خواطر شهر فبراير 2020

من القرارات الجيدة التي عقدتها بداية هذه السنة، هي أن أكتب كل الأفكار والتأملات دون تأجيل، فلقد أدركت أني إن لم أكتبها في حينها، ولو في صيغتها الأولية، فسيصبح من الصعب علي إمساكها بعد ذلك أو تدوينها كما كانت مشرقة ناصعة حين الولادة.

ومن القرارات السيئة؛ أني قررت أن أكتب تلك الخواطر في جدار الفيسبوك، ذلك الجدار سيئ السمعة، من ينمي الرياء في القلب كما تنمو النبتة في فصلٍ ماطر، لذلك فقد قررت أن أكتب هذه الخواطر هنا في المدونة، بعيداً عن الزحمة، أن أكتبها طيلة الشهر حين ورودها في صفحة واحدة ثم أنشرها نهاية كل شهر، وبالتالي ستكون سلسلة شهرية لتدوين الخواطر الفكرية، كل صفحة بها خواطر وتأملات ما جاد به العقل طيلة أيام الشهر.

7- أحلامٌ مؤجلة

ولي أحلامٌ تنتظر حكم التنفيذ، لا هيَّ أعتقتني ولا أنا قادرٌ على التخلي، تتناوبُ عليَّ أطيافها، وتنعش القلب بالتذكير، فأجبر خاطرها بكلمتين؛ سيأتي يوم ولادتك المشهود، وسأعلن عن هذا بفرحة وسرور، سأخبرهم أن ربي كريم، لا يُضيع حلمَ حالمٍ منا، سيأتي يومٌ، سيأتي يوم.

6- التكلف عدو الاستمرارية

وقعتُ على مدونة أحدهم وتصفحت بعض ما كتبه صاحبها فيها، وجدت كلام من أعذب الكلام، وتدوينات رائعة الجمال، لكن صاحبها متوقف عن الكتابة منذ 2015، قد يكون السبب هو انشغاله بالحياة وطلب الرزق فيها، وقد يكون أمرٌ آخر، ثم عدت إلى مدونتي هذه فحدثت نفسي: وأنت يا عمر، متى هو يا ترى موعد هجرك للمدونة؟ حزنت، ثم فكرت وقلت في نفسي: حين تصبح الكتابة أمراً سهلاً وسريعاً، حينها يمكن الاستمرار لأنها لن تعيقني عن الحياة والإنجاز، لذلك فلا يجب أن أتكلف كثيراً أثناء الكتابة، ما أن تردني فكرة أو خاطرة أو فائدة إلا وأكتبها بشكل عفوي، لا يجب علي أبالغ في البناء اللغوي أو في المحتوى المعرفي، كي لا أمل ولا أترك …. إن التكلف عدو الاستمرارية، هوس الإتقان يمنعك من الاستمرار.

5- ثقافة القتل

في الأفلام السينمائية، المخرج هو الذي يتحكم بمشاعرك، فساعة يغدو القتل أمراً هيناً جداً، وساعة يصبح أمراً عظيماً وفعلاً شائناً إلى أبعد الحدود، تشاهد البطل وهو يقفز ويصارع الأعداء فيطرح ثلة عن يمينة، ويقضي على ثلة أخرى عن شماله دون أن يغمض له جفن ولا أن يتوقف أو يتردد أو يفكر، وأنت تمضي معه في رتم الأحداث، وكأن أولئك ليسوا سوى دمىً أو بشر آليين ليس فيهم أرواح ولا من خلفهم قصص وآمال وأسر وأطفال.

ثم في فيلم آخر، حين يريد المخرج أن يحرك مشاعرك ويكسب تعاطفك، تغدو الحركة أبطأ، والأحداث أكثر تفصيلاً، حتى إذا انطلقت تلك الرصاصة الغادرة وأصابت ذلك الشخص الذي يريدك المخرج أن تتعاطف معه، حينها ستتوقف الكاميرا طويلاً عنده، وليست كاميرا بلا كاميرات كل واحدة من زاوية، سيصور لك ألمه ومعاناته، سيأتي رفيقه وينزل دمعتين على خده، حينها سيغدو القتل في نظرك أمراً فادح السوء والوحشية.

لهذا السبب -وأسباب أخرى- لا أحب الأفلام التي توصف بأنها (أكشن)، وللأسف هذه الأفلام خطيرة على المجتمعات وعلى الإنسانية بأكملها، القتل لا يجب أن يصبح ثقافة سائدة وأمراً عادياً، يفترض بنا أن نعالج المشكلة في شاشاتنا أولاً، حتى نتمكن من معالجتها في واقعنا.

4- من يحبون الله

قرأت بعض كلام جلال الدين الرومي، وتأملت بعض أحوال الصوفية، ثم تأملت في المحب حين ينغمس في حب فتاة تأخذ قلبه، كيف يتغير حاله، يعيش معنا بجسده لكن لديه أحوال مختلفة، وقد يقدم على أمور لا يمكن أن نقدم عليها نحن، وقد يوصف بالجنون، بل أنهم وصفوا بذلك أشخاص (مجنون ليلى على سبيل المثال)، وهذا كله عندما يحب الإنسان إنساناً مثله، فكيف بمن يحب الخالق جل وعلى، حباً صادقاً لا ادعاءً، من الطبيعي أن تتغير أحواله، وقد لا نعي ما يمر به من أحوال، وقد لا نصدق أو ننكر عليه، والكثير من المحبين الحقيقيين لديهم أشياء غريبة وخوارق لكن لا يظهرونها للآخرين، فلن يفهم أحد، لن يفهم إلا من ذاق الحب الحقيقي، فهو أمر خارق للعادة، أن يحب الإنسان -بصدق- ربه.

نسأل الله أن يرزقنا حبه، وحب من أحبه، وحب كل عمل يقربنا إلى حبه.

3- وقت خروج الطيبين

وقت خروجهم هو الصباح الباكر، ألقاهم حين أركب قطار المدينة الذي يشقها نصفين، ويقطعها من الأول إلى الآخر، بعد الفجر، ووقت الشروق تسمع هديره يشق جدار الصمت، أركب فيه لأجد الرجال الحقيقيين، من يبكرون إلى أعمالهم ويعيلون أسرهم، وعادة ما يكونوا العمال الكادحين، والموظفين المغمورين.

حين أركب القطار باكراً، أجد صنف خاص من البشر، الصنف الذي تطمئن إلى الحياة بوجودهم فيه، فعلى الوجيه ترتسم ملامح السماحة، البعض منهم يمسك مسبحته ولا يفتأ يفرك حباتها بأصبعه، أخرون يحملقون في شاشة الهاتف وينهلون من معين الحقيقة (القرآن)، وحتى أولئك الذين لا يفعلون شيئا، يكفيهم فخرا أنهم من أصحاب البكور، ينامون مع اختفاء الشمس، ويصحون وقت ظهورها.

أحب أن أركب القطار باكراً، فهذا يعطيني طاقة كبيرة، ويبعث على نفسي السكينة، ويذكرني بأن أستمر في العمل، في السعي، في خوض هذه التجربة الفريدة؛ تجربة الحياة.

