إنه التشتت، عدوي الأول، وسبب فشلي

لقد اكتشفت بعد أن بدأت بمتابعة وقت إنجازي، وذلك عبر تطبيق مجاني رائع اسمه (FocusMeter) والذي أقوم عبره بسحاب وقت جلسات العمل التي أقوم بها، ثم أشاهد الوقت الإجمالي لليوم والأسبوع و الشهر، اكتشفت أن ساعات العمل قليلة جدًا، إنني لم أصل يوما إلى 8 أو 7 ساعات عمل خالص في اليوم، في حين حين أن كثير من الوضائف المملة تتطلب دوام 8 ساعات يقضيها الموظف مكرهًا في عمل لا يحبه (في الغالب) وأنا أحب عملي، وأستمتع بعملي، ومع ذلك أقضي كل يوم 3 أو 4 ساعات فقط، ثم أريد أن انجح وأسبق الجميع؟

إن مشكلتي ومشكلة أغلب الناس، هي التشتت، والتشتت نوعان، تشتت أثناء العمل وتشتت عن العمل، بمعنى: عندما أبدأ العمل ثم أفتح اليوتيوب لمشاهدة فيديوهات مضحكة أو شورتات مسلية، فهذا هو التشتت أثناء العمل، إنه يضيع علي الوقت، فيصبح مجمل ساعات العمل الخالص في اليوم قليلة، فلو أني أضيع كل يوم ساعتين مثلا، فهذا يعني 60 ساعة في الشهر، فتخيل ماذا يمكن أن تفعل 60 ساعة كل شهر إن تم استغلالها بشكل صحيح، ماذا يمكن أن تصنع خلال سنة كاملة؟

أما النوع الثاني والذي أريد أن أتحدث عنه هنا، وهو الذي أضاع علي فرصا عديدة والذي هو سبب فشلي وعدم تحقيقي إنجازات باهرة في الحياة، هو التشتت عن العمل، أو عن الهدف، وهو أنني -وهذه مشكلتي- أبدأ في عمل، ثم ألتفت عنه إلى عمل آخر، أبدأ في مشروع فترة من الزمن، أقضي فيه شهور ثم ألتفت عنه وأبدأ فكرة جديدة، ربما لبعض الصعوبات، أو لأني مللت منه أو رأيت أمرًا آخر هو أفضل منه، ثم أبدأ من جديد نحو هدف معين، لكني لا أكمله، بل ألتفت عنه بعد فترة وأبدأ عمل جديد لا أكمله.

كانت لدي أفكار كثيرة في مسألة صناعة المحتوى، بعضها لم أبدأها والبعض الآخر لم أكملها، والآن وبعد سنوات، رأيت من بدأ تلك الأفكار نفسها ثم وصل إلى مراحل متقدمة وحقق إنجازات متقدمة، مثلا:

بدأت قناة يوتيوب سميتها (فوائد يوتيوبية) أردت أن أنشر فيها العديد من الفيدوهات المتنوعة، وقد بدأت بفيديوهات شعرية بإلقائي ومونتاجي، مضي عليها إلى اليوم 11 سنة، واحد منها حقق إلى الآن 48 ألف مشاهدة، ماذا لو أني أكملت منذ 11 سنة، كل أسبوع فيديو فقط، لقد بدأت متحمسًا فنشرة 3 فيديوهات في أسبوع واحد، لكني توقفت، وهذه هي المشكلة، عدم الاستمرارية، لقد بدأت أمرًا آخر، ثم آخر ثم آخر، وهكذا ضيعت نفسي في أهداف كثيرة، فلم أصل لا لبلح الشام ولا عنب اليمن.

قبل فترة شاركة في مسابقة الشارقة للمبدعين الشباب، لقد كتبت 12 قصة قصيرة، أعتقد أنها قصص جيدة كبداية، لكني لم أفز، ثم توقفت، لكني لو أكملت كتابة القصص، وحاولت أن أقرأ أكثر وأكتب أكثر وأشارك هنا وهناك، ربما اليوم أصبحت كاتبًا له مكانته، أو أني حققت إنجازات تسرني، لكني لم أكمل.

بداية العام 2023 جائتني رغبة عارمة لفكرة فيديوهات قصيرة أنشرها في القناة، لقد أسميتها (كلمة طيبة) ونويت أن ألتزم بها بحيث أنشر فيديو واحد قصير كل أسبوع، لن تأخذ مني وقتا كبيرًا، ولن تعيقني عن العمل الأساسي في قناتي التعليمية، لكني لم أستمر، وأصلاً كان المفروض أن لا أبدأ تلك الفكرة، لأنها سوف تشتتني عن العمل الأهم الذي بدأته قبل سنوات، وهو انتاج المحتوى المتعلق بتعلم اللغة الانجليزية، والذي للأسف لم أحقق فيها إنجازات ترضيني ولم أنفذ كل الأهداف والأفكار التي لازالت تراودني.

قبل سنوات عديدة، كانت لدي فكرة في قناة يوتيوب متعلق بالتجوال والأماكن، لقد شغلت تفكيري لفترة من الزمن لكن لم أنفذها، ثم رأيت بعد سنوات عديدة من نفذها وحقق نجاحًا باهرا فيها.

هذا هو التشتت، وهذا هو الدرس الذي يجب أن أتعلمه، لقد اشتريت كتابًا قبل 15 سنة تقريبا اسمه (قوة التركيز) لكني لم أقرأ للأسف، أعتقد أنني بحاجة لفحوى هذا الكتاب، بحاجة للتركيز، أن أبدأ عمل وأركز فيها ولا أسمح لأي شيء أن يلفتني عنه حتى أبلغ القمة، ثم أترجل إن أردت وأبدأ في صعود قمة أخرى، والله المتسعان.