بيني وبين عقلي – أبريل/مايو 2021

خطة الله لوصولك إليه

بِتُّ أوقن أن الغاية حياة الإنسان هو معرفة الله سبحانه وتعالى، ولكل إنسان مساره الخاص للوصول، وليس الجميع يصل لنفس المستوى، ولكنهم يتفاوتون تفاوتاً يقسمهم بعد ذلك إلى (أصحاب اليمين) و (المقربين) وفي كل قسم مستويات عدة، والإنسان لا يدرك ذلك إلا بعد أن يصل لمرحلة متوسطة أو متقدمة من العمر، لكنه أدرك أم لم يدرك، سوف يقترب لا محال ويعرف الله أكثر إن كان من المؤمنين، فخطة المعرفة هذه تقتضي أن تستجيب أولاً لما أراده الله وهو المسار الذي سيحملك إليه ويقربك منه، واقصد هنا الالتزام بالإسلام والترقي في مراتب الإيمان، بل وحتى من يركبون مراكب أخرى قد حرفت وبدلت (الأديان الأخرى) هم يصلون كذلك عبر مراكبهم تلك إلى درجات معينة، لكن طبعاً المركب الأصلي الذي رضيه الله لنا دينا هو القادر على إيصالك بأفضل ما يمكن إلى مستوى من المعرفة يؤهلك للفوز بالمكانة الأكثر سمواً في الحياة السرمدية.

متابعة قراءة بيني وبين عقلي – أبريل/مايو 2021

كورونا … آية من آيات الله

لدي من الأبناء ثلاثة، أصغرهم هو أفضلهم مناعة وأقواهم صحة بحمد الله، لكن قبل سنوات؛ وبعد ولادته بأيام؛ أصيب بالبرد، وزاره السعال الشديد لأيام كثيرة، كانت قلوبنا تتقطع ونحن نشاهده يسعل يومياً وعلى مدار الساعة، ولأنه كان صغيراً جداً فقد صَعُب علينا إعطاؤه أي دواء، فانتظرنا حتى شفاه الله بدون علاج.

سجل هذه المعلومة عندك، فسنعود إليها لاحقاً.

الآن سأحدثكم عن الموضوع الرئيسي الذي حثني على الكتابة، وهو موضوع البشرية الرئيسي اليوم وشغلها الشاغل، هذا الفيروس الحقير في حجمه والخطير في أثره؛ الجندي الذي أرسله الله إلينا كي نتعلم دروساً كثيرة لا حصر لها.

“لا تخرج قبل أن تقول لا إله إلا الله” تذكرون هذه العبارة والتي كانت تُلصق على بعض الصور الغريبة (والمفبركة في كثيرٍ من الأحيان)، ثم تنشر في الفيس ويطلب صاحبها من كل من يشاهد أن يكتب أو يقول كلمة التوحيد قبل أن يخرج، هذا هو حالي بالضبط حين أتابع المواقع الإخبارية هذه الأيام، فلا أخرج من تلك الصفحات إلا بعد أن أقول (لا إله إلا الله) و (آمنت بالله).

بالنسبة لي؛ ما يحدث هذه الأيام هو دليل كافٍ على وجود الله، وقدرة الله، وعظمة الله، هو دليل لكل إنسان كي يؤمن بالإله الواحد، بأنه هو القوي الفعال لما يريد، والمتصرف في الكون، وغيرها من الصفات التي تفرّد بها سبحانه.

بالأمس وأنا أتابع الأخبار، تذكرت الآية الكريمة (وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله)

وأنا هنا أتحدث عن البشرية ككل وليس عن شعب أو دولة بعينها.

هل منعتنا حصوننا (العلمية) اليوم من هذا الجندي البسيط؟ ماذا عن حصوننا (التقنية) والتي سمحت لي اليوم أن أكتب من غرفة منزلي لتقرأ أنت في بقعة أخرى من الكرة الأرضية، الحصون التقنية التي سهلت لنا اكتشاف الأمراض ومكافحتها والتلقيح ضدها، حصوننا (الطبية) التي وصلت إلى مرتبة عظيمة ربما لم تصل إليها البشرية في أي عصر آخر، هذه حصون وتلك حصون ولازال الإنسان يبني الحصون.

أن لا أقول أن لا نبني الحصون، بل واجبٌ علينا الاستمرار في البناء، وإلا فلمَ خلقنا إذاً؟

أنا أقول أن (لا يظن) الإنسان أن تلك الحصون (قد) تمنعه من الله، بل أن (لا تسول له نفسه) أن يظن مثل هذا الظن الشنيع.

