قراءة خمسين كتاب كهدف لعام 2020

لم يزل الضمير ينخز لتركي للقراءة وللكتب، فحين أستعيد بعض الذكريات، أجدني من محبي القراءة من صغري، ففي مراحل الصبى، حين كنت ولداً يشق الطريق في المرحلة الإعدادية والثانوية، كنت أحب الإطلاع والقراءة، أخذت ذلك -ربما- عن والدي، وقد كان يشجعني باستمرار ويشتري لي الكتيبات والقصص، ولعلي أورد هنا بعض الأمثلة.

أتذكر قصص سفير، كان هنالك سلسلتين منها، سلسلة مغامرات وسلسلة خيال علمي، عشت مع تلك القصص أوقاتاً مميزة، سافرت بعقلي وخيالي إلى عوالم جديدة، وعجيبة، ثم كبرت، وكبر شغفي معي، كنت أقرأ بعض الكتب الممتعة من مكتبة أبي، مثل كتب الغرائب والعجائب، كتب الأسئلة والإجابات (سين جيم) وأحد الكتب في الفيزياء المسلية، وغيرها من الكتب مما كان يسهل هضمها.

أتذكر حين نويت أن أقرأ مختصر تفسير ابن كثير -والذي كان في ثلاثة مجلدات- لا أدري مالذي حملني على ذلك رغم صغر سني، بدأت اقرأ تفسير سورة مريم التي كنت أحبها، طبعاً لم أكمل التفسير ولم أصل لعُشره حتى.

أتذكر أول رواية قرأتها بالكامل، أو روايتين على الأرجح، لا أتذكر بأيهما بدأت، الأولى كانت “البحث عن امرأة مفقودة” والرواية الثانية لنفس المؤلف “دموع على سفوح المجد“، أما الأولى فقد عشت معها قصة حب قبل أن أعرف ماهو الحب، والثانية أدخلتني في عالم الحزن، قبل أن يتمرغ قلبي فيه، لقد تركتا في قلبي ندبة، ووضعتا علامة يصعب نسيانها.

ثم كبرت، وألهتني فترة الشباب المبكرة (أو المراهقة) عن القراءة، أنهيت الدراسة الثانوية ثم غادرت المكتبة والمنزل والبلد بأكمله، سافرت لأبدأ مرحلة جديدة لدراسة الجامعة، ثم تزوجت ودخلت معترك جديد، أحداث هنا وأحداث هناك، مضت السنوات سريعاً، وألهتني الحياة عن حبي الأول، عن القراءة.

أنهيت الدراسة الجامعية ثم عدت إلى أرض الوطن وقضيت سنة ونصف ثم سافرت من جديد إلى القاهرة وبدأت الماجستير، حتى قامت الثورات الشعبية، وسافرَت الزوجة وإبني الصغير، وعشت أياماً صعبة في قلق وحيرة، ولم يكن يخرجني من تلك الحالة إلى شيء واحد، هو القراءة.

في تلك الفترة عشت -حرفياً- نعيم القراءة، كان ذلك بين عامي 2011 و 2012، أحببت القراءة في المنتنزهات العامة، بجوار النيل، في الميادين وفوق المترو والأتوبيسات الكبيرة، كنت أقرأ حتى أخرج من الواقع إلى عالم الأفكار، كنت أقرأ لأعيد التوازن لحياتي وأهدئ من روعي، لقد بدأت مرحلة جديدة مع القراءة، مرحلة الحب والشغف.

للأسف أشغلتني الدنيا مرة أخرى، لم أبتعد حينها عن الكتب بشكل كامل لكني تكاسلت، وصار اهتمامي الأكبر هو في اقتناء الكتب وشرائها، والبحث عنها وقراءة ما قيل عنها، فكنت أقضي الكثير من الوقت متنقلاً بين صفحات Goodreads، وصرت أخرج من معرض الكتاب كل سنة برزم كبيرة من الكتب، جمعت الكتب بنية أن أبني لي مكتبة مستقبلية، وخاصة حين أعود لأرض الوطن، وبالفعل حين عدت مع كتبي الكثيرة المنوعة، أنشأت لها أرففاً جديدة بجانب كتب والدي، فصرت أشاهدها ليل نهار بفخر وأمسح على أغلفتها وأنظم أمكنتها، كنت أقوم بأشياء كثيرة، إلا أن أقرأها.

ومرت السنوات، وأتت الأزمات، ضاق الحال وتقطعت السبل، فكان الرحيل هو الحل، البحث عن أرض جديدة لتتنفس الروح، وتستمر الخطى، فأتيت إلى هنا، بجانب البحر، أبث له حزني، ويواسني وقت ضعفي، مرت أعوام قبل أن يستيقظ القلب من غفلته، قبل أن يكتشف خطيئته، حتى انتهى عام 2019، ودخل علينا العام الجديد، وفي أحد الأيام وأنا أسلي نفسي بفتات الفيسبوك، وقع نظري لمنشور الدكتور مروان الغفوري، والذي أورد فيه أسماء الكتب التي قرأها في 2019، فشعرت حينها بغصة في الحلق، وألم في الروح، شعرت بثقل الذنب الذي يخيم علي منذ سنوات، كنت أسوق الأعذار إلى نفسي، بأني مشغول، بأن لي هدف مهم يتطلب الإنهماك، وياله من عذر أخرق، لأني لا أمل من تضييع ساعات كل يوم في أمور جانبية، يكفي أن أخصص وقت الشبكات الاجتماعية للقراءة، إن كنت صادقاً مع نفسي.

حينها عزمت على التوبة، على العودة إلى القراءة، على أن يكون هدفاً محدداً وآلية واضحة، أن يكون أمراً ملزماً وغذاء لا ينقطع، أن تتحول إلى عادة لا يمكن الفكاك منها، أن تغدو القراءة من ضروريات الحياة، أن أستبدل قراءة الفتات ومشاهدة المسليات بقراءة الكتب الكاملة والدسمة.

