خرجت اليوم من المنزل بينما كانت ابنتي تستمع لأغنية (بائعة الكبريت)، كانت تستمع إليها بقلبها لا بأذنيها، كانت متأثرة بهذه الفتاة المتخيلة والقصة المسرودة، وابنتي حفظها الله تمتاز بقلب عطوف، لديها مشاعر فياضة ورحمة واسعة، وأنا أحب فيها هذا وأشجعها على أن تكون من الذين يرحمون من في الأرض، كي ينالوا رحمة من في السماء.
وبعد الصلاة وجدت بائعة (الدونت)، واشتريت منها قطعة وكانت ألذ مما يباع في المحلات الراقية، وبأقل من نصف الثمن، جلست أتفكر وأنا أمش وأتذوق تلك القطع المسكرة، قلت في نفس، نسمع كثيرا عن بائعة الكبريت، وهي قصة من عصر قديم ومجتمع بعيد، لم نر يومًا طفلة تبيع الكبريت، أرى بدلاً عن ذلك (بائعة المناديل)، واليوم عثرت على (بائعة الدونت).
الفرق الآخر أنها امرأة في منتصف عمرها، يبدو عليها الفقر المتستر بثياب العفة والأنفة، تحاول الترويج لبضاعتها التي تصنعها في المنزل وتغلفها بشكل جيد لتحافظ على نظافتها، ثم تبيعها بسعر زهيد، كي توفر لها مصدر دخل شريف يغنيها عن السؤال.
لكن، وياللأسف، المشترون قليل، ولا يوجد لديها طريقة لتسويق منتجها إلا صوتها المبحوح، وقد تذكرت المحل الذي فتح في الشارع العام، وهو أحد فروع سلسلة مشهورة عالمية، كيف أنه امتلأ بالناس من أول يوم، وهو يبيع الدونت كذلك، لكن بثلاثة أضعاف ثمنها عند (بائعة الدونت).
نسيت أن أحدثكم أيضًا عن البقالة التي فتحت قبل شهر تقريبًا في الحارة المجاورة، وهي صغيرة غير ممتلئة بالبضائع، بالطبع هنالك الكثير من المتاجر الكبير، سوبرماركتات تمتلئ بالأكل والشرب واللبس، وتكتض بالمشترين، لكن من فيها مجرد موظفين، أما صاحب البقالة فصاحب مشروع، ولو فشل هذا الأخ فربما ذهب لتلك المتاجر الكبيرة واختار قيده بيده، كان حرا فأصبح سجين الوظيفة، والسبب أنا وأنت حين لا نشتري منه.
في الغد أو بعده، حين تخرج من منزلك وتجد بالصدفة بائعة الدونت، أو بائعة الخبر أو البطاطس أو الحلوى، اشترِ منها، ويمكن أن تضاعف لها السعر إن رأيت الفقر يختبئ خلف رداء العفة والحياء، ففي ذلك فرحة تغمر قلبها، وفي ذلك رحمة من الله تتجلى في فعلك.