شعر برغبة قوية بالكتابة، الكتابة جعلته يشعر بالتحسن، بدنيًا ونفسيًا، كان يستعد للرحيل، لكن الكتابة أعادت له رمق الحياة الأخير، إنه أسامة الدناصوري في كتابه هذا الذي وثق فيه سيرة حياته، مقتطفات من أيامه وبعض أفكاره، بلغته السهلة المريحة، وقفشاته التي تعكس روحه الجميلة، لقد بدأ بالكتابة في أبريل 2006، وانتهى منه في آخر العام، ثم توفاه الله في الشهر التالي، لقد أمده الله بضعة أشهر حتى ينهي كلماته الأخيرة، ويحول حياته التي علم بها المقربون فقط، إلى كلمات يقرأها الأبعدون أيضًا، فيأخذ كل قارئ منها ما يأخذ، أما أنا فإني قد أخذت العبرة ودلوًا كبيرًا من شعور الامتنان.
متابعة قراءة مراجعة كتاب/ كلبي الهرم كلبي الحبيبCategory: القراءة مستمرة
مراجعة كتاب: صيد الخاطر – ابن الجوزي
أتممت بحمد الله قراءة كتاب (صيد الخاطر) لابن الجوزي، والحمد لله أن يسر لنا هذا الكتاب وسخر لنا من يحققه ويخرجه أجمل إخراج، فقد قرأته من نسخة جيدة تزيد عدد صفحاتها عن 800 صفحة، وهي إلى الأصل أقرب كما بين المحقق، حيث استعان بعدة مخطوطات وبذل مجهوداً واضحاً في اخراج الكتاب (هو الشيخ طارق بن عوض الله بن محمد أبو معاذ ) وقد حملته من موقع المكتبة الوقفية (هذا الرابط) وأرجو أن لا أكون آثماً في ذلك.
ولقد نويت وبدأت في قراءة وتسجيل بعض الخواطر القيمة ثم نشرها في قناتي في اليوتيوب، وهذا ما أقوم به حالياً، ,اتمنى أن أتم هذا العمل حتى نساهم في نشر أفضل ما في هذا الكتاب القيم، بل حتى استخلص أفضل ما فيه وأودعه قناة اليوتيوب وقناة التلجرام كي أعود إليها بين الفينة والأخرى لأذكر نفسي وأجدد الهمة.
سأذكر هنا أبرز المعالم التي ميزت هذا الكتاب، والتي عكست أفكار المؤلف، فأول ما تعرفه عنه، أنها صاحب همة عالية، وأنه يحب العلم والقراءة حبًا جما، ففي خاطرة متأخرة يذكر أنه قرأ أكثر من 20 ألف مجلد، ولا يخفى هذا على من يقرأ بعض مؤلفات ابن الجوزي الغزيرة، فقد قيل أنه ألف أكثر من 600 كتاب، ولعلك تلمس من خلال قراءة الكتاب حرص المؤلف على الوقت أشد الحرص، وحرصه على استثماره في العلم وفي التأليف، كونه قد أدرك أن خير ما يستثمر فيه العمر العلم، وخير ما يخلف من بعده الكتب.
من المواضيع التي تكررت بأكثر من صيغة وأكثر من طريقة، موضوع التسليم وعدم الاعتراض، فساعة يتحدث عن الدعاء وعن لزوم القبول والرضى بما ينتج عن ذلك من إجابة أو تأخير أو عدم تحقق للمطلوب، فنحن ندعي الله لتحقيق أغراضنا، صحيح، لكننا نتعبد الله بالدعاء، سواء تحقق المراد أم لم يتحقق، فلا يجب أن نتوقف عن السؤال والدعاء، فإن الدعاء في حد ذاته هو المطلوب، ثم الرضى والتسليم.
وتلك الخواطر التي تحدث فيها عن التسليم للمقدر سبحانه، هي من الفوائد الثمينة في الكتاب، فهي تؤسس في قلب المؤمن عقيدة التسليم التي تقوم على ركنين، كوننا عبيد مملوكين، وكونه حكيم، وأننا لا يمكن أن نصل بعقولنا لمنتهى حكمته، قد نفهم أشياء وتغيب أشياء، فالتسليم وليس غير التسليم.
لقد تحدث عن نفسه، عن تقصيره في حق ربه، وسطر لنا بعض ما بثه من مناجاة لربه، وكذا كلام شيخة ابن عقيل في اتهام نفسه وتوبيخها، بل أنه يقول عن نفسه أن ذنوبه أعظم من ذنب فرعون، وقد تجد هذا الكلام عجيبا من عالم لا يتجرأ على الكبائر، لكنه أمرٌ معروف عن الصالحين، من يكرمهم الله بمعرفته ويذيقهم من لذة حبه، فيقصرون ويميلون إلى الدنيا قليلًا، فيكون هذا من أعظم الذنوب لأنهم اعرضوا عن ملك القلوب، لأن العبادة قد سهلت عليهم والطريق قد وضحت لهم.
