الأفكارُ طيور مُحلِقة، ما دُوّن منها ثبت، وما تُرِك منها فلت.
إن كانت القراءات (علم)، والتفسير (علم)، فإن تدبر القرآن الكريم هو بحرٌ ليس له نهاية، وكل إنسانٍ في هذه البسيطة ينهل منه بقدره.
قوة اللغة العربية وثباتها عبر القرون
يقول الله في سورة المجادلة ( الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) تأمل كيف نطقنا كلمة (أمهاتهم) في الأولى وفي الثانية، لقد تغير التشكيل بناءً على موقع الكلمة، تغير نطقنا بطريقة طفيفة وهذا التغير يترتب عليه أشياء ويشرح أمور ويدل على مدلولات، وهذا من أمور النحو التي تحتاج إلى تعلم ودراسة، ثم تأمل كم يواجه دارس اللغة العربية الأجنبي من صعوبات، فعلاً اللغة العربية معقدة وفيها جوانب كثيرة تزيدها رفعة وسمواً على باقي اللغات.
والأدهي من هذا كله، أن هذا التقدم وهذه الرفعة في لغتنا العربي ليست ولدية الزمن الحاضر الذي تقدمت فيه العلوم والتقنيات، بل إن اللغة هي ذاتها لم تختلف منذ مئات السنين، منذ نزول القرآن الكريم الذي نزل على العرب وهم في أعلى قمة تطور البيان الإنساني (كما يقول به بعض العلماء)، فحفظ مكانتها في تلك النقطة، فبقت عالية سامية ولم تتأثر بالمتغيرات ولا المدلهمات، حتى وصلتنا هذه اللغة الرائعة والتي هي بحر يستحيل أن يصل أي سباح إلى نهايته.
نحمد الله أن جعلنا عَرباً (بفتح العين لا بضمها، وإلا تغير المعنى جذرياً هههه)
بتلف تلف وترجع تاني لصاحبها
هنالك مثلٌ مصري يقول “الشتيمة تلف تلف وترجع تاني لصحابها” وأنا لم أجرب هذا صراحةً، لكني جربت آمراً آخر، وهو فعل الخير، أو العمل الذي لا تبغي من ورائه مقابل، يلف يلف ويرجع الخير إليك من طريق آخر ومسار لم يكن ربما في حسبانك.
لك الخيار أن تتقاضى مالاً على عملك الصالح أياً كان، وهو حقٌ مشروع، وأيضاً لك الخيار أن تقوم بعمل من الأعمال (مع إمكانية أن تتربح منه) لكن بدون تربح، فقط من أجل أن يستفيد الآخرون، وأنت حين تفعل ذلك، أنت ترسل ذلك العمل إلى جهة ثم تتلقى الأجر عليه من جهة أخرى، قد يختلف المكان والزمان، وقد تختلف العملة أيضاً، ليست العملات النقدية هي كل العملات، هنالك أنواع أخرى، مثلاً: لنفرض أنك تستخدم هاتفاً، وهذا الهاتف مقدر له أن يعمل لديك مدة سنة فقط، لنفرض أنه تقرر في علم الله أنك ستقوم بحركة غبية بعد سنة تقريباً من الشراء، فتوقعه فينكسر، لكن وياللعجب، حين يأتي ذلك الموعد المحدد، سينجو الهاتف بشكل عجيب، لقد تم تغيير مجريات الأقدار لصالحك، لقد رزقك الله سنة أخرى في عمر هذا الهاتف، أو لنقل بعبارة أخرى، لقد وفرت مئة أو مئتين دولاراً، إنها عملة أخرى، إنه رزقٌ آخر، وقد يكون هذا الرزق هو بسبب ذلك العمل الذي بذلته بدون عائد مباشر.