2- مجلس غِيبة داخل المسجد

قضيت مساء الأمس مع صديقي، لقيته في المغرب وجلسنا نصف ساعة نتحدث بينما كان المطر ينهمر، خرجنا فاشتهينا المشي على الأرض المبتلة بعدما توقف، وبعد مسافة ليست قصيرة، دخلنا مسجداً آخر لصلاة العشاء، وبعد الصلاة رأى صديقي ورقة مكتوبٌ عليها “لا تنسى نية الاعتكاف في المسجد” فاقترح علي أن نعتكف نصف ساعة في المسجد، نظرت إليه وابتسمت وقلت “ماذا نفعل في هذه النصف ساعة؟ نغتاب كما فعلنا بعد المغرب!”

لقد حدثني في المسجد بعد المغرب عن زوجته، كان يشتكي منها ومن أفعالها، في تلك الأثناء حين كنت أستمع له، لم أكن أدرك أنني كنت أستمع للغيبة، أنني كنت أرتكب إثماً، بل اعتقدت أني كنت أعمل صالحاً، بأني أفتح له قلبي ليبث فيه ما يريد، لكن ما كنت أجهله أن صورة سيئة عن زوجته قد انطبعت في عقلي اللاواعي بسبب ما سمعت منه.

هذه هي خطورة الغيبة بشكل عام، خطورتها في أنها تشكل الصور السلبية للأشخاص في العقل اللاواعي، فيتسرب الكره وبقية المشاعر السلبية إلى القلب ولو بالشيء اليسير دون أن تشعر، أو تقل مشاعر الحب والرأفة والرحمة لذلك الإنسان الذي تمت غيبته أياً كان، والمفروض أن يمتلئ قلب المؤمن بهذه المشاعر لا بتلك، فهي التي يرتقي بها ومعها في مدارج الكمال.

كأن الامتناع عن الغيبة هذا هو هدفه، يريد ربنا أن ترتقي أرواحنا، أن نتخلق -حقيقتاً- بصفاته، ولن يكون ذلك الا بصدق مشاعرنا وأحاسيسنا، والغيبة تقتل ذلك فينا.

إن الغيبة منتشرة جداً فيما حولنا، نتورط فيها كثيراً سواءً قائلين أو سماعين، ويجب على المؤمن أن يشدد الحراسة على لسانه وسمعه، وهذا هو تطبيق عملي لمفهوم “التقوى”.

1- إجري على رزقك إجري

اليوم دخلت المتنزه الكبير بعد أن أوصلت ابنتي إلى المدرسة، كنت ألبس المعطف وأضع الشال على رقبتي لتحميني من برد الشتاء، وحين دخلت وانفتحت روحي أمام المشهد الفاتن، بدأت بالركض، ركضت ولست أرتدي ملابس الجري أو الملابس الرياضية، وبدأت أردد مع نفسي “إجري … إجري على رزقك إجري“!

مع بداية هذا السنة، صرت أكثر تهاوناً في موضوع العمل الذي يدر المال، ذلك المصدر الأهم للدخل والذي أستعين به على مصاريف العيال، تولدت عندي قناعة -رغم معرفتي بذلك- بأن الأسباب هذه التي نقوم بها ليس لها علاقة بالرزق، لأن الرزاق هو الله، وكم من مرة سعيت وسعيت ثم خرجت صفر اليدين، وأحياناً يأتيني رزقي دون حيلة مني، قررت أن أمضي في عملي لكن على هون، وسأتوجه إلى ربي وأخلص له في العبادة.

في الحقيقية؛ هنا يقع منزلق شيطاني، فالرزاق هو الله لاشك في ذلك، لكن الأخذ بالأسباب هو طاعة لله كذلك، وطريقة الأخذ بالأسباب تختلف من شخص لأخر بحسب طموحه، وأنا من الناس الطامحين في ما أعتقد، فلدي أحلام وأهداف وأفكار كثيرة، والله هو من يحقق لنا آمالنا وهو من يوصلنا إلى أحلامنا لا شك، لكن الله يريد منّا أن نجتهد في العمل والطلب، كلٌ بقدر أحلامه.

أنا لا أقول أني تركت الأخذ بالأسباب، لكن همتي في العمل ضعفت، وتكاسلي قد زاد، في حين أن أملي لازال كما هو بأني سأصل يوماً لتلك الأحلام الكبيرة، أعني: الله سيوصلني إليها.

بالطبع سيوصلني الله إليها ولست أنا من يفعل ذلك، بل أني لا أمتلك زمام أهم عضو في جسمي والذي يمدني بشرايين الحياة، لكن بجانب هذا كله، يجب أن أتذكر أن الله قد وضع قوانين ونظام دقيق، نظام قائم على السببية، ويجب علي أن أحترم هذا النظام وأن أمشي في ركبه، طاعة له وليس للأسباب.

أهم شيء هو أن لا يطغى العمل على الخطوط الحمراء التي أضعها لنفسي لحراسة الإيمان، أن لا يسرق العمل من وقت ذكر الله، لأنه كما نعلم وكما قال الله في كتابه (ولذكر الله أكبر)، وذكر الله ليس فقط (سبحانه الله والحمد لله و…الخ) وإنما الصلاة وقراءة القرآن وذكر الله باللسان وبقية الأشياء المعروفة. إذاً يجب علي الاجتهاد في كلا الأمرين، في ذكر الله (الخطة الإيمانية) وفي العمل والأخذ بالأسباب (الخطة المعاشية)، والإيمان سيحمي القلب من التعلق بالأسباب أو النتائج.

المهم أني منذ اليوم -ان شاء الله- سأعود للجري، لن أكتفي بالمشي فقط، سأجري في طلب الرزق وفي إنجاز الأعمال وفي تحقيق التميز، سأخفف ساعات النوم وأستغل كل الوقت وأترك الملهيات ما استطعت إلى ذلك سبيلا (وأهمها الفيسبوك)، وهذا كله بجانب الجدية في ذكر الله، سأستمر في الجري، بجوارحي وقلبي، فنحن في دار العمل، في دار الجري.

ملخص كتاب: أيها الولد، للإمام أبو حامد الغزالي

الكتاب رقم 5 لسنة 2020
كتاب صغير بعنوان “أيها الولد” للإمام “أبي حامد الغزالي” (150 صفحة)

هؤلاء العلماء الأجلاء، والربانيون العظماء، يكفي أن تقرأ لهم بعض النصح والعبارات التي تخرج من قلوبهم المخلصة (كما نحسبهم والله حسيبهم) لتجد أثرها وثمرتها في قلبك وحياتك، وخاصة إن أتبعت العلم العمل، ولقد كنت أريد أن أقرأ لأبي حامد الغزالي منذ زمن، منذ أن عرفت بعض جوانب سيرته العطرة من عدة محاضرات منشورة للدكتور عدنان ابراهيم في اليوتيوب، فعرفت أنه في فترة من فترات حياته ترك كل شيء وذهب مهاجراً إلى الله، يبحث عن قلبه ويرجو معرفة ربه، بعد أن وصل إلى مكانة مرموقة في الحياة وبعد أن أصبح عالماً مشهوراً، لكن كل ذلك لم يغنِ عنه وترك كل حياته خلفه وتوجه ليصبح عابداً في المساجد ودرويشاً في الجوامع، ثم ولد من جديد وعاد إلى الدنيا بضياء قلبه الذي امتلأ بحب الله، فألف وكتب لنا كتباً لازالت شموعاً بارزة في كل عصر.

