تأتيني وأنا بالخارج عشرون فكرة، خمسٌ منهن يصلحن للتدوين، واحدة فقط هي من تبقى حين أصل، وقد أحاول التذكر فلا أستطيع.
الوئام العجيب في جزيرة القطط
ليس الأمر العجيب في جزيرة القطط هو في علاقتها الحميمية مع بني البشر فقط، بل أن العجيب أيضاً هو تآلفها مع بعضها البعض، أستغرب كلما شاهدت أحد الفيديوهات التي يرسلها الناس من هناك، من تلك الجزيرة اليابانية التي وصفت بأنها (جزيرة القطط) لكثرة القطط فيها، حيث يعيش مجتمع كبير من القطط هناك بسلام، والإنسان عندها ليس عدواً تهرب منه، بل مخلوق لطيف تقترب إليه كلما سنحت الفرصة لتنال قسطاً من التدليل أو جرعة من الغذاء، لكن العجيب أيضاً أنها لا تتشاجر مع بعضها البعض (أو كما يبدو) فهل السلام والوئام بين بني البشر قد انتقل للحيوانات التي تعيش معهم في نفس البقعة من الأرض؟ الله أعلم.
معظلة تحديد أهداف السنة
لا زالت قضية (تحديد أهداف السنة) عالقة، فهنالك الكثير من الأفكار والرغبات والمسالك التي أريد أن أسلكها خلال هذا العام، وفي نفس الوقت أنا أعلم أني لو أكثرت الأهداف فهذا يعني إعلان فشلها منذ البداية، وأعرف أن التركيز أمر مهم والتشتت هو مشكلتي الكبرى منذ الأزل، لذلك فأهداف العام لازالت تخوض ولادتها العسيرة.
لكن ورغم ذلك، أعتقد أن الصورة باتت واضحة الآن بعد أكثر من أسبوعين من التفكير والتمحيص، ولم يبقى إلا التوكل على الله ثم كتابة تلك الأهداف والتوقف عن الحيرة ثم الانطلاق لخوض غمار هذا العام دون الالتفات لأي رغبات أخرى أو أهداف جانبية.
قد يكون أحد الأسباب لهذه الحيرة أني أعيش فترة انتقالية، هنالك مجال جديد أريد الدخول فيه، بينما مجالي السابق هو من يدر علي بعض المال الذي أعيل به نفسي وأسرتي، أما المجال الجديد فلن يكون لي من ورائه أي عائد في البداية وقبل أن تتثب قدمي فيه ويصبح لي فيه منجزات يمكن أن أحولها إلى مصادر دخل، والحل هو في التوازن، أن أخصص جزء من وقتي وجهدي للمجال القديم وجزء آخر للمجال الجديد، وهذا يعارض فكرة (التركيز على أمر واحد) الذي يدعو إليه خبراء التنمية من أجل تحقيق نتائج باهرة، إنها حقاً معظلة.
لكن يبقى دائماً أن أذكر نفسي بنعم الله علي، أنا أصلاً أجد طرقاً لأسلكها وأهدافاً لأضعها، فالبعض لا يدري ما يعمل، ليس أمامه باب أو طريق مفتوح أصلاً، فالحمد لله أولاً وأخيراً.
صعوبة النية والتوجه
رأي الشيخ محمد حسين يعقوب يختلف مع رأي الشيخ الحويني في صعوبة ضبط النية أو تحقيق الإخلاصة، فهو يقول أن هذا الموضوع صعب بينما الحويني يقول أنه أمرٌ سهل، وأنا أتفق مع الشيخ يعقوب.
الصعوبة تكمن في مستويين اثنين، الأول هو في ضبط البوصلة في البداية قبل الشروع في العمل، والثاني بعد الشروع في العمل، والأمر صعد للسطح وأصبح له أهمية في هذا العصر (عصر النشر الرقمي) فأنت قد تنشر مقالة أو فيديو أو حتى منشوراً في الفيسبوك أو تويتر، ربما تمكنت من ضبط النية في البداية وجعلت مرادك إرضاء الله، لكن قد تعود في اليوم الثاني وتجد أن منشورك قد لقيَ قبولاً وانهالت عليه مئات أو آلاف الاعجابات، حينها قد تتحرك البوصلة باتجاه البشر ومديح وأعجاب الناس.