أما فيما يخص موقفه من الزهد والتصوف، فهو في موقف معتدل، إنما سخطه على متصوفة أهل زمانه، فيبدو أن أكثرهم كان يمضي في الطريق بدون علم، وأنها أصبحت في وقته صنعة تستخدم لجلب الدنيا، لذلك دمدم عليهم في كتاباته، لكنه احترم الأوائل الصادقين، أمثال معروف وبشر الحافي وغيرهم، إلا أنه ينتقدهم في بعض المسائل دون أن يمس ذلك حبه وتقديره لهم، بل أنه يقول عن نفسه أنه كان له حال في بداية شبابه، وأنه حين جرّته الدنيا بحبالها عاد إلى قبور الأولياء والصالحين بالزيارة فنفعه ذلك، وأنه قد ذاق من حب ربه ويشتهي العزلة والخلوة لولا زاجر العقل وحب العلم والاشتغال به.
وقد تكرر موضوع المال وأهمية الاقتصاد في الإنفاق لطالب العالم أو طالب الآخرة، ويبدو أنه قد عانا من هذا الموضوع، وخاصة أنه ليس من النوع الذي لا يبالي بمطعمه أو ملبسه، فهو وإن كانت همته الآخرة يريد أيضًا حضه من الدنيا، لكن حب العلم والاشتغال به يمنعه عن العمل أو التجارة، لكنه أيضًا يهرب من هبات الأمراء لما فيها من تخليط في المال الحرام وقد جرب أخذها فانعكست على قلبه ظلمة وقسوة، لذلك يحرص على التذكر والنصح بأن يقتصد طالب العلم في ماله ولا ينفقه كله، ويحرص على توفير مصدر دخل يساعده على جمع همه، ومن أجل أن لا يذل للناس أو يأخذ من أوجه غير صالحه، وأن يدخر في وقت سعته لوقت ضيقه، وغيرها من الخواطر التي تدور في فلك المال.
وله خواطر حول النساء والزواج، وربما وجد القارئ أفكاره شاذة غريبة، ففي أحد الخواطر ينصح القارئ بأن يقلل من الإتيان، لأن في ذلك حفظ البدن، بل يدعوه لأن يكون له موسم في السنة يجامع فيه زوجته ثم ينصرف عنها بقية الأشهر، ويدعو إلى حفظ السر حتى عن الزوجة والولد، كما أنه يعتقد الكاملين من الناس هم الكاملين خلقة وطولا، ثم يصف بعض أنواع الناس المبتلين بشيء في خلقهم وشكلهم ويذكر أن مثل هذه الأنواع من الناس لا تكون من ضمن خاصة الله وأحبابه، بل يذكر أيضًا بعض أرباب الأعمال البسطية مثل الزبال، كما أنه لا يرى الخير في معظم خلق الله في زمانه، وحتى من طبقة العلماء أو الزهاد، ويرى الابتعاد عن عامة الناس وعدم مخالطتهم، وفي العموم هذه الخواطر قليلة محصورة، وأما أغلب المواضيع والخواطر، فقيّم نفيس.
وهكذا، يتشكل هذا الكتاب ليعكس لنا حياة إنسان حاول أن يستفيد بأكبر قدر ممكن من ساعات عمره وأنفاس حياته، عكس لنا تضاريس النفس البشرية التي تتشكل وتتلون، ولا شك أنه كتابٌ نفيس لا يُستغنى عنه، ويُفضل الرجوع إليه لتذكير النفس بين الفينة والأخرى، ولشحذ الهمة لمعالي الأمور، وللتفكر في عجائب صنع الله في هذا الإنسان ومافيه من عوالم وأكوان.
والحمد لله أولًا وأخيرًا.
ملحق
ومن الخواطر العجيبة (والطويلة) ما ذكره عن النكاح والنساء، وذلك في صفحة 374، وهو يدعو إلى الاقتصاد في الباءة، وعدم تضييع طاقة الجسم في المبالغة في الإتيان، والاكتفاء بزوجة واحدة، ثم يذكر قصة من أعجب ما قرأت، قصة يرويها بالأسانيد عن أحد الخلفاء أو الأمراء، حيث كان كثير الإتيان، وكان يطلب المزيد ويريد القوة الجسدية ليتمكن من الاستزاده، وأدى به ذلك لأكل وصفه أخذها من طبيب له، فأدت إلى مرض (الاستسقاء) أو شيء من هذا القبيل، فلم يجد له الأطباء من دواء إلا أن يدخل في فرن لعدة ساعات ثم يخرج إلى الهواء الطلق، ففعل وصاح ومنع من الخروج من الفرن، فخرج ولم يتحمل وطلب العودة، فعاد فتقرح جسده ثم مات شر ميته، فيالها من ميتة قبيحة.