طبعاً القلوب بيد الله، وأنا لا أدري ما قد يظنه جاري القريب، فكيف لي أن أعرف ما يجول في خاطر ذلك الإنسان البعيد.

لكنه يبقى درس، تبقى آية من آيات الله، موعظة بليغة للبشرية أن تفيق وتعي وتدرك الأخطار وتتأمل أين تمضي.

آيات الله موجودة لدينا منذ مئات السنين، مسطورة في الكتاب تتلى ليلاً ونهاراً، تتسرب بهدوء إلى قولب المؤمنين، لكن العالم اليوم أصبح صاخباً جدا، وكأن سريان الآيات بهدوء لم يعد يجدي معه، في عصر الدولار واليورو، في عصر الصراخ والعويل (الذي يسمى غناءً في قاموس هذا العصر)، في عصر أصبح الإنسان فيه بعيداً عن مصدر وجوده، عن النور الذي يهدي قلبه، في عصر انتشرت فيه الفواحش الباطنة، تلك التي تصل بالمجان إلى كل من يمتلك خط اتصال، في عصرٍ أصبح الشذوذ الجنسي فيه أمراً مقبولاً ومقنناً (في العالم الغربي).

حين لم تعد الآيات الهادئة تصل للآذان وسط هذا الصخب، أتتنا آية مدوية، قوية لدرجة أن صداها رج الأرض رجاً لم يعرف أبناء هذا الجيل مثله، فوصل صداها إلى كل الدنيا في أيامٍ وأسابيع قليلة، أصبح شغلنا الشاغل، أغلق المدن، وأقفل المطارات، أعلنت البشرية حالة الطوارئ.

ما بالكم يا قوم… إنه مجرد فيروس لا يرى بالعين المجردة، لم نقل بعوضة، لم نقل ذبابة، بل أصغر من ذلك بكثير، وهو لا يقتل نصف من يصيب، إنما فقط 3 أو 4%، أيحدث فيكم هذا المخلوق الصغير هذا الرعب الكبير؟

نعم، يحدثه فينا ويحدث أكثر من ذلك، أتدرون لماذا؟ ليس لأنه قوي (هذا الفيروس) بل لأننا ضعفاء، نعم هذا هو السبب، نحن ضعفاء مهما بنينا من حصون لنواري سوأة ضعفنا، سنبقى ضعفاء، وسيبقى هو -سبحانه- القوي.

أنا لا أتحدث هنا بمنطق (العقوبة) فهذه أمور يعلمها الخالق وليس لنا دخل فيها، فلقد ترك الله أصحاب الأخدود يفعلون ما يريدون وسمح لذلك الجرم الشنيع (إحراق المؤمنين أحياءً) أن يتم في نطاق ملكه وأخّر عقوبتهم إلى يوم القيامة، قد يفعل الله ذلك، وقد يعجل بالعقوبة أيضاً إن أراد، قد يستجيب لدعاء الضعفاء في الحال، وما أدراك أن دعوة من قلب وليٌ من أوليائه ناله الظلم فتوجه إلى الله بقلبه المكلوم ورفع يده لمن لا ترد عنده الأيادي، فلم ينزلهما حتى نزل أمر الله المحتوم، ألسنا نعرف حديث (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب).

طيب فما ذنب الناس الأبرياء، وما ذنب الأطفال والعجزة؟

إن هذه الآية، وغيرها من الآيات، هي من مظاهر رحمة الله سبحانه وتعالى، فحين لم تعد البشرية تستمع لآيات الله الهادئة (المكتوبة)، ظهرت لنا هذه الآية المدوية التي صرخت فينا بأعلى صوتها، حتى نعي وندرك أن سعادتنا في الحياتين لن تكون إلا في كنف الرحمان وفي إطاعة أمره بإذعان.

واعلم أن الله (له في خلقه شئون)، فما يصيب الإنسان من أمر، إلا وله حكمة ومغزى، فهذا يُؤدَب، وذاك يُكَفّر عنه الذنوب، وآخر لكي يصحو، ورابع لكي يتعلم، والله أدرى بخلقه، فما لنا وللخلق، يعذب من يشاء ويرحم من يشاء، إنما علينا الاشتغال بأنفسنا، بأن نتعظ ونتعلم، ونستمر على الصالح من العمل.

