بيني وبين عقلي (الأسبوع الأول 2021)

١. الكثير من الإيمان قد لا يكفي

وقعت على فيديو قصير للبوطي رحمه الله، يتحدث عن ذكر الله وقلبه يكاد يخرج من بين ظلوعه، وعيناه تكادان تذرفان دمعاً، ثم جالت بنفسي هذه الخاطرة:

المقدار الكبير من الإيمان مهم لأي شخص أياً كان عمله أو تخصصه، فالإيمان طاقة للعمل الصالح ووسيلة للسعادة الدنيوية، لكن قد لا يكون هذا المقدار كافياً لأن يصبح المرئ داعياً إلى الله، فالدعوة إلى الله (بحق) لا تأتي إلا بعد أن يتخم القلب ويمتلئ بالإيمان، ويصبح العبد إلى الله أقرب منه إلى الناس، فلا يجد إلا أن يتحدث عن حبيبه ويدل الناس إلى طريقه، وهذا المقدار الكبير من الإيمان يحمي صاحبه من الإنزلاق في مستنقعات الرياء والسمعة، أما صاحب المقدار المحدود من الإيمان، فقد ينهار سريعاً أمام مغريات الحشود ولمعان العدسات.

ولهذا يجب التنويه لنقطة مهمة، هي أن المرئ يجب أن يتمهل قبل أن يقرر أن يصبح داعياً إلى الله، ولا أقصد هنا النصيحة أو توجيه من حولك ومن تعول (فهذا أمرٌ واجب) بل أقصد التصدر والتخصص والظهور للعلن والنشر عبر الشبكات والفضائيات.

وبهذه المناسبة أتذكر أحد الشباب الذين سايرته قبل أن يدخل الجامعة، كان يحب أن يكون داعياً إلى الله، وكان يحاول تقليد المشائخ والدعاة، وقد أحسست أن هنالك خلل ما، فهذه الرغبة ليست نابعة من ضغط الإيمان وقوة في حب الله، لم يصل لنقطة الإمتلاء فيبدأ بالسيلان والبوح، بل هي رغبة نابعة من تقليدٍ للمشائخ والدعاة، لذلك يجب تنويه الشباب الصغير، وأن نوجههم للاستزادة في كلا الأمرين، العلم والإيمان، وأن يستمروا في غور غمار الحياة فهم بذلك يتعرفون أنفسهم ودواخيلها، وبهذه المعرفة يمكن لهم فيما بعد تحديد مجالهم واختيار مسارهم.

٢. مصلحة حكومية تصبح فائدة جسدية ومعرفية

خرجت لقضاء مصلحة معينة، وقد تفحصت الموقع عبر خرائط قوقل قبل الخروج، فوجدته خمسة من الكيلومترات، فلمع في ذهني أن أضرب عصفورين بحجر، أن أقضي مصلحتي وأمارس الرياضة، فقد مضت عدة أيام دون أن أحرك القلب ببطينه وأذينه، ولم أضخ الدماء بقوة عبر الشرايين والأوردة، فقررت أن أهرول عبر تلك الكيلومترات بدلاً من استقلال الحافلة، فلبست البدلة الرياضية والحذاء المخصص وانطلقت أهرول وأحافظ على نمط هادئ حتى أتمكن من إنجاز هذا الهدف الصعب، فأنا لست من محترفي الجري، صحيحٌ أني أجري في بعض الأيام لكن كيلو أو اثنان، فكانت تجربة جديدة وتحدياً حماسياً.

وقد اتصلت لصديقي الذي سبقني فقال أنه استلم رقماً وهو ينتظر منذ أكثر من نصف ساعة، فلم أكد أتحسر على الوقت الذي سيهدر حتى تذكرت أن كتابي في جيبي بداخل هاتفي، وأني أنتهز الفرصة للقراءة، ففرحت أني سأنتظر لأنه سيتاح لي وقتٌ للقراءة.

أرأيت يا صديقي، كيف يمكنك تبديل الليمون الحامض عصيراً رائقاً، وأن تضرب عصفورين بحجر، وأن تجد وقتاً للقراءة والجري ولتطبيق الحياة المثالية الرائعة وسط ضغوطات الحياة ومسؤوليات الواقع.

٣. شَكت المساجدُ للأقدار

في مسجد وسط المدينة، دخلت لأصلي فإذا بالمسجد قد امتلأ، فوجدت مكان بين الأمكنة، ثم تأملت كيف أن هذا العارض الذي اعترض الحياة (كورونا) قد جعل المساجد تمتلئ، ليس بكثرة المصلين بل بتباعدهم، فبين الرجل والرجل فراغٌ لرجلين.