ابن الجوزي يطلب من الله تطويل العمر
من الخواطر اللطيفة، ما ذكره فيما طلبه من ربه، حيث طلب منه أن يمده في العمر ليحقق آماله، هو لم يذكر لنا ما نوع اهدافه لكن الظاهر أنها في باب العلم والكتابة والتأليف، وقد ذكر أنه إن حقق الله وأمد الله في عمره فسوف يخرج هذه الخاطرة في هذا الكتاب، وإلا فلن تظهر للناس، وما قراءتنا لها إلا دليل أن الله قد حقق مراده وأطال في عمره، ثم إني تفحصت تاريخ ميلاده ومماته فرأيت أنه قد عاش نحواً من 88 سنة
مراجعة وملخص كتاب: قصة الأدب في العالم
الكتاب متوفر للتحميل المجاني من موقع هنداوي، وهو في ثلاثة أجزاء، هذه مراجعة وملخص الجزء الأول (تحميل الجزء الأول)
(1) من 1 إلى 90
هنالك بعض الكتب الجامعة التي تعطيك نظرة واسعة لموضوع بأكملة، أو تختصر لك حقبة تاريخية أو حضارة مترامية الأطراف، فتحصل أنت على جرعة مركزة غير مفصلة، فتعرف عبر كتاب واحد، ما يغنيك عن قراءة عشرات الكتب، ومن هذه الكتب: قصة الأدب في العالم.
…
لقد بُذل الكثير من الجهد في إعداد هذا الكتاب، فهو موسوعة مصغرة حول الأدب وتاريخه، ألّفه كلٌ من (زكي نجيب محمود) و (أحمد أمين) رحمهما الله، وقد استعانا بغيرهما من المتخصصين في مجالات الأدب المتنوعة، ويقع الكتاب في ثلاثة أجزاء، الأول تعداد صفحاته يفوق الأربع مئة صفحة، وقد نشر الكتاب لأول مرة عام 1955 ميلادي، وأعادت مؤسسة هنداوي نشره بعد وضعه في قالب رقمي حديث، وهو متاح للتحميل عبر موقعها وتطبيقها.
مراجعة كتاب: قصة حياتي العجيبة لـ: هيلين كيلِر
قصة حياة هيلين كيلِر التي كتبتها بنفسها، ويا للعجب حين تعرف أنها لا تسمع ولا ترى، لكن ورغم ذلك تمكنت من إيصال صوتها والتواصل معي ومع ملايين البشر عبر هذا الكتاب الذي وصل إلينا بعد أكثر من مئة سنة، لكن كيف لها أن تخترق حاجز الوعي وتنهل من بحار المعرفة دون أهم حاستين من حواس الإنسان؛ السمع والبصر؟.
متابعة قراءة مراجعة كتاب: قصة حياتي العجيبة لـ: هيلين كيلِرقراءات ٢٠٢٠
انتهى عام 2020 بحمد الله، وكانت حصيتلي في القراءة يسيرة، لكنها جيدة كبداية، أقصد بداية التزام حقيقي بالقراءة، لكن ورغم قلة الكتب، إلا أنني استفدت أيما استفادة، وغاص عقلي في بحار زاخرة من الفكر والأدب، ولعل السبب هو نوعية الكتب التي صحبتني خلال العام.
متابعة قراءة قراءات ٢٠٢٠أنا والقراءة وعام 2020
بدأت هذا العام بإعلان حماسي عن هدف استراتيجي، ألا وهو قراءة 50 كتاب خلال 2020 (كتاب كل أسبوع) طبعاً اعتقدت أني وضعت هدفاً طموحاً، فقليلٌ من الناس هو من يقرأ هذا العدد من الكتب في السنة الواحدة، لكني تفاجأت، بعد مصادقة بعض القراء المجدين عبر الفيسبوك، أنه رقمٌ متواضع، فالقراء الحقيقيون يقرأون 100 أو أكثر، لكن رغم تواضع هدفي، ورغم عدم تحقققه، إلا أني سعيد بذلك.
متابعة قراءة أنا والقراءة وعام 2020مراجعة وملخص لكتاب (النظرات) لـ: مصطفى لطفي المنفلوطي
الكتاب متاح بالمجان عبر تطبيق وموقع مؤسسة هنداوي (انقر هنا):
متابعة قراءة مراجعة وملخص لكتاب (النظرات) لـ: مصطفى لطفي المنفلوطيمراجعة قصة الانمساخ لـ: فرانس كافكا
لقد حظيت قصص وكتابات كافكا باهتمام كبير في عالم الأدب، وأصبحت بعض قصصه تدرس في الجامعات والمدارس، قررت أن أتعرف على هذا الكاتب الذي عاش قبل بحوالي مئة سنة، عبر قراءة أحد كتبه، إنها قصة (الانمساخ) حسب ترجمة ابراهيم وطفي، أو (المسخ) حسب ترجمة منير البعلبكي، وقبل أن أدلف إلى هذه القصة والتحدث عن عالمها الخاص، دعوني أذكر أولاً ما أثار اهتمامي حول المترجم نفسه، وما ذكره هو في آخر هذا الكتاب.