لقد أردت أن أبدأ قراءاتي لكتب الشيخ بهذا الكتاب الصغير الخفيف، حتى يكون فاتحة خير، وخيط يدخلني إلى روضة مؤلفاته.

ملخص الكتاب

أصل كتاب الإمام الغزالي صغيرٌ جداً، لكن المحقق زاد عليه الكثير في البداية، فالكتاب يقع في 150 صفحة، نصفه الأول عبارة عن ثلاثة فصول زائدة على الكتاب، والنصف الثاني هو محتوى رسالة الإمام نفسها، وهنالك الكثير من الحواشي والتوضيحات على كلام الإمام (وتخريج الاحاديث والآيات) ولو حذفنا كل هذا لأمكن وضع هذه الرسالة في كتيب صغير.

والكتاب في مجمله يمكن أن يوضع في باب (الوعظ والتذكير) فهي نصائح من شيخ مشفق إلى تلميذه، ويمكن أن تعتبر أنها موجهة إليك، حيث لا يمل الشيخ من ترداد (أيها الولد) قبل كل موضوع، كما أن الكتاب يحتوي على الأحاديث والأخبار المرققة للقلب والموقظة لباعث الإيمان في النفس.

الفصل الأول (من تأليف المحقق) يحتوي على تعريف بالغزالي، والفصل الثاني فيه تعريف بهذه الرسالة والمصادر التي تم التزود بها لتحقيقها الرسالة وغيرها من التفاصيل الفنية، أما الفصل الثالث والذي يقع في 40 صفحة فقد خصصه المحقق لـ (آداب المتعلم والعالم) من كلامه وبعض المقتبسات من كلام الغزالي.

ثم يأتي الجزء الأصلي والذي فيه رسالة الإمام الغزالي إلى تلميذه. وهذه الرسالة كما يبدو أنه قد ألفها بعد تأليفه لكتابة الأشهر (إحياء علوم الدين) لأنه ذكره في بعض المواضع.

بدأ نصائحه الجليلة بالتشديد على أهمية الوقت وعدم إضاعته، ثم في قبول النصيحة، فهي سهلة لكن الصعب قبولها، ثم ذكر أمر آخر هو مشكلة عدم العمل بما تعلمت (أو بالنصيحة)، وهذه آفة كثير من الناس.

بعدها دخل في موضوع النية، فسأل تلميذه عن كم الليالي التي سهرها في التعلم، ثم سأله عن الباعث لذلك والقصد والنية، (فإن كانت نيتك نيل عرض الدنيا، وجذب حطامها وتحصيل مناصبها، والمباهاة بين الأقران والأمثال فويل لك ثم ويل لك، وإن كان قصدك …) ثم تكلم عن تطهير موضع نظر الله (القلب).

ثم توجه الشيخ في كلامه إلى مسألة (قيام الليل) وذكر الأحاديث والأخبار والآيات وشدد على الأمر، ثم تحدث عن موافقة الشرع في العمل، والاقتداء بالمعلم الأول (صلى الله عليه وسلم)، ثم تحدث عن أمر مهم:

قال رحمه الله (واعلم أن بعض مسائلك التي سألتني عنها لا يستقيم جوابها بالكتابة والقول، إن تبلغ تلك الحالة عرف ما هي وإلا فعلمها من المستحيلات، لأنها ذوقية، وكل ما يكون ذوقياً، لا يستقيم وصفه بالقول. كحلاوة الحلو ومرارة المر، لا تعرف إلا بالذوق) وهو يشير هنا إلى الحالات الروحية التي يصل إليها أولياء الله والصديقين، والتي لم يصلنا من أخبارها إلى الجزء اليسير، لأنك إن أردت أن تعرفها حقاً فعليك بالتجربة، لن تعرفها بالقول والكلام، وهذا الأمر المكنوف بالأسرار يجعل القلب يشتاق لأن يستكشف وأن يتذوق، وهذا لا يأتي إلا بكثرة الأعمال الصالحة، وإطالة الصلاة في الخلوات، والذكر بالقلب قبل اللسان، وغيرها مما يقرب العبد إلى ربه حقاً وليس تظاهراً.

ثم ذكر ما يجب على السالك، وهي أربعة امور: إعتقاد صحيح لا يكون فيه بدعة، (2) توبة نصوح لا يرجع بعدها إلى الذلة (3) استرضاء الخصوم حتى لا يبقى لأحد عليك حق (4) تحصيل علم الشريعة قدر ما تؤدي به أوامر الله تعالى، ثم من العلوم الآخرة ما يكون به النجاة.

ثم ذكر في مقال طويل ما حكاه (حاتم الأصم) عندما سأله (شقيق البلخي) عن ماذا حصل عبر الثلاث سنوات من مصاحبته له، فأجاب في ثمانٍ نقاط وفوائد، ذكرها بشيء من التفصيل، وملخصها كالتالي: (1) أفضل محبوب هو الذي يدخل معك قبرك ولا يفارقك وقت موتك، وهو العمل الصالح (2) مجاهدة النفس وعدم اتباع الهوى (3) بذل المحصول الدنيوي لوجه الله (4) اختيار التقوى لتكون مصدر العز والكرامة (5) عدم الحسد والرضى بما قسمه الله لك (6) لا تعادي أحد غير الشيطان (7) اليقين أن الرزق بيد الله والاشتغال بالعبادة وقطع الطمع عن ما سواه (8) التوكل على الله والاعتماد عليه.

ثم ذكر أهمية وجود الشيخ المربي في حياة السالك، وماهي مواصفاته، وما يجب على السالك من آداب نحوه، ثم ذكر صفتا الصوفي الحق (تجده تحت في الاقتباس رقم 11) ثم أجاب عن ماهية هذه الأشياء: العبودية (ص131) – التوكل (ص132) – الإخلاص (ص133).

تحدث بعد ذلك بكلام جميل (من ص133 إلى 135) عن الأمور الذوقية (التصوف) وكيف السبيل للوصل إليها.

ثم أورد ثمان نصائح، أربعة أمور يدعهن، وأربعة يتمسك بهن: أن يدع المناظرات إلا في حدود ضيقة جدا ووفق شروط خاصة، وحذر من أن تكون واعظاً إلا بشروط، وعدم مخالطة الأمراء والسلاطين وأن لا تقبل شيئاً من عطاياهم، وأما الأربعو التي ينبغي عليه فعلهن: أن تجعل معاملتك مع الله – حب لأخيك ما تحب لنفسك – أن تصب القراءة والمطالعة في اكتساب علم يفيدك وينجيك، وأخيراً: أن لا تجمع من الدنيا أكثر مما يكفيك لسنة، ثم ختم رسالته بدعاء أعطاه لتلميذه كي يدعو به، وقبل ذلك ذكر هذه العبارة:

أيها الولد: إني كتبت في هذا الفصل ملتمساتك، فينبغي لك أن تعمل بها ولا تنساني فيه من أن تذكرني في صالح دعائك.

