معركتنا في الحياة
سيبقى المؤمن (من يريد العُلى والرفعة والسمو) في جهادٍ مستمر مع نفسه، في معركة لا تهدأ ونضال لا يتوقف مع قلبه، إنه الإخلاص وما أدراك ما الإخلاص، أن نكون عباداً مخلصين لله، أن نفعل ونتحرك ونحرث ونحصد ثم نوزع الحبوب والثمر، أن يكون كل ذلك لله، وهذا هو المؤمن الحق، المؤمن الذي تطور وتكامل عبر الأحداث والأعوام حتى وصل لتلك اللحظة التي يقول فيها، هي لله هي لله، حياتي كلها لله.
لكن، ولأنه يخوض غمار الحياة، فالحرب قائمة، حربٌ داخلية لا تهدأ، لأنه ليس معزولاً عن مفردات الحياة وعن صراعاتها وملذاتها، هنالك ما يجذبه من الخارج وهنالك ما يدفعه من الداخل، النفس تريد وتشتهي، الحياة مليئة بالزخرفة وقد تكاثرت الشاشات التي تعرض وتُغري، وهو يريد أن لا يريد إلا الله، فكيف له ذلك دون تشمير وجدية.
ولأن الله يعرف أن المعركة قوية والصعوبات عديدة، فقد منّ علينا بالذكر والصيام وسائر الشعائر، فأوصانا بذكره كثيراً على كل حال، كي نتذكر دائماً، وأمرنا بالصلاة كي نقوم حياتها عبرها، وأعطانا القرآن الكريم كي يعلمنا ويربينا، ثم أعطانا هدية الحج (وهذه الأيام أقرأ كتاب: رواء مكة)، وهي الحل الذي نلجأ إليه حين نُغلب على أمرنا فيقوم بعمل (فورمات) أو (ريستارت) لنبدأ من جديد (كيوم ولدته أمه) وهنالك الصوم الذي يساهم في إضعاف القوى الداخلية حتى نقوى عليها ونتمكن من ضبط أمورها، إن تلك الشعائر ما هي إلى عطايا من الله تساعدنا في معركتنا الحياتية.
لكن لماذا يريد منا الله أن نعبده مخلصين له الدين، هذا أمر آخر قد نعرف بعضه ونجهل البعض الآخر، لأن فيه جانباً كبيراً يتضمن سر الوجود والخلق، لكن هنالك أمور نحن قادرين على فهمها أو استخلاصها من القرآن والسنة وعبر تجارب الحياة.
المهم، هي معركة، معركة لقلع حشائش العجب في القلب، ومعركة لتقويم القلب من النظر إلى الخلق، أما الصلوات والشعائر فهي أدواتنا وسلاحنا، ونحن معها كذلك نخوض معركة من أجل الالتزام بها والمداومة عليها.
مقالة: عصر الطفرات الفكرية والروحية
مشكلة الكتابة في الفيسبوك
مشكلة الكتابة في الفيسبوك أنها تعطيك رد فعل مباشر؛ تلك التعليقات واللايكات هي أحد مصادر الطاقة، غذاء سهل يُحسّن من مزاجك ويذيب دهون حياتك، تدخل وتتفحص نافذة التنبيهات لتكتشف رزقك الذي وصل، فتتغذى من كلمات المعجبين وتستزيد من لايكات المارين.
البعض يحسن الكتابة، فيكتب كي يلفت الإنتباه ويكسب التقدير، آخرون ينشرون صورهم، فتنهال عليهم اللايكات وعدد جم من كلمة (منور) فيعطيه هذا راحة نفسية (طاقة) ثم يعاود الكرة بعد أيامٍ أو أسبوع حين تنفد جعبته، يصبح الأمر ممتعاً ولذيذاً، يصبح عادة، أو ربما … إدمان
لا يريدونك أن تخرج من شبكتهم
قررت أن أعطل حسابي في الفيسبوك، وهو تعطيل مؤقت، كنت أفكر في حذفه نهائياً لكنها خطوة صعبة، وخاصة أني أمتلك الكثير من الأصدقاء والصفحات والأشياء المحفوظة وال وال وال…الخ، آه كيف تمكنت هذه الشبكة من تقييدنا وتثبيت أوتادها فينا، لكن خير.