لقد قام ابراهيم وطفي بترجمة هذه القصة وبقية قصص وآثار فرانس كافكا، وأيضاً الكثير من الدراسات والأبحاث التي تمحورت حول كافكا، وقد أفنى في هذا المشروع الكبير شطراً من حياته، بل إنك حين تبحث عن اسمه في قوقل فيسظهر لك موقعاً إلكترونياً مرتبطاً بـ (كافكا) لقد عاش ابراهيم فترة من الزمن وهو يشرب من معين كافكا، فلا يكاد يفيق من نومه حتى يغذي عقله ببعض رسائل كافكا أو آثاره أو ما قيل عنه، وذلك أثناء شربه لكوب قهوته الصباحي (كما ذكر عن نفسه).
تأملت وقلت: كيف أن حياة شخص ما، بما فيها من أفراح وأتراح، أفكار وأخبار، وبما في نفسه من متاهات وألغاز، والتي عادة ما تظهر عبر كتاباته القصصية منها خاصة، كيف لحياة ذلك الشخص أن تؤثر على حياة شخص آخر في المستقبل، شخص أو أشخاص يبعدون عنه زمانياً بمئات السنين (أو آلافاً) ثم تأملت، هل سأكون أنا (أو أنت) من أولئك الأشخاص، هل سنترك أثراً ما في حيوات الآخرين، سواءً من يعيشون معنا أو من يأتون بعدنا، بشكل مباشر أو غير مباشر. أرجو ذلك.
المهم، لنعد إلى الكتاب
تحكي (الانمساخ) قصة موظف يتحول إلى حشرة عملاقة، هذه هي القصة بكل بساطة، وليس ثمة أحداث كبيرة تحدث بعد هذا التحول، فالقصة تبدأ حين يصحو بطل القصة “قريقور” (بصوت الـ g الانجليزية أو الـ (ق) اليمنية) في الصباح ويكتشف أنه يمتلك جسم حشرة، لا ندري ما هو شكل الحشرة بالتحديد، ولم يسمح المؤلف بأن ترسم الحشرة على واجهة الكتاب حين طبع أثناء حياته، وليس هذا مهماً، فالمهم -والذي يظهر من خلال القصة- هو ردة فعله وتعامله مع هذه الحالة الغريبة، وكذلك ردة فعل أسرته وتعاملهم معه.
تفاجأك القصة بغرابتها وغرابة تصرف بطلها، فهو رغم هذا المصيبة الكبرى التي حلت به، إلا أن تفكيره منصب في اللحاق بالقطار كي لا يتأخر عن عمله، ثم من خلال الصفحات التالية ستكتشف طبيعة عمله وطبيعة علاقته برؤسائه وأسرته، ثم ستمر الدقائق ببطئ حتى يأتي أحد المسؤولين في الشركة ويتم اكتشاف المصيبة الكبيرة، فيهرب هذا المسؤول، ثم تبدأ معاناة الأسرة ومعاناة ابنها المتحول أيضاً، والذي كان يسمعهم ويفهمهم، لكنهم لا يفهمونه، ثم تحدث أشياء عادية وتمر الأحداث ببطئ حتى تصل إلى نهاية القصة.
أعترف أنني شعرت بالملل وخاصة في منتصف القصة، حين طالت الأحداث وتم ذكر تفاصيل ليست ذات أهمية، صحيح أن البداية مشوقة والنهاية كذلك، لكن المنتصف مليء بالتفاصيل الغير مهمة، لكن رغم ذلك كانت تجربة مثيرة، نوعية مختلفة من القصص تعبر عن حياة صاحبها، ذلك الإنسان العجيب، وكل إنسان هو عجيب في ذاته.
يحاول الكاتب أن يوصل لنا رسائل واضجة أو مستترة من خلال عمله هذا، ففي البداية يكون التركيز منصباً على علاقة البطل بالعمل والوظيفة، ثم في نصف القصة الآخر يتم تسليط الضوء على علاقة بطل القصة بعائلته، ويمكن أن تخرج ببعض الرسائل المطوية في صفحاته هذه القصة، منها ما هو متعلق بأسر الوظيفة إن صح لنا تسميتها بذلك.
أتطلع لقراءة بعض أعمال (كافكا) الأخرى، وكذا مذكراته ورسائله التي عكست جانباً كبيراً من حياته، لأتعرف على تضاريس حياة إنسان آخر، وما فيها من مطبات هوائية وآفاق ممتدة.
مراجعة وتلخيص لكتاب: صور وخواطر للشيخ علي الطنطاوي
كنت أسمع عن الشيخ علي الطنطاوي ولم أكن قد قرأت لها كتاباً كاملاً، إلى أن قررت أن أقتحم سور مؤلفاته وأدخل عتبة باب عقله، ولقد كان دخولاً مباركاً، لأنه كان من باب كتاب (صور وخواطر) فهو الكتاب الذي تشعر معه بالقرب من هذه الشخصية، فهي مقالات مختارة تقترب بك تارة وتوصلك إلى أعماق نفسه، وتبتعد بك تارة أخرى فتجول بك عبر أحداث أصبحت اليوم تاريخاً مضى.