فوضعت الهدف: 50 كتاب لعام 2020 أو أكثر، والآلية أن أنهي كتاباً كل أسبوع، بأي وسيلة كانت، المهم أن أستمر في القراءة، ولكي أشجع نفسي وألتزم على ذلك ، أعلنت هذا على الملأ، بل ودعوت الآخرين كي ينضموا معي إلى هذا التحدي، فكيف لشخص يدعو الآخرين لأمر ويشجعهم عليه ثم يكون أول من يترك وينقض، لقد وضعت نفسي كأول عربة في القطار، فالعربة الأولى لا يمكن أن تتوقف، مادام هنالك عربات من خلفها تدفعها إلى الأمام.

المهم، كان هذا ما حصل، وهاءنا -بحمد الله- أكتب بعد أن انقضى أول شهر في هذه السنة وأنا بحمد الله ملتزم بالقراء رغم بعض التقصير، بل أن هنالك أفكار أخرى بدأت بالتبرعم من رحم هذه العادة الحميدة، وقد تفتح القراءة أبواباً لم تكن في الحسبان، وتغير حياة الشخص لدرجة لا يمكن توقعها.

أخيراً: أحاول أن أنشر فيديو أسبوعي، عبارة عن خاطرة تخص القراءة، عبر اليوتيوب في قناتي الشخصية.

أحاول الالتزام بكتابة مراجعة أو تلخيص لكل كتاب أنهي قراءته، كي أذّكر نفسي به وبأهم ما قيل فيه، قبل أن أذّكر الآخرين، وسيشمل هذا التبويب أيضاً بعض المقالات المتعلقة بالقراءة وحب القراءة، وستكون جميع هذه المقالات في هذه المدونة -ان شاء الله- في تبويب خاص سأسميه “القراءة مستمرة“.

الصبح يتنفس

وإني لأعشق تلك اللحظات، حين أطفئ أنوار الغرفة، وأفتح النافذة، ثم أتلمس أزرار الكيبورد باحثاً عن حروف لأكتبها، ثم رويداً رويداً، يتسلل النور إلى زوايا المكان، معلناً ولادة يوم جديد.

بعد صلاة الفجر، لا يزال الظلام مستغرقاً كل المساحة، لكنه يلقط أنفاسه الأخيرة، وخلال الدقائق التالية، يبدأ التحول التدريجي، يبدأ النور بالتغلغل في جنبات هذه الأرض، مثلما يتغلغل في جنبات روحك المهشمة، فيعيد لها الحياة، يلملم فتاتها، يجمع أجزائها، يعيد صياغتها، يبعث فيها الأمل، ينير لها الدرب ويعطيها دفعة نفاثة تعبر بها الزمان وتثبت بها في المكان.

الصبح يتنفس

فأين روحك المكتومة، ألا تريد هي أيضاً أن تتنفس؟

لقد كتمت بريقها الأحداث المتلاطمة، الهموم التي باتت معك، أتيت إلى حضن الفراش محملاً بما لا تطيق، ومأملاً أن تصحو الصباح وقد تغيرت الأحوال، أتيت تجر أحلامك التي ما تحققت، وأهدافك التي ما تيسرت، غابت عيناك عن وعي الحياة وهي تفكر في الوسائل الممكنة، والمصادر المحتملة، ونسيت أيها المسكين المصدر العظيم، للطاقة المتجددة.

هل نمت عن نسمات الفجر؟ هل خسرت جائزة النور؟

هاهي المكونات تظهر من انعكاس نور الشمس، الشمس التي ما ظهرت بعد، ها هي أصوات الطيور تصدح في أجواء الحياة، هي المعجزة تحدث، هي الولادة تجري في هدوء.

تسري صرخة غير مسموعة، ونداء لا تدركه الآذان؛ ألا أيها النائمون انتبهوا، أنتم تخسرون كل يوم، جزءً من أرواحكم.

إنه الصبح … يتنفس

بعد أن كان الليل من قبله … يعسعس

فمن لم يدرك عسعسة الليلة، لا يحضى بنفثات الصباح، من لم تتسق ساعته الداخلية مع ساعة الكون الخارجية، يخسر الجائزة … جائزة الفجر.

إنه النداء من جديد، نداء النور الذي يرن في أرجاء الكون، بصوت لا تسمعه الآذان، صوت تدركه الأرواح، النداء الأخير لركوب القطار، فهل أنت من عداد النائمين، أم من فوج الراكبين؟

علاقة حب من نوع آخر

لم أكن أتصور أن تتطور العلاقة بيننا لتلك الدرجة، جلبتها إلى المنزل، إلى غرفتي الخاصة والتي أتخذها مركزاً لإنجاز المهام والأعمال، من أجل المظهر فحسب، فإذا بي أتعلق بها، فلم يعد الأمر مجرد مصلحة، بل أصبحت “علاقة حب”.

إنها الزهرة الصفراء الفاقعٌ لونها، وهي أيضاً تسر الناظرين، عبارة عن نبتة صغيرة اشتريتها بثمن بخس من المركز التجاري الذي يعطيك البضائع بأقل الأثمان، جلبتها إلى غرفة التصوير كي تظهر معي في الفيديو، مجرد مصلحة، تبادل منفعة، تعطيني ما أريد مقابل رشفات من الماء كل يوم.

لكن الأمر تطور بطريقة غير متوقعة.

