إنني بعد التأمل والتفكير، قد استنتجت أشياء كانت غائبة عني، فأنا -مثل غيري- كنت أبادر إلى الاعتقاد بأن الشخص الذي يتزوج مباشرة بعد موت زوجته الأولى، أنه قليل الوفاء ضعيف الحب لزوجته السابقه، وهذا للأسف تفكير طفولي سطحي، بل قد يكون زواجه السريع من أكبر الدلالات على حبه ووفائه لحبيبته الأولى، وسأوضح هذا الأمر عبر تحليل منطقي بعد قليل، لكن أولاً دعوني أقف معكم عند هذا النص من سيرة نبينا العطرة (صلى الله عليه وسلم):
متابعة قراءة الزواج بعد موت الزوج أو الزوجةAuthor: alhamdi
لا تتوقع المعجزات بعد الدعاء
كان يعاني من مشكلة صحية ويدعو الله أن يشفيه، وحين اقترحت عليه أن يذهب لدكتور أو يجري فحوصات، رفض ودعى الله أن يشفيه دون ذهابٍ إلى دكتور وبلا أية فحوصات، فقلت له أن هذا لا يصح، ادع الله لكن لا تحدد عليه طريقة الإجابة، فليدبر الأمر كيف يشاء بحكمته، اطلب الصحة من أي طريقٍ أتت وبأي سبب قُدِّرت، إما عبر روشته طبيب، أو عبر حزمة أعشاب، أو حتى عبر الماء الذي تشربه، الله يفعل ما يشاء.
متابعة قراءة لا تتوقع المعجزات بعد الدعاءأقبل بعقلك وقلبك على القرآن
قال لي والمشاعر تختطف كلماته قبل نطقها: لو تعلم كمية السكون والسعادة حين تجلس بعد العصر في المسجد تقرأ كتاب الله، لما تركتَ ذلك يومًا، ثم يكمل حديثه ناصحًا: جرب أن تجلس في مسجد الحي الكبير، في زاويةٍ تداعبها شمس الغروب، في تلك الإضاءة الصفراء التي تزيد المكان هيبةً وجمالا، ثم تمسك مصحفًا يشع النور من بين دفتيه، وتبدأ بهدوء في قراءة آيات الله، جرب أن تُخلي عقلك أولاً من كل شغلٍ أو فكر، فإن كان هنالك ما يشغله فسجله في هاتفك كي تعود للتفكير به في وقتٍ لاحق، أعطِ القرآن كلك.
ثم اقرأ وتأمل، اقرأ وتدبر، اسمع خطاب الله إليك بعقل منفتح، حاول أن تفهم سر الوجود، حاول أن تعيش أحداث تلك القصص، وكأنك بقرب نبي الله وهو يخاطب قومه، أو ترقب من فوق جبل والعذاب ينزل بهم، وتكاد عيناك تذرفان رأفة وندما على هذا الإنسان، ثم إن وصلت إلى تلك الآية التي تهزق القلب، حيث يقول الله عز وجل ( يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ)، فقف مليًا وتفكر.
استعمل خاصية الخيال أثناء قراءة القرآن، هذه الميزة الفريدة المعطاة لبني الإنسان، تخيل الأحداث وكأنك معهم، تخيل الجنة وكأنك فيها، تخيل النار وأنت ترقبها من بعيد في خشية ووجل، اجعل عقلك مستغرقًا مع كل آية، وافهم هذا الترتيب المهم: أنت تقرأ بلسانك كي تستحث عقلك لأن يفكر، تحرك عقلك كي تتحرك مشاعرك، والسر في المشاعر، فهي تنبع من القلب حيث نظر الله، وحيث تجد الله.
استمر في القراءة، استمر حتى تشعر في لحظة أنك تسبح في بحر من نور، أن روحك خفيفة كأنها تصعد في طبقات السماء، استمر حتى تأتي آية مؤثرة، أو حكمة مختبئة، أو فكرة نادرة، وهنا تضيء الحكمة جوانب عقلك، ستشعر بهدوء يغمر فؤادك، وبسعادة تجتاحك، حينها قد تبتسم، أو قد تذرف الدموع وجلاً، المهم أنك ستفرح فرحًا غامرًا بما أنت عليه، وستقول من كل قلبك: شكرًا يا رب أن جعلت لنا قرآنًا يُقرأ، أن يسرت لنا هذا النور عبر كلماتٍ وأحرف، وهنا تتذكر قول الله.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا)،
(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)
ينصبُّ النور على قلبك حين تقرأ القرآن طالبًا الهداية، حين تقبل عليه ولسان حالك يقول (سمعًا وطاعة يارب، أخبرني ما يجب علي فعله وما يجب أن أجتنبه، أخبرني ما يرضيك كي أفعله)، ومع كل آية، إن كان فيها أمرٌ فتوقف وراجع حياتك، واعزم على الاجتهاد في الفعل، أو استغفر من الإهمال والترك، وإن كان فيها نهيٌ فتوقف وراجع حياتك، واعزم على الترك.
