لم يزل الضمير ينخز لتركي للقراءة وللكتب، فحين أستعيد بعض الذكريات، أجدني من محبي القراءة من صغري، ففي مراحل الصبى، حين كنت ولداً يشق الطريق في المرحلة الإعدادية والثانوية، كنت أحب الإطلاع والقراءة، أخذت ذلك -ربما- عن والدي، وقد كان يشجعني باستمرار ويشتري لي الكتيبات والقصص، ولعلي أورد هنا بعض الأمثلة.
أتذكر قصص سفير، كان هنالك سلسلتين منها، سلسلة مغامرات وسلسلة خيال علمي، عشت مع تلك القصص أوقاتاً مميزة، سافرت بعقلي وخيالي إلى عوالم جديدة، وعجيبة، ثم كبرت، وكبر شغفي معي، كنت أقرأ بعض الكتب الممتعة من مكتبة أبي، مثل كتب الغرائب والعجائب، كتب الأسئلة والإجابات (سين جيم) وأحد الكتب في الفيزياء المسلية، وغيرها من الكتب مما كان يسهل هضمها.
أتذكر حين نويت أن أقرأ مختصر تفسير ابن كثير -والذي كان في ثلاثة مجلدات- لا أدري مالذي حملني على ذلك رغم صغر سني، بدأت اقرأ تفسير سورة مريم التي كنت أحبها، طبعاً لم أكمل التفسير ولم أصل لعُشره حتى.
أتذكر أول رواية قرأتها بالكامل، أو روايتين على الأرجح، لا أتذكر بأيهما بدأت، الأولى كانت “البحث عن امرأة مفقودة” والرواية الثانية لنفس المؤلف “دموع على سفوح المجد“، أما الأولى فقد عشت معها قصة حب قبل أن أعرف ماهو الحب، والثانية أدخلتني في عالم الحزن، قبل أن يتمرغ قلبي فيه، لقد تركتا في قلبي ندبة، ووضعتا علامة يصعب نسيانها.
ثم كبرت، وألهتني فترة الشباب المبكرة (أو المراهقة) عن القراءة، أنهيت الدراسة الثانوية ثم غادرت المكتبة والمنزل والبلد بأكمله، سافرت لأبدأ مرحلة جديدة لدراسة الجامعة، ثم تزوجت ودخلت معترك جديد، أحداث هنا وأحداث هناك، مضت السنوات سريعاً، وألهتني الحياة عن حبي الأول، عن القراءة.
أنهيت الدراسة الجامعية ثم عدت إلى أرض الوطن وقضيت سنة ونصف ثم سافرت من جديد إلى القاهرة وبدأت الماجستير، حتى قامت الثورات الشعبية، وسافرَت الزوجة وإبني الصغير، وعشت أياماً صعبة في قلق وحيرة، ولم يكن يخرجني من تلك الحالة إلى شيء واحد، هو القراءة.
في تلك الفترة عشت -حرفياً- نعيم القراءة، كان ذلك بين عامي 2011 و 2012، أحببت القراءة في المنتنزهات العامة، بجوار النيل، في الميادين وفوق المترو والأتوبيسات الكبيرة، كنت أقرأ حتى أخرج من الواقع إلى عالم الأفكار، كنت أقرأ لأعيد التوازن لحياتي وأهدئ من روعي، لقد بدأت مرحلة جديدة مع القراءة، مرحلة الحب والشغف.
للأسف أشغلتني الدنيا مرة أخرى، لم أبتعد حينها عن الكتب بشكل كامل لكني تكاسلت، وصار اهتمامي الأكبر هو في اقتناء الكتب وشرائها، والبحث عنها وقراءة ما قيل عنها، فكنت أقضي الكثير من الوقت متنقلاً بين صفحات Goodreads، وصرت أخرج من معرض الكتاب كل سنة برزم كبيرة من الكتب، جمعت الكتب بنية أن أبني لي مكتبة مستقبلية، وخاصة حين أعود لأرض الوطن، وبالفعل حين عدت مع كتبي الكثيرة المنوعة، أنشأت لها أرففاً جديدة بجانب كتب والدي، فصرت أشاهدها ليل نهار بفخر وأمسح على أغلفتها وأنظم أمكنتها، كنت أقوم بأشياء كثيرة، إلا أن أقرأها.