اقتباسات جذبتني

1- “إن امرأ ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لجدير أن تطول عليه حسرته”
2- “روي أن الجنيد قدس الله روحه رُئي في المنام بعد موته، فقيل له: ما الخبر يا أبا القاسم؟ قال: طاحت العبارات وفنيت الإشارات، وما نفعنا إلا ركعات ركعناها في جوف الليل”
3-” أيها الولد: لا تكن من الأعمال مفلساً، ولا من الأحوال خالياً، وتيقن أن العلم المجرد لا يأخذ باليد”
4-“أيها الولد: لو قرأت العلم مئة سنة، وجمعت ألف كتاب، لا تكون مستعداً لرحمة الله تعالى إلا بالعمل لقوله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) وقوله تعالى (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً)”
5-” قال الحسن البصري رحمه الله: يقول الله تعالى لعباده يوم القيامة: ادخلوا يا عبادي الجنة برحمتي واقتسموها بقدر أعمالكم”
6-“قال الحسن رحمه الله (طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب) وقال (علامة الحقيقة ترك ملاحظة العمل لا ترك العمل)”
7-“أيها الولد: العلم بلا عملٍ جنون، والعمل بغير علم لا يكون”
8-” قال عليه الصلاة والسلام لرجل من أصحابه: يافلان … لا تكثر النوم بالليل، فإن كثرة النوم بالليل تدع صاحبه فقيراً يوم القيامة”
9-” قال سفيان الثوري: إذا كان أول الليل ينادي منادٍ من تحت العرش: ألا ليقم العابدون، فيقومون ويصلون ما شاء الله، ثم ينادي منادٍ في شطر الليل: ألا ليقم القانتون، فيقومون ويصلون إلى السحر، فإذا كان السحر ينادي مناد: ألا ليقم المستغفرون، فيقومون ويستغفرون، فإذا طلع الفجر ينادي منادٍ: ألا ليقم الغافلون، فيقومون من فروشهم كالموتى نشروا من قبورهم”.
10-“واعلم أن بعض مسائلك التي سألتني عنها لا يستقيم جوابها بالكتابة والقول، إن تبلغ تلك الحالة عرف ما هي وإلا فعلمها من المستحيلات، لأنها ذوقية، وكل ما يكون ذوقياً، لا يستقيم وصفه بالقول. كحلاوة الحلو ومرارة المر، لا تعرف إلا بالذوق”
11-” ثم اعلم أن الصوفي له خصلتان: الاستقامة، والسكون عن الخلق، فمن استقام وأحسن خُلُقه بالناس وعاملهم بالحلم فهو صوفي”
12-” أيها الولد: الباقي من مسائلك بعضها مسطور في مصنفاتي، فاطلبه ثمة، وكتابة بعضها حرام. اعمل أنت بما تعلم، لينكشف لك ما لم تعلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عمل بما علم ورثه الله ما لم يعلم.”

مراجعة سريعة للمجموعة القصصية (وشاية الليلك) للكاتب اليمني الدكتور فارس البيل

الكتاب رقم 4 في 2020
مجموعة قصصية بعنوان (وشاية الليلك) لـ: فارس البيل

لو أردت أن أعبر عن هذه القصص بكلمة او كلمتين، لقلت أنها (دافئة).
لغة الدكتور فارس عذبة رقراقة، أما القصص التي عددها 12 فهي متنوعة، منها ما تدور أحداثه في الريف، ومنها ما هو في الحضر، منها ما ينتهي ببعض الحزن، ومنها ما يدغدغ عواطفك ويستثير ضحكتك، هي قصص تعبر عن بعض الواقع، وتعكس جوانب من الحياة وما فيها من تناقضات.

هنالك من القصص ما يختزل سنوات في أسطر، وقد أعجبتني خفة الانتقال في الأزمنة التي يتبعها الكاتب، حيث يدع للقارئ بعض الفجوات التي من خلالها يستنتج بنفسه أن أشهراً أو سنوات قد مرت، دون أن يطنب أذنيك بعبارات تزيد على النص وتأكل بعض جماله.

يبدع الكاتب في وصف المكان، وينتقل بالقارئ بعقله إلى عالم القصة بما فيها من مشاعر وأحاسيس، يختار كلماته بحرص، وينتقي الألفاظ البلاغية التي تستوقفك مراراً لتتأمل بعض جمالها.

بدأت رحلتي بقصة (وراء البريق)، وأعادتني الكلمات إلى جو الريف العليل وطيبة الناس الأصيلة، ثم حلقت بي القصة وأوصلتني في نهاية المطاف إلى حكمة اختزلها أحد الحكماء اليمنيين بقوله (عز القبيلي بلاده… ولو تجرع وباها).

ثم انتقلت إلى (تحت المطر)، والتي تباطأ الزمن فيها بشدة، فبدلاً من أن تحكي لك القصة ما حدث في فترة، ركزت على مشهد حدث في نصف ساعة، يحكي مصادفة غريبة، لقاء وحوار تفهم من خلاله كيف سارت الأمور وإلى أين آلت، كي تستخلص -في نهاية المطاف- الرسالة التي تعبر عن حال هذا الزمان، وما يحدث من بني الإنسان.

تحاول القصص -في الغالب- عرض مشاكل اجتماعية من الواقع العربي، لكن بأسلوب أدبي يدع للقارئ حرية القرار والحكم، والبعض منها يكتفي بالسرد الجميل لمواقف ومشاهد من الحياة.

في الأسفل بعض الاقتباسات التي تعكس جمال لغة الكتاب، والكاتب.

وشاية الليلك

أهمية الطقوس اليومية

عمر الإنسان يتكون من مراحل، والمرحلة من سنوات، والسنة من أشهر، وكل شهر به عدد محدود من الأيام، أما اليوم فهو الوحدة الأساسية التي يتكون منها عمرك، هي الدورة الكاملة التي تعاد وتعاد وتعاد، مع إشراق يومٍ جديد؛ هنالك دورة أخرى تبدأ بالصباح وتختمها بالمساء، وعليك أن تفعل شيئاً -أو أشياء- في هذه الفترة الضيقة، قد يكون شيء مختلف في كل يوم (ضمن إطار عملك)، لكن هنالك أشياء تعيدها وتكررها كل يوم بنفس الطريقة وفي نفس التوقيت.

الصلوات أمور مشتركة بين جميع المسملين (وحتى من غير المسلمين؛ كلٌ له صلاته وطريقة اتصاله بخالقه)، لكن ورغم توحد شكل وطريقة أداء الصلاة، إلا أن هنالك تفاصيل قد تختلف من شخص لآخر، مثلاً: أماكن تأديتها، ما يأتي قبلها وما يأتي بعدها، هذه أمور قد تختلف من شخص إلى آخر، وكذلك الذِكْر، البعض لديه ورد من الذكر يؤديه في مكانٍ معين، في المسجد بعد المغرب، أو في المنتزه أو قبل النوم، وكذلك قراءة القرآن، ما هي طقوسك في قراءته، بعد الفجر مثلاً، في المسجد أو في حديقة بيتك أو في البلكونة وأنت تحتسي كوب القهوة، وغيرها من التفاصيل التي تختلف من إنسان إلى آخر.

