قرأت قصة “العجوز والبحر” وهذا كان انطباعي

كتاب رقم 3 في 2020
رواية أو قصة “العجوز والبحر” لـ “أرنست همنجواي” (116 صفحة)

اخترت هذه القصة لشهرتها، ولأني أريد البدء في قراءة روايات عمالقة الأدب العالمي، فبدأت بشيء يسير، وقد وجدت في النت هذه القصة بثلاثة ترجمات، كنت أحياناً أتنقل بين ترجمة وأخرى، حين لا تعجبني إحداهن أو أجد فيها بعض الصعوبة في بلع الكلام أو تعيقني عن السرعة في القراءة، بدأت القصة بحماس، ثم قل الحماس في منتصف القصة بسبب التفاصيل الكثيرة الغير مثيرة، لكن نهاية القصة كان مميزاً وأظهر ما في القصة من حكمة دفينة ودرس بليغ.

كتبت هذه الكلمات فور الانتهاء من قراءتها:

“هي قصة تختصر حكاية الإنسان في الأرض، صراعة من أجل البقاء، حكمته التي يكتسبها خلال سنين العمر، فتتجسد في تصرفه تجاه موقف، أو صبره أمام أمرٍ عسير، وقد تتجسد تلك الحكمة في حوار يجريه مع عصفور تائه في عباب البحر، أو مع سمكة يجاريها ليظفر بخيرها.

هذه القصة رغم صغر حجمها، إلا أنك تمضي معها بنفس طويل، بهدوء جليل، تكاد من جلاله أن تسمع خفقان قلبك، هو هدوء يسبق العاصفة، فما تلبث أن يتحول إلى ضجة تخلفها عزيمة الإنسان المتقدة، فتتحول برودة المياه الزرقاء إلى لهب يحتدم من أجل البقاء، فتظهر أمامك خصال الإنسان القوية، وترتسم في مخيلتك لوحة صراعاته الأبدية.

قصة قد تشعر معها ببعض السأم في بدايتها، حين تتحرك الساعة ببطئ، ومع هذه الوتيرة المتثاقلة، تتعرف فيها على شخصية البطل عن قرب، وتنتقل -شعورياً- من جو المدينة الصاخب إلى هدوء البحر القاتل، تختلي فيها مع بطل القصة ليخبرك عن “من هو” وعن لمحة من ماضيه، وتتعرف فيها على بعض التفاصيل التي تغيب عنك لحياة البحر والصيد.

هي قصة يراها كل شخص من زاويته، ويستخلص منها كل إنسان حكمة بحسب سنه، فقد يراها الشاب المقبل على الحياة، ملحمة للبطولة والإصرار وصفحة من صفحات الكفاح والنضال، بينما قد يراها الشيخ الذي ابيض شعر ذقنه، قصة من قصص الصبر والتأني، والتمهل بدل الاستعجال، قد يجدها محب الطبيعة رحلة للتأمل والتفكير وسط محيط أزرق وتحت سماء زرقاء، وقد يجدها الزاهد في الحياة، صورة من صور الأخذ بعد العطاء، وأن هذه الدنيا لا تساوي شيء، فما هي إلا ابتلاء.

سوف يأخذك الكتاب في رحلة إلى عالم الصياد المخفية، إلى تطلعاته وصبره، إلى جلده وقوته، تكتشف فيها عالمه الداخلي وخلجات صدره التي لا يعرفها أقرب الناس إليه، ستعيش مع شخصيات أخرى ليست من البشر، وستتولد في صدرك بعض المشاعر والمودة لما ليس بعاقل، ستتفاعل مع الأحداث، ستكون ثاني اثنين، تراقب وتتعلم، تفرح وتحزن، وأحياناً قد تتألم.