اقرأ القرآن في أوقاتك الذهبية، وفي الأمكان التي يغمرها السكون، اجعل ورد القرآن أحد مفردات يومك الأساسية، أن يكون أهم مورد للعلم وتوجيه الدفة، أن تقرأ بهدف العلم والعمل، واستمر على ذلك يومًا بعد يوم حتى يعيد القرآن صياغة حياتك، حتى يعيد ترتيب أولوياتك، واعلم أنها رحلة مجاهدة لا يغفل الشيطان فيها عن انتهاز كل فرصة، وليس ثمة وصول ما دمت في هذه الحياة، فلا تغتر واستمر في التحلية والترقية، وتمسك بالقرآن تمسك الغريق بلوح خشب.
شيخ يسمع الموسيقى
كتبت بالأمس 👇
(نحن بحاجة إلى:
شيخ يسمع الموسيقى
وموسيقي يحرص على الصف الأول)
ولم أفصّل في الأمر، فأثارت هذه الكلمات حفيظة البعض،
أعتذر من الجميع وأكفر عن خطيئتي بهذا المنشور الذي أتمنى أن يتسع له وقتكم.
أولاً/ كلمة (موسيقى) لا تعني (الأغاني) وكلمة أغاني لا تعني (كليبات) فالأغنية المصورة تتكون من ثلاثة عناصر:
1- العرض المرئي
2- الشعر المتغنى به
3- الموسيقى المصاحبة
ومحور حديثنا هنا هو عن أحد هذه العناصر (العنصر الخام)، عن آلات مصنوعة من الخشب أو المعدن، يتفاعل معها الإنسان ليصدر أصوات منسجمة.
ثانيًا/ لا يسايرني شك في أن الموسيقى (أو المعازف) هي من الأمور الحياتية المسكوت عنها، والتي ليست من المحرمات أو حتى المكروهات في الإسلام،
ولا يسعنى أن نناقش هذا الأمر لأن القول فيه لأولي العلم، ولكن، كل إنسان لديه ملكة التفكير والنقد، والانترنت سهل علينا الوصول إلى كل المعلومات والآراء، وأمامك الانترنت استمع لهذا وذاك واقرأ كل الأقوال والآراء، وستجد أن حجة من يحللون أقوى بكثير، واقرب إلى الفطرة وإلى روح الإسلام، وسوف تجد الكثير من العلماء في القديم والحديث ممن يؤيدون هذا الرأي وحتى من مطبخ السلفية نفسه (مثلاً فتوى الشيخ المغامسي عن المعازف:)
ثالثًا/ حين نقول أني أريد من الشيخ أن (يسمع) للموسيقى، فلا يعني كلامي أني أريد منه أن (يحب) الموسيقى، أو (يدمن) على الاستماع لها، بل أقول (يسمع)، فمن الطبيعي أن يكون شغف وحب العالِم العلم، وحب قارئ القرآن القرآن، وكل صاحب الفن يحب فنه.
بل أعني أن لا يكون لديه مانع من الاستماع للموسيقى، بل أن يستمع إليها في بعض المناسبات وبعض الأوقات،
بل أعني أن لا يكون لديه مانع من الاستماع للموسيقى، بل أن يستمع إليها في بعض المناسبات وبعض الأوقات،
نأتي الآن إلى تفصيل ما كتبت، فقد قلت (نحن) وتساءل أحد الأصدقاء مستنكرًا (من تقصد بـ”نحن”)
أنا أقصد العالم الإسلامي عمومًا، صحيح أني فرد صغير لا يهش ولا ينش، ومن أنا حتى أملي على الأمة ما تحتاج إليه وما لا تحتاجه، لكن في نفس الوقت لدي الحق الكلام والتعبير عن الرأي والمساهمة في إثارة الأفكار ونقد الواقع.
أما الشطر الأول، فنحن بحاجة لشيخ يسمع الموسيقى، وحين نجد أن معظم علماء ومشائخ الأمة لا يمانعون من الاستماع للموسيقى، فيعني هذا أن الفكر الديني قد تطور لدرجة جيدة، وأن بوارق النهضة قد لاحت في الأفق، لا أقول أن تحريم المعازف هو سبب تخلفنا، وأن كل مشاكلنا سوف تُحل حين نستمع للموسيقى، بل أقصد أنه مؤشر بأن عجلة الاجتهاد قد بدأت بالتحرك، وأن حركة التجديد قد لاح شمسها.
الأمر الآخر، أن الشيخ أو المفتي أو العالم، سيكون قريبًا من الناس، الناس العادية التي تستمع للموسيقى في البيت والشارع والمقهى، ومن المضحك أن البعض لايزال يحرم المعازف (نظريًا) بينما في الواقع قد أصبح كل شيء معجونا بها، وبدلًا من أن يشارك الناس الصالحين أصحاب الأذواق الجميلة في تشكيل الموسيقى وتوجيه الذوق العام نحو الأفضل، نجد أنه ببعدهم عنها، قد تركو المجال لغيرهم في توجيه الدفة، لذلك نجد أشكالا مزعجة من الموسيقى، أشكالًا تُصخِب بدلًا من أن تُطرِب.