لقد ذبلت تلك الزهرة بعد أيام، كانت منكسرة حين اشتريتها، ظهرها منحني، وقد اخترتها دون غيرها لأن انحناءها ذاك كان في مصلحتي، فقد وجهتها ناحية الكاميرا وكأنها تنظر للمشاهدين، بينما في الواقع؛ كانت انحناءة ألم، كان هنالك حزن يختفي خلف اللون الساطع، وتحت الطلة المشرقة، ألم مكتوم لا يجد طريقة للتعبير عن نفسه، فلا الزهرة قادرة على الكلام، ولا أرواحنا قادرة على الفهم.

ربما لو كانت روحي شفافة كفاية، كنت فهمتها دونما كلام، وأحسست بمعاناتها دونما نظر.

قد يقول قائل: ما مصلحتك بعد الآن من تلك النبتة التي خسرت روحها، وتحولت من الصفرة إلى الخضرة، وخاصة أن بقية البراعم لا زالت صغيرة واحتمالية نجاتها ضعيفة، ألا فتخلى عنها، وتخصلت من هم سقياها ورعايتها.

لكني لم أفعل، بل أبقيت النبتة إلى جواري، حافظت على خضرتها يوم بعد آخر، أعترف أنني في أحد الأيام نسيت أن أسقيها، وحين رجعت إليها -وقد كانت في الشرفة آنذاك- وجدت أن بعض أوراقها قد يبست، وبدأ اللون البني يغزو كيانها، فسارعت إلى إمدادها بماء الحياة.

تلك الحادثة كشفت أكثر عن نوع العلاقة، وعن ذلك الحب المدفون، فقد حزنت يومها، وعاهدت نفسي على أن أهتم لموضوعها أكثر، فما دمت قد تحملت مسؤوليتها واشتريتها من البداية، إذاً علي بالاستمرار في رعايتها، رغم أني لا أعلم الكثير عن عالم التشجير والبستنة، بل أكاد لا أعرف شيئاً في هذا المجال، لكن يكفي أن أسقيها كل يوم وهذا أقل القليل.

أما الآن، فهي تؤنسني في وحدتي، تصنع ابتسامة خفيفة على القلب كلما وقعت عيني عليها، تشعرني بالانتماء إلى الأصل الذي أتيت منه، إنها صديق وفي لا يقاطعك في الكلام، ينظر إليك بهدوء وأنت تنجز أعمالك، ويقف هناك دونما حراك حتى ترمقها أنت بالنظر، فتؤنس فؤادك، وأنت تراقب خضرتها يوم بعد آخر، تستمتع برش رذاذ الماء فوق أغصانة، تشعر بالرضى بعد كل سقيا، فأنت بذاك قد أديت مهمتك، وساهمت في حياة كائن في هذا الوجود، حتى لو كانت مجرد نبتة صغيرة.

يذكرني هذا الأمر بالأطباء، من هم سبب في إنقاذ الناس وبث الحياة فيهم من جديد، طبعاً مع وجود الفارق الكبير، لكن المبدأ واحد، والمطلوب مني الآن أن أتجرد من المصلحة، أن لا يكون إساهمي الصغير هو من باب المصلحة، بل بدافع بث الحياة في الوجود، وحينها قد أكون أحسن حالاً، وأعلى مقاماً، من ذلك الطبيب الذي لا يعمل إلا من أجل القروش والدراهم، (أقول “قد” ولا أدعي ذلك).

أحدثكم الآن وقد كبرت قليلاً، وقد بدأت بعض البراعم بالتبلور، إنها بنات الزهرة الأم، ولدت من رحم ألمها، وكأن موتها كان مخاضاً لولادة جيل جديد من الزهور الصغيرة، جيل يظهر للحياة ويضرب لنا أمثلة متجددة عن معجزة الخلق، تذكرنا بأن الله هو فعلاً من (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ)، سبحانه وتعالى جل في علياءه وتقدست أسماؤه.

وأخيراً … هذه صورة تجمعني بالمحبوب

برامج رمضان المفيدة (دينية ومعرفية) – 1440 (2019)

الحقيقة أن الإنتاج الإعلامي في رمضان في كلا الجهتين (الغث والسمين) هو إنتاج غزير ودسم جداً، فالعقول تُخرِج أفضل ما لديها والمهارات تبذل أقصى ما يمكنها لإنتاج أعمال إعلامية مميزة بحق، سواءً كان على مستوى المسلسلات، أو على مستوى البرامج النافعة والهادفة، سواءً الدينية والروحية أو المعرفية.

لكن المشكلة أن تلك الغزارة في الإنتاج تأتي في توقيت غير مناسب أبداً، إنه شهر رمضان الذي يصبح الوقت فيه أشد ضيقا مما سواه من الأشهر، وخاصة لمن يودون استغلاله على الوجه الأمثل، فأنت تُدخل إلى حياتك عبادات وعادات جديدة، فتقرأ من القرآن كذا وكذا، وتصلي التراويح، وقد تجلس في المسجد ساعة لتدبر آيات الله، بالإضافة إلى الأذكار وغيرها من الأعمال، طبعاً هذا كله بجانب إلتزاماتك الحياتية التي لا مناص منها، دراسة أو عمل، أسرة وعلاقات اجتماعية، وغيرها.

عني شخصياً؛ أكتفي ببرنامج رمضاني واحد أتابعه خلال الشهر الكريم، وأحياناً إثنين، واحد لقلبي (لتنمية الجانب الروحي) والآخر لعقلي (لتنمية الجانب المعرفي).

لكن تبقى تلك الحسرة في القلب على بقية البرامج ذات الفائدة الكبيرة، فهنالك ما أريد مشاهدته وعدم تفويت حلقاته، فأنا أعلم أن مثل ذلك الدر المنثور ليس مما يمكن التحصل عليه في أي وقت آخر من أوقات السنة.