كل ذلك يتعلق بالجانب الروحي (الإيماني) والحياة السعيدة هي التي توازنها بين الثلاثة جوانب: الروحي – العقلي – الجسدي، ويكون فيها لكل جانب جزءٌ معلوم من يومك، وبقية اليوم يكون لتأديه التزاماتك ومهامك في الحياة.

ثم تأتي طقوس تنمية العقل (الجانب المعرفي)، وأهم طريقة هي القراءة، لكن كيفية تأديتها يختلف من شخص لآخر، فكلٌ له طقوسه الخاصة في القراءة وتحصيل المعرفة بشكل عام، فأنا مثلاً لا أستطيع القراءة في البيت عند الأولاد، يجب أن أقرأ في مكان هادئ بعيد عن الملوثات السمعية، ومن أحب الأمور إلى قلبي هي القراءة في المتنزه الكبير وأنا أتمشى وسط الحشائش، البعض يحب القراءة في الضوضاء، والبعض يقرأ قبيل النوم أو في المساء والجميع نيام، وهكذا كل إنسان له طقوسه الخاصة فيما يخص تطوير الجانب المعرفي.

ثم نأتي أخيراً إلى الجسد، وأهم طريقة لتنميته هي الرياضة والجري أو المشي، وكل إنسان له طقوسه الخاصة، فالبعض يمشي كثيراً، يختار المسجد البعيد دون القريب، والبعض متعودٌ أن يعود من العمل مشياً على قدميه، آخرون يحافظون على الجري بانتظام، شخص يجري في الحديقة وآخر في الحارات بشكل دائري على منزله وآخر على البحر، البعض يذهب إلى الصالة الرياضية (الجِم)، وكل شخص له طريقته (طقوسه).

أهم نوع من الثلاثة هو الجانب الروحي، وهو الذي يغفل عنه الكثير للأسف، ويمضون في الحياة دون تغذية لأرواحهم فيصابون بالمشاكل النفسية ويعانون في الحياة ويغيب عنهم طعم السعادة، وكل ذلك كان حله يسير لو أنهم تمسكوا بتلك الطقوس اليومية المتعلقة بالجانب الروحي، وطبعاً نحن -كبشر- لا نحدد كيفية تطوير الجانب الروحي ولا يجب أن تستقي ذلك من أي كتاب أو فكر إنساني، لأن كل البشر عاجزون عن فهم مكنون هذا السر الغامض (الروح) والعليم به هو من خلقه، لذلك فأنت تلتزم بما يقوله لك الخالق عبر كلامه وعبر صحيح سنة نبيه (الذي ارتضاه لنا قدوة وأمرنا باتباعه)، ثم تبني لنفسك طقوساً معينة ضمن الإطار الذي حدده لك الشرع.

فيما يخص الجانب العقل (الجانب المعرفي) فقد يكتفي المرئ بالتعلم في الجامعة أو في الدورات التدريبية التي تعينه على التمكن من تخصصه، وهذا يعتبر نوع من أنواع التغذية العقلية، لكن يفضل عدم الاكتفاء بالتخصص فقط، أن تقرأ ولو حتى نصف ساعة يومياً في مجالات مختلفة ومتنوعة، كي تصبح القراءة جزء من طقوسك اليومية.

أما الرياضة والحركة (تغذية الجسد) فهي مهمة ويغفل عنها أكثر الناس، والناس لديهم أعذار كثيرة، أهمها ضيق الوقت، ولو رأيت حياتهم لوجدت أن هنالك ساعة على الأقل أو ساعات تضيع منهم كل يوم، ما بين تصفح غير موجه للانترنت وبين نوم أكثر من اللازم أو مسامرات وأحاديث ليس لها داعي وجلوس في القهوات أو مقائل القات، بينما يمكن أن تدمج طقوس الرياضة مع فعاليات يومك، يمكن أن تذهب لعملك باكراً لكن ماشياً لا راكباً، يمكن أن تصلي في المسجد البعيد في أحد الصلوات أو تعود منه جرياً، وبالتالي أنت تدمج طقوس الروح مع طقوس الجسد، تضرب عصفورين بحجر.

يمكنني أن أشارك معك بعض طقوسي اليومية، لكن لا يمكن أن أمليها عليك وأطلب منك تنفيذها في حياتك، فكل إنسان مختلف، ولكل إنسان ظروفه المختلفة، وهذه الطقوس لا تتشكل بين ليلية وضحاها، كما أنها لا تدوم إلى الأبد، لكنك تطورها مع الأيام، حتى تصل إلى الطريقة الأمثل والأفضل، وتستمر على التعديل عليها والتحسين كي تستمر في الترقي والتقدم، والأهم دائماً هو المحافظة عليها، ليست العبرة في الحسن والجودة يل في الاستمرارية.

الهدف من هذا كله هو أن تعيش في توازن، في سعادة، أن تتطور روحك وتتوسع معارفك، وبالتالي تتوسع مدارك فهمك ورؤيتك للحياة، أنت بهذا تترقى في مدارج الكمال (التي ليس لها نهاية) وتتحول من مخلوق من طين إلى روح تهيم في عليين، وتفوز يوم توزع الجوائز يوم الدين.

الإنسان وكورونا والسينما الغربية

هنالك العشرات، وربما المئات مما يسمى بأفلام الخيال العلمي والرعب وغيرها من الأفلام التي يبدع فيها الإنسان بتخيل أفضع الأمور وأشد المصائب التي يمكن -ولا يمكن- أن تحدث للبشرية.

عشرات الأفلام التخيلية التي تحكي تفشي الفيروسات وموت الناس (هذا مثال)، بل أسوأ من ذلك، أن يتحول الإنسان إلى (زومبي) يقتل بعضه بعضا، تُصدّر تلك الافلام ويستمر إنتاجها سنة بعد أخرى وتصرف فيها الملايين وتُسخّر لأجلها الجهود البشرية والتقنية لتصوير تلك الفضائع بأقوى المؤثرات البصرية كي تخرج واقعية إلى أبعد الحدود.

في حياتنا اليومية، إذا تحدث أحدنا بالسوء قلنا له أصمت لا تقل، إذا حلم أحدنا حلما سيئاً أصبح كاتماً له لم يحدث به أحدا كي لا تلتقطه يد الأقدار، نحن الذين نردد مقولة (لابن آدم ثلث ما نطق) فنقدم الكلام الطيب على السيء، ونتحدث بالخير دون الشر، ونتفائل ونكره من يتشاءم.

أنمتنع عن هذه الأمور في الكلام، ثم نطبقها بالصوت والصورة، في الأفلام؟

هاهو ما تنبأتم به طيلة العقود الماضية، فيروس صغير أحدث رعبا في العالم لا يوازي ربع رعب أفلامكم، ها هو الفأل السيء يتحقق في أبسط صُوره، ألم تنفقوا مئات الملايين في إنتاج هذا الشؤم عبر شاشات السينما وعبر أقراص  الترفيه المنزلي، ألم يشارك في حفلات الرعب تلك ملايين البشر حول العالم، لا أدري كيف أصبح هذا نوعا من “الترفيه”، أيعقل أن نشاهد الناس وهم يموتون ويتعذبون -وإن كان تمثيلاً- ثم نسمي هذا فناً، أما أنا فأسميه مسخاً للذوق وطمساً للإحساس.

