بيني وبين عقلي – أبريل/مايو 2021

خطة الله لوصولك إليه

بِتُّ أوقن أن الغاية حياة الإنسان هو معرفة الله سبحانه وتعالى، ولكل إنسان مساره الخاص للوصول، وليس الجميع يصل لنفس المستوى، ولكنهم يتفاوتون تفاوتاً يقسمهم بعد ذلك إلى (أصحاب اليمين) و (المقربين) وفي كل قسم مستويات عدة، والإنسان لا يدرك ذلك إلا بعد أن يصل لمرحلة متوسطة أو متقدمة من العمر، لكنه أدرك أم لم يدرك، سوف يقترب لا محال ويعرف الله أكثر إن كان من المؤمنين، فخطة المعرفة هذه تقتضي أن تستجيب أولاً لما أراده الله وهو المسار الذي سيحملك إليه ويقربك منه، واقصد هنا الالتزام بالإسلام والترقي في مراتب الإيمان، بل وحتى من يركبون مراكب أخرى قد حرفت وبدلت (الأديان الأخرى) هم يصلون كذلك عبر مراكبهم تلك إلى درجات معينة، لكن طبعاً المركب الأصلي الذي رضيه الله لنا دينا هو القادر على إيصالك بأفضل ما يمكن إلى مستوى من المعرفة يؤهلك للفوز بالمكانة الأكثر سمواً في الحياة السرمدية.

متابعة قراءة بيني وبين عقلي – أبريل/مايو 2021

ملخص كتاب: أيها الولد، للإمام أبو حامد الغزالي

الكتاب رقم 5 لسنة 2020
كتاب صغير بعنوان “أيها الولد” للإمام “أبي حامد الغزالي” (150 صفحة)

هؤلاء العلماء الأجلاء، والربانيون العظماء، يكفي أن تقرأ لهم بعض النصح والعبارات التي تخرج من قلوبهم المخلصة (كما نحسبهم والله حسيبهم) لتجد أثرها وثمرتها في قلبك وحياتك، وخاصة إن أتبعت العلم العمل، ولقد كنت أريد أن أقرأ لأبي حامد الغزالي منذ زمن، منذ أن عرفت بعض جوانب سيرته العطرة من عدة محاضرات منشورة للدكتور عدنان ابراهيم في اليوتيوب، فعرفت أنه في فترة من فترات حياته ترك كل شيء وذهب مهاجراً إلى الله، يبحث عن قلبه ويرجو معرفة ربه، بعد أن وصل إلى مكانة مرموقة في الحياة وبعد أن أصبح عالماً مشهوراً، لكن كل ذلك لم يغنِ عنه وترك كل حياته خلفه وتوجه ليصبح عابداً في المساجد ودرويشاً في الجوامع، ثم ولد من جديد وعاد إلى الدنيا بضياء قلبه الذي امتلأ بحب الله، فألف وكتب لنا كتباً لازالت شموعاً بارزة في كل عصر.

لقد أردت أن أبدأ قراءاتي لكتب الشيخ بهذا الكتاب الصغير الخفيف، حتى يكون فاتحة خير، وخيط يدخلني إلى روضة مؤلفاته.

ملخص الكتاب

أصل كتاب الإمام الغزالي صغيرٌ جداً، لكن المحقق زاد عليه الكثير في البداية، فالكتاب يقع في 150 صفحة، نصفه الأول عبارة عن ثلاثة فصول زائدة على الكتاب، والنصف الثاني هو محتوى رسالة الإمام نفسها، وهنالك الكثير من الحواشي والتوضيحات على كلام الإمام (وتخريج الاحاديث والآيات) ولو حذفنا كل هذا لأمكن وضع هذه الرسالة في كتيب صغير.

والكتاب في مجمله يمكن أن يوضع في باب (الوعظ والتذكير) فهي نصائح من شيخ مشفق إلى تلميذه، ويمكن أن تعتبر أنها موجهة إليك، حيث لا يمل الشيخ من ترداد (أيها الولد) قبل كل موضوع، كما أن الكتاب يحتوي على الأحاديث والأخبار المرققة للقلب والموقظة لباعث الإيمان في النفس.