المهم أني حين نقرت على زر التعطيل (deactivate) بالأمس، ظهر أني يجب أولاً أن أعين مدراء آخرين على المجموعات التي أنشأتها، وإلا قد تحذف وتضيع، وهذه أول عقبة، وقد سُرق مني الوقت بالأمس وأنا أحاول تفقد تلك المجموعات، وصرفت نظر وغادرت صفحة التعطيل، ثم اليوم دخلت من جديد بعد أن حذفت مجموعة وأضفت مدير آخر لأخرى، ولم يبقى إلا إجراء التعطيل، فظهرت لي صفحة مليئة بالكلام وفيها الكثير من الخيارات، حسناً يريدون معرفة السبب، نقرت على أول خيار فإذا بمربع يظهر لي محاولاً إقناعي بالمكوث عندهم، وقدم لي حلا بديلاً عدى التعطيل، فأغلقت النافذة ونقرت على سبب آخر، فظهر لي مربع آخر يعطيني حلاً آخر بدلاً عن التعطيل، لقد نقرت على خيار (أنني أضيع الكثير من الوقت في الفيسبوك) فقالوا لي (يمكنك أن توقف اشعارات الإيميل)، ضحكت في نفسي وقلت: تغرقونا بالإشعارات ثم حين نقرر المغادرة تفاوضنا على بعض الخيارات.
كما ترى، تلك الشبكات يهمها أن تبقا فيها وتكون متفاعلاً فيها، أي أنهم يريدون أن تقضي أطول وقت عندهم، لأن هذا يعني فرصة لعرض أكبر قدر من الاعلانات عليك، أي كسب أكبر قدر ممكن من المال، أما أنت فهذا خيارك وشأنك، يمكن أن يكون ذلك الوقت مفيداً أو يمكن أن يكون تضييعاً، وغالباً هو النوع الثاني.
كما قلت وأقول دائماً، نحن في معركة من أجل حيازة الوقت، كان الناس في السابق يتسابقون على المال، والآن على النفط، لكن المصدر الجديد هو الوقت، أكبر قدر ممكن من أوقات البشر.
كيف نفهم الأدب
أحتاج أن أقرأ كثيراً عن معنى الأدب ودوره في الحياة، لأني حالياً وحسب خبرتي أعتبر أن الأدب (أو الكتابة الأدبية على وجه التحديد) ما هي إلا قالب، قالبٌ جمالي نُزَيّن به المحتوى؛ محتوى المقالة أو الكتاب أو أي نص آخر، فالمحتوى هو الفكرة أو الفائدة أو المعلومة، ونحن نغلفها بهذا الغلاف الجميل (الأدب) كي تصبح شهية ممتعة، كي يتمكن القارئ من القراءة بدون ملل، وحسب هذا التعريف فإن الأساس هو القلب وليس القالب، وقد يكون القلب جيداً في المقالة (فكرة جديدة أو فائدة عظيمة) لكن القالب عادي، أي أنها ليست كتابة أدبية، ويمكن أن يكون القالب ليس جيداً، وهذا عندما يتخبط الكاتب ولا يحسن صياغة عباراته أو إيصال فكرته أو يستعمل اللغة بشكل خاطئ، لكن الغالب أنه لا يوجد قالب غير جيد لأن الذي لا يحسن الكتابة لا تجده يكتب أصلاً.
وقد تجد القالب رائعاً شهي المذاب (كتابة أدبية راقية) لكن المحتوى (أو القلب) ليس ذو قيمة، قد تقرأ مقالاً طويلاً وأنت في أشد الاستمتاع ثم لا تجد أي فائدة أو معلومة أو فكرة.
هنا قد يحتج البعض (وهو الأمر المشترك بين الأدب والفن) فقد يقول قائل أنه لا يشترط في الأدب أن يكون مفيداً أو يقدم معلومات وأفكار، مثلاً قد يصف الأديب جمال الصباح وروعة الأزهار وغيرها مما هو معلومٌ عند كل الناس، فالقارئ لا يخرج بفائدة ولا يضيف له المقالة أي فكرة، لكنه يستمتع ويتذوق، وهنا نحن نجد قالب بدون قلب، قشر بدون لب؟
أعتقد -في نهاية المطاف- أننا كبشر بحاجة لكلا الأمرين؛ للنصوص الأدبية الصرفة (القشور فقط) وللمقالة الفكرية الخالية من البهارات (لب فقط) لكن ما هو أكثر أهمية وأعظم قمية، هي تلك النصوص التي تجمع كلا الأمرين: لب عظيم وقشرة بهية، أن تأتينا أفكار عظيمة بلغة ادبية راقية.