عبر قارب الكلمات، ستعيش مع الصياد في قاربه، تسمع حديثه مع نفسه، وأحياناً مع من حوله، قد تشعر بألمه وقد تنكشف لك بعض مشاعره، وكلما غاص القارب في البحر غصت أنت في بحر كلمات الرواية، فما تلبث تلك الرتابة إلى أن تتحول إلى أحداث متسارعة، وما تلبث النهاية بالانكشاف إلا وتتخذ مسلكاً مختلفاً، لم تكن تتوقعه، وحين تنتهي من القراءة، تطوي الصفحات، وتغلق الكتاب، ثم تجلس مع نفسك وتسترجع ما حصل غير مصدق كيف حصل، لكنه أمر منطقي جدا، كما هي الحياة التي تستغرب أحداثها الموجعة ثم حين تفكر فيها، تجدها منطقية، لأنها هكذا، لأنها الحياة.”

الفلسفة لغير المتفلسفين؛ مراجعة كتاب: مبادئ الفلسفة

الكتاب رقم 1 في 2020
إسم الكتاب: مبادئ الفلسفة
تأليف: أ. س. رابوبرت
ترجمة: أحمد أمين
عدد صفحاته: 138
( متوفر بنسخة رقمية في موقع هنداوي)

بدأت به بسبب ما أجد في نفسي من انجذاب لهذا المجال الذي لا أعرف عنه سوى طراطيش كلام، وقد رأيت أن هذا الكتاب قد يكون مناسباً لأفتح لعيني نافذة تطل على هذا العالم وأعرف أعمدته الرئيسية، وقد كان كتاباً جيداً شاملاً لأمور كثيرة، كما يعتبر مدخل تعريفي وتاريخي جيد للفلسفة.

الكتاب قديم نوعاً ما، تم تأليفه قبل أكثر من 100 سنة، لكن هذا لا يؤثر كثيراً عن قيمة الكتاب وفائدته في هذا العصر، كونه يتطرق أساساً للمنابع التاريخية التي ظهرت فيه الفلسفة وفروعها، وهو العصر اليوناني حين أوغل العقل الإنساني في التفكير فيما حوله من طبيعه وما وراء الطبيعة أيضاً.

يُعرّف الكتاب الفلسفلة في بادئ الأمر بعبارات بسيطة سهلة ويشير إلى أن الإنسان هو كائن متفلسف بطبعه، وأن كل إنسان هو فيلسوف صغير بمعنى من المعاني ودرجة من الدرجات، ثم يبدأ الكتاب بسرد فروع الفلسفة وتخصيص فصل منفصل لكل فرع من الفروع، وبداية كل فصل يسرد المؤلف كلاماً نظرياً سهل الفهم جميل البنية كمدخل لفهم هذا الفرع.

يضيف المترجم فصلاً إلى الكتاب عن الفلسفة الإسلامية كون الكاتب الأصلي لم يذكرها لا من قريب ولا من بعيد، حيث وقد خصص المؤلف فصلاً كاملاً لتاريخ الترقي الفلسفي وقسم الأزمنة والعصور بطريقة مجملة ليعطي القارئ نظرة شمولية لتاريخ الفلسفة وكيف تطورت وعن أهم رموزها وشخصياتها.

أما الجزء الثاني من الكتاب فقد كان عن مسائل الفلسفة ومذاهبها، وفيه تطرق لثلاث مسائل مهمة آخرها (نظرية المعرفة) والتي تطورت وتعمقت الكتابات فيها في القرن السابع والثامن عشر الميلادي، حين بدأت بعض عقول الفلاسفة تعيد النظر إلى الأصل والمنبع، إلى المعرفة وكيف نتلاقها أو ننتجها.

الكتاب يفتح عينيك إلى أمور كثيرة، هو مدخل وباب لمن يحب استكشاف كيف يفكر العقل البشري وكيف يصل إلى الحقائق والنتائج بنفسه من خلال التفكير والنظر والتجربة، قد تتعرف من خلال الكتاب على مباحث وأمور جديدة يعطيك فيها خيطاً لتكمل أنت المشوار عبر كتب أخرى متخصصة أكثر.

يوجد في آخر الكتاب معجم لأشهر الرجال الذين ورد ذكرهم في الكتاب، وهو جزء مفيد للتعرف أكثر على بعض الفلاسفة، فيما لو أراد القارئ أن يتبحر في مجال من المجالات بعد إتمام الكتاب، فيبحث عن كتب أخرى كتبها فلاسفة ومتخصصون.