لقد أحببت الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- بسبب هذا الكتاب، وأحسست أثناء قراءته بالقرب منه، فكأني صديق أسامره أو قريب أسمع منه بعض تفاصيل حياته، وأعتقد أن أي قارئ لهذا الكتاب سوف يشعر بنفس الشعور، لأن الشيخ في هذا الكتاب يشارك القارئ بعض تجاربه في الحياة، بل يغوص أكثر ليشارك معنا بعض حواراته مع نفسه وأفكاره التي تجول في خاطره، وتجد وأنت تقرأ الكتاب نوعاً من الصدق والصراحة، فهو حديث لا يقوله عادة كاتب في كتاب، بل يفضي به شخصٌ إلى صديقه المقرب.
الكتاب مكون من مقالات منفصلة، متوسطة في الحجم، والشيخ علي الطنطاوي هو أديب قبل أن يكون مفكر إسلامي أو داعية أوشيخ، لذلك فأنت تشعر بحلاوة وأنت تقرأ كتاباته، أيضاً هنالك قوة في الصياغة وجزاله في استخدام اللغة، لكن مع سهولة وسلاسلة، يمكن للقارئ العادي أن يقرأ بسرعة دون أن توقفه صعوبة الكلمات (إلا نادراً).
المقالات هي مما تم نشره في المجلات التي كان يكتب فيها الشيخ، وبعضها مما كان موجهاً للإذاعة، وأخرى بدون تحديد، والكثير من هذه المقالات قد حددت السنة التي نشرت فيها، فهنالك مقالات قد نشرت في الثلاثينيات (من القرن الماضي) وهنالك مقالات نشرت في الستينيات، وهذا يدل على أن الكتاب قد احتوى بعضاً من أبرز المقالات التي كتبها الشيخ على مدى ثلاثين عاماً.
يستفتح الكتاب بمقالة (عام جديد) وفيها موعظة مؤثرة عن الحياة التي تنقضي سنونها عاماً بعد عام، وتأتي مقالة (تسعة قروش) التي يحاول فيها الكاتب تحويل المشاعر إلى كلمات، وأنّا له ذلك، فيتحدث عن موقف صغير حدث له مع أطفال في الحارة، ثم كيف غمرته السعادة التي اشتراها بتسعة قروش فقط، أما مقالة (القبر التائه) فهي قطعة أدبية راقية، وليست تحكي عن الموت كما قد يدل اسمها، بل عن الحب وعن حال العشاق، فالقبر التائه إنما هو لأحد قتلى الحب الذي يقف عند صخرة في أحد شواطئ بيروت، ويبدو أن الشيخ علي قد كتب المقالة وهو في لبنان أثناء عمله فيها، وهذه المقالة ليست الوحيدة عن الحب، إنما له مقالة أخرى أتت متأخرة في الكتاب ومتأخرة في حياته أيضاً، هي مقالة (عن الحب) وقد تميزت الثانية عن الأولى بفلسفتها، والأولى عن الثانية بأدبيتها.
في الكتاب عدة مقالات تغوص بنا في عمق نفس الشيخ الطنطاوي، فهي -كما هو عنوان الكتاب- عبارة عن خواطر، لكن طبعاً ليست كأي خواطر، بل خواطر أديب ومفكر، من أمثلة ذلك مقالة (في الليل) وكذلك (بيني وبين نفسي) و (يوم مع الشيطان)، وأيضاً مقالة تعكس بعض صراعات المؤلف الداخلية وخلجات نفسه الدفينة، باسم (بين الطبيعة والله) يتحدث فيها عن أحلامه التي ما تحققت، وعن آماله التي طالت، ويبدو أن كتابتها قد كان في وقت ضبابي صعب بالنسبة للمؤلف، وهي مقالة تجمع بين مصارحة النفس وتفلسف العقل، وتعتبر من المقالات الطويلة نسبياً في الكتاب، والحقيقة أنها مما أعجبني لأنها قربتني من الكاتب أكثر.
ويعود بنا الشيخ عبر مركب ذكرياته إلى زمنه الماضي، فيتذكر أحداثاً ويبدع أدباً، كما في (زورق الأحلام) وكذلك مقالة (رقم مكسور) والتي من خلالها نتعرف على بعض أحداث الماضي، وخاصة نهاية الحكم العثماني لسوريا، وهو في (وقفة على طلل) يبكي على الأطلال ويقف عند الذكريات، ذكريات دراسته وصباه في شوارع دمش العتيقة. وهنالك مقالة لطيفة بعنوان (وحي الصورة) حيث يجد صورة له وهو صغير فيجري حواراً افتراضياً مع نسخته القديمة.
من المقالات الجميلة (كتاب تعزية)، وهي عبارة عن رد على امرأة ماتت ابنتها ثم بعثت للشيخ برسالة تبث فيها بعض أحزانها، فرد عليها بكلام جميل بليغ من أروع ما تسمع في أدب التعزية ومواساة من فقدوا أحبابهم، وقد كتب في هذه المقالة فقرة تكتب بماء الذهب، ينبغي لكل كاتب أو مؤلف أن يتخذها شعاراً له، قال رحمه الله:
“إن كتابك على عامية ألفاظه، وعلى أنه ليس فيه كلمة صحيحة، لا في رسمها ولا في إعرابها، أنه على هذا كله- قطعة فنية، قليل أمثالها.