حين يستمع الشيخ للموسيقى فهو ينقل رسالة مفادها أن هذا أمرٌ عادي، هذه الرسالة تنتقل لمجتمع المتدينين، وبالتالي يشارك هذا المجتمع الكبير الحراك الثقافي أو الفني، يشاركون في الاختيار والدعم، حينها سيجد من يقدم فنًا راقيا (وهنا أعني الأغاني على وجه التحديد)، سيجد جمهورًا يسمع له، سيتمكن من النجاح وبالتالي البروز والوصول للنجومية، وأنتم تعرفون أن النجم في واقعنا المعاصر هو من يقتدي الشباب به، ومن يساهم حقًا في تغيير المجتمع.
إلى متى نستمر في دس رؤسنا في التراب، نستمر في الهروب من مواجهة مشاكلنا، نستمر في غلق باب الفكر والتجديد على عقولنا ونتقوقع والعالم يموج من حولنا بالتغييرات التي قريبًا تطرق أبوابنا، بل أنها قد طرقت، ربما وأنت تقرأ كلامي الآن، قد ظهر لك -قبل دقائق- إعلان مليء بالموسيقى والمعازف، واستمعت إليه مضطرًا، لأننا أصلًا لا نملك قرارنا، فالانترنت من تطويرهم والموقع من تصميمهم والاعلانات من صنع شركاتهم.
وأما (الموسيقي) الذي أتمنى أن (يحرص على الصف الأول في المسجد) فهذا هو الأمر الطبيعي، هذا هو الأمر العادي لكل مسلم حقيقي، فأنا أريد أن أشاهد مجتمعًا مسلمًا طبيعيًا غير مصابًا بالانفصام في الشخصية، وأصدقكم القول أن أحد أسباب هذا الانفصام هو الجمود الديني الذي نعاني منه، فالموسيقي حين يقرر الدخول في عالم الفن هو يطلّق التدين أولاً حتى يرتاح ضميره، فالدين (كما يتوهم) يحرّم عليه الموسيقى، والموسيقى (كما يتوهم البعض) لا تجتمع مع القرآن في قلبٍ واحد.
بعض الأشخاص يحبون هذا المجال، يجد شغفه في الدق أو الضرب بالوتر، فهل تمنع هذا الشباب من هذا المجال الذي يحبه، لا، لكن الأصل أن تُبنى شخصية المسلم وفق أولويات واضحة وقيم ناصعة، ومن أهمها قيمة “ذكر الله” وأنها قبل وفوق كل شيء، فحين ينادَى للصلاة (والصلاة أعلى مقامات الذكر) يترك كل شيء ويذهب ليلبي نداء الله، فعلاقته بربه قبل وأهم من كل شيء، وهمه الأخروي أكبر من همه الدنيوي.
هذا الموسيقي الذي يحرص على الصف الأول، ويتلو كتاب الله، عندما يُدعى لحفلة فيها سفور وتبرج، حينها سيتذكر كلام الله (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) وحينها سيمتنع عن تلك الحفلة، أما إن كان مشهورًا ويشار إليه بالبنان، حينها ستضطر إدارة الحفل أن تغير وتعدل حتى تلبي متطلباته، وحينها أقول: مبروك، نحن نصنع مجتمعاً عفيفًا، بدون إرغام أو صدام.
هذا الموسيقي (أو المطرب) الذي يحرص على الصف الأول، وربما يتابعه الملايين عبر شبكات التواصل، سيقتدي به ألوف من الشباب، وحينها أقول: مبروك فقد تم تعزيز قيم الإسلام في نفوس الشباب بدون خطب أو مواعظ.
هذا المطرب الملتزم، سيكون ملتزمًا أيضًا بفنه، سيختار كلماته بعناية، وسيبحث عن كلمات تنشر الخير وتعزز القيم، وقد يصل فنه إلى العالمية، وينتشر إلى بقاع بعيدة ومجتمعات عديدة، وحينها سيتعرف ملايين الناس على الإسلام عبر بوابة الفن والموسيقى، وحينها أقول: مبروك، هاهو الإسلام ينتشر من تلقاء نفسه.
أخيرًا، أدعوكم لمشاهدة هذا المقطع (في أول تعليق) وسوف تتعجبون كما تعجبت أنا، عبارة عن فرقة غنائية من تايوان يؤدون -جماعيًا- مقطوعة بعنوان (ذكر)، يبدأونها بـ (حسبي ربي جل الله * ما في قلبي غير الله)
ويستمر الغناء حتى ينطلق صوت يخطف الأسماع من وراء الحشد وهو يقول (لا إله إلا الله).