لا أنكر أن الأمر شائك، فقد يرد أحدهم ويقول أن النية قد ثبتت ولا يمكن تغيير ما تم إثباته، وأن موضوع العجب الذي يحدث بعد العمل هو موضوع آخر ليس له علاقة بالنية الأولى، بمعنى أن الأجر قد كتب حين قمت بالعمل وأغلقت الصفحة، وما يحدث بعد ذلك يكتب في صفحة أخرى سواءً بالسلب (إن دخل العجيب إلى قلبك ونسيت توفيق الله لك) أو بالإيجاب (أن حمدت الله وأرجعت الفضل كله لله).
عموما، لابن القيم بعض الكلام في هذه النقطة في كتاب الوابل الصيب صفحة ٢٢ وما بعدها.
ليس الزواج بالثانية هو الحل
إن أتتك رغبة في الزواج بحسناء غيداء تعيد لك ماء الشباب بعد أن وصلت للأربعين من عمرك، وبعد أن ولدت لك الأولى البنات والبنين، وانشغلت عنك بأعباء الحياة ومسؤليات الأسرة، فلا تنخذع بهذه الفكرة، فالزمن يسير للأمام لا يرجع إلى الخلف، والحل هو أن تشد وتسرع من خطواتك حتى تظفر بالحسن البهي، والجمال النقي، لقد قطعت نصف المشوار أو أكثر، ولم يبقى إلى القليل حتى تصل لنهاية المطاف في مسيرة الحياة، فتنتقل إلى حياة النعيم (إن شاء الله) وحينها ستحضى بما ترغب وأكثر.
إذاً ليكن اهتمامك الأكبر هو في كيفية الفوز، أجِّل كل الرغبات والمتع إلى تلك الفترة التي باتت قريبة، واصرف التفكير عن رغبة الجسد وهوى القلب إلى الفوز بأكبر قدر من المكانة السامية والقصور العالية في الجنة الموعودة، استغل الوقت، شمر عن ساعديك، اعمل الصالحات، ولا تنسى التزود من الإيمانيات من التزام بالصلاة وذكر وحسن خلق، ولا تنسى الصيام فإنه يطفئ مثل هذه الرغبات كما يطفئ الماء النار.
فلسفة الشكر
هل من كتاب يتعمق في مسألة شكر الله (فلسفة الشكر وآلياته ووو…الخ) أتمنى أن يقع بين يدي مثل هذا الكتاب.
عندي قناعة راسخة أن الشكر هو أسمى مراتب القرب من الله، والموضوع يطول ويحتاج لمقالة طويلة وربما كتاب كامل، لكن بشكل عام الشكر متعلق بالأفعال أكثر منه بالأقوال، والشكر من جنس النعمة، فأن تشكر الله على الصحة يعني أن تساعد المرضى وتخفف من معاناتهم، وأن تشكر الله على المال يعني أن تعطي المساكين ومن تعسرت الحياة في وجوههم، وأن تشكر الله على العلم يعني أن تعلم الناس بدون مقابل، وهكذا.
الإنسان العادي يؤدي العمل كي يحصل على مقابل، ليس شرطاً أن يكون مقابلاً مادياً، فالبعض يعمل لينال الشكر ويشعر بالفخر، أو من أجل مصلحة مستقبلية وغيرها من النوايا التي قد تكون خافية على المرء، أما الشكر فهو فعل بدون رد، يسير في اتجاه واحد ليس له مقابل.
الشخص العادي يعمل العمل بهدف الحصول على ما يقابله، والشخص الشاكر لله تحتوي حياته على أعمال وأنشطة يبغي بها وجه الله، أما العارف الحق بالله فإن كل أعماله وحياته هي شكرٌ لله، ومع ذلك قد يتلقى مقابل على بعض أعماله لكن هذا لا يهمه، لأنه يعلم أن هذا العطاء هو من رب الأرض والسماء، والدليل على صدقه أنه إن انقطع العطاء لم ينقطع هو عن العمل أو يتكاسل. قد يعمل في مصلحة حكومية كموظف عادي يستلم راتبه كل شهر لكنه يعمل ليس للراتب بل شكراً لله، وهذا يترتب أن يراعي أن يكون في عمله فائدة ومصلحة للعباد أو إصلاحاً للبلاد، فهو يشكر الله على نعمة الصحة والوجود في هذه الأرض بأن يساهم في إعمارها ومساعدة الآخرين لإنجاز اعمالهم وتيسير حياتهم، وهذا الموظف بالتاكيد سيكون موظف مثالي مجتهد لإنجاز عمله.