إنك استطعت أن تستنزلي به الدمع، من عيون طائفة من أعلام الأدب، وكم من الشعراء الذين يرثون، فلا يستقطرون قطرة من دمع قارئ أو سامع، لأنهم ما بكوا لما نظموا.
ذلك ليعلم طلاب الأدب، أن الذي يخرج من القلب هو الذي يقع في القلب، وأن من يمتلكه المعنى الذي يكتب فيه، هو الذي يمتلك به الذين يقرأونه، أما الذي ينحت الألفاظ من أعماق القاموس بالمعول، ليكومها على الورق بالمجرفة، فهو (عامل) في إصلاح الطرق وليس صائغاً لجواهر الكلام.
ولست أدعو إلى العامية، ولا إلى نبذ البلاغة، وإهمال القواعد، معاذ الله، ولكن أدعو إلى امتلاء النفس بالفكرة قبل تحريك القلم على القرطاس.”
هنالك مقالات هي رسالات يوجهها إلى شخص أو لشريحة من الناس، مثل رسالته إلى تلميذه وأخيه الذي يحبه في الله، والذي حصل على منحة دراسية للدراسة في باريس، وقد عنونها بـ (إلى أخي النازح في باريز)، كذلك رسالتين لأبناء وبنات المسلمين، واحدة للشباب والثانية للبنات، فأما التي للشباب (يا ابني) فقد كانت رداً لرسالة شاب في السابعة عشر يشتكي فيها من مشكلة الشهوة والغريزة، فيجيب عليه بكلام رائع، وأعطاه فيها حلولاً عملية، وأما الثانية (يا ابنتي) فقد انتشرت في حينه انتشاراً واسعاً، وفيها يوجه كلاماً أدبياً راقياً إلى بنات المسلمين، ينصح بلغة أبوية حميمية رقيقة، وقد قال في مطلعها:
يا ابنتي؛ أنا رجل يمشي إلى الخمسين، قد فارق الشباب وودع أحلامه وأوهامه، ثم إني سحت في البلدان، ولقيت الناس وخبرت الدنيا، فاسمعي مني كلمة صحيحة صريحة من سني وتجاربي، لم تسمعيها من غيري. لقد كتبنا ونادينا ندعو إلى تقويم الأخلاق، ومحو الفساد وقهر الشهوات حتى كلت منا الأقلام، وملت الألسنة، وما صنعنا شيئاً، ولا أزلنا منكراً، بل إن المنكرات لتزداد، والفساد ينتشر، والسفور والحسور والتكشف تقوى شرته، وتتسع دائرته، ويمتد من بلد إلى بلد، حتى لم يبق بلد إسلامي (فيما أحسب) في نجوة منه، حتى الشام التي كانت فيها الملاءة السابغة، وفيها الغلو في حفظ الأعراض، وستر العورات، قد خرج نساؤها سافرات حاسرات، كاشفات السواعد والنحور.
والصراحة أن غصة قد علقت في حلقي حين قرأت هذه العبارة: ( لقد كتبنا ونادينا ندعو إلى تقويم الأخلاق، ومحو الفساد وقهر الشهوات حتى كلت منا الأقلام، وملت الألسنة، وما صنعنا شيئاً، ولا أزلنا منكراً) لأني أدركت أن الشيخ وأمثاله قد وُجِدوا في زمن صعب، كانوا يحاربون في معركة الأخلاق والعفة بدون معونة أو سند، متسلحين بأدوات قديمة يواجهون تياراً عارماً في ظروف احتلال وتغيرات دولية كبيرة، وانسياح ثقافي ودوامات فكرية عاتية، وتذكرت مأساة كل مصلح وداعية، تذكرت كل مجدد يريد لأمته الرفعة والعلياء فيعمل بدون كلل فلا يكون نتيجة عمله إلى مزيداً من تدهور، فتكاد تذهب نفسه حسرات، وهذا يقودنا إلى تذكر حياة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، المصلح الأول والداعية الأعظم، قال تعالى: (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات).
هنالك أيضاً مقالات ذات طابع أدبي صرف، منها (حلم في نجد) التي تجد فيها الكثير من أبيات الشعر في حب نجد، وقد رتبها بأسلوب أدبي ذو طابع قصصي، وما دمنا نتحدث عن القصص، فلا يمكن أن نتجاهل قصتين يتحدث فيهما الشيخ عن أعرابي قح كان قد تعرف عليه أثناء سفره، ولم يكن قد دخل المدن ولا تلوث بحداثتها، ثم يحكي ما حصل له عندما دخل الحمام البخاري (التركي)، وهذا كان عنوان مقالة (أعرابي في حمام)، وفي قصة أخرى يحكي ماذا حصل له حين دخل السينما، وهما قصتين طريفتين من وحي خيال الكتاب كما يبدو، ثم أتبع ذلك بمقالة (الأعرابي والشعر) والتي كنت قد صدقتها في البداية، ثم صرح أنها من وحي خياله، وفيها يطوف المؤلف بالشعر والأدب وينقد ويحلل.