ليسوا مسلمين، ولا يعرفون العربية، مع ذلك، فقد وصلت هذه الكلمات إليهم عبر قارب (الفن والموسيقى) والفن هو رسالة، من خلالها يمكن لمن أراد اكتشاف هذه الحضارة وما تكتنزه من جوهر ثمين يشع نورًا منذ 14 قرنًا، نور يكفي ليضيء العالم بأسره، لكن فقط حين نحسن الفهم والتصرف.
هداني الله وإياكم لأقرب مما نحن فيه رشدا.
السر في الموسيقى
ما هو السر في الموسيقى؟
لماذا ينتابك ذلك الشعور الخفي والنشوة الروحية الفريدة حين تستمع لمقطوعة فنية يجتمع فيها العازفون بآلاتهم، ويطرب لها الحاضرون بأسماعهم؟
دائمًا ما تثار هذه الفكرة في عقلي كلما استمعت للموسيقى الصافية الخالية من أي رتوش كلامية، وخاصة تلك السيمفونيات، مثل ما يبدعه محمد القحوم من مقطوعات تراثية (من أجملها المقطوعة التي تحمل اسم “ليل دان” والتي دمج فيها التراث اليمني بالمصري، رابط الفيديو في أول تعليق)
أتذكر حين انجذبت روحي لمعزوفة أحمد الشيبة -رحمه الله- تلك التي دمج فيها عدة أغاني يمنية من مختلف المناطق والمحافظات وصنع من ألحانها قطعة فنية باذخة الجمال، كم أعجبتني ولازالت.
وأنا أقول أن (روحي) هي التي تنجذب وليس عقلي أو سمعي، لأن الموسيقى هي من الأسرار الروحية التي يصعب علينا تفسيرها، وهي من خارج حدود العقل والإدارك، هي سر مرتبط بعالم آخر أكبر وأوسع يصعب على الإنسان المحدود تفكيك أسراره أو غور بحاره، لذلك هو سر كما أن الروح سر.
لربما أن السبب هو التناسق والانسجام، فلا بد لكل مقطوعة أن تتناسق أنغامها وتنسجم أصواتها، وهذا يصنع شيءاً جميلاً، والجمال لا يتعلق بالصورة فقط، ولا بالصوت وحدة، الجمال يمكن أن يأتي بصور مختلفة، صور مما يتسع له عقل الإنسان وما لا يتسع، والجمال هو مبدأ أساسي يظهر في جميع مخلوقات الله، لكن ما هو السر في الجمال يا ترى، إنه التناسق والانسجام.
﴿ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾
نختلف في أشكالنا وألواننا، لكن يبقى الإنسان -بشكل عام- جميلاً، وحتى أولئك الذين لم يهبهم الله قدرًا كبيرًا من الجمال الظاهري، هم في موضع يصنع صورة جميلة، فالجمال يتعلق أيضاً بالزمن، فهو شيء رباعي الأبعاد -أو أكثر-، بمعنى أنك بحاجة لأن تتتبع حياة ذلك الشخص (الدميم) من الميلاد حتى الممات، ليس هذا فحسب، بل وتتتبع كل الآثار التي صُنعت بسبب وجوده، لتكتشف أن الصورة الكبيرة جميلة.
ويدعم رأيي هذا ما نجده من انجذاب وحب للأوركسترا (السمفونيات) والتي تعرّف على أنها (عبارة عن مجموعة من عازفي الأدوات الموسيقية، وغالبا ما تكون مجموعة كبيرة تضم ما يقارب المائة عازف لمختلف الآلآت الموسيقية بشتى أنواعها).
إذن هي مجموعة (كثيرة)، وهي آلات موسيقية (مختلفة) ورغم هذه الكثرة وهذا الاختلاف إلا أنها تتناسق جميعًا وتنسجم فيما بينها انسجامًا يرتبط طرديًا مع المتعة التي نحصل عليها، فكلما زاد الانسجام لِما يُعزف زاد الانجذاب لِما نسمع.
ألا يذكِّرك هذا بشيء
هؤلاء العازفون بآلاتهم المخلتفة ومهاراتهم المتنوعة، يجتمعون ليصنعون لوحة (صوتية) منسجمة؟
ألا ترى الانسجام داخل جسمك، أعضاء مختلفة وخلايا متنوعة كلها تعمل معًا في تعاونٍ وانسجام لتستمر الحياة العجيبة لهذا الكائن الأعجب.
انظر إلى السماء، اسأل عالم الفلك والفضاء، أو تأمل في عالم الذرات والإلكترونات، أينما وليت عقلك فستجد التصميم الدقيق والانسجام العجيب في جنبات هذا الكون، فلا تملك إلا أن تسبح الله على خلقه وإبداعه.
ثم منحك -أيها الانسان- شرف تجربة متعة الخلق، أن تصنع شيءاً جميلاً بنفسك، أن تبدع وتبتكر وتؤلف، وهذا كله بإذن الله ومدده الذي لا ينقطع، فهو الخالق والفاعل في حقيقة الأمر (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ) وقد أذن لنا أن نصبح خالقين (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، وأنّا لهذا الخالق الصغير أن يظاهي الخالق الأكبر جل جلاله وتقدست أسماؤه.
