كنت أتناول طعام الإفطار مع العائلة، وحين كان الإبن الثالث يتجهز للخروج إلى الدرس، كانت أمه تصيح عليه بسبب تأخره واستفزازه، وقد تعود الإبن الأصغر الذي يبلغ سنتين ونصف أن يرانا نصيح وأحيانا نضرب هذا الإبن بسبب أفعاله، وقد أصبح يقلدنا، فإن رأى أمه تصيح عليه يقوم بدوره ليشارك ويذهب إلى إخيه كي يضربه بيده الصغيرة.
لقد نشأ على هذا الوضع، يسمعنا نصيح فيصيح، يرانا نضرب فيضرب، يشارك معنا بدون أن يفهم لماذا، يقلد الآخرين ويمشي مع القطيع.
دائمًا ما أبتسم من رؤيته يفعل ذلك، فأبادر وأقوم فأقبل الإبن الثالث وأدعو الصغير إلى تقبيله أيضًا، أحاول أن أعاكس هذه الصورة التي تنطبع في ذهنه، أحاول أن أجعل لغة المحبة هي السائدة في المنزل، لكن هذه المرة، التفت فكري لأمر آخر، فقلت للإبن الأكبر الذي كان معي على طاولة الطعام:
إذًا هذا هو السبب في ما عرفناه من قصص وحشية لتعذيب المساجين والمخطوفين في سوريا، وهذا هو جواب سؤال: “كيف يعقل أن يفعل إنسانٌ هذه الأمور” إنه نفس السبب الذي أدى بالرضيع أن يمد يده محاولا ضرب أخيه، إنه “يقلد”.
إن الجندي حين يشاهد قائده يفعل تلك الأفعال، ويرى زملاءه يفعلون ذلك، ثم يقال له أن يفعل ذلك، فإنه يمشي مع القطيع، يقلد الآخرين في بلاهة وجهل، لكن الفرق بين الرضيع وهذا الرجل الكبير، أن الرضيع ليس له عقل، أما هو فقد منحه الله العقل، وهو محاسب لأنه عاقل، لكنه عطل عقله، هو الذي اختار مسار التعطيل، يقول الله:
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَآ ۚ أُو۟لَـٰٓئِكَ كَٱلْأَنْعَـٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْغَـٰفِلُونَ ﴿١٧٩﴾ الأعراف
يجب أن يحذر المرء من هذا الأمر الخطير، حتى لا ينقاد إلى المهالك دون أن يشعر، يجب أن يتحسس قلبه وجوارحه، هل تعلم كما ينبغي، يجب أن يفكر ثم يفكر ثم يفكر، أن يفحص ويمحص، أن ينتقد ويتدبر، وقبل وبعد كل شيء، أن يستمر في اللجوء إلى الله طالبا منه الهدايه، وفي حقيقة الأمر هو يطلب ذلك كل يوم مرات عديدة إن هو كان ملتزمًا بالصلاة، أليس يقول في كل صلاة (اهدنا الصراط المستقيم).