لكن -وبحمد الله- لدينا اليوتيوب، هذا المستودع الضخم الذي يحمل على عاتقه الاحتفاظ بكل ما ينشر فيه، حتى تتمكن نسخنا المستقبلية من الإطلاع على ما مضى وفات، فكل البرامج الرمضانية تقريباً يتم بثها عبر اليوتيوب، وهي باقية إن شاء الله حتى يأذن الله، يمكن أن تعود إليها بعد رمضان، فتشاهد وتستفيد وتنهل من بحار العقول، كل ما عليك فعله هو عمل جدول وخطة بعد رمضان للاستفادة مما نشر في رمضان، بحيث تخصص لك كل يوم ساعة أو نصف ساعة (كي لا يؤثر ذلك على جدول أعمالك)، كي لا يأتي رمضان القادم إلا وقد ارضيت شغف نفسك وشهية عقلك فيما عند الناس من أفكار وأنوار.

المهم … سأقوم هنا بسرد بعض أهم البرامج المرئية التي تنشر هذه الأيام (خلال رمضان 1440) مع روابط صفحاتها في اليوتيوب (قوائم التشغيل التي تضم جميع المقاطع)، البرامج التي أعتقد أنها نافعة (لا مشكلة إن خالفتني في الرأي) حتى أتمكن -وتتمكن أنت أيضاً- بعد رمضان من العودة إليها، لتختار منها ما يناسب ذائقتك الفكرية واحتياجاتك المعرفية.

(يمكن أن تشارك معي في سرد أسماء البرامج الغير مذكورة هنا، في قسم التعليقات).

القرآن غيرني (عبدالرشيد صوفي)

الشيخ عبدالرشيد صوفي هو مقرئ وحافظ صواملي الأصل، يتميز بصوته الندي، تلاواته للقرآن الكريم المنتشرة في اليوتيوب لاقت رواجاً كبيراً، وهو في رمضان هذا العام، يقدم لنا برنامجاً خفيفاً لطيفاً، عبارة عن ذكرى سريعة في دقائق معدودة لا تتجاوز العشر، تخرج من قلب صادق فتدخل القلب مباشرة، تبدأ كل حلقة بآية كريمة ينطلق منها الشيخ لنثر الدرر ويحكي القصص والعبر، (قائمة الحلقات).

ذكرى وعبرة 3 (فاضل سليمان)

جرعات فكرة ومعرفية يلقيها الأستاذ فاضل سليمان، يتحدث فيها عن مواضيع مختلفة، وعن مواقف وقصص حصلت معه مما يمكن أن نستخلص منها العبرة، والتي -في الغالب- لها انعكاسات عملية في واقعنا المعاصر (مدة كل حلقة: ربع ساعة تقريباً)، (قائمة الحلقات).

مسكين (وجدان العلي)

كلمات رقيقة بصوت حاني، يلقيها علينا الشيخ وجدان في برنامج جديد لهذا العام، والبرنامج كما هو واضح من اسمه؛ يتحدث عن الإنسان (المسكين) وعن ربه (الكريم) في حلقات إيمانية روحانية ذات مستوى رفيع، (ربع ساعة)، (قائمة الحلقات).

فاذكروني (عمرو خالد)

برنامج الداعية (عمرو خالد) لرمضان هذا العام، وهو يتحدث عن موضوع روحاني راقي هو (ذكر الله)، حلقات لا تزيد عن 15 دقيقة لكل منها، كل حلقة تتحدث عن ذكر من الأذكار، أو طريقة من الطرق لذكر الله، والمميز في هذه الحلقات أنه يتخللها بعض مقاطع الابتهال والتواشيح بأصوات ندية وبكلمات جميلة، مما يبعث على النفس بالطمأنينه والخشوع (ربع ساعة) (قائمة الحلقات).

اللغة العالية (عارف حجاوي)

لم أكن أعرف من هو الأستاذ (عارف الحجي) قبل أن أشاهد حلقات هذا البرنامج، لكني أنجذبت لفصاحته وحلاوة لسانه وهو يتحدث بالعربية الفصحى في هذا البرنامج الرمضاني، وفيه يعطيك من نثرات اللغة العربية وفوائدها ومن تنوعات اللهجات ونوادرها، يزين الأمر إلقاء الأستاذ عارف، الذي ألف كتاباً سابق بنفس الاسم، (25 دقيقة) (قائمة الحلقات).

بيت المسلم (النابلسي)

للدكتور محمد راتب النابلسي في شهر رمضان هذا العام برنامج متعلق بالأسرة، يطل علينا فيه كل يوم ليحدثنا بأسلوبه الهادئ والممتلئ حكمة؛ عن أمور متعددة لها علاقة بالبيت المسلم والأسرة وكيف لنا أن نجعلها سعيدة (ربع ساعة)، (قائمة الحلقات).

تفسير القرآن الكريم (عدنان ابراهيم)

يطل علينا المفكر والدكتور عدنان ابراهيم في رمضان هذا العام ببرنامج يوتيوبي وحلقات يومية، عبارة عن دروس تفسير يلقيها في مسجده في النمسا، تبثها قناته الرسمية في اليوتيوب، وعبر هذه السلسلة ينثر علينا الدكتور فوائد تفسيرية وتفرعات فكرية لا تخرج منها إلا بفائدة (أكثر من نصف ساعة). (قائمة الحلقات).

سواعد الإخاء 7 (مجموعة مشايخ)

للسنة السابعة على التوالي، يستمر هذا البرنامج الرمضاني بنثر درر ما تجود به عقول مجموعة من المشايخ والدعاة الفضلاء، وميزة هذا البرنامج عن البقية أنه لا يرتبط بشخصية واحدة هي من تقدم المحتوى، ولكن هي سواعد تجتمع على الإخاء وتتعاون لطرق المواضيع المختلفة وإثراء النقاشات بخبرات تراكمت على مدى سنوات، أما مدار موضوعات هذه السنة فهو عن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم، (نصف ساعة)، (قائمة الحلقات).