أذن، عملية التأليف والأداء الموسيقي هي عملية خلق وابتكار، شيء جميل يُستهلك عبر الأذن، شيء مؤلف من أشياء متفرقة ومتناثرة، أصوات خام تطلقها الآلات عبر ملامسة الأصابع أو الشفاة أو حتى الأرجل، وإصدار الصوت الجميل من الآلة هو شيء فريد معقد في حد ذاته، فكيف حين يبدع العازف ليس في إصدار نغمة جميلة من آلته، بل في أن يجعل نغمته تلك تنسجم مع نغمات رفاقه ليصنعوا في نهاية الأمر قطعة فنية جميلة.
مثلما تتعاضد البروتونات مع الإلكترونات لتشكل الذرة، وتشكل الذرة مع غيرها من الذرات العناصر، ويتحد عنصر مع آخر ليشكل الماء، ثم يشكل الماء مع غيره من المواد هذه اللوحة الجميلة التي تسمى (الحياة).
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ).
القهوة
اكتشفت -متأخرًا- هذه النعمة العظيمة، كنت أقول عنها مضيعة للوقت ومكانًا للعاطلين، لكن… متأسف… كنت مخطئاً، هي مكان رائع وملهم.
إنها (القهوة).
أصبحت مدمنًا مؤخرا على القهاوي، أتنقل من واحدة إلى الأخرى، أسجل مواقعها على الخريطة، أُقيّم كل واحدة بحسب مواصفات عدة، أتخير الأفضل فالأفضل لأقضي فيها سويعات كل يوم.
إنها مصر، بلد القهاوي بامتياز، حيث تجتمع بالأصحاب أو تختلي بنفسك، وأنا من النوع الثاني، أحب العزلة المختلطة، أن أكون لوحدي وسط الناس، أحمل هاتفي لأقرأ كتابًا، أو سماعتي لأستمع لحديثٍ ماتعٍ عبر حلقة بودكاست، أو حاسوبي لأنهي عملاً أو أكتب شيءاً.
تنتشر القهاوي بين الشوارع، تخترق الأزقة والحواري، هي ديار مفتوحة لكل عابر سبيل، لكل هارب من دوشة الحياة وضغط الأسرة، لكل من يريد أن يقف على قارعة الطريق يراقب الحياة وهي تمر من أمامه، يتأمل، يفكر، يأخذ استراحة محارب ثم يكمل مشوار حياته.
أما مواصفات القهوة المميزة، فهي عديدة، أولها الهدوء، أحب القهاوي التي تتمركز في شوارع فرعية، شوارع واسعة نظيفة تحفّها الأشجار وتداعب ناصيتها الشمس في الشروق والغروب، ويمكن إجمال المواصفات بالبعد عن التلوث، صوتيا أو مرئيا أو هوائيا، التلوث الصوتي هو الإزعاج من محركات العربات أو من صراخ الشاشات، أما التلوث الهوائي فهو ما تنفثه الأفواه من دخاخين، والقهوة الجيدة هي التي تمتلك مكانًا واسعًا ليتمكن المحافظ على رئتيه أن يبتعد عن كل مشيش ومدخن.
ما أجمل القراءة في القهوة، وما أجمل الهواتف الذكية حين تُستَثمر لإثراء الحياة، بدلاً من التجول في ردهات الفيس والواتس، تقرأ كتابك عبر الهاتف، وعبر الانترنت -هذه النعمة التي سهلت لنا الوصول لأصحاب العقول والاطلاع على التجارب والخبرات- تصل لما تريد أينما تريد.
كل شخص في القهوة يقضي أفضل جزء من يومه، يحتسي أفضل مشروباته، هي لحظة وصول الركب إلى الواحة للتخفف من وعثاء السفر، الكل يمارس نشاطه الذي يرفع عنده (الكيف)، هي الساعة السليمانية لمن لا يملكون نبتة (القات)، وكل واحد أدرى بساعته، منّا من (كيفه) في القراءة، آخر يكيّف على كوب من الشاي الثقيل، شخص يكيف بالتحدث مع الأصدقاء، وشخص يكيف -ربما- بمجرد البعد عن زوجته.
بائعة الدونت
خرجت اليوم من المنزل بينما كانت ابنتي تستمع لأغنية (بائعة الكبريت)، كانت تستمع إليها بقلبها لا بأذنيها، كانت متأثرة بهذه الفتاة المتخيلة والقصة المسرودة، وابنتي حفظها الله تمتاز بقلب عطوف، لديها مشاعر فياضة ورحمة واسعة، وأنا أحب فيها هذا وأشجعها على أن تكون من الذين يرحمون من في الأرض، كي ينالوا رحمة من في السماء.
