حقق هذا الفليم نجاحاً عالمياً باهراً، لكن أكبر نجاحه -بالنسبة لي- أنه جعلني أندمج وأتأثر ثم أبكي بطريقة لم تحدث من قبل مع أي فيلم آخر.
من الطريف أنني لم أكتشف أن اسم هذا الفيلم بالعربي هو (البؤساء) وأنه الفيلم الذي جسد أحد أهم الروايات الملحمية المشهورة للكاتب “فيكتور هوجو” والتي أمني نفسي دائماً بقراءتها في أحد الأيام، حتى أتى اليوم الذي شاهدت فيه الفيلم قبل أن أقرأ الرواية الأصلية.
كنت أسمع عن الرواية وأنها عظيمة وأنها وأنها… لكن لم أتوقف أن تكون عظيمة إلى تلك الدرجة، لم أتوقع أن تجسد كل تلك القيم الراقية وأن تحتوي على كل تلك الأحداث المفعمة بعبق الحياة والمخضبة بعرق الإنسان ودمه وكدحه، لم أكن أعلم أنها قادرة على أن تخترق وعيك إلى أعمق جزء فيه لتثير تساؤلات وتجيب على أخرى، وأنها قادرة على إثارة مشاعرك وتعكير صفو هدوئك عبر دمجك مع أحداثها إلى هذه الدرجة.
لن أتحدث عن القصة، فهي مما يجب قراءته، والكتابة عنه بشكل منفصل، لكني سأتحدث هنا عن الفيلم، عن هذه التحفة الفنية الفريدة.
يبدأ الفيلم بمشهد مهيب ولحن يرج سماء فرنسا آن ذاك (في بداية القرن الثامن عشر) تسمع تلك الكلمات التي تخرج في لحن يغنيه أؤلئك المسجونين المضطهدين، فتعتقد أنها مجرد أغنية قصيرة في بداية الفلم، لكن ما تلبث أن تكتشف أن هذا هو النمط السائد على مدى الفلم بأكمله، كل الحوارات تقريباً تؤدى بطريقة غنائية، كلمات قوية وألحان تتنوع بين الحزن والفرح والحماس، فتضيف إثارة فوق الإثارة، وتدمجك مع الأحداث بأكثر مما أنت مندمج.
أول موقف أخلاقي مؤثر حدث بعد عشر دقائق تقريباً من بداية الفيلم، وهو عندما يتذوق بطل الفيلم (جُن فالجُن) طعم الرحمة والإحسان الذي يمس فؤاده ويعصف بأفكاره ليقرر بعد ذلك أن يتغير جذرياً، فبعد أن كره العالم الذي لم يجد منه إلا الألم والقسوة، هاهو يتغير بسبب موقف عظيم من قس كنيسة التقاه بالصدفة في أحد الشوارع الضيقة، فدخل بذلك في معترك نفسي ثم اتخذ قراراً مصيرياً، وكل ذلك كان بسبب أخلاق رجل تجاه رجل آخر لم تربطه به أي علاقة أو مصلحة سوى رابط الإنسانية.
هنالك عدة قيم وأخلاقيات يطرحها الفيلم (أو القصة)، ويمكن أن أتذكر بعضاً منها:
العفو عند المقدرة، القيام بالعدل ولو على النفس، حب الآخر والإحسان إليه، الوقوف أمام الظلم بشجاعة، التضحية بالنفس من أجل العدل والحرية، العدل يأتي وإن تأخر، ارتباط الحياة بما بعدها وأن الحكاية لم تنتهي بعد.
النقطة الأخيرة هي التي اعجبتني كثيراً في الفيلم (والقصة) وهي تصوير الحياة كأنها مرحلة وفصول من كتاب لم ينتهي بعد، أن الآخرة هو الجزء المكمل لقصة الحياة، فلقد أظهر الفيلم هذه الجزئية بطريقة مثيرة في نهاية الفيلم على وجه الخصوص، وهو المشهد المهيب الذي استثار حفيظة مشاعري وأغرق عيناي بالدموع.
الفيلم فيه تنوع عجيب من الاحداث التي تستثير مختلف المشاعر الإنسانية فيك، فمرة تغضب ومرة تعطِف، ومرة تفرح وأخرى تحزن، وأحياناً تشمئز، لكنه ينجح في نهاية المطاف أن يعيد التوازن إليك والإرتياح بنهاية سعيدة مغلفة بغطاء من الحزن، وهي الخلطة المثالية لإثارة حفيظة عينيك.
الأداء والإخراج كان عظيماً، يكفي أنه فيلم يسير وفق سيمفونية غنائية من أوله إلى آخره، والذي يعني أن يكون أداء الصوت والغناء بمعزل عن الصورة، لكن إجادة التمثيل أحال بين أن ترى اختلافات أو تصنعاً، بل كان اندماج الممثلين مثيراً ومشاعرهم ودموعهم قوية وصادقة.
في نهاية المطاف، لقد كان فلماً ممتعاً، مؤثراً، مجوداً بعناية، قطعة فنية يندر أن تجد مثيلها، مأخوذ من رواية نالت شرف العبور بين الأجيال، فلا تزال تتداول وتقرأ، وهاهو عمل فني عظيم قد بني على أسوار مجدها، ملايين الأشخاص قد شاهدوه وتعلموا منه أو تأثروا به، وليس تأثير هذه النوعية من الأفلام مما يستهان به.
من أقوى المشاهد والأغاني التي قيلت في الفيلم -من وجهة نظري- هما:
المشهد الأول (مشهد العزة والشجاعة) هو بداية اندلاع الثورة، الأغنية بعنوان “Do You Hear the People Sing”
هذه الأغنية تم غنائها بعدة لغات على المسرح (شاهد الفيديو)
والمشهد الثاني (مشهد الحزن والفقد) هو الأغنية التي مطلعها “Empty Chairs at Empty Tables”