الفن رسالة، والخيال وسيلة، والقصص التي تكتب بحرفية وحبكة ذكية؛ يفترض بها أن تساهم في تنمية الإنسان، وفي تشكيل الواقع المأول، ولو في الأذهان.

وأخيرا، وكما قال “تولستوي” في إحدى قصصه “بمَ يعيش الناس، فأتاه الرد: بالرحمة”، فالرحمة هي الباقية، بها نعيش وعليها نؤمل، رحمته سبحانه بنا ورحمتنا فيما بيننا، فهو الرحيم اللطيف الحليم، وسبحانه.

نسأله اللطف والسلامة، والعفو والعافية، لنا ولجميع خلقه.

قرأت قصة “العجوز والبحر” وهذا كان انطباعي

كتاب رقم 3 في 2020
رواية أو قصة “العجوز والبحر” لـ “أرنست همنجواي” (116 صفحة)

اخترت هذه القصة لشهرتها، ولأني أريد البدء في قراءة روايات عمالقة الأدب العالمي، فبدأت بشيء يسير، وقد وجدت في النت هذه القصة بثلاثة ترجمات، كنت أحياناً أتنقل بين ترجمة وأخرى، حين لا تعجبني إحداهن أو أجد فيها بعض الصعوبة في بلع الكلام أو تعيقني عن السرعة في القراءة، بدأت القصة بحماس، ثم قل الحماس في منتصف القصة بسبب التفاصيل الكثيرة الغير مثيرة، لكن نهاية القصة كان مميزاً وأظهر ما في القصة من حكمة دفينة ودرس بليغ.

كتبت هذه الكلمات فور الانتهاء من قراءتها:

“هي قصة تختصر حكاية الإنسان في الأرض، صراعة من أجل البقاء، حكمته التي يكتسبها خلال سنين العمر، فتتجسد في تصرفه تجاه موقف، أو صبره أمام أمرٍ عسير، وقد تتجسد تلك الحكمة في حوار يجريه مع عصفور تائه في عباب البحر، أو مع سمكة يجاريها ليظفر بخيرها.

هذه القصة رغم صغر حجمها، إلا أنك تمضي معها بنفس طويل، بهدوء جليل، تكاد من جلاله أن تسمع خفقان قلبك، هو هدوء يسبق العاصفة، فما تلبث أن يتحول إلى ضجة تخلفها عزيمة الإنسان المتقدة، فتتحول برودة المياه الزرقاء إلى لهب يحتدم من أجل البقاء، فتظهر أمامك خصال الإنسان القوية، وترتسم في مخيلتك لوحة صراعاته الأبدية.

قصة قد تشعر معها ببعض السأم في بدايتها، حين تتحرك الساعة ببطئ، ومع هذه الوتيرة المتثاقلة، تتعرف فيها على شخصية البطل عن قرب، وتنتقل -شعورياً- من جو المدينة الصاخب إلى هدوء البحر القاتل، تختلي فيها مع بطل القصة ليخبرك عن “من هو” وعن لمحة من ماضيه، وتتعرف فيها على بعض التفاصيل التي تغيب عنك لحياة البحر والصيد.

هي قصة يراها كل شخص من زاويته، ويستخلص منها كل إنسان حكمة بحسب سنه، فقد يراها الشاب المقبل على الحياة، ملحمة للبطولة والإصرار وصفحة من صفحات الكفاح والنضال، بينما قد يراها الشيخ الذي ابيض شعر ذقنه، قصة من قصص الصبر والتأني، والتمهل بدل الاستعجال، قد يجدها محب الطبيعة رحلة للتأمل والتفكير وسط محيط أزرق وتحت سماء زرقاء، وقد يجدها الزاهد في الحياة، صورة من صور الأخذ بعد العطاء، وأن هذه الدنيا لا تساوي شيء، فما هي إلا ابتلاء.

سوف يأخذك الكتاب في رحلة إلى عالم الصياد المخفية، إلى تطلعاته وصبره، إلى جلده وقوته، تكتشف فيها عالمه الداخلي وخلجات صدره التي لا يعرفها أقرب الناس إليه، ستعيش مع شخصيات أخرى ليست من البشر، وستتولد في صدرك بعض المشاعر والمودة لما ليس بعاقل، ستتفاعل مع الأحداث، ستكون ثاني اثنين، تراقب وتتعلم، تفرح وتحزن، وأحياناً قد تتألم.

عبر قارب الكلمات، ستعيش مع الصياد في قاربه، تسمع حديثه مع نفسه، وأحياناً مع من حوله، قد تشعر بألمه وقد تنكشف لك بعض مشاعره، وكلما غاص القارب في البحر غصت أنت في بحر كلمات الرواية، فما تلبث تلك الرتابة إلى أن تتحول إلى أحداث متسارعة، وما تلبث النهاية بالانكشاف إلا وتتخذ مسلكاً مختلفاً، لم تكن تتوقعه، وحين تنتهي من القراءة، تطوي الصفحات، وتغلق الكتاب، ثم تجلس مع نفسك وتسترجع ما حصل غير مصدق كيف حصل، لكنه أمر منطقي جدا، كما هي الحياة التي تستغرب أحداثها الموجعة ثم حين تفكر فيها، تجدها منطقية، لأنها هكذا، لأنها الحياة.”

أفلام تستحث الأقلام، مراجعات وأكثر

في الحقيقة، أنا لا أكتب عن الفلم نفسه بقدر ما أكتب عن نفسي، بقدر ما أتنفس وأعرب عن أفكاري، فالفلم ليس سوى وسيلة، يمكن أن يحسنها صانعها، فتصبح قطعة فنية رائعة الجمال، رسالة مزخرفة توصل فكرة أو أفكار، وسيلة حضارية يمكن لها أن تحدث التغيير، وأنا حين أكتب عن بعض الأفلام، أكتب عن ما تحمله تلك الأفلام من رسائل، عن الأفكار التي أثارتها وعن الأبعاد التي -ربما- لم تصل إليها، هي تمهد لي الطريق حتى أغوص أعمق، هي تشعل شرارة الأفكار التي ما تلبث أن تنير موقداً، أو حتى منارة.

في أحد الأيام، شاهدت فيلماً في المنزل، فيلماً بدا عادياً في أوله وحتى أوسطه، لكن ما أن وصلت للنهاية، حتى تغير كل شيء، انتهى الفيلم وظهرت الأسماء ترقص على نغمة تتر النهاية وأنا لازلت مشدوهاً متسمرة عيناي على الشاشة، لازلت أتذكر الانطباع الأول والشعور المميز الذي يصعب علي نسيانه، لقد تأثرت من ذلك الفيلم وشعرت بشيئ غريب، أنا غير قادر على وصفه لكن يمكن أن أقول عنه أنه شيء “إيجابي”، شعور، طاقة، نظرة إيجابية، شيء من هذا القبيل، المهم أنه ترك فيّ بصمة دامغة.