متابعة قراءة بائعة الدونتقررت أن أكتب كل صباح
قررت -مستعينًا بالله- أن أُلزِم نفسي بالكتابة كل صباح، أن أكتب قطعة نصية سواءً كانت فنية أو فكرية أو معلوماتية، والمعلومات الصادرة ليست بالضرورية علمية، فحتى تفاصيل حياتك اليومية هي معلومات خام يمكن الاستفادة منها، وليس شرطًا أن تنشر تلك المعلومات، بل يمكن أن تودعها خزانتك الخاصة (كراسة يومياتك) لتعود إليها فيما بعد حين تسترجع الذكريات وتستخلص منها الفوائد.
الكتابة متنفس للروح، طريقة لتسجيل الخواطر وترك الأثر، وسيلة الإنسان للتواصل وبناء الحضارة، فهي وسيلة التواصل حتى مع نفسك، نفسك المستقبلية، أو للتواصل مع أبناءك، حيث يمكن أن تدون لهم بعض الخواطر وما يبوح به القلب لتهديها إليهم حين يكبروا، فقد لا تتسع آذانهم الآن لنصحك وتوجيهاتك، قد تعاني كلماتك الآن من عذابات التجاهل والتطنيش، ربما لأن الوقت لم يحن، أو لأنهم لم يخبروا الحياة بعد، لكن لماذا تذهب كلماتك النفيسة ونصائحك الخبيرة سدى، لماذا لا تدونها في كراسة تصبح فيما بعد كتابًا تهديه لإبنك أو بنتك حين يكبروا، حينها ستكون لكلماتك أثر ولذكرياتك معنى.
لقد سهلت لنا التقنية الكتابة، هذه نعمة من الله، وقد زادني الله من نعمه أن أرشدني لتعلم الطباعة السريعة عبر الحاسوب، وهذه مهارة أنصح الجميع بإتقانها، وليس شرطا أن تتعلم في مركز أو معهد كما فعلت أنا قديمًا، بل هنالك اليوم الكثير من المواقع التي تساعدك على تعلم الكتابة السريعة، وحين تتقن ذلك ويصبح معدل كتابتك 50 كلمة في الدقيقة، حينها ستسبقك أصابعك إلى الكتابة.
لكن لماذا الصباح؟ لأن الصباح متنفس الروح، ألم يقل الله (والصبح إذا تنفس) والصبح عندي محطة الإبداع الرئيسية، وموعد المعجزة اليومية، والمعجزة لها شروط كي تتحقق، فيجب أن يكون الفرد في الموعد حين ينادى للفلاح، ويجب أن يغسل قلبه بذكر الله ويزكي عقله بالتفكر في كتابه، تلك الساعة الأولى في يومه هي المنطلق الأساسي والعدة اللازمة للإبداع والعمل الصالح.
الله ما أجمل الصباح، ها هي أشعة الشمس تعكس بهاء نورها في السماء، أكتب الآن من داخل الشرفة، أكتب وقد ابتسم قلبي وانعكس ذلك على وجهي حين وصل نورها إلى حارتنا الصغيرة وانعكس في واجهات العمارات القريبة، لذلك، فمن أراد الكتابة فعليه بالصبح حين يتنفس، لأن روحه سوف تتنفس وستخرج أجمل ما فيها، لكن بشرط أن يفوز بالفجر ويبدأ يومه بالذكر.
كما قلت أن التقنية قد سهلت علينا الكتابة، فأنا أكتب الآن في مدونتي الشخصية، والمدونة هي موقع رقمي يمكن لأي شخص أن يحصل عليه مجانا أو باشتراكٍ سنوي، وقد أكتب في صفحتي في الفيسبوك أو أي منصة أخرى، وربما أكتب مذكرة شخصية (ذكريات) في زاويتي الخاصة، وهي زاوية في موقع (Penzu) المخصص لكتابة المذكريات عبر الانترنت، فقد اعتدت قبل سنوات أن أكتب في دفتر ورقي لكني انتقلت بعدها إلى الطرق الرقمية.
سأكتب أيضًا في مدونات فرعية صغيرة سأخصصها لبعض المواضيع التي تهمني، سأنشئها عبر منصة (blogger) التابعة لقوقل، وهي منصة مجانية تكتب فيها فتبقى تدويناتك متاحة إلى ما شاء الله، وهذه ميزة مهمة لأن المواقع المدفوعة مرهونة بالدفع السنوي، إن قصرت في الدفع أو إن قدر الله أن تخرج من حلبة الحياة الدنيا، فسوف ينتهي الاشتراك ويحذف المحتويات، فإن أردت بقاء الفائدة وانتفاع الناس بعلمك أو خواطرك، فعليك بالمنصات المجانية، لكن الفرق بين الشبكات الاجتماعية والمدونات أن المدونات تعطيك ميزة ترتيب المحتوى وسهولة البحث والوصول، كما أن تدويناتك سوف تؤرشف بشكل جيد في قوقل وهذا يضمن أن يصل إليها من يحتاج لها.