ملاحظة: قناة سواعد الإخاء في اليوتيوب تنشر محتوى مفيد خارج إطار البرنامج، منها سلسلة فيديوهات عن تربية الأبناء.

فسيرو 3 (فهد الكندري)

يستمر الداعية والمقرئ الشيخ فهد الكندري في نشر سلسلة جديدة كل رمضان، وهذه السنة تنشر قناته الجزء الثالث من (فسيروا) والذي يتجول فيه على عدة مواضيع تهم الإنسان، وفي كل حلقة؛ يستضيف شخصيات متخصصة للتحدث عن موضوعات الحلقات المتنوعة، (ربع ساعة)، (قائمة الحلقات).

رحلة حياة (مصطفى حسني)

للداعية المصري مصطفى حسني برنامج يومي في رمضان، في كل حلقة يمسك شيء معين ويتحدث عن علاقتك أنت -كمسلم- معه، الإخراج والإعداد مميز والمحتوى مركز وليئ بالفوائد (نصف ساعة)، (قائمة الحلقات).
كما أنه أيضاً ينشر -خلال رمضان- فيديوهات قصيرة وجميلة؛ بعنوان “خاطرة الفجر“.

مع الله (عمر عبدالكافي)

يتحدث الدكتور عمر عبدالكافي في رمضان هذا العام عن العلاقة بين العبد وربه، عن القرب من الله جل جلاله وعن مواضيع متفرقة تدور في نفس الفلك، (20 دقيقة) (قائمة الحلقات).

حصاد الفكر (طارق السويدان)

في ست دقائق، يطل علينا الدكتور طارق السويدان، ليعطينا جرعات فكرية يحصدها من مزرعة عقله، بعد أن نبتت على مر الأوقات والأحداث، ونمت من كثرة التجاربة والمواقف، (قائمة الحلقات).

قرآناً عجبا (محمد حسين يعقوب)

يطل علينا الشيخ المربي: محمد حسين يعقوب ببرنامج رمضاني يتحدث فيه عن القرآن الكريم وآي القرآن الكريم، يتحدث -بأسلوبه المميز- عن بعض الآيات الكريمة ويبحر في سمائها وتحت ظلالها، والهدف هو أن يعيش المسلم بالقرآن ومع القرآن في شهر القرآن، (ربع ساعة) (قائمة الحلقات).

وهذه بعض البرامج الرمضانية الأخرى، والتي سأترك لك مهمة استكشافها والتعرف عليها:

لو كنت تعرف -عزيزي القارئ- أي برنامج رمضاني مفيد ونافع (ديني أو فكري)، فشاركه معنا في الأسفل حتى تكون هذه الصفحة مرجعاً لكل من أحب الاطلاع في المستقبل.

رمضان العجيب

وفي كل عام، في أول يوم من رمضان، يتكرر المشهد، وتتكرر الدهشة والشعور الغامر بالعظمة؛ عظمة تلك الجموع التي تملأ المساجد.

صليت فجر أول يوم في رمضان في المسجد، فتفاجأت من العدد الكبير للمصلين، ثم في صلاة العصر، ذهبت لمسجد الحي الكبير، ذهبت إليه باكراً، وصلت المسجد فور انتهاء الأذان مباشرة، لكني للأسف لم أجد موضع قدم في الداخل، لقد امتلأ المسجد عن بكرة أبيه قبل أن يكمل المؤذن مهمته، فما كان مني إلا أن أخذت نفسي وبحثت عن مسجد آخر.

لقد تذكرت أن هذه الدهشة تتكرر في كل عام، في أول رمضان، دهشتي من الناس كيف يقبلون على الصلوات في المساجد، ودهشتي من نفسي كي تنقاد بكل سهولة إلى بيوت الله، وأعتقد أن لديك مثل هذه الدهشة من نفسك، ألم تستغرب من نفسك كي تدفعك كلما نادي المؤذن، ألم تجد تلك اللذة والحلاوة حين وقفت بين المصلين، ثم ذلك الشعور بالطمأنينة بعد الانتهاء من الصلاة، ألم تسبح نفسك في هدوء الكون وعظمة الوجود وأنت هناك، وسط تلك الجموع المتوضئة.

إنه رمضان العجيب …

ذلك الشهر الذي تتنزل فيه رحمات الله لتعم العباد، فكل من عانا من جور البعد وصعوبة الالتزام هو موعود في هذه الأيام المباركة بسهولة السير إلى الله، بحلاوة العبادة، وما عليه إلا أن يترك نفسه لتلك الرحمات كي تسوقه سوقاً، وتقوده بكل هدوء إلى مصادر النور … (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ….)

الله ما أجمل رمضان، ما أجمل المساجد المليئة بالمصلين، ما أجمل تلك الساعة التي تختلي فيها مع كتاب الله في بيت من بيوت الله، فتسبح في خضم الآيات الجليلة، تبحر لا تلوي على شيء سوى استكشاف اسرار الوجود، تتلقى كلمات الله التي تهبط على قلبك فتعيد صياغته، تعبر بخيالك حدود الزمان والمكان وتعيش أدوار المرسلين وتمتطي خيول المجاهدين، ثم تعود إلى حياتك الدنيا، وتهدأ، وربما تبكي، ثم تخشع، فلا تخرج من المسجد إلا بطاقة تملأ عالمك الصغير بالحماس والشوق، فترى بها الحياة بشكل مختلف.