لكن ليس هذا هو الأمر العظيم، أتدري يا صديقي ماهو الأعظم، هو أن هذا الفلم بالتحديد قد شُوهد من قبل ملايين الأشخاص حول العالم، فكم هي البصمات، والآثار التي تركها في حيوات الناس يا ترى؟ الله أعلم.

كثيرة هي المرات التي غمرني فيها شعور وإرادة قوية بالكتابة بعد مشاهدة فلم عظيم، والأغلب هي أفلام درامية تغوص في واقع الحياة أو واقع الإنسان، أحياناً؛ يظهر لي أبعاد كانت مخفية، وأحياناً أخرى أتعلم الشيء الكثير، أتعلم دون معلم أو كتاب، من خلال التجربة، التجربة التي عشتها في فيلم دون أن أتحمل عناء العيش فيها حقيقتاً، والتجارب هي التي تصنع الإنسان وتبني وعيه وتنمي روحه.

الفيلم ما هو إلا رواية متحركة، والرواية هي أصل الحكاية، حكاية الكون والأرض والإنسان، والإنسان هو محور الإلهام وسر الوجود، وقد علمنا ربنا في القرآن عبر القصة، ذكر لنا الأمثلة وأورد لنا الأحداث، لنأخذ العبرة ونتعلم من التجارب، ومن تلك التجارب يستقي الإنسان فهمه ويبني وعيه، يعرف أكثر ويشعر أكثر، وكل قصة تقربه إلى الحقيقة العظمى، إلى خالقه وربه عز وجل.

بعض الأفلام يقربنا إلى الله، ويزيد من إيماننا.

والكثير منها يلهينا عن الله ويسرق من إيماننا.

وهنالك ما فيه وفيه، فيغلب أمر على أمر، والحاذق من مد يده بهدوء واستخرج العسل دون أن يوقظ النحل.

أنوه في الأخير إلا أن “الفلم” و “السينما” ماهي إلا أداة يمكن أن تستخدم في الخير أو الشر، كأي أداة في العالم، لكنها أداة قوية جداً، وسيلة شائعة بين الشعوب والحضارات وتؤثر على ملايين البشر، فإن لم نكن نحن -كعرب- من صناع هذا الفن لأجل الخير ومعالي الأمور، فعلى الأقل؛ نسلط الضوء على بعض تلك الأعمال التي تهدف لذلك.

هذه الكلمات هي افتتاحية لسلسلة مقالات ومراجعات لبعض الأفلام التي تستحث قلمي، فلا أجد مهرباً من الكتابة عنها، فلعل شخصاً يشاهد نفس الفيلم فيبحث فيصل لمقالتي، فيشفي بها غليله، ويروي بها ضمأه.

ملاحظة: الفيلم الذي نوهت إليه في الأعلى هو: The Shawshank Redemption

حكاية صوفية ترويها امرأة تركية: قراءتي لرواية: قواعد العشق الأربعون

كتاب رقم 2 في 2020
رواية “قواعد العشق الأربعون” لـ “إليف شافاق” (500 صفحة)

نالت هذه الرواية شهرة واسعة، وأتذكر حين سمعت عنها لأول مرة قبل أكثر من خمس سنوات، حين أخبرني بها زميلي في العمل، وهو ينهال عليها بالشكر والثناء، ومرت السنوات، وفي السنة الماضية قررت أن أقرأها، بدأت وشدتني الأحداث لكني لم أكمل القراءة، فالرواية طويلة نسبياً، لكن حين بدأت هذه السنة بهدف القراءة قررت أن أكملها، وقد تم ذلك بحمد الله، وهذه مراجعة سريعة لقراءتي لها.

الرواية عن العالم الصوفي المشهور عند الغرب قبل العرب (جلال الدين الرومي) وعن صديقه (شمس التبريزي) لا أدري كم هي الحقائق التي في الرواية وكم هو المنسوج من خيال المؤلفة التركية.

أنا أعتبر الرواية انعكاس لما تؤمن به المؤلفة عن الدين والتصوف، فبرغم ما تحتويه الرواية من قيم وأخلاقيات راقية، إلا أنها تسوق كذلك لأفكار أرفضها ويرفضها معظم علماء الدين، فقد تم تمييع الدين بداخل القصة إلى درجة كبيرة، وأيضاً هنالك جرأة لم تعجبني بخصوص التحدث عن العلاقات الجنسية.

هنالك أربعين قاعدة تظهر مع أحداث الرواية، وفي الغالب يقول بها بطل الفيلم (شمس التبريزي)، معظم تلك القواعد عبارة عن حكم صوفية وأخلاقية جميلة وعميقة أحياناً. تصور الكاتبة البطل بأنه ذو حكمة وبصيرة بل وحتى بعض الخوارق للطبيعة.

في العموم؛ الرواية جيدة على ما فيها من هنات وشطحات، وقد أخذت منها الكثير من الاقتباسات التي نالت اعجابي، هذه أبرزها:

قواعد العشق الأربعون

الفلسفة لغير المتفلسفين؛ مراجعة كتاب: مبادئ الفلسفة

الكتاب رقم 1 في 2020
إسم الكتاب: مبادئ الفلسفة
تأليف: أ. س. رابوبرت
ترجمة: أحمد أمين
عدد صفحاته: 138
( متوفر بنسخة رقمية في موقع هنداوي)

بدأت به بسبب ما أجد في نفسي من انجذاب لهذا المجال الذي لا أعرف عنه سوى طراطيش كلام، وقد رأيت أن هذا الكتاب قد يكون مناسباً لأفتح لعيني نافذة تطل على هذا العالم وأعرف أعمدته الرئيسية، وقد كان كتاباً جيداً شاملاً لأمور كثيرة، كما يعتبر مدخل تعريفي وتاريخي جيد للفلسفة.

الكتاب قديم نوعاً ما، تم تأليفه قبل أكثر من 100 سنة، لكن هذا لا يؤثر كثيراً عن قيمة الكتاب وفائدته في هذا العصر، كونه يتطرق أساساً للمنابع التاريخية التي ظهرت فيه الفلسفة وفروعها، وهو العصر اليوناني حين أوغل العقل الإنساني في التفكير فيما حوله من طبيعه وما وراء الطبيعة أيضاً.

يُعرّف الكتاب الفلسفلة في بادئ الأمر بعبارات بسيطة سهلة ويشير إلى أن الإنسان هو كائن متفلسف بطبعه، وأن كل إنسان هو فيلسوف صغير بمعنى من المعاني ودرجة من الدرجات، ثم يبدأ الكتاب بسرد فروع الفلسفة وتخصيص فصل منفصل لكل فرع من الفروع، وبداية كل فصل يسرد المؤلف كلاماً نظرياً سهل الفهم جميل البنية كمدخل لفهم هذا الفرع.

يضيف المترجم فصلاً إلى الكتاب عن الفلسفة الإسلامية كون الكاتب الأصلي لم يذكرها لا من قريب ولا من بعيد، حيث وقد خصص المؤلف فصلاً كاملاً لتاريخ الترقي الفلسفي وقسم الأزمنة والعصور بطريقة مجملة ليعطي القارئ نظرة شمولية لتاريخ الفلسفة وكيف تطورت وعن أهم رموزها وشخصياتها.