نعاني من كثرة الأصوات
ثورة الانترنت والشبكات الاجتماعية أدت إلى مشكلة، في البداية كان حلاً؛ فقد مكنت كل إنسان أن يمتلك صوتاً، كل شخص قادر على النشر والكتابة والتحدث، وأي شخص يمكن أن يؤلف كتاباً وينشره عبر الانترنت، أي شخص يمكنه أن يفتح قناة وينشر فهيا ما في جعبته، بل وأصبحت تلك الشبكات تشجع وتغري أي شخص لأن يكون له صوت، حتى وإن لم يكن لديه ما يقول، وذلك عبر إغرائهم بالكسب المادي تارة (مثل اليوتيوب) أو عبر مكاسب معنوية تارة أخرى (مثل الشبكات الأخرى التي تركز على التقدير والإعجاب وأهمها الفيسبوك).
المشكلة أننا وسط هذا الكم الهائل من الأصوات نصبح غارقين في المحتوى النصي والسمعي والبصري، ويصعب على الشخص أن يجد الأصوات ذات القيمة العالية، أولئك الأشخاص الذين لديهم ما يقولونه فعلاً ولديهم أفكار وربما علم نافع يمكن أن يفيد.
هناك ضوضاء شديدة، والمشكلة الأكبر أنها تزداد اكثر يوماً بعد يوم، ومشكلة أخرى أشد هي أن الناس باتت تبحث عن أي طريقة لاختراع المحتوى أياً كان، فتأتي بأشياء غريبة وتلهي الناس بأشياء تافهة بعد أن تغلفها بغلاف خداع يظهر أنها شيء ذو قيمة وهي ليست سوى ترهات لا تسمن ولا تغني من جوع.
سيقول قائل: في نهاية المطاف كل شخص حر يشاهد ما يريد، نعم هذا صحيح، لكن أنا فقط أشير إلى أن هذه الكثرة وهذا الازدحام الشديد يجعل من الصعب على أي فكر جديد أن يُظهر نفسه ويصعد إلى السطح، وخاصة إن كان يفتقد لعنصر المتعة، لأن ما هو موجود كثير وكثيف وممتع ويثير الفضول.
المهم، كانت هذه مجرد خربشات أفكار، ويعلم الله كيف سيكون المستقبل.
مفهوم الكُفر
أصبحت كلمة (الكفر) عندي واضحة جداً، وهنالك من الآيات ما تسند هذا المفهوم، ولم يبقى إلا أن أبحث أكثر وأطلع على الأبحاث أو الكتب التي تؤكد هذا المفهوم، أو أن أقوم بإعداد بحث متكامل يوماً ما.
الكفر عندي هو عكس الشكر، وليس هنالك نوعان من الكفر كما يقال، بل هو كفرٌ واحد، وهو درجات، مثلما أن نعم الله علينا درجات، فهنالك نعمة الصحة ما تحتها من أنواع (نعمة البصر ونعمة السمع ونعمة القلب ونعمة الكلى و…الخ) هذه نعمة من أهم النعم، وهنالك نعمة المال، ونعمة الولد، نعمة الزوجة ونعمة المسكن و…..الخ، الكثير والكثير من النعم، إلا أن أكبر نعمة هي نعمة (الإيمان).
لن يعرف هذا إلا من وصل لمرحلة عمرية وإيمانية تسمح له بإدراك هذه النعمة واليقين أنها أعظم نعمة، ومسألة اثبات أن نعمة الإيمان هي أعظم نعمة هذه تحتاج إلى صفحات وصفحات، لكن نحن هنا نتحدث عن الكفر الذي هو عكس الشكر.
عموماً، تلك النعم يريد الله منا أن نشكره عليها (من أجل مصلحتنا)، والشكر عادة يكون بالعمل أكثر منه بالقول، فنحن أمام خيارين، إما أن نشكر وإما أن نكفر، وقد يكون الشكر بوسائل عديدة، أهمها الاعتراف بالنعمة والمحافظة عليها، فحين يحافط الإنسان على صحته ويقدرها فهذا نوع من أنواع الشكر على هذه النعمة، وحين يحافظ الإنسان على وقته ويصرفه فهذا من شكر نعمة الوقت، وهكذا.
الله أنزل إلينا القرآن وأرسل فينا محمد (صلى الله عليه وسلم) وعلمنا الدين وأعطانا نعمة (الإيمان) فإما أن نكون من الشاكرين، فنتقبل ذلك ونوافق على هذه الشريعة ونتبعها ونحافظ عليها، وإما أن نكون من الكافرين بأن نرفض هذه النعمة ونرميها خلف ظهورنا، هذا هو الامر ببساطة، إما أن تكون من الشاكرين أو الكافرين.