دعونى نتوقف عن التحدث عن أول رمضان، فنحن الآن قد قاربنا على البدء في المرحة الجديدة، والخطيرة في نفس الوقت …

إن كانت نفوسنا ستقودنا إلى الله بدون جهد منا، فأين الاختبار إذن؟ وكيف يعرف المجتهدين من الكسالى والعاطلين؟

إن تلك الأيام ما تلبث أن تنقضي، ثم تأتي أيام أخر، تتبدل فيها الأدوار، فبعد أن كانت نفسك هي من تسوقك، يصبح الدور عليك أنت، أنت من عليه أن يقود نفسه وتجبرها على الاستمرار في السير، لقد أطعمك الله من رحيق النعيم رشفة صغيرة، رحمة منه، وعليك الآن أن تتمسك وتكمل المشوار، مشوار الثلاثين يوم، فمن يصبر ويستمر، يجد الفتوحات الربانية في الأيام الأخيرة.

ستكسل نفسك عن القيام، ستتقاعس عن إكمال الأوراد والأذكار، سوف وسوف وسوف، وما عليك إلا أن تلتزم بما عزمت عليه، إن كنت قد عزمت على شيء، وهنا مشكلة أخرى، هي عدم الاتفاق مع النفس على خطوط حمراء لا يجب أن تجاوزها في رمضان، أو سمها إن شئت خطة (رمضانية)، كي يمضي عليها في رمضان، حتى إذا ما بدأت مرحلة التكاسل والتنصل، يذكرها بما تم الاتفاق عليه، ويكشر عن أنيابه ليخيفها، كي تمضي على الصراط المستقيم، والنهج القويم.

إن لم تقم بتلك الخطوة قبل رمضان، فلا مشكلة، قم بها الآن، اعزم على أن لا تخرج من المسجد في التراويح إلا بعد إن يقوم الإمام، واعزم على عدم تفويت تكبيرات الاحرام، ولا تنسى، تلك الساعة التي تبحر فيها مع آيات الله الجميلة.

إنه رمضان العجيب يا سادة …

رمضان الذي هو هدية الرحمان لعبادة المساكين، وكلنا مساكين، التائهين في دروب الحياة، الغافلين عن حقيقة الوجود، المتذبذبين بين هنا وهناك، المتخبطين وسط سياط الإرادات، فساعة تريد هذا، وساعة تريد ذاك.

رمضان الذي هو نقطة تغيير، فكم من شخص في هذا العالم قد تغير، والسبب: رمضان، وكم من إنسان قد سلك الطريق إنطلاقاً من رمضان، وكم من بعيد قد تذوق نعيم القرب في رمضان.

إن رمضان ليس الهدف، بل ما بعد رمضان، بل الحياة بأكملها هي الهدف، هي من يجب أن تعاد صياغته، لكن الصياغة صعبة، وخاصة في عالم اليوم المليئ بالملهيات والمشتتات، كيف لنا أن نقوم ونخرج من رحم الغفلة، ولهذا السبب يأتينا رمضان كل سنة، هو الخيط الممتد من السماء والمخترق لطبقات الأرض، حتى يصل لكل شخص، سواءً ذاك الذي يتخبط قريباً من السطح، أو من هو غارق مدفون في الأعماق، فالحبل طويل ويصل للجميع.

إنه رمضان العجيب يا سادة يا كرام …

إن في عالم الوجود أسرار وخفايا يصعب علينا إدراك كنهها وآلية عملها، ومن أهم تلك العجائب: رمضان.

متعة التسوق

بالأمس عرفت معنى هذه العبارة فعلاً، فقد شاهدتها أمامي واقعاً ملموساً، كان ذلك وأنا وسط زحام أحد المولات الكبيرة (الهايبر ماركت)، والتي تجد فيها كل شيء، كل المواد الغذائية والمستلزمات المنزلية وحتى الملابس الداخلية والخارجية، ونحن على بعد أيام من رمضان وأيضاً في فترة عروض مقدمة من ذلك المتجر العملاق (من قبيل اشتري بـ 19.50 بدلاً من 20 جنيه).

المهم أنني كنت أتأمل في نفسي وفي الناس، تلك العربات الممتلئة بتلك المنتجات، اختراعات عجيبة
وأنواع جديدة تظهر بين الفينة والأخرى، لا أدري من أين يأتون بتلك الأسماء، خذ مثلاً الأجبان، أشكال وألوااااان لا تنتهي، يمكن أن تقف ساعة كاملة أمام ثلاجة الأجبان وأنت تتأمل فقط في الأسماء والأنواع، وقس على ذلك بقية الأصناف.

تدخل السوبر ماركت وفي رأسك ثلاثة أشياء تريد شراءها، ثم تخرج وقد حملت العربة بثلاثين صنف، تتكرر الصدمة دائماً حين يأتي موعد الدفع، تكتشف أن المبلغ المستحق هو أكثر من المتوقع بحدود الضعف، ثم تتكرر تلك الحسرة التي تنتابك وأنت في طريق العودة، تلوم نفسك متسائلاً: ألم يكن الأجدر بي أن أشتري تلك الأصناف الثلاثة من بقالة الحي القريبة؟

التسوق اليوم لم يعد بخصوص الاحتياج، لقد أصبح متعلقاً بالمتعة، فعلاً لقد أصبح التسوق متعة، لقد تأملت بالأمس هذا المعنى واكتشفت كم كانوا صادقين حين أطلقوا هذا المصطلح، وكم كنا نحن -ولازلنا- غافلين.

إن مجرد التجول بعربة التسوق في تلك المولات هي متعة تعطيك لذة عجيبة، رغم أنك تصل للبيت وأنت منهك القوى من طول الوقفة والتجول داخل المتاجر، إلا أنك لا تحس بالتعب أثناء التسوق، والسبب: أنك كنت تستمتع بالأمر، والمتعة تُنسي التعب.