لقد كانت قراءة جيدة وممتعة ومفيدة، وقد فتحت شهيتي للقراءة في بعض مباحث الفلاسفة ولبعض رجالها.

قراءة خمسين كتاب كهدف لعام 2020

لم يزل الضمير ينخز لتركي للقراءة وللكتب، فحين أستعيد بعض الذكريات، أجدني من محبي القراءة من صغري، ففي مراحل الصبى، حين كنت ولداً يشق الطريق في المرحلة الإعدادية والثانوية، كنت أحب الإطلاع والقراءة، أخذت ذلك -ربما- عن والدي، وقد كان يشجعني باستمرار ويشتري لي الكتيبات والقصص، ولعلي أورد هنا بعض الأمثلة.

أتذكر قصص سفير، كان هنالك سلسلتين منها، سلسلة مغامرات وسلسلة خيال علمي، عشت مع تلك القصص أوقاتاً مميزة، سافرت بعقلي وخيالي إلى عوالم جديدة، وعجيبة، ثم كبرت، وكبر شغفي معي، كنت أقرأ بعض الكتب الممتعة من مكتبة أبي، مثل كتب الغرائب والعجائب، كتب الأسئلة والإجابات (سين جيم) وأحد الكتب في الفيزياء المسلية، وغيرها من الكتب مما كان يسهل هضمها.

أتذكر حين نويت أن أقرأ مختصر تفسير ابن كثير -والذي كان في ثلاثة مجلدات- لا أدري مالذي حملني على ذلك رغم صغر سني، بدأت اقرأ تفسير سورة مريم التي كنت أحبها، طبعاً لم أكمل التفسير ولم أصل لعُشره حتى.

أتذكر أول رواية قرأتها بالكامل، أو روايتين على الأرجح، لا أتذكر بأيهما بدأت، الأولى كانت “البحث عن امرأة مفقودة” والرواية الثانية لنفس المؤلف “دموع على سفوح المجد“، أما الأولى فقد عشت معها قصة حب قبل أن أعرف ماهو الحب، والثانية أدخلتني في عالم الحزن، قبل أن يتمرغ قلبي فيه، لقد تركتا في قلبي ندبة، ووضعتا علامة يصعب نسيانها.

ثم كبرت، وألهتني فترة الشباب المبكرة (أو المراهقة) عن القراءة، أنهيت الدراسة الثانوية ثم غادرت المكتبة والمنزل والبلد بأكمله، سافرت لأبدأ مرحلة جديدة لدراسة الجامعة، ثم تزوجت ودخلت معترك جديد، أحداث هنا وأحداث هناك، مضت السنوات سريعاً، وألهتني الحياة عن حبي الأول، عن القراءة.

أنهيت الدراسة الجامعية ثم عدت إلى أرض الوطن وقضيت سنة ونصف ثم سافرت من جديد إلى القاهرة وبدأت الماجستير، حتى قامت الثورات الشعبية، وسافرَت الزوجة وإبني الصغير، وعشت أياماً صعبة في قلق وحيرة، ولم يكن يخرجني من تلك الحالة إلى شيء واحد، هو القراءة.

في تلك الفترة عشت -حرفياً- نعيم القراءة، كان ذلك بين عامي 2011 و 2012، أحببت القراءة في المنتنزهات العامة، بجوار النيل، في الميادين وفوق المترو والأتوبيسات الكبيرة، كنت أقرأ حتى أخرج من الواقع إلى عالم الأفكار، كنت أقرأ لأعيد التوازن لحياتي وأهدئ من روعي، لقد بدأت مرحلة جديدة مع القراءة، مرحلة الحب والشغف.