تموت الأفكار إن لم تتحول إلى منتجات
مررت على مقالة قوية، فيها عمق في التفكير وبصيرة في النظرة، ثم تتبعت الكاتب فرأيته ينشر في مدونة منزوية في زاوية رقمية لا تُرى بعين الجماهير، قد يكون ممن لديه أفكار ذات قيمة عالية، وأن أفكاره تلك تستحق الانتشار ويمكن أن تساهم في نهضة أمة أو شعب، لكنها ستبقى مطمورة حتى وإن عُبّر عنها في مقالات أو تغريدات، إلا أن تتحول إلى منتج فكري يسهل تبادله.
أن تتحول الأفكار إلى منتج فكري يعني أن تجتمع تحت راية واحدة (ربما عنوان كتاب) أو أن يضم شعثها خيط واحد (ربما سلسلة في اليوتيوب) أن تكون متكاملة لها بداية ونهاية، أن تكون على هيئة يسهل تبادلها وتناقلها ومن ثم بقاؤها إلى أجيال أخرى، وبالطبع هذا يحتاج إلى جهد ووقت وتفرغ، وقبل ذلك إلى إطلاع وتفكير وتعمق، والله المعين في كل ذلك.
بذل الخير وخداع النفس
البعض تجده مبادر لبذل الخير، وأكبر أنواع الخير هو المال، فقد تجده ينفق ويعطي المحتاج سواءً كان قريبه أو صديقه الذي يحبه، لكن ماذا لو كان هذا اللي مر بضائقة مالية ليس من جملة أحبابه، ربما كان بينهم موقف قديم جعل التنافر حاصل بينهما وإن كان خفياً، ثم دار الزمان دورته وحصل موقف عصيب على هذا الشخص القريب وأصبح محتاجاً لسلفة مالية مثلاً، وهنا يكمن الاختبار ويظهر الصادق من الكاذب في إخلاصه.
حين تعطي قريبك الذي تحبه، أنت هنا لا تدري هل أنت مخلص فعلاً، هل تعطي لوجه الله حقاً، أم أن المحبة لها دور كبير في مبادرتك هذه، ثم ماذا عن هذه المحبة، هل دورها محوري كبير بحيث تكون الأساس في الإنفاق؟ أم دورها ثانوي يحفز ويشجع؟ أمور صعب أن يعرفها الإنسان لأنها من دقائق القلوب.
لكن الفرصة تأتي حين يكون الشخص المحتاج هو ممن لا تحب، وليس بينك وبينه مصلحة أخرى، وأنت قادر على مساعدته، هنا يمكن أن تكتشف نفسك (إن كنت ممن يهتمون بمعرفة أنفسهم) فإن بادرت وأعطيت رغم ما في قلبك من كره له ودون رجاء مصلحة (مثلاً أن تثبت له أنك أفضل منه أو أي غاية أخرى في قلبك تريد تحقيقها)، هنا يمكنك أن تفرح لأنك عملت هذا الخير العظيم (تفريج كربة أخيك) وأنت مطمئن أنك فعلت ذلك لوجه الله.
بائع المناديل
رأيته اليوم يبيع مناديلاً في الشارع، وقبل أشهر كان يبيع بسكويتات وعصائر للأطفال على الرصيف، هو شخص ليس بكامل قدرته العقلية كما يبدو، لكنه يصر على البيع، وقد لا تكون الحاجة المادية هي ما يدفعه للعمل، فهو ذو ملابس نظيفه وهيئة جيدة، لكنه -كأي إنسان في هذه الأرض- يجب أن يستمر في عمل شيء، لأن أضرار البطالة أكبر من أضرار الفقر، البطالة أمرٌ خطيرٌ قد يودي بالإنسان إلى الموت (اكتئاب ثم انتحار في أسوأ الأحوال) لكن لا أحد يموت من الجوع، الله قد تكفل بالأرزاق لكنه سمح لنا بتحديد مصائرنا، فلا خيار لك إلا أن تعمل، إعمل أي شيء وإن كان بسيطاً، المهم أن يكون صالحاً.
لقراءة الخواطر السابقة … انقر هنا