وقد يقول قائل؛ فما بال الطفل إن أصابه ابتلاء أو مرض، وهو الذي لم يعرف من الدنيا شيء، أي جرم قد ارتكب كي يعاقبه الله عليه، وأي درس يمكنه أن يتعلمه من مرضٍ أو وجع.

أعود وأقول (لله في خلقه شئون) وهل تقدر أنت أيها المسكين أن تحصي (شئون الله وطرائقه) ألم أخبرك في بداية المقالة عن ابني الذي اشتدت مناعته وقويت صحته، وقد كان ذلك بسبب المرض الذي ألمّ به بعد ولادته، الألم والعذاب الذي تجرعه وتجرعناه نحن معه بقلوبنا، ذلك الألم الذي أدى إلا أن يصبح أفضل إخوانه صحة وأقواهم مناعةً، وهذا بحمد الله وفضله أولاً وأخيراً.

أرأيت …. لقد حمدتُ الله للتو، شكرته على هذه النعمة، هذه النعمة التي كنت أراها قبل سنوات ألماً وعذاباً، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على ضعفي وجهلي، إلى ضعف الإنسان وقلة حيلته، مهما بنى من حصون، مهما ظن أنه قادر، هو الضعيف دائماً وأبداً.

إن علينا أن نتوب، أن نعود، نلجأ بضعفنا إلى قوته، نعود لآياته المسطورة ونتلوها حق التلاوة، وأن نعمل الصالحات ونستمر في البناء والتشييد، على أمل أن نفوز بمحبة الله وروضوانه، فهل يمكن أن يشقى من رضي الله عنه؟ لا، بل يسعد سعادة لا مثيل لها.

رضي الله عنّا وعنكم، وعافانا وإياكم، ولطف بنا وبكم.

الإنسان وكورونا والسينما الغربية

هنالك العشرات، وربما المئات مما يسمى بأفلام الخيال العلمي والرعب وغيرها من الأفلام التي يبدع فيها الإنسان بتخيل أفضع الأمور وأشد المصائب التي يمكن -ولا يمكن- أن تحدث للبشرية.

عشرات الأفلام التخيلية التي تحكي تفشي الفيروسات وموت الناس (هذا مثال)، بل أسوأ من ذلك، أن يتحول الإنسان إلى (زومبي) يقتل بعضه بعضا، تُصدّر تلك الافلام ويستمر إنتاجها سنة بعد أخرى وتصرف فيها الملايين وتُسخّر لأجلها الجهود البشرية والتقنية لتصوير تلك الفضائع بأقوى المؤثرات البصرية كي تخرج واقعية إلى أبعد الحدود.

في حياتنا اليومية، إذا تحدث أحدنا بالسوء قلنا له أصمت لا تقل، إذا حلم أحدنا حلما سيئاً أصبح كاتماً له لم يحدث به أحدا كي لا تلتقطه يد الأقدار، نحن الذين نردد مقولة (لابن آدم ثلث ما نطق) فنقدم الكلام الطيب على السيء، ونتحدث بالخير دون الشر، ونتفائل ونكره من يتشاءم.

أنمتنع عن هذه الأمور في الكلام، ثم نطبقها بالصوت والصورة، في الأفلام؟

هاهو ما تنبأتم به طيلة العقود الماضية، فيروس صغير أحدث رعبا في العالم لا يوازي ربع رعب أفلامكم، ها هو الفأل السيء يتحقق في أبسط صُوره، ألم تنفقوا مئات الملايين في إنتاج هذا الشؤم عبر شاشات السينما وعبر أقراص  الترفيه المنزلي، ألم يشارك في حفلات الرعب تلك ملايين البشر حول العالم، لا أدري كيف أصبح هذا نوعا من “الترفيه”، أيعقل أن نشاهد الناس وهم يموتون ويتعذبون -وإن كان تمثيلاً- ثم نسمي هذا فناً، أما أنا فأسميه مسخاً للذوق وطمساً للإحساس.

الفن رسالة، والخيال وسيلة، والقصص التي تكتب بحرفية وحبكة ذكية؛ يفترض بها أن تساهم في تنمية الإنسان، وفي تشكيل الواقع المأول، ولو في الأذهان.

وأخيرا، وكما قال “تولستوي” في إحدى قصصه “بمَ يعيش الناس، فأتاه الرد: بالرحمة”، فالرحمة هي الباقية، بها نعيش وعليها نؤمل، رحمته سبحانه بنا ورحمتنا فيما بيننا، فهو الرحيم اللطيف الحليم، وسبحانه.

نسأله اللطف والسلامة، والعفو والعافية، لنا ولجميع خلقه.