ربما أن المساجد قد اشتكت تراكم الأتربة على سجاجيدها المتأخرة نهاية المسجد، فالكثير من المساجد لا تجد فيها إلا صفٌ أو صفين، بالرغم أنها في حارات مليئة بالعمارات الشامخة التي يمكن لسكانها أن يملؤو المسجد وضعفه، فاستجابت الأقدار للشكوى وأرسلت هذا التنبيه الصغير، فتباعد الناس ووصلت الصفوف إلى المنتهى.

4. سر تسبيح الكون ما هو؟

في الآية رقم 43 من سورة النور، يقول الله (ألم تر أن …) ثم سرد لنا ظاهرة نشاهدها في كل البقاع والأصقاع، إنها تراكم السحب وخروج الماء من بينها ونزول الأمطار، هو ظاهرة وأمر نشاهده بأعيننا، ولذلك قال الله (ألم ترَ)، وفي الآية التي قبل قبلها (رقم 41) بدأت الآية بعبارة (ألم ترَ)، ومن الطبيعي أن يكون ما بعدها أمر يمكن رؤيته أو مشاهدتها أو حتى ملاحظته واستنتجاه بالعقل، لكن قد يستغرب المرء حين يعلم أن هذا الأمر (الذي ابتدأه الله بـ ألم ترَ) هو تسبيح الكائنات لله عز وجل (ألم ترَ أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات، كل قد علم صلاته وتسبيحه، والله عليم بما يفعلون) فكيف هو هذا التسبيح يا ترى، وهل يمكننا ملاحظته بحواسنا؟

أعتقد والله أعلم أن هنالك ما يمكن اكتشافه من وراء هذه الآية الكريمة، أن العلم يمكن أن يصل لحقائق معينة في الكائنات فنرى (أو نلاحظ بحواسنا) كيفية تسبيح كل المخلوقات لله، قد يتم اكتشاف هذا الأمر (الذي سيكون مشتركاً بين الكائنات) في المستقبل بواسطة العلم، وحينها يعلم المؤمن أن هذا هو شكل وطريقة تسبيح الكائنات لله سبحانه.

أعتقد أن هذه الإشارة في القرآن، وأتمنى أن يقوم نفرٌ من المسملين بالتعمق والبحث بنية الوصول إلى سر تسبيح الكائنات، فقد يتم اكتشاف أمر عظيم، أمر يجعل العلماء يدخلون إلى الإسلام فراداً وجماعات، فالعلم يقرب نحو الخالق سبحانه يوماً بعد يوم.

إضافة: بحثت سريعاً في النت فوجدت كتاب باسم (تسبيح الكون)، لكني لا أعتقد أنه أجاب عن هذا السؤال، في الغالب هو يجيب عن سؤال (ماذا) وليس سؤال (كيف)، قد يذكر المؤلف تفاصيل علمية عن المخلوقات ثم يقول أن هذه هي أشكال التسبيح، فإن كان هذا هو ما حصل فعلاً في الكتاب فالمؤلف لم يضف جديداً، لأن السؤال هو: ما هو الشيء الواحد المشترك بين كل الكائنات، أحياءها وجمادها، والذي لا يمكن تفسيره إلا أنه تسبيحاً لله.

5. شابٌ عاطل يسأل الناس عملاً

اليوم، وفي الصباح بينما أمارس رياضة المشي، مر شاب بقربي وسألني ما إذا كنت بحاجة لعامل أو لدي فرصة عمل له، استغربت وهززت رأسي بالنفي، ثم مضى قدماً، ورأيته يتوقف عند شخص آخر يعمل في شاطئ ويسلم عليه ويسأله ربما نفس السؤال، ويمضي أمامي كذلك ويتوقف عند شاب آخر، ثم عند صاحب محل كافيتريا، وهكذا كان يمشي ويسأل الناس وأصحاب المحلات عن أي فرصة عمل.