ثم أما بعد، فقد كانت هذه قطعة اليوم وكان هذا هو الواجب الصباحي، تم بحمد الله، أراني غدًا في الواجب الجديد.
مراجعة كتاب: صيد الخاطر – ابن الجوزي
أتممت بحمد الله قراءة كتاب (صيد الخاطر) لابن الجوزي، والحمد لله أن يسر لنا هذا الكتاب وسخر لنا من يحققه ويخرجه أجمل إخراج، فقد قرأته من نسخة جيدة تزيد عدد صفحاتها عن 800 صفحة، وهي إلى الأصل أقرب كما بين المحقق، حيث استعان بعدة مخطوطات وبذل مجهوداً واضحاً في اخراج الكتاب (هو الشيخ طارق بن عوض الله بن محمد أبو معاذ ) وقد حملته من موقع المكتبة الوقفية (هذا الرابط) وأرجو أن لا أكون آثماً في ذلك.
ولقد نويت وبدأت في قراءة وتسجيل بعض الخواطر القيمة ثم نشرها في قناتي في اليوتيوب، وهذا ما أقوم به حالياً، ,اتمنى أن أتم هذا العمل حتى نساهم في نشر أفضل ما في هذا الكتاب القيم، بل حتى استخلص أفضل ما فيه وأودعه قناة اليوتيوب وقناة التلجرام كي أعود إليها بين الفينة والأخرى لأذكر نفسي وأجدد الهمة.
سأذكر هنا أبرز المعالم التي ميزت هذا الكتاب، والتي عكست أفكار المؤلف، فأول ما تعرفه عنه، أنها صاحب همة عالية، وأنه يحب العلم والقراءة حبًا جما، ففي خاطرة متأخرة يذكر أنه قرأ أكثر من 20 ألف مجلد، ولا يخفى هذا على من يقرأ بعض مؤلفات ابن الجوزي الغزيرة، فقد قيل أنه ألف أكثر من 600 كتاب، ولعلك تلمس من خلال قراءة الكتاب حرص المؤلف على الوقت أشد الحرص، وحرصه على استثماره في العلم وفي التأليف، كونه قد أدرك أن خير ما يستثمر فيه العمر العلم، وخير ما يخلف من بعده الكتب.
من المواضيع التي تكررت بأكثر من صيغة وأكثر من طريقة، موضوع التسليم وعدم الاعتراض، فساعة يتحدث عن الدعاء وعن لزوم القبول والرضى بما ينتج عن ذلك من إجابة أو تأخير أو عدم تحقق للمطلوب، فنحن ندعي الله لتحقيق أغراضنا، صحيح، لكننا نتعبد الله بالدعاء، سواء تحقق المراد أم لم يتحقق، فلا يجب أن نتوقف عن السؤال والدعاء، فإن الدعاء في حد ذاته هو المطلوب، ثم الرضى والتسليم.
وتلك الخواطر التي تحدث فيها عن التسليم للمقدر سبحانه، هي من الفوائد الثمينة في الكتاب، فهي تؤسس في قلب المؤمن عقيدة التسليم التي تقوم على ركنين، كوننا عبيد مملوكين، وكونه حكيم، وأننا لا يمكن أن نصل بعقولنا لمنتهى حكمته، قد نفهم أشياء وتغيب أشياء، فالتسليم وليس غير التسليم.
لقد تحدث عن نفسه، عن تقصيره في حق ربه، وسطر لنا بعض ما بثه من مناجاة لربه، وكذا كلام شيخة ابن عقيل في اتهام نفسه وتوبيخها، بل أنه يقول عن نفسه أن ذنوبه أعظم من ذنب فرعون، وقد تجد هذا الكلام عجيبا من عالم لا يتجرأ على الكبائر، لكنه أمرٌ معروف عن الصالحين، من يكرمهم الله بمعرفته ويذيقهم من لذة حبه، فيقصرون ويميلون إلى الدنيا قليلًا، فيكون هذا من أعظم الذنوب لأنهم اعرضوا عن ملك القلوب، لأن العبادة قد سهلت عليهم والطريق قد وضحت لهم.
أما فيما يخص موقفه من الزهد والتصوف، فهو في موقف معتدل، إنما سخطه على متصوفة أهل زمانه، فيبدو أن أكثرهم كان يمضي في الطريق بدون علم، وأنها أصبحت في وقته صنعة تستخدم لجلب الدنيا، لذلك دمدم عليهم في كتاباته، لكنه احترم الأوائل الصادقين، أمثال معروف وبشر الحافي وغيرهم، إلا أنه ينتقدهم في بعض المسائل دون أن يمس ذلك حبه وتقديره لهم، بل أنه يقول عن نفسه أنه كان له حال في بداية شبابه، وأنه حين جرّته الدنيا بحبالها عاد إلى قبور الأولياء والصالحين بالزيارة فنفعه ذلك، وأنه قد ذاق من حب ربه ويشتهي العزلة والخلوة لولا زاجر العقل وحب العلم والاشتغال به.