أما الجزء الثاني من الكتاب فقد كان عن مسائل الفلسفة ومذاهبها، وفيه تطرق لثلاث مسائل مهمة آخرها (نظرية المعرفة) والتي تطورت وتعمقت الكتابات فيها في القرن السابع والثامن عشر الميلادي، حين بدأت بعض عقول الفلاسفة تعيد النظر إلى الأصل والمنبع، إلى المعرفة وكيف نتلاقها أو ننتجها.

الكتاب يفتح عينيك إلى أمور كثيرة، هو مدخل وباب لمن يحب استكشاف كيف يفكر العقل البشري وكيف يصل إلى الحقائق والنتائج بنفسه من خلال التفكير والنظر والتجربة، قد تتعرف من خلال الكتاب على مباحث وأمور جديدة يعطيك فيها خيطاً لتكمل أنت المشوار عبر كتب أخرى متخصصة أكثر.

يوجد في آخر الكتاب معجم لأشهر الرجال الذين ورد ذكرهم في الكتاب، وهو جزء مفيد للتعرف أكثر على بعض الفلاسفة، فيما لو أراد القارئ أن يتبحر في مجال من المجالات بعد إتمام الكتاب، فيبحث عن كتب أخرى كتبها فلاسفة ومتخصصون.

لقد كانت قراءة جيدة وممتعة ومفيدة، وقد فتحت شهيتي للقراءة في بعض مباحث الفلاسفة ولبعض رجالها.

كيف لك أن لا تؤمن؟؟؟

لإن كان بالإمكان لبعض قساة القلوب، أجلاف الطبائع، أن يعيشوا ملحدين لا يعترفون بوجود الخالق، من إلى الوجود بعثهم، وبالنعمة أشهدهم، إلا أنه يصعب جداً، إن لم يكن مستحيلاً، على الإنسان ذو الأخلاق العالية، والطبائع السامية، أن يعيش ملحداً لا يمتلئ قلبه بالإيمان بوجود الخالق وهيمنته على كل الخلائق.

دعني أوضح وجهة نظري عبر موقف شخصي.

حين طلب مني إبني أن أشتري له بعض الفاكهة ونحن في الخارج، تذكرت أن الجيب عطلان، والرصيد شبه فارغ، فأجلت له الأمر إلى يومٍ آخر، حين أستلم الراتب، فحدثت نفسي وحدثتني، وطمأنتها وطمأنتني، بأن هنالك رب يسمع ويرى، وقد اطلع -بالتأكيد- على رغبتك تلك يا ولدي الصغير، وهو المتكفل بي وبك وبكل الخلائق، فرزقك قبل رزقي عليه، وما أنا إلا رسولٌ أوصله إليك، ثم التفت إلى القلب وطلبت منه أن يطمئن، ففاضت منه نسمة سعادة خفيفة أبهجت الروح، وانعكست على الوجه عبر ابتسامه عابرة، فقد سَعُدَ القلب لأنني -بحمد الله- من معاشر المؤمنين، وأنني من جموع المعترفين والمقرين بوجود الخالق الأكرم سبحانه وبحمده، وبهذا الإيمان أنا أعيش دون خوف من مستقبل مجهول، ودون قلق على عيال أو على من أعول، فإن لي ولهم ربٌ مطلق العلم والرحمة والوجود، هو في السماء إله وفي الأرض إله وهو معنا أينما كنا، يسمع همسات القلب قبل أن ينطق بها اللسان، وهو لا يعجزه شيء، وهو أرحم من أي شيء، فكيف بعد كل ذلك نخاف أو نقلق، وكيف بعد ذلك لا نعيش في سعادة غامرة، وبهجة عامرة.

إن الإنسان بطبعه ضعيف، لكن فئة قليلة من الناس لا يعترفون بضعفهم ذاك، ويمضون في الحياة مثل الجرافة التي تدمر كل شيء في طريقها، يسعون لتحقيق مآربهم دون مراعاة للأخلاق وبلا اعتبار للرحمة، ينهشون في لحوم الغير متى تسنّى لهم ذلك، همهم أنفسهم، ولا يرون إلا الـ(أنا)، وهم يعتبرون الحياة ميدان سباق يسعون فيها لتحقيق أكبر مكسب، وينالوا أعظم مكانة، لا يسمعون حفيف قلوبهم حين تضعف وتئن، لا يترك -أحدهم- له الفرصة أن يطلب ويلجأ، وقد لا تجده يسمع لصوت طفله حين يطلب منه شيئ من فاكهة، فهو -اصلاً- بنفسه مشغول، أما الطفل فهو خائف أن يقول، فقد تعود منه القسوة والحرمان والبعد.

كيف للإنسان العاقل أن يعيش دون أن يعترف بوجود الإله العادل، كيف له أن يطيق ذلك، لأنه إن لم يقر -لذلك- قلبه، أصبح مآله لأحد أمرين: إما أن ينقلب لمثل أولئك؛ قساة القلوب، أو ينفطر قلبه، ويضرب عرق في روحه، فيصبح أحد المرضى النفسيين، سواءً اعترف بذلك، أم كابر.

لازلت أتذكر تلك الفتاة التي دخلت في دين الله -أو أوشكت- حين سمعت كلاماً جديداً عليها من فم أحد الدعاة، لم تكد تصدق أن إيمانها بوجود الخالق سيعفيها عن هم الرزق وسينجيها من براثن القلق على الراتب والوظيفة، انتعشت روحها وكأنما قد كان مسجوناً في قفص فطار، طار حين سمعت أن الإيمان بالله يقتضي أن توقن أنه المدبر لجميع أمرها، وأنه الراحم لها أكثر من نفسها، وأنه المتكفل برزقها والقادر على تسخير البلاد والعباد لعبده إن أراد ذلك، وأنت أيها العبد المسكين الضعيف، أبواب السماء مفتوحة لك، تدعوه متى تريد، وهو الرب الكريم، سمعه منصتٌ لحديث قلبك.

إن في دين الله عزاءٌ للطيبين، لهم فيه سلوى وموعدٌ جميل، إن في القرآن الكريم بشرى لمن يعمل الصالحات، لمن يرحم ويعطي ويسامح، إنه مصدر اطمئنان لكل قلب رحيم، يرحم صغاره وأقرباءه ومن حوله، ( وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا) إن فيه تطميناً لكل قلقٍ من مستقبل مجهول، أو رزقٍ غير معلوم (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)، إن فيه توكيداً للأخلاق الحميدة، تلك التي يجدها الإنسان السوي مغروسة في قلبه، فحين يرى من حوله يغايرون ما يجده في قلبه، يلتفت إلى الإيمان، فيجد فيه سلوته، وعزته، وفرحته، …. وكل أمله.

لهذا كله، وأكثر منه، أستغرب -أشد الاستغراب- كيف يعيش الأسوياء من بني البشر، بدون الإيمان بالخالق عز وجل؛ كيف يطيقون الحياة بدون الاعتقاد بوجوده، وربوبيته، وقيوميته …. سبحانه وبحمده.