فائدة العلوم والأفلام الوثائقية
سألني ابني بعد أن أنهى مذاكرته لمادة العلوم: “ما الفائدة من دراسة هذا التفاصيل الدقيقة للنباتات والكائنات الحية” أجبته “أن تعرف الله أكثر”.
قبل سنوات تنبهت لأمر مهم، وهو أن الأفلام الوثائقية تساعدنا على معرفة الله وتقوي إيماننا به، هي فرصة لأن نتعلم كيف (نسبح الله) بشكل أفضل، فالتسبيح هو تنزيه الله وتعظيمه، وقد ورد في آيات بعد أن سرد الله لنا بعض تفاصيل هذا الكون وما فيه من أشياء عجيبة (وكل شيء فيه عجيب)، فأنت كلما اكتشفت بعض تفاصيل الخلق والكون ازداد تعجبك، وازداد تعظيمك لمن خلق كل هذا الجمال وكل هذه الدقة والقدرة، وليس تسبيح العارف (ببعض أسرار الكون) كتسبيح الجاهل، إذا: وسيلة مهمة لمعرفة الله هي التعرف على تفاصيل خلقه، وهذه الأفلام الوثائقية وسيلة سهلة وفعالة لمعرفة أسرار الخلق.
أنا أتحدث هنا عن الغير متخصص في مجالات العلوم، عن الطالب الذي يدرس تفاصيل كثيرة في كتب العلوم طيلة سنوات الدراسة وفي نهاية المطاف سيتخصص في مجال ليس ليه علاقة بهذا كله، عن الإنسان العادي الذي يشاهد الأفلام الوثائقية عن الأرض والحيوان والنبات والفضاء، هذا الإنسان ليس له فائدة من كل هذه المعرفة إلا أن يتعرف على الله أكثر، إلا أن يسبح الله بشكل أفضل.
إذاً، لنقرأ أكثر، لنشاهد أكثر، ولنسبح الله في الصباح والمساء.
مركز للأبحاث والدراسات الإيمانية
لماذا لا يوجد مركز (أو مراكز) بحثية متخصصة في المسائل الإيمانية، قد يقول قائل: المراكز البحثية هي للعلوم والإيمان ليس من جملة العلوم، سأجيب وأقول أن لدينا مشكلة بخصوص هذه النقطة، وهنا أتذكر ما قاله الشيخ العجيري في حلقة (غذاء الروح) من بودكاست “نقطة” عندما قال أن الصحابة كانوا يتعلمون الإيمان، ثم تساءل، كيف يمكن للشخص أن يتعلم الإيمان، وهل الإيمان علم يمكن تعلمه ؟؟
أعود وأقول: ما أعنيه بمركز للأبحاث الإيمانية هو أن يكون هنالك كيان بحثي يقوم بإجراء البحوث والاستبيانات والدراسات، مثلاً هنالك دراسة طويلة دامت سبعين سنة لاكتشاف أسباب سعادة الناس، كانت مبنية على استبيانات ومتابعة ومراقبة لحيوات الناس المشاركين فقط، وبالمثل لماذا لا يكون هنالك دراسة من قبيل (أثر الصلاة على السعادة) وتتم بنفس الكيفية، أو دراسة عن (الخشوع في الصلاة) بحيث يكون هنالك مشاركون يتم متابعتهم على فترة زمنية محددة، ويكون هنالك استبيانات واستطلاعات وغيرها من الوسائل البحثية المعروفة، الفرق أن يتم استخدامها مع الأمور الإيمانية المتعلقة بالقلب، ويكون هذا المركز متخصص في إجراء هذه الدراسات ويخصص له دعم مالي ويتعامل مع باحثين ومراكز بحثية أخرى وغيرها من الشروط.
عن الرغبات التي لا تتحقق
الأهداف التي تتمناها في الحياة الدنيا تنقسم إلى قسمين، قسم منها يتحقق ولو بعد حين، وقسم آخر لا يتحقق وتكتشف فيما بعد أنك كنت مخدوع بتلك الرغبة أو ذلك الهدف، أو تكتشف أنه لم يكن خيراً لك أو أنك سلكت طريقا أفضل منه (أو يتأجل هذا الاكتشاف الى الحياة الأخرى)، المهم أنه هدف لم يكن يصلح لك منذ البداية.