هنالك مقالات فكرية، فيها رأي المؤلف حول بعض القضايا والأفكار، منها مقالة (لا أؤمن بالإنسان) التي كتبها رداً على كتاب بعنوان (اومن بالإنسان) للاستاذ عبدالمنعم خلاف، وقد حملني هذا على أن أبحث عن الكتاب الأصلي، فوجدته في الانترنت بنسخة قديمة، ثم وجدت للمؤلف مقالة بنفس العنوان في مجلة الرسالة القديمة. وكذا مقالة جميلة في تبيان موضوع القَدَر بعنوان (حكمة القدمر).
من مقالات الرأي والفكر أيضاً، والتي يظهر فيها الأسلوب النقدي والهجومي للشيخ، مقالة (نداء إلى أدباء مصر)، حيث يتحدث فيها عن جبران خليل جبران وعن الكتاب الذي ألفه (ميخائيل نعيمه) وفيه سيرة جبران الذاتية، وفي المقالة انتقادات قوية موجهة إلى مؤلفات جبران، وقد قاده الموضوع إلى التحدث عن مسألة الفن وعلاقتها بالقيم والأخلاق والفضيلة. وهنالك مقالة مشابهة بعنوان (نحن المذنبون) يعرب فيها المؤلف عن انتقاداته وآرائه بعد أن قرأ ترجمة (اللورد بيرون)، وهو ينتقد السماح بنشر الكتب التي تنشر الفسوق والرذائل، وقد تحدث أيضاً عن أحد كتب توفيق الحكيم وعنه شخصياً في موضع النقد.
أفضل المقالات التي أعجبتني
هنالك مقالات برزت وتمزيت، منها مقالة (شهيد العيد) الذي يحتوي على حبكة قصصية جميلة في نهايتها، ومقالة (اعرف نفسك) التي هي غوص في أعماق النفس بلغة أدبية فلسفية راقية، أما مقالة (مجانين) فقد ذكر فيها المؤلف بعض الأخبار والنوادر العجيبة لأناس مشاهير وشخصيات لها وزنها في المجتمع، وسرد قصص ومواقف محرجة حدثت لهم، ثم يتساءل: ماهو الجنون ومن هو المجنون؟
أما مقالة (أنا والإذاعة) فهي أكثر مقالة لطيفة طريفة، لا يمكن إلا أن تبتسم وأنت تقرأها إن لم ترغمك فقراتها على الضحك، يتحدث عن نفسه وكأنه يدخل الإذاعة لأول مرة، وما يشاهد من غرائب وعجائب، ثم يختمها بطرفة تعبر عن روحه الخفيفة.
وقد أعجبني أيضاً ما كتبه عن الحب، وخاصة المقالة الأخيرة المعنونة بـ (في الحب)، ففيها كلاماً بليغاً وفلفسة عميقة.
أما المقالة التي حازت على المركز الأول من وجهة نظري، والتي تركت أثراً قوياً في أعماق نفسي، فقد كانت (مرثية غراي) وقد ترجمها بكلماته من الأدب الانجليزي، قال عنها (تعد هذه المرثية من أبلغ المراثي في الشعر الانكليزي، قرأها علي صديقي الاستاذ حيدر الركابي فنقلتها إلى العربية كما فهمتها) وقد بحثت عن هذه المرثية فوجدت أصلها ووجدت ترجمة لها في أحد كتب الدكتور عبدالوهاب المسيري، ثم اكتشفت أن الشاعرة نازك الملائكة قد ترجمتها شعراً، بل أن هنالك شعرٌ آخر يترجم هذه المقطوعة، وحسب ما عرفت أن الشيخ الطنطاوي هو أول من نقلها إلى العربية (كما ذكره حفيدة مجاهد)، وأن مجلة الرسالة قد نشرت عن ترجمة الشاعر في أحد أعدادها القديمة سنة 1936م
وهكذا نكون قد اتممنا -بحمد الله- عرض هذا الكتاب عرضاً مجملاً وتخليصاً مقتضباً، وتم تعريف كل مقالة وعن ماذا تحكي، وفي الأعلى عناوين أغلب المقالات، ودليلاً موضوعياً يستفيد منه كل من يريد مقالة بعينها، أو موضوع محدداً، فلله الحمد أولاً وأخيراً، وله الفضل دائماً وأبداً.
عمر الحمدي / 14 أكتوبر 2020
شغف القراءة، وتفتح أزهار الحياة
يعرف اليوتيوب (بسبب خوارزمياته الذكية) أني أحب الاستماع للمفكر الراحل (عبدالوهاب المسيري) لذلك فلا يمر يوم إلا ويرمي أمامي أحد الفيديوهات القديمة له من دهاليز اليوتيوب التي لا يعلم وسعها إلا قلة من البشر، والحقيقة أني رغم ممانعتي الشديدة لكل ما يضيع الوقت ويسرق دقائقي الثمنية، إلا أني أستسلم دائماً للمسيري، فأنا أحب أن أستكشف عقلية هذا المفكر الكبير، وعمق نظرته للأشياء.