وطبعاً يفترض بك أن تكون شاكراً لأنعم الله كلها، وأن لا تكفر ببقية النعم، لكن الأهم والأكبر والذي يمكن أن يهوي بالإنسان في النار هو كفرانه لنعمة الإيمان … أعظم نعمة على الإطلاق.
موقف مع صاحب البقالة فيه حكمة جليلة
قبل أيام؛ حدث موقف بسيط خرجت منه بعبرة كبيرة (كبيرة جداً) ومفادها، قبل أن أذكر القصة، أن الله يكافئ العبد ويجازيه بدل الخير خيرات، أي أنك يا إنسان لن يضيع عملك وستجد جزاءً له في الدنيا قبل الآخرة، ويحدث أن تتحصل على الخير دون أن تعرف، كما حصل مع صاحب البقالة الذي سأحكي قصته الآن.
هنالك صاحب بقالة في الشارع المجاور، عادة نستأجر منه كروت لأجل الدخول إلى الحديقة المجاورة، وأجرة الكرت بعشرة جنيهات، ولقد استأجرت منه كرتين واشتريت منه أشياء بـ 25 جنيه فكان المجموع 45 جنيه، وأعطيته 100 جنيه، وبينما كنا منهمكين بالتحدث أعطاني الباقي فأدخلته جيبي دون تركيز لانشغالي بحديثي معه، ثم خرجت من البقالة، ثم تذكرت الباقي وأنا عائد وادخلت يدي إلى جيبي لأجد خمسة جنيهات فقط، بحثت وبحثت فلم أجد غيرها، وقد أدركت أنه أخطأ وحسب أنني أعطيته 50 جنيه، في حين أني متأكد 100% أنها كانت 100 جنيه، وحينها استحيت أن أعود إليه، فمشيت ولم اعد.
السبب لعدم رجوعي هو لأني أتبع قاعدة وضعتها لنفسي لمثل هذه المواقف، فعندما يحدث مثل هذا الموقف، فالخطأ هو على الزبون لأنه لم يراجع النقود قبل المغادرة، فإن اكتشف خطأ فهو الملوم، لذلك أنا لا أعود إلى البائع وخاصة إن كنت متأكداً من أمانته وأنه مجرد خطأ غير مقصود.
في اليوم التالي وفي الصباح الباكر، رأيته ينظف الدكة التي أمام المسجد أمام بقالته، ينظفها لوجه الله، فقلت في نفسي؛ سبحان الله، هذا الرجل الطيب قد أعطاه الله رزق مقداره خمسين جنيهاً بالأمس وهو لا يدري به أصلاً، وأكيد أن هنالك أنواع أخرى من الرزق تصل إليه من طرق أخرى وربما هو لا يعلم أكثرها، لقد جعلني الله شاهداً على صورة من صور مكافأته له لأن الله قد أجراها على يدي، وهذه الشهادة تفيدني أكثر مما تفيده، فأنا بحمد الله قد ازدت يقيناً بربوبية الله ورعايته لعباده، وقد أعطاني هذا جرعة يقين ورضى بأن أمضي في الحياة بكل ثقة لأعمل الصالحات وأنشر الخير وأتوكل على الله حق التوكل، فمن رزق صاحب البقالة عن طريقي سيرزقني عن طريق شخص آخر أو أحداث أخرى، وسواء عملت أم لم أعلم، فإن لطف الله واقعٌ بي والأقدار تعمل لصالحي.
فهم رسائل الله
الخاطرة السابقة توضح فكرة مهمة جداً، أن هنالك الكثير من الرسائل التي تصل إلينا، أن أحداث الحياة الدنيا الصغيرة يمكن أن نخرج منها بدروس كبيرة، مثلاً لو أني شغلت بالي وتفكيري في تلك الورقة المالية التي ضاعت مني بسبب خطأ غير مقصود، لو أني جعلت الحسرة تطغى علي وعلى تفكيري، لكنت ربما قد فقدت الفائدة الأعظم من ذلك الموقف، التي هي العبرة أو التلميحة أو الرسالة، تلك الإشراقة القلبية التي لمعت في قلبي فزادته إيماناً، وكم من فوائد ورسائل يرسلها الله لنا حتى نكون شاهدين على بعض أقداره وعظائم ألطافه، إن الإنسان يتعلم في الحياة ليس من الكتب فقط، بل من تجارب الحياة التي يمر بها بنفسه، يتعلم حتى يعرف ربه أكثر ويفهم الحياة وأسرار الحياة.