من الوهم أن نظن أننا من نحقق الأهداف أو نتحصل على الرغبات، الله سبحانه هو من يعطينا بكرمه (وأنا لا أنكر هنا ضرورة السعي وبذل السبب)، وقد نريد شيء معين وهو يعلم أنه لا يصلح لنا، أو أن هنالك ما هو خير منه، فيمنعه عنا، ومن رحمته أننا قد نعرف هذا بعد سنوات فنتيقن أننا كنا مخدوعين برغباتنا تلك.
بشكل عام، الأمر يحتاج لعمر كامل حتى تكتشف جانباً من خطة الله لك وتتيقن أنه أرحم بك من نفسك.
التزود بالقرآن
قال لي: “كم أحب هذا النشاط الأسبوعي، حين أذهب مبكراً إلى المسجد (البعيد) وأمر من حارات وشوارع وأسمع كلام الله وهو يتلى عبر مكبرات الصوت، وهي عادة هذه المدينة حيث يذيع كل مسجد القرآن الكريم قبل الجمعة بنصف ساعة، وكل مسجد يختار ما يشاء من المقرئين الذين يطربون القلب بتلاواتهم، وينعشون الروح بكلام خالقها، وقد جرت العادة أن تعلق في ذهني آية من تلك الآيات وأنا أمشي، ثم أمسكها في عقلي فأظل أتأمل وأفكر فيها، فينتعش قلبي بحقائق القرآن، فأستمر في المشي حتى يغيب صوت التلاوة السابقة وتتلقى أذني صوت تلاوة جديدة من جامع آخر، فتعلق في ذهني آية جليلة من تلك الآيات، فأعود للتفكر فيها وفي حياتي، وتتفاعل حقائق القرآن بما لدي من تجارب ومعارف، فتصبح بذلك زاداً معرفياً وروحياً يسيرني خطوات إضافية، وأستمر على هذا الحال حتى أصل للمسجد الذي أبغيه، إن مشوار الجمعة الطويل هو فترة محاسبة وتفكر وتزود روحي وإيماني، فأضيف إلى خطبة الجمعة خطبة العقل بينه وبين نفسه وتدبرا في آيات الله، فما أعظمه من نشاط وما أحسنه من وقت مبارك”.
فائدة القراءة في تخفيف الإرادة
نشرت فيديو في قناتي عن عشر فوائد للقراءة وكيف ساهمت القراءة في تغيير حياتي خلال العام الماضي، والحقيقة أن هنالك أمر مهم لم أذكره في الفيديو، أمر بدأ بالتغير فيّ من الداخل، وقبل أن أذكر هذا الأمر أريد التنويه إلى نقطة: أنني لا زلت أتغير بالكتب والقراءة، بمعنى أنني كلما قرأت كلما تغيرت نحو الأفضل، وسأبقى في عملية التغيير حتى الممات ان شاء الله، وهكذا كل إنسان، فلا يوجد نهاية ومرحلة يمكن أن يصل إليها، بل هنالك سلم نضل نصعد فيه حتى تُقبض ارواحنا.
المهم،، الشيء الذي بدأ بالتغير ببداية هذه السنة، أني أصبحت أرى التحصيل المعرفي أمر مهم وغاية تستحق أن أكرس لها وقتاً أطول، إنني أصبحت أجد متعتي في القراءة وتحصيل المعرفة، (وهنالك طرق كثيرة لتحصيل المعرفة)، أحياناً أقول في نفسي: لم أعد أريد من هذه الدنيا إلا القراءة والكتب، بمعنى أن قلبي هدأ قليلاً، كان يريد ويريد ويريد، أما الآن، فما أن أقدم له كتاباً دسماً حتى يذهل عن الإرادات الأخرى، ويقع في حب الكتاب والمعرفة التي فيه، فيهدأ ويريحني، لقد صارت القراءة غاية بعد أن كانت وسيلة، لكن كيف تكون القراءة وسيلة؟، مثلاً حين تقرأ كي تصير مثقفاً، هنا هي وسيلة والغاية أن (تكون مثقفاً)، أو أن تتعلم بهدف أن تنشر العلم، وهنا القراءة أصبحت وسيلة، وقد يكون هدف النشر أصلاً وسيلة لغاية أخرى (كي تحقق مكاسب مالية مثلاً)، وهذا أمر خاطئ في نظري، لأنك ستحرم نفسك السعادة، فقد تسعى لتحقيق تلك الغاية فلا تنجح (لا تتمكن من النشر على نطاق واسع)، لكن حين تكون الغاية هي (أن تعلم) و (أن تعرف)، فلن يضيرك شيء، سواءٌ عرف الناس بك أم لم يعرفوا، سواءٌ شهدوا لك أنك مثقف أم لم يشهدوا، سواءٌ نشرت كتب وأصبح إسمك علماً أم لم يعلم بك أحد، يكفي أنك حين تموت ستموت وأنت (عارف) أو (عالم)، ويكفي أنك بهذا العلم أنت تسهل على نفسك طريق معرفة الله.