للأسف أشغلتني الدنيا مرة أخرى، لم أبتعد حينها عن الكتب بشكل كامل لكني تكاسلت، وصار اهتمامي الأكبر هو في اقتناء الكتب وشرائها، والبحث عنها وقراءة ما قيل عنها، فكنت أقضي الكثير من الوقت متنقلاً بين صفحات Goodreads، وصرت أخرج من معرض الكتاب كل سنة برزم كبيرة من الكتب، جمعت الكتب بنية أن أبني لي مكتبة مستقبلية، وخاصة حين أعود لأرض الوطن، وبالفعل حين عدت مع كتبي الكثيرة المنوعة، أنشأت لها أرففاً جديدة بجانب كتب والدي، فصرت أشاهدها ليل نهار بفخر وأمسح على أغلفتها وأنظم أمكنتها، كنت أقوم بأشياء كثيرة، إلا أن أقرأها.

ومرت السنوات، وأتت الأزمات، ضاق الحال وتقطعت السبل، فكان الرحيل هو الحل، البحث عن أرض جديدة لتتنفس الروح، وتستمر الخطى، فأتيت إلى هنا، بجانب البحر، أبث له حزني، ويواسني وقت ضعفي، مرت أعوام قبل أن يستيقظ القلب من غفلته، قبل أن يكتشف خطيئته، حتى انتهى عام 2019، ودخل علينا العام الجديد، وفي أحد الأيام وأنا أسلي نفسي بفتات الفيسبوك، وقع نظري لمنشور الدكتور مروان الغفوري، والذي أورد فيه أسماء الكتب التي قرأها في 2019، فشعرت حينها بغصة في الحلق، وألم في الروح، شعرت بثقل الذنب الذي يخيم علي منذ سنوات، كنت أسوق الأعذار إلى نفسي، بأني مشغول، بأن لي هدف مهم يتطلب الإنهماك، وياله من عذر أخرق، لأني لا أمل من تضييع ساعات كل يوم في أمور جانبية، يكفي أن أخصص وقت الشبكات الاجتماعية للقراءة، إن كنت صادقاً مع نفسي.

حينها عزمت على التوبة، على العودة إلى القراءة، على أن يكون هدفاً محدداً وآلية واضحة، أن يكون أمراً ملزماً وغذاء لا ينقطع، أن تتحول إلى عادة لا يمكن الفكاك منها، أن تغدو القراءة من ضروريات الحياة، أن أستبدل قراءة الفتات ومشاهدة المسليات بقراءة الكتب الكاملة والدسمة.

فوضعت الهدف: 50 كتاب لعام 2020 أو أكثر، والآلية أن أنهي كتاباً كل أسبوع، بأي وسيلة كانت، المهم أن أستمر في القراءة، ولكي أشجع نفسي وألتزم على ذلك ، أعلنت هذا على الملأ، بل ودعوت الآخرين كي ينضموا معي إلى هذا التحدي، فكيف لشخص يدعو الآخرين لأمر ويشجعهم عليه ثم يكون أول من يترك وينقض، لقد وضعت نفسي كأول عربة في القطار، فالعربة الأولى لا يمكن أن تتوقف، مادام هنالك عربات من خلفها تدفعها إلى الأمام.

المهم، كان هذا ما حصل، وهاءنا -بحمد الله- أكتب بعد أن انقضى أول شهر في هذه السنة وأنا بحمد الله ملتزم بالقراء رغم بعض التقصير، بل أن هنالك أفكار أخرى بدأت بالتبرعم من رحم هذه العادة الحميدة، وقد تفتح القراءة أبواباً لم تكن في الحسبان، وتغير حياة الشخص لدرجة لا يمكن توقعها.

أخيراً: أحاول أن أنشر فيديو أسبوعي، عبارة عن خاطرة تخص القراءة، عبر اليوتيوب في قناتي الشخصية.

أحاول الالتزام بكتابة مراجعة أو تلخيص لكل كتاب أنهي قراءته، كي أذّكر نفسي به وبأهم ما قيل فيه، قبل أن أذّكر الآخرين، وسيشمل هذا التبويب أيضاً بعض المقالات المتعلقة بالقراءة وحب القراءة، وستكون جميع هذه المقالات في هذه المدونة -ان شاء الله- في تبويب خاص سأسميه “القراءة مستمرة“.