تجلس مكانك، والله المستعان.