لا أدعي أنني أقرأ لأني أريد أن أعرف الله، لكني أعتقد أن هذا هو ما يجب أن تكون عليه النية والقصد، أن نقرأ في مختلف العلوم والمعارف -وليس فقط في الإسلاميات- بهدف أن نعرف الله أكثر، وطريق الله ليس عبر كتب الفقه والعقيدة فقط، بل في كل فروع العلم والمعرفة لأن الله هو واجد كل شيء، وكل شيء يعود إلى الله، وكل شيء يقود إلى الله ( أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ).
وما بكم من نعمة فمن الله
هذه الآية عميقة ولها ارتباط مهم في حياة الإنسان فتأمل معي: يمكن أن نقول أن هنالك يقظتان للمؤمن، الأولى هي عندما يتقين من أن الله هو المنعم عليه في كل ما حوله، لكنه يغفل عن أمر مهم، أن الله هو المنعم عليه بهذه اليقظة (التوبة) فيسلك في طريق الله ويلتزم ويستمر على ذلك ما شاء الله أن يستمر، لكن قد يعود إلى الغفلة أو العصيان أو البعد عن الله (وقد يكن الإنسان متلزماً ظاهراً لكن قلبه بعيدٌ عن الله) والسبب في ذلك لأنه ظن (وإن لم يدرك ذلك) أنه هو من تاب وهو من التزم وهو الذي فعل وفعل، لقد فهم هذه الآية (وما بكم من نعمة فمن الله) بطريقة ناقصة، فيستمر على البعد ما شاء الله أن يستمر، حتى يتعلم الدرس ويدرك أن الهداية والإيمان هي (نعمة) وداخلة في تلك الآية، أن ما كان به من نعمة الهداية سابقاً كان من الله ولم يكن من نفسه، ربما كان يحمد الله كثيراً على نعمة المال ونعمة الصحة وغيرها الكثير من النعم التي كانت تحيط به، لكنه كان يغفل عن أكبر نعمة، نعمة الإيمان، فلم يكن (قلبه) يحمد الله عليها، وربما دخل عمله بعض العجب والشعور بالتميز على الآخرين لأنه يصلي ويصوم ويفعل الخيرات، وهذا هو سببب بعده وغفلته بعد الهداية.
ثم تأتي التوبة الثانية والالتزام الحقيقي، حين يدرك يقيناً (لا كلاماً) أن نعمة الإيمان هي هبة من الله، وأنها أعظم نعمة وتستحق الحمد والشكر أكثر من غيرها، حين يتعمق فهمه لهذه الآية الكريمة فيعرف أن كل النعم التي به (بما فيها الإيمان) هي من الله، فيفيض قلبه حمداً على هذه النعمة قبل أن ينطق لسانه، ويعيش ذليلاً شاعراً بالتقصير مهما عمل من طاعات ومهما قدم من قربات، لأنه كلما أدى طاعة أو قدم قربة استشعر أنه الله هو الذي هداه ووفقه وأن حلاوة الإيمان التي يشعر بها هي من الله فلا يجد في قلبه إلى الامتنان المشوب بالذل لخالقه سبحانه وتعالى.
يقول الشيخ البوطي رحمه الله (بعد أن ذكر جانباً من حياة المسنين الغير مؤمنين): “هنا أُدرِك قيمة الإيمان ولذة الإيمان وسعادة الإيمان (ويبكي وهو يقول ذلك)، والله كنوز الدنيا والآخرة لا تعادل كنز الإيمان بالله عز وجل، هذه حقيقة ينبغي أن نعلمها” انتهى كلامه رحمه الله.
بقية سلسلة (بيني وبين عقلي) هنا