الفصل الأول (من تأليف المحقق) يحتوي على تعريف بالغزالي، والفصل الثاني فيه تعريف بهذه الرسالة والمصادر التي تم التزود بها لتحقيقها الرسالة وغيرها من التفاصيل الفنية، أما الفصل الثالث والذي يقع في 40 صفحة فقد خصصه المحقق لـ (آداب المتعلم والعالم) من كلامه وبعض المقتبسات من كلام الغزالي.

ثم يأتي الجزء الأصلي والذي فيه رسالة الإمام الغزالي إلى تلميذه. وهذه الرسالة كما يبدو أنه قد ألفها بعد تأليفه لكتابة الأشهر (إحياء علوم الدين) لأنه ذكره في بعض المواضع.

بدأ نصائحه الجليلة بالتشديد على أهمية الوقت وعدم إضاعته، ثم في قبول النصيحة، فهي سهلة لكن الصعب قبولها، ثم ذكر أمر آخر هو مشكلة عدم العمل بما تعلمت (أو بالنصيحة)، وهذه آفة كثير من الناس.

بعدها دخل في موضوع النية، فسأل تلميذه عن كم الليالي التي سهرها في التعلم، ثم سأله عن الباعث لذلك والقصد والنية، (فإن كانت نيتك نيل عرض الدنيا، وجذب حطامها وتحصيل مناصبها، والمباهاة بين الأقران والأمثال فويل لك ثم ويل لك، وإن كان قصدك …) ثم تكلم عن تطهير موضع نظر الله (القلب).

ثم توجه الشيخ في كلامه إلى مسألة (قيام الليل) وذكر الأحاديث والأخبار والآيات وشدد على الأمر، ثم تحدث عن موافقة الشرع في العمل، والاقتداء بالمعلم الأول (صلى الله عليه وسلم)، ثم تحدث عن أمر مهم:

قال رحمه الله (واعلم أن بعض مسائلك التي سألتني عنها لا يستقيم جوابها بالكتابة والقول، إن تبلغ تلك الحالة عرف ما هي وإلا فعلمها من المستحيلات، لأنها ذوقية، وكل ما يكون ذوقياً، لا يستقيم وصفه بالقول. كحلاوة الحلو ومرارة المر، لا تعرف إلا بالذوق) وهو يشير هنا إلى الحالات الروحية التي يصل إليها أولياء الله والصديقين، والتي لم يصلنا من أخبارها إلى الجزء اليسير، لأنك إن أردت أن تعرفها حقاً فعليك بالتجربة، لن تعرفها بالقول والكلام، وهذا الأمر المكنوف بالأسرار يجعل القلب يشتاق لأن يستكشف وأن يتذوق، وهذا لا يأتي إلا بكثرة الأعمال الصالحة، وإطالة الصلاة في الخلوات، والذكر بالقلب قبل اللسان، وغيرها مما يقرب العبد إلى ربه حقاً وليس تظاهراً.

ثم ذكر ما يجب على السالك، وهي أربعة امور: إعتقاد صحيح لا يكون فيه بدعة، (2) توبة نصوح لا يرجع بعدها إلى الذلة (3) استرضاء الخصوم حتى لا يبقى لأحد عليك حق (4) تحصيل علم الشريعة قدر ما تؤدي به أوامر الله تعالى، ثم من العلوم الآخرة ما يكون به النجاة.

ثم ذكر في مقال طويل ما حكاه (حاتم الأصم) عندما سأله (شقيق البلخي) عن ماذا حصل عبر الثلاث سنوات من مصاحبته له، فأجاب في ثمانٍ نقاط وفوائد، ذكرها بشيء من التفصيل، وملخصها كالتالي: (1) أفضل محبوب هو الذي يدخل معك قبرك ولا يفارقك وقت موتك، وهو العمل الصالح (2) مجاهدة النفس وعدم اتباع الهوى (3) بذل المحصول الدنيوي لوجه الله (4) اختيار التقوى لتكون مصدر العز والكرامة (5) عدم الحسد والرضى بما قسمه الله لك (6) لا تعادي أحد غير الشيطان (7) اليقين أن الرزق بيد الله والاشتغال بالعبادة وقطع الطمع عن ما سواه (8) التوكل على الله والاعتماد عليه.