وقد تكرر موضوع المال وأهمية الاقتصاد في الإنفاق لطالب العالم أو طالب الآخرة، ويبدو أنه قد عانا من هذا الموضوع، وخاصة أنه ليس من النوع الذي لا يبالي بمطعمه أو ملبسه، فهو وإن كانت همته الآخرة يريد أيضًا حضه من الدنيا، لكن حب العلم والاشتغال به يمنعه عن العمل أو التجارة، لكنه أيضًا يهرب من هبات الأمراء لما فيها من تخليط في المال الحرام وقد جرب أخذها فانعكست على قلبه ظلمة وقسوة، لذلك يحرص على التذكر والنصح بأن يقتصد طالب العلم في ماله ولا ينفقه كله، ويحرص على توفير مصدر دخل يساعده على جمع همه، ومن أجل أن لا يذل للناس أو يأخذ من أوجه غير صالحه، وأن يدخر في وقت سعته لوقت ضيقه، وغيرها من الخواطر التي تدور في فلك المال.
وله خواطر حول النساء والزواج، وربما وجد القارئ أفكاره شاذة غريبة، ففي أحد الخواطر ينصح القارئ بأن يقلل من الإتيان، لأن في ذلك حفظ البدن، بل يدعوه لأن يكون له موسم في السنة يجامع فيه زوجته ثم ينصرف عنها بقية الأشهر، ويدعو إلى حفظ السر حتى عن الزوجة والولد، كما أنه يعتقد الكاملين من الناس هم الكاملين خلقة وطولا، ثم يصف بعض أنواع الناس المبتلين بشيء في خلقهم وشكلهم ويذكر أن مثل هذه الأنواع من الناس لا تكون من ضمن خاصة الله وأحبابه، بل يذكر أيضًا بعض أرباب الأعمال البسطية مثل الزبال، كما أنه لا يرى الخير في معظم خلق الله في زمانه، وحتى من طبقة العلماء أو الزهاد، ويرى الابتعاد عن عامة الناس وعدم مخالطتهم، وفي العموم هذه الخواطر قليلة محصورة، وأما أغلب المواضيع والخواطر، فقيّم نفيس.
وهكذا، يتشكل هذا الكتاب ليعكس لنا حياة إنسان حاول أن يستفيد بأكبر قدر ممكن من ساعات عمره وأنفاس حياته، عكس لنا تضاريس النفس البشرية التي تتشكل وتتلون، ولا شك أنه كتابٌ نفيس لا يُستغنى عنه، ويُفضل الرجوع إليه لتذكير النفس بين الفينة والأخرى، ولشحذ الهمة لمعالي الأمور، وللتفكر في عجائب صنع الله في هذا الإنسان ومافيه من عوالم وأكوان.
والحمد لله أولًا وأخيرًا.
ملحق
ومن الخواطر العجيبة (والطويلة) ما ذكره عن النكاح والنساء، وذلك في صفحة 374، وهو يدعو إلى الاقتصاد في الباءة، وعدم تضييع طاقة الجسم في المبالغة في الإتيان، والاكتفاء بزوجة واحدة، ثم يذكر قصة من أعجب ما قرأت، قصة يرويها بالأسانيد عن أحد الخلفاء أو الأمراء، حيث كان كثير الإتيان، وكان يطلب المزيد ويريد القوة الجسدية ليتمكن من الاستزاده، وأدى به ذلك لأكل وصفه أخذها من طبيب له، فأدت إلى مرض (الاستسقاء) أو شيء من هذا القبيل، فلم يجد له الأطباء من دواء إلا أن يدخل في فرن لعدة ساعات ثم يخرج إلى الهواء الطلق، ففعل وصاح ومنع من الخروج من الفرن، فخرج ولم يتحمل وطلب العودة، فعاد فتقرح جسده ثم مات شر ميته، فيالها من ميتة قبيحة.
ابن الجوزي يطلب من الله تطويل العمر
من الخواطر اللطيفة، ما ذكره فيما طلبه من ربه، حيث طلب منه أن يمده في العمر ليحقق آماله، هو لم يذكر لنا ما نوع اهدافه لكن الظاهر أنها في باب العلم والكتابة والتأليف، وقد ذكر أنه إن حقق الله وأمد الله في عمره فسوف يخرج هذه الخاطرة في هذا الكتاب، وإلا فلن تظهر للناس، وما قراءتنا لها إلا دليل أن الله قد حقق مراده وأطال في عمره، ثم إني تفحصت تاريخ ميلاده ومماته فرأيت أنه قد عاش نحواً من 88 سنة
بيني وبين عقلي – مايو 2022
أيام يأتي فيها الخاطر كسيل النهر الزلال، وأيام تغيب الشمس عن نور العقل لكثرة الغفلة والمعاصي، وما أجمل أن يبادر الإنسان لكتابة ما تناثر من أفكار، كي يقيد العبرة والفائدة قبل أن تتبخر
متابعة قراءة بيني وبين عقلي – مايو 2022