لكن كل ذلك (كوم) والتسوق الإلكتروني (كوم آخر) فأنت غير مضطر بأن تخرج من بيتك وتتحمل عناء الذهاب إلى المول الكبير حتى تحصل على تلك المتعة (متعة التسوق) لقد أتتك المتاجر إلى باب بيتك، ويالها من متاجر، فيها كل شيء، فيها الغرائب والعجائب، جرب وادخل وتصفح وستخرج بقناعة أنك بحاجة لـ 100 صنف ومنتج، تريد شراء هذا وذاك وتلك و….الخ، وحينها ارجع لعملك الوظيفي ولدوامك الذي تتحول فيه لمكنة آلية تعمل دون توقف، من أجل أن تستلم راتبك نهاية الشهر فتصرف تلك الدراهم والدولارات على ما لست بحاجة إليه.

الشركات العملاقة تريد كسب الكثير من المال، كي تملأ جيوب الأغنياء، فلديهم أيضاً (متعة تسوق) الفرق أنك أيها المسكين تستمتع بشراء أنواع الجبن المختلفة، وهم يستمتعون بشراء السيارات الفارهة والقطع الأثيرة النادرة، ويغيرون وجهتهم السياحية في كل مرة، كي يستمتعوا بعصير الأفوكادا الطازج، في كوخ خشبي فوق ماء نقية ترى باطنها من ظاهرها …

لذلك، فأولئك الأغنياء يستأجرون العقول المبدعة كي تتفنن في اختراع منتجات جديدة وعقول أخرى كي تسوق وتصنع الاعلانات الملفتة كي تعرضها بأفضل طريقة، حتى تغريك وتجرك إلى المتاجر الرقمية والواقعية، كي تُخرِج ما في محفظتك أو بطاقتك البنكية بعد أن تنال متعتك (متعة التسوق)، وكل ذلك حتى تسمح لؤلئك بإن يحصلوا هم كذلك على متعتهم (متعة التسوق).

يالها من دائرة ملعونة !

لقد تحول مفهوم التسوق عن هدفه الأصلي (تغطية الاحتياج) فأصبح مجرد (متعة) …
وكأن الحياة لا تعطينا ما يكفي من (المتع) و (الزخارف) …
وكأنها لم تلهينا كفاية …
إلهاء أبعدنا عن الحياة الحقيقية …
حياة الروح والإيمان .. حياة الرقي والعرفان

والله المستعان …

الحمد لله أن لي بيتاً (رقمياً) آوي إليه

أشعر بالسعادة وأنا أكتب هذه الكلمات …

أقصد بالبيت الرقمي هذه المدونة، فأنا الآن أمتلك هذه المساحة التي يمكن أن أسجل فيها نوادر الأفكار، وخواطر الأسحار، صحيح أنني لازلت أفتقد لنسمات الأسحار من بعد أن انقلب نظام نومي رأساً على عقب، لكن سيعود يوماً، سيعود وسيشعل العقل بالأفكار التي تضج محاولة الخروج.

قبل سنوات طويلة، لم أكن أرى لفتح مدونة شخصية أيُ فائدة، في الحقيقة: لم أكن أرى لوجودها أي منفعة دنيوية، لم يكن السبب في نقص في مهارة الكتابة أو عدم وجود ما أكتب عنه، فلقد كنت أكتب في موقعي الآخر بعض المقالات التعليمية عن الفيسبوك وتويتر وبعض التطبيقات الحاسوبية، كنت أرى أن لتلك النوعية من المقالات أثراً ومنفعة، ليس فقط للقارئ، بل أيضاً منفعة مادية تعود على الكتاب ببعض الدولارات (عبر الاعلانات وروابط الإحالات وغيرها).

أما اليوم، فأنا أكتب لأسعد قلبي، أكتب استجابة لغريزة المشاركة التي تلح علي كلما طافت فكرة عابرة أو نبتت في الروح رغبة لقول شيء معين.

اليوم كنت في أحد البقاع الخضراء الجميلة أتمشى مع ابني، حصل موقف صغيرة استخصلت منه فكرة جميلة، تذكرت أنه قد أصبح لي مدنة أكتب فيها بحرية، فسعد قلبي وبدأت أخيط معالم تلك التدوينة التي تلخص تلك الخاطرة والتجربة الإنسانية.

للأسف نسيت الفكرة قبل أن أودعها سجن الكلمات.

لا مشكلة، فالأفكار تتوارد كتوارد الماء من النبع الصافي، دروس الحياة كثيرة ولن تتوقف بالورود مادمت تسعى وتعمل وتجرب، وسآوي إلى هذا الكهف كلما طاردتني الأفكار، سأخرج ما بجعبتي محاولاً تنميق العبارات بدون مبالغة.

لكن من سيقرأ لك أيها المغمور.

لا مشكلة، لم أعد أتهرب من هذا السؤال، لن أقلق هنا عن ترتيب المحتوى في محركات البحث، لن أبالغ في تضبيط ما ينصح به خبراء الـ”سيو” كي تفوز الصفحات بأعلى الدرجات في نتائج بحث قوقل، لأني ببساطة، لا أريد شيء، لا أطلب من هذه الدنيا أي مصلة.

جميل أن تتحرر من أسر المصلحة، أليس كذلك؟

سأعود أنا بنفسي وأقرأ ما كتبت، قد يكون ذلك بعد عشر سنوات من الآن أو عشرين، قد أعود حين أريد تأليف كتاباً فأستعين بالتنقيب فيما هاهنا عن بعض نفاحت العقل أيام النقاء وانجلاء الغمام، أو قد يأتي ابني الذي يشق طريقه نحو الشباب، فيستلهم من تجارب والده بعض الزاد في استكمال الطريق والنجاح فيه.