ثم ذكر أهمية وجود الشيخ المربي في حياة السالك، وماهي مواصفاته، وما يجب على السالك من آداب نحوه، ثم ذكر صفتا الصوفي الحق (تجده تحت في الاقتباس رقم 11) ثم أجاب عن ماهية هذه الأشياء: العبودية (ص131) – التوكل (ص132) – الإخلاص (ص133).

تحدث بعد ذلك بكلام جميل (من ص133 إلى 135) عن الأمور الذوقية (التصوف) وكيف السبيل للوصل إليها.

ثم أورد ثمان نصائح، أربعة أمور يدعهن، وأربعة يتمسك بهن: أن يدع المناظرات إلا في حدود ضيقة جدا ووفق شروط خاصة، وحذر من أن تكون واعظاً إلا بشروط، وعدم مخالطة الأمراء والسلاطين وأن لا تقبل شيئاً من عطاياهم، وأما الأربعو التي ينبغي عليه فعلهن: أن تجعل معاملتك مع الله – حب لأخيك ما تحب لنفسك – أن تصب القراءة والمطالعة في اكتساب علم يفيدك وينجيك، وأخيراً: أن لا تجمع من الدنيا أكثر مما يكفيك لسنة، ثم ختم رسالته بدعاء أعطاه لتلميذه كي يدعو به، وقبل ذلك ذكر هذه العبارة:

أيها الولد: إني كتبت في هذا الفصل ملتمساتك، فينبغي لك أن تعمل بها ولا تنساني فيه من أن تذكرني في صالح دعائك.

اقتباسات جذبتني

1- “إن امرأ ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لجدير أن تطول عليه حسرته”
2- “روي أن الجنيد قدس الله روحه رُئي في المنام بعد موته، فقيل له: ما الخبر يا أبا القاسم؟ قال: طاحت العبارات وفنيت الإشارات، وما نفعنا إلا ركعات ركعناها في جوف الليل”
3-” أيها الولد: لا تكن من الأعمال مفلساً، ولا من الأحوال خالياً، وتيقن أن العلم المجرد لا يأخذ باليد”
4-“أيها الولد: لو قرأت العلم مئة سنة، وجمعت ألف كتاب، لا تكون مستعداً لرحمة الله تعالى إلا بالعمل لقوله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) وقوله تعالى (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً)”
5-” قال الحسن البصري رحمه الله: يقول الله تعالى لعباده يوم القيامة: ادخلوا يا عبادي الجنة برحمتي واقتسموها بقدر أعمالكم”
6-“قال الحسن رحمه الله (طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب) وقال (علامة الحقيقة ترك ملاحظة العمل لا ترك العمل)”
7-“أيها الولد: العلم بلا عملٍ جنون، والعمل بغير علم لا يكون”
8-” قال عليه الصلاة والسلام لرجل من أصحابه: يافلان … لا تكثر النوم بالليل، فإن كثرة النوم بالليل تدع صاحبه فقيراً يوم القيامة”
9-” قال سفيان الثوري: إذا كان أول الليل ينادي منادٍ من تحت العرش: ألا ليقم العابدون، فيقومون ويصلون ما شاء الله، ثم ينادي منادٍ في شطر الليل: ألا ليقم القانتون، فيقومون ويصلون إلى السحر، فإذا كان السحر ينادي مناد: ألا ليقم المستغفرون، فيقومون ويستغفرون، فإذا طلع الفجر ينادي منادٍ: ألا ليقم الغافلون، فيقومون من فروشهم كالموتى نشروا من قبورهم”.
10-“واعلم أن بعض مسائلك التي سألتني عنها لا يستقيم جوابها بالكتابة والقول، إن تبلغ تلك الحالة عرف ما هي وإلا فعلمها من المستحيلات، لأنها ذوقية، وكل ما يكون ذوقياً، لا يستقيم وصفه بالقول. كحلاوة الحلو ومرارة المر، لا تعرف إلا بالذوق”
11-” ثم اعلم أن الصوفي له خصلتان: الاستقامة، والسكون عن الخلق، فمن استقام وأحسن خُلُقه بالناس وعاملهم بالحلم فهو صوفي”
12-” أيها الولد: الباقي من مسائلك بعضها مسطور في مصنفاتي، فاطلبه ثمة، وكتابة بعضها حرام. اعمل أنت بما تعلم، لينكشف لك ما لم تعلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عمل بما علم ورثه الله ما لم يعلم.”