أبشركم يا أصدقائي، لقد حصلت على إقامة أخرى لسنة جديدة.
لقد غمرني السرور، وامتلأ قلبي بالبهجة، وعدت للمنزل كطير يخرج من قفصه.
حصل هذا قبل أيام، حين ذهبت لمصلحة الجوازات لاستلام الإقامة، كانت هذه هي الزيارة الثالثة لهم، الأولى للتقديم، الثانية للتنفيذ، والأخيرة للاستلام، كلها في شهرٍ واحد، شهر من كل سنة.
نعم أنا مقيم يا سادة، لست من أهل هذه البلاد، ولأني كذلك، فيجب علي أن أقدم الأوراق وأنتظر في الطوابير وأدفع مبلغاً من المال كل سنة، حتى أحصل على إذن يسمح لي بالإقامة هنا.
حتى أنتم ..!
أنتم مقيمون كذلك وإن كنتم في أوطانكم، نحن جميعاً في إقامة في هذه الأرض، وكل سنة تتاح لنا فرصة جديدة للإقامة حيث نقيم، أياً كان محل إقامتنا، الفرق بيني وبينكم (يامن تقيمون في أوطانكم) أن هنالك محطة سنوية (هي موعد تجديد الإقامة) تذكرني دائماً وتقرع رأسي، تذكرني أن سنة كاملة قد انقضت، تذكرني (عبر التاريخ المدون) بأنني قد أُعْطِيت مهلة أخرى، كي أنجز، وأحقق، وأعمل.
إن كنت تسكن في وطنك، فللأسف ليس لك هذا الامتياز، ليست لك هذه المحطة السنوية التي تحثك على الخطى وتدفعك للجد، ليس ثمة تاريخ انتهاء مدون في بطاقة أو في جواز سفر، في حين أن هنالك تاريخ انتهاء حقيقي لكل واحدٍ فينا، لكنه غير مدون، ويفترض بك أن تؤدي عملاً رائعاً وتبلي بلاءً حسناً خلال هذه الفترة، فترة إقامتك في هذه الحياة.
لكن ماذا عن المال الذي أدفعه أنا، ولا تدفعه أنت؟ سأجيبك وأقول: الله هو الملك والمالك، وهو المعطي والمانح، هو من يتكفل بمصاريف الإقامة (مِن وإلى)، سواءً ما أدفعه نقداً لشباك التحصيل، أو ما أدفعه للبقالة والسكن، لقد حصلت على وعد منه سبحانه (كما حصلت أنت)، أليس هو القائل (وفي السماء رزقكم وما توعدون)، أعلم أن هنالك بلداناً تفرض أموالاً طائلة نظير هذه الإقامة (كان الله في عونهم) لكن لا قلق عليهم ما دام الله موجوداً، لا قلق مادام باب الدعاء والطلب مفتوح لا يغلق، ومن لم يتمكن، فأرض الله واسعة، والله يعين كل من عزم وتوكل.
في كل سنة، وبعد أن استلم الإقامة، يزايلني شعورٌ فريد من مشاعر (السعادة) فهنالك -كما تعلمون- أنواع كثيرة من (السعادة) لكن للأسف قاموس اللغة لا يتسع لها كلها، وقد ذقت -بحمد الله- أنواعاً جديدة حين استقر بي الحال في هذه البلاد، ومن هذه الأنواع (السعادة التي تأتيك فور استلام الإقامة).
هذه السعادة مرتبطة بالأمل الذي يرتسم أمامك حين تعطى فرصة جديدة للعمل والإنجاز، لا أنكر أنها ناشئة أيضاً من استكمال الاجراءات دون إعاقة، ومن توفر المال دون مشقة، لكن الباعث الأهم هو (الفرصة)، ويمكن أن نشبهها بشعور السعادة الذي ينشأ فور نجاتك من موت محقق، لأنك حينها ستعطى (فرصة) جديدة للحياة، ولو سألت أحد الناجين عن شعوره بعد النجاة، لأخبرك أن قلبه قد تحول إلى عصفور يطير من فرط السعادة.
طبعاً الفرق كبير بين سعادة النجاة من الموت، والحصول على الإقامة، لكنها من نفس النوع والصنف، وهنالك سعادة أخرى أصغر منهما هي من نفس النوع أيضاً، وهذه -لحسن الحظ- يمكن للجميع تذوقها، من يعيشون في بلدانهم ومن هم مغتربون عن أوطانهم، إنها السعادة المنبعثة من معجزة الفجر، ومطلع الصبح.
تطلع الشمس كل يوم بعد أن أكملت الأرض دورتها اليومية، تشرق الشمس على الأرض كما تشرق على قلوب البشر، تعيد لهم الأمل والنشاط والقوة، هنلك صبح جديد يولد في رحم الكون، هنالك فرصة أخرى تتاح للإنسان، هنالك إقامة جديدة ليوم كامل تتاح لك بالمجان، فإما أن تصحو حين يصحو العصافير، وتملأ قلبك من رحيق الحياة، فتنطلق بطاقة الفجر، وتعمل ما يمكن عمله، وتنجز ما يمكن إنجازه، وإما أن تفوتك معجزة الفجر، فتنام والأرض تصحو، وتغفل بينما الأرزاق توزع.
هنالك إقامة لسنة كاملة، وهنالك إقامة لشهر كامل، وهنالك إقامة لأسبوع (تستلمها بعد صلاة الجمعة) وهنالك إقامة جديدة كل يوم، ونصيحتي لك، أن تبكر ثم تصلي ثم تخرج وتمضي باتجاه النور، فتشهد بزوغ الشمس، وتحصل على ختم الإقامة المجانية، وهو ختم بدون حبر، تطبعه الشمس على جبينك في أول ظهورٍ لها.