خيال ليو تولستوي في عشر قصص قصيرة، مراجعة كتاب: بدائع الخيال

ملاحظة: قدمت مراجعة سريعة للكتاب في فيديو في قناتي، انقر هنا للذهاب إليه

ما إن عرفت أن تلك القصة مذكورة فيه، حتى بادرت بتحميله والبدئ بقراءته، لحسن الحظ كانت مؤسسة هنداوي قد وفرت نسخة رقمية محترمة من هذا الكتاب، إنه كتاب: بدائع الخيال، والذي يحتوي على عشر قصص قصيرة مختارة مما أبدع به الأديب الروسي: ليو تولستوي.

بداية الحكاية كانت قبل عدة أشهر، حين شاهدت خطبة للدكتور عدنان ابراهيم بعنوان (باخوم وصناعة التعاسة) لأكتشف أن “باخوم” هذا هو بطل قصة ألفها الأديب الكبير “تولستوي”، سمعت القصة في نهاية الخطبة (تتوفر في مقطع منفصل بمونتاج جميل) فما كان مني إلا أن أصبت بالدهشة لجمال وعبقرية هذه القصة، والتي -بطريقة غير مباشرة- قد أدخلتني إلى ساحة هذا الأديب الكبير.

بعد عدة أشهر، وعبر منشور صغير في الفيسبوك تبعه سؤال عارض، علمت أن القصة مذكورة في كتاب (بدائع الخيال) وأن مؤسسة هنداوي توفره ضمن أسطول كتبها المجانية، فحملته، ثم بدأت بقراءته، وقد قرأت قصة باخوم التي كان ترتيبها الثالث، بعنوان (كم يحتاج الإنسان من الأرض) فكانت كما سمعت وأجمل.

الكتاب ليس بالكبير،لا تتجاوز صفحاته المئة، وقد أبدع المترجم (عبدالعزيز أمين خانجي) في نقلها إلى العربية، بكلمات سهلة وعبارات رشيقة، كما أن السرد في أصله سلسل وسهل، وهذا كله يدفعك لأن تقرأ بانسيابية فلا تتوقف إلى في السطر الأخير، حين تصل لتلك الحكمة أو الكلمة التي تبقيك شارد التفكير لدقائق متأملاً فيما قرأت.

توحي لك تلك القصص أن كاتبها شخص نبيل يتسم بالورع والتقوى، هنالك توجه قوي لمبادئ الرحمة والتسامح وغيرها من الأخلاق الفاضلة، ولا عجب في هذه السمة السائدة على جو القصص حين تعرف أن هذا الأديب هو من دعاة اللاعنف بكل قوة، ويكفيك أن تقرأ كتابه (ملكوت الله في داخلكم) لتعرف المنبع الأخلاقي الذي انبثقت منه تلك القصص.

ملامح القصص

سأحاول في السطور التالية أن ألخص الجو العام لكل قصة بعبارة قصيرة (دون أن أحرق القصة):

الأولى: بمَ يعيش الناس؟: القصة تجيب عن هذا السؤال، الإجابة تكمن في كلمة واحدة، لا أريد هنا أن أخبرك بها فأحرق عليك الخاتمة الملهمة، لكن يكفي أن أقول لك أنك ستظل تفكر في الأمر كثيراً بعد القراءة، وتتأمل فيما حولك وتثير هذا السؤال في كل مناسبة: بمَ يعيش الناس؟

الثانية: مشرب سورات: اجتمع ثلة من أناس من مشارب مختلفة وأديان متعددة في (مشرب سوارت) في الهند، فثار سؤال فيما بينهم حول (الإله) فبدأ الجميع في التحدث واحداً تلو الآخر، كلٌ وفق دينه ومذهبه، كلٌ يتحدث عن الإله الذي يعبده.

الثالثة: كم هو نصيب الإنسان من الأرض؟: هي قصة الإنسان في كل الأزمان، حين يتحول من القناعة إلى الطمع، حين يسعى دون أن يشبع، هي قصة الجمع والتكاثر، هي قصة تحكي حكمة جليلة وتصل بك إلى نهاية غير متوقعة، من أعجب القصص وأروعها.

الرابعة: ابن العراب: قصة متشعبة أحداثها كثيرة، رحلة يختلط فيها الواقع مع الخيال، عدة حِكَم تتزاحم في خضم سرد متواصل، تستحق أن تُبسَط في رواية كاملة.

الخامسة: مكيدة شيطانية: حين فشل الشيطان في إغواء القروي البسيط، جنح إلى تدبير مكيدة خبيثة، ظاهرها فيه الخير وباطنها في الضياع والخسران، هي قصة بسيطة تخرج منها بأكثر من حكمة، أحدها أن ما قد يكون خيراً لك في الظاهر، قد يكون شراً لك في الباطن.