هذا ما عندي والسلام

الآن أكتب … الآن أتنفس

مع الأيام ستكبر يا صديقي، ستعلم وتعرف وتزداد خبرة في كل شيء من حولك تقريباً …

مع الأيام ستكثر في رأسك الأفكار وتزداد في عقلك الأخبار، ستحتاج لأن تتحدث لشخص ما، لتعطي ما لديك وتخبر عن مضمون ما في عقلك، وحين تبدأ بالكلام، ستكتشف أن لسانك ليس بتلك السلاسة التي كنت تعتقدها، التعبير يخونك، وحتى إن لم يخنك، ستخونك الآذان التي لم تعد تصغي جيداً، وحينها ستبدأ بأخذ القلم (أو بالنقر على أزرار لوحة المفاتيح) ثم تتعلم كيف ترص الكلمات وتكتب.

لا يقاطعك أحد عند الكتابة، لا تضطر لأن تصيح وتعلي صوتك لتوضح وجهة نظرك، لست مجبراً على كتم بعض الكلام وتليين البعض الآخر حتى لا تجرح الآخر، حين تكتب أنت تتوجه بكلماتك إلى العالم بأسرة، وقبل ذلك، لنفسك، نعم النفس، وهذا هو أعظم جزء.

الكتابة تلغي الغربة بينك وبين نفسك، فأنت تتحدث مع أفكارك، بل تعرضها أمام عينيك وتخرجها من أرفف ذاكرتك وتفكيرك، كي ترتاح منها وترتاح منك، تطلقها في الفضاء الرحب كي تحلق في أجواء العالم الرقمي عل روحاً تلتقطها فتبني عليها، فتتحول تلك الكلمات إلى واقع ملموس في حيوات الناس.

الكتابة تحل لك مشكلة التلعثم، تساعدك على ترتيب أفكارك، زر “الباك سبيس” أو الحذف، متوفر دائماً وبالمجان، تكتب جملة فتمسح وتكتب أحسن منها، وتستمر حتى تكمل العقد النفيس، العقد المليئ بالجواهر والحكم.

من قال أنه يجب عليك أن تكون أديباً حاذقاً، أو مفكراً لامعاً، الكتابة ليست لؤلئك فقط، الكتابة لنا جميعاً، حتى وإن امتلأت عباراتنا أخطاءً إملايئة (تعمدت كتابتها بهذا الشكل)، أو نحويةٌ، لا مشكلة يا صديقي، ولا يهم ذلك، المهم أن تتمكن من إيصال الفكرة عبر الكلمة.

قبل عشر سنوات تقريباً، قررت أن أكتب كتاباً، كان ذلك بعد تخرجي من الجامعة، لا أدري ما سبب تلك الرغبة بالتحديد، لكني اتبعتها، وأمضيت الأشهر تلو الأشهر وأنا أكتب حتى انتهيت ثم طبعت ووزعت النسخ بنفسي في الأكشاك ثم تابعت المبيعات، كانت تجربة ممتعة، أما الكتاب فقد كان من النوع التعليمي، يعلمك كيف تستخدم أحد البرامج الحاسوبية لإنجاز بعض المهام الرقمية (مونتاج الفيديو).

في نهاية 2010 بدأت بالكتابة في موقع قمت بانشائه، أحسست برغبة غامرة في الكتابة، لكن كان يوقفني طول الطريق، كنت أرى المواقع الأخرى والتي أصبحت جذورها ممتدة في تربة العالم السيبراني، فأقول لنفسي: متى سأصل لمثلهم، مثلما هو الحال الآن وانا أبدأ الكتابة هنا، الفرق أني أصبحت على وفاق وصلح مع البدايات، لم أعد أتحمس كثيراً للوصول للنهايات وتحقيق النجاحات.

في الحقيقة … أنا لا أرمي من وراء هذه المدونة أي نتائج معينة، لا مشكلة عندي حتى وإن لم يصل إلى ها هنا أي زائر، أنا أعلم أن عصر المدونات لم يعد بذلك البريق كما كان في السابق، لا مشكلة، أنا هنا فقط أعبر عن نفسي، أتحدث، أكتب، أتنفس.

بالتأكيد ليست هذه هي وسيلتي الوحيدة للتنفس، فكيف إذاً كنت أتنفس في السابق قبل هذه اللحظة، بل أنا أكتب يا صديقي، أكتب لأحصل على بعض رزقي، وأكتب كذلك داخل كراستي السرية والتي لا يعلم عنها أحد، البعض يسمونها (مذكرات).

لي كراسة ورقية كنت أكتب فيها منذ سنوات عديدة، أدون فيها بعض المواقف والأيام المميزة في حياتي، لكن بعد أن تطور الأمر، صرت أكتب عبر الأجهزة الحاسوبية، فلقد كثر الكلام، لم يعد يتعلق بالمواقف فقط، بل بالأفكار والتأملات وإخراج الآهات الفكرية.

كتابة مذكرات حياتك هو أمر مهم، يساعدك كي تتنفس، أنت من خلاله توثق نفسك لنفسك، تحكي لنسختك المستقبلية أحداث أيامك الماضية، تذكر نفسك بما كنت عليه، بنعم الله وفضله، بالصعاب التي تجاوزتها والتحديات التي نجحت فيها، بتلك اللحظات السعيدة، أو حتى الحزينة، فقد تقرأ في يوم أنت فيه حزين مذكرة كتبتها حين كنت سعيداً فتسعد.

قررت -فقط- أن أشارك بعض تلك المذكرات معك، إيها الإنسان، إن كنت تقرأ الآن، فخسارة أن تبقى حبيسه، خسارة أن ينقطع أثري وتمسح بصمتي بمجرد خروجي من حلبة هذه الحياة، دعني أكتب وأكتب، فقد يمر عابر سبيل يوماً، فيأخذ زاده ثم يمضي في حال سبيله، فألقاه في ساحة العرض هناك، فنتعرف ونصبح أصدقاء، لا لا، بل إخوة على سرر متقابلة.

عمر الحمدي
بعد فجر يومٍ جميل، من أيام هذه الحياة