ومرت السنوات، وأتت الأزمات، ضاق الحال وتقطعت السبل، فكان الرحيل هو الحل، البحث عن أرض جديدة لتتنفس الروح، وتستمر الخطى، فأتيت إلى هنا، بجانب البحر، أبث له حزني، ويواسني وقت ضعفي، مرت أعوام قبل أن يستيقظ القلب من غفلته، قبل أن يكتشف خطيئته، حتى انتهى عام 2019، ودخل علينا العام الجديد، وفي أحد الأيام وأنا أسلي نفسي بفتات الفيسبوك، وقع نظري لمنشور الدكتور مروان الغفوري، والذي أورد فيه أسماء الكتب التي قرأها في 2019، فشعرت حينها بغصة في الحلق، وألم في الروح، شعرت بثقل الذنب الذي يخيم علي منذ سنوات، كنت أسوق الأعذار إلى نفسي، بأني مشغول، بأن لي هدف مهم يتطلب الإنهماك، وياله من عذر أخرق، لأني لا أمل من تضييع ساعات كل يوم في أمور جانبية، يكفي أن أخصص وقت الشبكات الاجتماعية للقراءة، إن كنت صادقاً مع نفسي.
حينها عزمت على التوبة، على العودة إلى القراءة، على أن يكون هدفاً محدداً وآلية واضحة، أن يكون أمراً ملزماً وغذاء لا ينقطع، أن تتحول إلى عادة لا يمكن الفكاك منها، أن تغدو القراءة من ضروريات الحياة، أن أستبدل قراءة الفتات ومشاهدة المسليات بقراءة الكتب الكاملة والدسمة.
فوضعت الهدف: 50 كتاب لعام 2020 أو أكثر، والآلية أن أنهي كتاباً كل أسبوع، بأي وسيلة كانت، المهم أن أستمر في القراءة، ولكي أشجع نفسي وألتزم على ذلك ، أعلنت هذا على الملأ، بل ودعوت الآخرين كي ينضموا معي إلى هذا التحدي، فكيف لشخص يدعو الآخرين لأمر ويشجعهم عليه ثم يكون أول من يترك وينقض، لقد وضعت نفسي كأول عربة في القطار، فالعربة الأولى لا يمكن أن تتوقف، مادام هنالك عربات من خلفها تدفعها إلى الأمام.
المهم، كان هذا ما حصل، وهاءنا -بحمد الله- أكتب بعد أن انقضى أول شهر في هذه السنة وأنا بحمد الله ملتزم بالقراء رغم بعض التقصير، بل أن هنالك أفكار أخرى بدأت بالتبرعم من رحم هذه العادة الحميدة، وقد تفتح القراءة أبواباً لم تكن في الحسبان، وتغير حياة الشخص لدرجة لا يمكن توقعها.
أخيراً: أحاول أن أنشر فيديو أسبوعي، عبارة عن خاطرة تخص القراءة، عبر اليوتيوب في قناتي الشخصية.
أحاول الالتزام بكتابة مراجعة أو تلخيص لكل كتاب أنهي قراءته، كي أذّكر نفسي به وبأهم ما قيل فيه، قبل أن أذّكر الآخرين، وسيشمل هذا التبويب أيضاً بعض المقالات المتعلقة بالقراءة وحب القراءة، وستكون جميع هذه المقالات في هذه المدونة -ان شاء الله- في تبويب خاص سأسميه “القراءة مستمرة“.
خطوة جميلة، أتمنى لك التوفيق
بدأت بمشوار القراءة المتواصلة منذ سنة 2013 وحتى الآن والحمدلله لم أتوقف عنها منذ تلك اللحظة
من الأمور التي ساعدتني على المواظبة على القراءة: المشاركة بنقاشات الكتب اونلاين، الاشتراك بتحديات القراءة، والتعرف على الكثير من الصديقات المحبات للقراءة والالتزام معهن بالقراءة.
ذكرتني جملتك هذه “أتذكر حين نويت أن أقرأ مختصر تفسير ابن كثير -والذي كان في ثلاثة مجلدات- لا أدري مالذي حملني على ذلك رغم صغر سني، بدأت اقرأ تفسير سورة مريم التي كنت أحبها، طبعاً لم أكمل التفسير ولم أصل لعُشره حتى.”
بنفسي، فعلتها في اول سنة من القراءة المتواصلة، وقتها أمي أخبرتني أنني لن استطيع وتحديتها، وعندما رأت ان الكتاب ملأه الغبار أخذته مني 😀 لكن الحمدلله الآن استطيع إنهاء المجلدات والإستفادة منها أكثر من السابق
ماشاء الله، أمر عظيم وجهد مبارك، وقريباً ستنبت تلك البذور وتكبر تلك الأشجار لتجني ما فيها من ثمار بعد سنوات إن شاء الله، القراءة تثمر، لكنها تحتاج إلى تربة ناضجة، وأعني بذلك خوض تجارب الحياة والتعلم في مدرستها، وهذا لا يتأتى إلا بخوض التجربة الإنساية بما فيها من تعب ومعناة وفقد، بجانب الفرح والبهجة والحب وجميع المشاعر والأعاصير الداخلية.