السادسة: ثلاثة أسئلة: ثلاثة أسئلة تدور في عقل الملك دون أن يجد لها جواباً شافياً، ثم يقرر أن يزور ناسكاً مشهوراً عله يجد الجواب عنده، فتحدث أحداث وتقع أمور، ومن خلالها يعرف الجواب، فيكون جواباً عملياً من واقع تجارب الحياة، وهنا حكمة تخرج بها من القصة: أن الحياة كفيلة بأن تجيبك عن أسئلتك، فلا تستعجل، فقط أكمل الرحلة واستمر في طرح الأسئلة.

السابعة: إلياس: قصة قصيرة لشخص يدعى “إلياس” يخبرك فيها المؤلف ما هو سر السعادة عبر ما حدث لإلياس.

الثامنة: قمحة في حجم بيض الدجاج: قصة تثير عندك شجون الماضي، وخاصة إن كنت كبيراً في السن، فتتذكر كيف كان العالم وكيف أصبح، وماذا قد تغير وأي شيء قد تبدل.

التاسعة: ثمن باهظ: من القصص العجيبة والطريفة، حكاية دولة صغيرة مواردها قليلة جداً، ثم تحدث جريمة قتل، فتحدث مشكلة، ويحتار الملك ومعاونوه، ثم تؤول الأمور إلى مئالات عجيبة لا تملك معها إلا أن تضحك أو تبتسم. (قمت بإلقاء القصة في فيديو ونشرته في اليوتيوب).

العاشرة: الأسطورة الهندية: العمل والمرض والموت: عبارة عن أسطورة متداولة بين الهنود الحمر، عن الإنسان وكيف تطور المجتمع من البساطة والبدائية إلى التعقيد ثم التباغض والحروب.

روابط:

مراجعة سريعة للمجموعة القصصية (وشاية الليلك) للكاتب اليمني الدكتور فارس البيل

الكتاب رقم 4 في 2020
مجموعة قصصية بعنوان (وشاية الليلك) لـ: فارس البيل

لو أردت أن أعبر عن هذه القصص بكلمة او كلمتين، لقلت أنها (دافئة).
لغة الدكتور فارس عذبة رقراقة، أما القصص التي عددها 12 فهي متنوعة، منها ما تدور أحداثه في الريف، ومنها ما هو في الحضر، منها ما ينتهي ببعض الحزن، ومنها ما يدغدغ عواطفك ويستثير ضحكتك، هي قصص تعبر عن بعض الواقع، وتعكس جوانب من الحياة وما فيها من تناقضات.

هنالك من القصص ما يختزل سنوات في أسطر، وقد أعجبتني خفة الانتقال في الأزمنة التي يتبعها الكاتب، حيث يدع للقارئ بعض الفجوات التي من خلالها يستنتج بنفسه أن أشهراً أو سنوات قد مرت، دون أن يطنب أذنيك بعبارات تزيد على النص وتأكل بعض جماله.

يبدع الكاتب في وصف المكان، وينتقل بالقارئ بعقله إلى عالم القصة بما فيها من مشاعر وأحاسيس، يختار كلماته بحرص، وينتقي الألفاظ البلاغية التي تستوقفك مراراً لتتأمل بعض جمالها.

بدأت رحلتي بقصة (وراء البريق)، وأعادتني الكلمات إلى جو الريف العليل وطيبة الناس الأصيلة، ثم حلقت بي القصة وأوصلتني في نهاية المطاف إلى حكمة اختزلها أحد الحكماء اليمنيين بقوله (عز القبيلي بلاده… ولو تجرع وباها).

ثم انتقلت إلى (تحت المطر)، والتي تباطأ الزمن فيها بشدة، فبدلاً من أن تحكي لك القصة ما حدث في فترة، ركزت على مشهد حدث في نصف ساعة، يحكي مصادفة غريبة، لقاء وحوار تفهم من خلاله كيف سارت الأمور وإلى أين آلت، كي تستخلص -في نهاية المطاف- الرسالة التي تعبر عن حال هذا الزمان، وما يحدث من بني الإنسان.

تحاول القصص -في الغالب- عرض مشاكل اجتماعية من الواقع العربي، لكن بأسلوب أدبي يدع للقارئ حرية القرار والحكم، والبعض منها يكتفي بالسرد الجميل لمواقف ومشاهد من الحياة.

في الأسفل بعض الاقتباسات التي تعكس جمال لغة الكتاب، والكاتب.

وشاية الليلك