عمر الإنسان يتكون من مراحل، والمرحلة من سنوات، والسنة من أشهر، وكل شهر به عدد محدود من الأيام، أما اليوم فهو الوحدة الأساسية التي يتكون منها عمرك، هي الدورة الكاملة التي تعاد وتعاد وتعاد، مع إشراق يومٍ جديد؛ هنالك دورة أخرى تبدأ بالصباح وتختمها بالمساء، وعليك أن تفعل شيئاً -أو أشياء- في هذه الفترة الضيقة، قد يكون شيء مختلف في كل يوم (ضمن إطار عملك)، لكن هنالك أشياء تعيدها وتكررها كل يوم بنفس الطريقة وفي نفس التوقيت.
الصلوات أمور مشتركة بين جميع المسملين (وحتى من غير المسلمين؛ كلٌ له صلاته وطريقة اتصاله بخالقه)، لكن ورغم توحد شكل وطريقة أداء الصلاة، إلا أن هنالك تفاصيل قد تختلف من شخص لآخر، مثلاً: أماكن تأديتها، ما يأتي قبلها وما يأتي بعدها، هذه أمور قد تختلف من شخص إلى آخر، وكذلك الذِكْر، البعض لديه ورد من الذكر يؤديه في مكانٍ معين، في المسجد بعد المغرب، أو في المنتزه أو قبل النوم، وكذلك قراءة القرآن، ما هي طقوسك في قراءته، بعد الفجر مثلاً، في المسجد أو في حديقة بيتك أو في البلكونة وأنت تحتسي كوب القهوة، وغيرها من التفاصيل التي تختلف من إنسان إلى آخر.
كل ذلك يتعلق بالجانب الروحي (الإيماني) والحياة السعيدة هي التي توازنها بين الثلاثة جوانب: الروحي – العقلي – الجسدي، ويكون فيها لكل جانب جزءٌ معلوم من يومك، وبقية اليوم يكون لتأديه التزاماتك ومهامك في الحياة.
ثم تأتي طقوس تنمية العقل (الجانب المعرفي)، وأهم طريقة هي القراءة، لكن كيفية تأديتها يختلف من شخص لآخر، فكلٌ له طقوسه الخاصة في القراءة وتحصيل المعرفة بشكل عام، فأنا مثلاً لا أستطيع القراءة في البيت عند الأولاد، يجب أن أقرأ في مكان هادئ بعيد عن الملوثات السمعية، ومن أحب الأمور إلى قلبي هي القراءة في المتنزه الكبير وأنا أتمشى وسط الحشائش، البعض يحب القراءة في الضوضاء، والبعض يقرأ قبيل النوم أو في المساء والجميع نيام، وهكذا كل إنسان له طقوسه الخاصة فيما يخص تطوير الجانب المعرفي.
ثم نأتي أخيراً إلى الجسد، وأهم طريقة لتنميته هي الرياضة والجري أو المشي، وكل إنسان له طقوسه الخاصة، فالبعض يمشي كثيراً، يختار المسجد البعيد دون القريب، والبعض متعودٌ أن يعود من العمل مشياً على قدميه، آخرون يحافظون على الجري بانتظام، شخص يجري في الحديقة وآخر في الحارات بشكل دائري على منزله وآخر على البحر، البعض يذهب إلى الصالة الرياضية (الجِم)، وكل شخص له طريقته (طقوسه).
أهم نوع من الثلاثة هو الجانب الروحي، وهو الذي يغفل عنه الكثير للأسف، ويمضون في الحياة دون تغذية لأرواحهم فيصابون بالمشاكل النفسية ويعانون في الحياة ويغيب عنهم طعم السعادة، وكل ذلك كان حله يسير لو أنهم تمسكوا بتلك الطقوس اليومية المتعلقة بالجانب الروحي، وطبعاً نحن -كبشر- لا نحدد كيفية تطوير الجانب الروحي ولا يجب أن تستقي ذلك من أي كتاب أو فكر إنساني، لأن كل البشر عاجزون عن فهم مكنون هذا السر الغامض (الروح) والعليم به هو من خلقه، لذلك فأنت تلتزم بما يقوله لك الخالق عبر كلامه وعبر صحيح سنة نبيه (الذي ارتضاه لنا قدوة وأمرنا باتباعه)، ثم تبني لنفسك طقوساً معينة ضمن الإطار الذي حدده لك الشرع.
فيما يخص الجانب العقل (الجانب المعرفي) فقد يكتفي المرئ بالتعلم في الجامعة أو في الدورات التدريبية التي تعينه على التمكن من تخصصه، وهذا يعتبر نوع من أنواع التغذية العقلية، لكن يفضل عدم الاكتفاء بالتخصص فقط، أن تقرأ ولو حتى نصف ساعة يومياً في مجالات مختلفة ومتنوعة، كي تصبح القراءة جزء من طقوسك اليومية.
أما الرياضة والحركة (تغذية الجسد) فهي مهمة ويغفل عنها أكثر الناس، والناس لديهم أعذار كثيرة، أهمها ضيق الوقت، ولو رأيت حياتهم لوجدت أن هنالك ساعة على الأقل أو ساعات تضيع منهم كل يوم، ما بين تصفح غير موجه للانترنت وبين نوم أكثر من اللازم أو مسامرات وأحاديث ليس لها داعي وجلوس في القهوات أو مقائل القات، بينما يمكن أن تدمج طقوس الرياضة مع فعاليات يومك، يمكن أن تذهب لعملك باكراً لكن ماشياً لا راكباً، يمكن أن تصلي في المسجد البعيد في أحد الصلوات أو تعود منه جرياً، وبالتالي أنت تدمج طقوس الروح مع طقوس الجسد، تضرب عصفورين بحجر.
يمكنني أن أشارك معك بعض طقوسي اليومية، لكن لا يمكن أن أمليها عليك وأطلب منك تنفيذها في حياتك، فكل إنسان مختلف، ولكل إنسان ظروفه المختلفة، وهذه الطقوس لا تتشكل بين ليلية وضحاها، كما أنها لا تدوم إلى الأبد، لكنك تطورها مع الأيام، حتى تصل إلى الطريقة الأمثل والأفضل، وتستمر على التعديل عليها والتحسين كي تستمر في الترقي والتقدم، والأهم دائماً هو المحافظة عليها، ليست العبرة في الحسن والجودة يل في الاستمرارية.
الهدف من هذا كله هو أن تعيش في توازن، في سعادة، أن تتطور روحك وتتوسع معارفك، وبالتالي تتوسع مدارك فهمك ورؤيتك للحياة، أنت بهذا تترقى في مدارج الكمال (التي ليس لها نهاية) وتتحول من مخلوق من طين إلى روح تهيم في عليين، وتفوز يوم توزع الجوائز يوم الدين.