وفي هذه الفترات العصيبة من تاريخ الأمة، لا بل من تاريخ الإنسانية، وعبر السنوات الماضية التي ظهرت فيها بشاعة الإنسان تجاه أخيه الإنسان، وبعد أن أتت ساعة النصر للمظلومين فتوجهت أعين البشر من جديد للقضية السورية وعدنا لمشاهدة ما كان قد نشر من شهادات صادمة ووقائع مفجعة تقشعر لها الأبدان، وبعد أن صرنا نتساءل في حيرة “هل يمكن أن يفعل الإنسان هذه الأشياء تجاه أخيه الإنسان” بل هل يمكن له أن يفعلها لــ(حيوان) والله لو كان صخرا أو حديدًا، لذاب خجلا قبل أن يفعل ذلك.
في هذه اللحظة الفارقة، وبعد هذه الشهادات الصادمة، نتوجه بأنظارنا إلى تلك الفئة التي تقول “لا بعث ولا إله”، إلى الملحدين الذين يشاهدون ويسمعون ما نرى ونسمع، فنقول لهم (لنا عزاء ولا عزاء لكم) لنا يوم القضاء فأين يوم قضائكم؟
هنا تأتي عظمة الإيمان، الإيمان باليوم الآخر على وجه الخصوص، هنا تحل علينا سحابة من السكون والاطمئنان بعد الهلع والفزع، هذا الإيمان هو الذي يبث في روعنا أن هذه الحياة ليست سوى تجربة صغيرة ولمحة بسيطة وأنها في حقيقة الأمر (وهم)، إنها اختبار من أجل فرز البشر، وها هم أمام أعيننا يُفرزون، إنها مرحلة إعداد قصيرة للحياة الحقيقية، ياله من عزاء يضمد جراحنا ويروي قلوبنا المكلومة، فما هو عزائكم؟
إن الكافر بالله، وسمه ملحدًا أو ما شئت، ينتهي به المطاف إلى أمرين، إما أن يكون وحشًا مثل تلك الوحوش، أو أن يصاب بالجنون من شدة الحيرة والعجز، لأن الحياة عنده هي هذه وهذه فقط، فكيف له أن يصبر على هذه الحياة وفيها كل هذا القبح، كيف يصبر أن يعيش في مجتمع فيه هذه النماذج، فإما أن ينتحر، وقد فعل الكثيرون ذلك، وبهذا يطوي صفحته قبل أن يسمح لفرصة المراجعة أن تأتي، فينصدم حين يكتشف خطأه وغباءه، أو يعيش معذبًا بسؤال الحيرة الذي يطرق رأسه في كل ساعة وساعة “لماذا، ثم ماذا؟”.
لقد تركت لنا التجربة السورية، التي استمرت سنوات طويلة، شهادة حية، وما أقوى شهادة الزمن، شهادة أن لا حل إلا بالإيمان، وأن الكفر هو مسار الدم والدمار، فالمؤمن الحقيقي يخشى أن يقطع جناح طائر، فكيف له أن يؤذي إنسانًا حتى لو كان خصمه، لأنه يشخى يوم الدين، يوم يبعثون، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.