المسيري مفكر كبير، له كتب منشورة، ولازلت أمني نفسي أني -يوماً ما -سأقرأ بعضها أو معظمها، والرافعي أديب كبير، بدأت قبل أيام بقراءة وحي قلمه وتذوق عذب كلماته، أما تولستوي فما أن بدأت رحلتي في بعض قصصة، حتى انفتحت شهيتي للمزيد، أما رائعة الأديب الكبير (فكتور هوجو) البؤساء، فلقد غمرتني القصة بالدهشة حين شاهدت الفيلم الذي أنتج عنها في 2012، فكيف بين وأنا أقرأ الرواية، أما المفكر الجميل (مصطفى محمود) فقد عشت أجمل الأيام حين كنت أقرأ كتبه الصغيرة التي كانت تمتع عقلي وتداعب فكري قبل سنوات، ولازلت متشوقاً للعودة وإكمال قراءة كتبه، وقبل أيام؛ كتب لنا الدكتور (أيمن الجندي) صاحب القلم الجميل، عن العالم الجليل الشيخ محمد أبو زهرة وعن مؤلفاته الدسمة وكتبه الكثيرة، فاشتهيت أن أغوص في سطور ما كتب، هذا بجانب عشرات العناوين لكتب أضعها في قائمة (القراءة المستقبلية) التي تزيد ولا تنقص.
ما أن أفكر في الكتب، حتى تتفح روحي كزهرة يداعبها الربيع ليرى جمالها الزاهي، وما أن أبدأ بالقراءة، حتى أرى الجمال يدب في خلجات نفسي كقطعة أرض أصابها الماء فاخضوضرت ونمت، إن لي بلكونة أليفة في شقتي الصغيرة، أتسلل إليها كلما اشتاقت نفسي للسياحة داخل عقول البشر، أو كلما شعر عقلي بالجوع وضاقت به تفاهات الحاضر، أستلقي فأنظر إلى السماء والسحب الجوالة، ثم أقرأ فينسل الوقت سريعاً دون أن أشعر، وهو الإنسلال الوحيد الذي لا أشعر معه بالندم.
أحياناً،،، أتمنى لو أن الوقت كله للقراءة، لو أني بعيد في جزيرة نائية في محيط أزرق بعيد كل البعد عن البشر، أعيش عيشة بسيطة، فأغذي جسدي من خير الأرض، وأغذي روحي من جمال الطبيعة، من البحر والسماء، وأغذي عقلي من كومة كتب كبيرة تم اختيارها بعناية من كافة ألوان وأطياف عقول البشر، فأعيش من أجل القراءة، وأقرأ كي أعيش، ياله من حلم جميل.
القراءة تجدد في عروقي حب الحياة، الحياة مع الكتب هي حياة غنية وثرية، بل هي مغامرة أجمل من مغامرة “طرزان”، ذلك الرجل الذي يتنقل بين الأشجار والأحجار، والتي عاجلاً أم آجلاً سيمل منها لتكرارها، أما مغامرة القراءة والكتب، فمن أين سيأتي الملل وأنت تقتحم مع كل كتاب عالماً جديداً، وبعد نهاية كل كتاب تقلع من كوكب لتيمم وجهك شطر كوكب آخر، فكيف لمن يتنقل بين الكواكب أن يمل وهو يحلق في أرجاء هذا الكون السحيق.
وهكذا، مع كل فترة من فترات عمرك القصير، تتفتح لك الحياة أكثر وأكثر حين تستمر في القراءة، لكن في النهاية ليس لك إلا حياة واحدة، حياة قصيرة جداً، كم عساك تقرأ فيها ياترى، وهنا أتذكر ذلك المشهد من فيلم (About Time)، الفيلم الذي تدور فكرته حول خاصية عجيبة في إحدى العائلات، لا يخبرون أحد بها ويتوارثونها أباً عن جد، وهي إمكانية العودة إلى نقطة محددة في الماضي، ما عليك إلا الدخول في مكان مظلم واغماض عينيك ،،، ثم … (بوم) هاقد عدت إلى الماضي، الشاهد في الأمر، أنه حينسأله الإبن أباه كيف كان يستغل هذه الخاصية، فلم يكن جوابه إلا … (الكتب)، لقد كان يعود للماضي ليكسب سنوات أطول من عمره من أجل أن يقرأ أكثر، وخلال عمره الذي طال وطال، كان قد قرأ الكثير والكثير.
تلك قصة خيالية، لكن الواقع هو أن هنالك كتاب يقبع هناك، فوق طاولة أو في رفٍ قديم، أو ربما يمكن الوصول إليه عبر لمسات سريعة في هاتفك الذكي، الواقع (والذي كان كالخيال قبل عشرين سنة) أنه عبر تلك القطعة الصغيرة (الهاتف) يمكنك قراءة عشرات ومئات الكتب وأنت قابع في بلكونتك الصغيرة، أو متكئ على جانبك الأيسر في ديوانك المشمس الهادئ، الواقع أن القراءة متاحة، متاحة للجميع.