وإني لأعشق تلك اللحظات، حين أطفئ أنوار الغرفة، وأفتح النافذة، ثم أتلمس أزرار الكيبورد باحثاً عن حروف لأكتبها، ثم رويداً رويداً، يتسلل النور إلى زوايا المكان، معلناً ولادة يوم جديد.
بعد صلاة الفجر، لا يزال الظلام مستغرقاً كل المساحة، لكنه يلقط أنفاسه الأخيرة، وخلال الدقائق التالية، يبدأ التحول التدريجي، يبدأ النور بالتغلغل في جنبات هذه الأرض، مثلما يتغلغل في جنبات روحك المهشمة، فيعيد لها الحياة، يلملم فتاتها، يجمع أجزائها، يعيد صياغتها، يبعث فيها الأمل، ينير لها الدرب ويعطيها دفعة نفاثة تعبر بها الزمان وتثبت بها في المكان.
الصبح يتنفس
فأين روحك المكتومة، ألا تريد هي أيضاً أن تتنفس؟
لقد كتمت بريقها الأحداث المتلاطمة، الهموم التي باتت معك، أتيت إلى حضن الفراش محملاً بما لا تطيق، ومأملاً أن تصحو الصباح وقد تغيرت الأحوال، أتيت تجر أحلامك التي ما تحققت، وأهدافك التي ما تيسرت، غابت عيناك عن وعي الحياة وهي تفكر في الوسائل الممكنة، والمصادر المحتملة، ونسيت أيها المسكين المصدر العظيم، للطاقة المتجددة.
هل نمت عن نسمات الفجر؟ هل خسرت جائزة النور؟
هاهي المكونات تظهر من انعكاس نور الشمس، الشمس التي ما ظهرت بعد، ها هي أصوات الطيور تصدح في أجواء الحياة، هي المعجزة تحدث، هي الولادة تجري في هدوء.
تسري صرخة غير مسموعة، ونداء لا تدركه الآذان؛ ألا أيها النائمون انتبهوا، أنتم تخسرون كل يوم، جزءً من أرواحكم.
إنه الصبح … يتنفس
بعد أن كان الليل من قبله … يعسعس
فمن لم يدرك عسعسة الليلة، لا يحضى بنفثات الصباح، من لم تتسق ساعته الداخلية مع ساعة الكون الخارجية، يخسر الجائزة … جائزة الفجر.
إنه النداء من جديد، نداء النور الذي يرن في أرجاء الكون، بصوت لا تسمعه الآذان، صوت تدركه الأرواح، النداء الأخير لركوب القطار، فهل أنت من عداد النائمين، أم من فوج الراكبين؟