كان الشاب مهندماً في لبسه، يظهر عليه التأدب والحياء، فعلق ذهني به وجلست أفكر فيه، قلت: ما دفعه إلى هذا إلا الحاجة، ربما يريد إكمال تعليمه (يظهر من سنه أنه لم يدخل الجامعة بعد) ربما يريد المساعدة في إعالة أسرته، ربما وربما، أكيد له قصة تختبئ خلفه لا يعلمها إلا علام الغيوب، لكن رغم ذلك هو مثال وقدوة للشباب الآخرين، لأنه لم يقف مكتوف اليدين، كانت الأبواب كلها مغلقة في وجهه لكنه أبى إلا أن يتحرك ويسأل الناس ليس ذلا وهواناً، بل طلباً للعمل الشريف، لم يقف مكتوف اليدين باطلاً في داره نائماً في صباحه ومسائه، بل خرج في الصباح الباكر حين توزع الأرزاق يطرق الباب تلو الباب، وأنا متأكد أنه إن تمسك بالصبر واستمر بالمحاولة أنه سيجد باباً يفتح أمامه، وهذه هي سنة الحياة.

وقد تذكرت حينها شابٌ آخر التقيته في القاهرة قبل شهرين، كنت أمشي في شارع شعبي مزدحم، وكان يمشي أمامي محملاً بحقيبة مليئة بالأقلام والأدوات المكتبية الصغيرة، كان يعرض الأقلام للناس والمارة بسعر أرخص من المكتبات، ثم مشيت حتى حاذيته فالتفت إلي وقدم إلي عرضه، مجموعة من سبعة أقلام زرقاء وحمراء بعشرة جنيهات فقط، رفضت ومشينا قدماً، ثم التفت إلي وقال: “أنتوا ما ينفعش معاكم إلا المكتبات” في إشارة تهكميه منه إلا أننا نرفض الرخيص ثم نقبل على المكتاب ونشتري منها بالسعر الأغلى، وقد آلمتني تلك العبارة، وعاتبت نفسي وقلت: لماذا لا أشتري منه الأقلام حتى لو لم أكن بحاجة إليها، يكفي أن أدعمه وأساهم في استمرار باب رزقه، فتوقفت وناديته واشتريت منه الأقلام، ولقد كانت أقلام جدية فعلاً، ولازلت أستخدمها إلى الآن.

الرسالة التي أريد تمريرها لمن يقرأ: إن كنت شاباً قليل الحيلة، فلا تقف عاجزاً، افعل أي شيء، اعمل في أي عمل ولو كان بسيطاً، أو اشتري أقلاماً بالجملة واخرج إلى الشارع لتبيعها، المهم لا تقف مكتوف اليدين. وإن كنت رجلاً أو صاحب عمل أو وسع الله عليك، ففكر دائماً في هؤلاء الشباب، الذين لم يحصلوا بعد على الشهادة والخبرة، ساهم في فتح أبواب الرزق لهم، أو على الأقل: اشتري منهم حين يبيعونك بضاعتهم، ولا تبخسهم أشياءهم، افرح بكل قرش تنفقه عند الشراء منهم، لأنك بهذا تفتح لهم أبواب الأمل، وتعينهم في بداية حياتهم، وتذكر، أن هنالك من كان بجوارك حين بدأت مشوار حياتك، سخره الله كي يأخذ بيدك ويدفعك للأمام، سواءٌ أب أو قريب أو صديق.

6. الشغف الزائد يؤدي للفشل

بدأَتْ قناة يوتيوب لتعليم الطبخ ومشاركة الوصفات، كان حماسها وشغفها كبير في البداية، وهذا الشغف كان السبب في أن وَصَلَتْ للإحباط واليأس بعد ثلاثة أشهر فقط، كانت مستعجلة على النتائج في حين أن المنافسة أصبحت شديدة والمحتوى اليوتيوبي أصبح غزيراً، والأمر يتطلب لإبداع كبير وصبر أكبر، لذلك توقفت بعد عدة أشهر بعد أن رأت أن النتائج ضعيفة والانتشار للقناة بطيئ جداً، فأين كانت المشكلة؟

المشكلة كانت الحماس الزائد لتحقيق النتائج، في الشغف الكبير الذي يجعلك تركز على النجاح بدلاً من الاستمتاع بالأداء، هذه نقطة مهمة جداً وخاصة للأهداف بعيدة الأمد، أما تلك القصيرة فلا مشكلة، أما بالنسبة للأهداف البعيدة؛ فيقول الخبراء أن المفترض هو اكتساب العادات التي تؤدي في نهاية المطاف وبعد فترة طويلة إلى الوصول للهدف، بمعنى أن يتحول الشغف إلى عادة روتينية يومية يستمتع المرء بأدائها ويمضي في مشواره بروية وهدوء، لا بشغف وشوق.