قرأت قصة “العجوز والبحر” وهذا كان انطباعي

كتاب رقم 3 في 2020
رواية أو قصة “العجوز والبحر” لـ “أرنست همنجواي” (116 صفحة)

اخترت هذه القصة لشهرتها، ولأني أريد البدء في قراءة روايات عمالقة الأدب العالمي، فبدأت بشيء يسير، وقد وجدت في النت هذه القصة بثلاثة ترجمات، كنت أحياناً أتنقل بين ترجمة وأخرى، حين لا تعجبني إحداهن أو أجد فيها بعض الصعوبة في بلع الكلام أو تعيقني عن السرعة في القراءة، بدأت القصة بحماس، ثم قل الحماس في منتصف القصة بسبب التفاصيل الكثيرة الغير مثيرة، لكن نهاية القصة كان مميزاً وأظهر ما في القصة من حكمة دفينة ودرس بليغ.

كتبت هذه الكلمات فور الانتهاء من قراءتها:

“هي قصة تختصر حكاية الإنسان في الأرض، صراعة من أجل البقاء، حكمته التي يكتسبها خلال سنين العمر، فتتجسد في تصرفه تجاه موقف، أو صبره أمام أمرٍ عسير، وقد تتجسد تلك الحكمة في حوار يجريه مع عصفور تائه في عباب البحر، أو مع سمكة يجاريها ليظفر بخيرها.

هذه القصة رغم صغر حجمها، إلا أنك تمضي معها بنفس طويل، بهدوء جليل، تكاد من جلاله أن تسمع خفقان قلبك، هو هدوء يسبق العاصفة، فما تلبث أن يتحول إلى ضجة تخلفها عزيمة الإنسان المتقدة، فتتحول برودة المياه الزرقاء إلى لهب يحتدم من أجل البقاء، فتظهر أمامك خصال الإنسان القوية، وترتسم في مخيلتك لوحة صراعاته الأبدية.

قصة قد تشعر معها ببعض السأم في بدايتها، حين تتحرك الساعة ببطئ، ومع هذه الوتيرة المتثاقلة، تتعرف فيها على شخصية البطل عن قرب، وتنتقل -شعورياً- من جو المدينة الصاخب إلى هدوء البحر القاتل، تختلي فيها مع بطل القصة ليخبرك عن “من هو” وعن لمحة من ماضيه، وتتعرف فيها على بعض التفاصيل التي تغيب عنك لحياة البحر والصيد.

هي قصة يراها كل شخص من زاويته، ويستخلص منها كل إنسان حكمة بحسب سنه، فقد يراها الشاب المقبل على الحياة، ملحمة للبطولة والإصرار وصفحة من صفحات الكفاح والنضال، بينما قد يراها الشيخ الذي ابيض شعر ذقنه، قصة من قصص الصبر والتأني، والتمهل بدل الاستعجال، قد يجدها محب الطبيعة رحلة للتأمل والتفكير وسط محيط أزرق وتحت سماء زرقاء، وقد يجدها الزاهد في الحياة، صورة من صور الأخذ بعد العطاء، وأن هذه الدنيا لا تساوي شيء، فما هي إلا ابتلاء.

سوف يأخذك الكتاب في رحلة إلى عالم الصياد المخفية، إلى تطلعاته وصبره، إلى جلده وقوته، تكتشف فيها عالمه الداخلي وخلجات صدره التي لا يعرفها أقرب الناس إليه، ستعيش مع شخصيات أخرى ليست من البشر، وستتولد في صدرك بعض المشاعر والمودة لما ليس بعاقل، ستتفاعل مع الأحداث، ستكون ثاني اثنين، تراقب وتتعلم، تفرح وتحزن، وأحياناً قد تتألم.

عبر قارب الكلمات، ستعيش مع الصياد في قاربه، تسمع حديثه مع نفسه، وأحياناً مع من حوله، قد تشعر بألمه وقد تنكشف لك بعض مشاعره، وكلما غاص القارب في البحر غصت أنت في بحر كلمات الرواية، فما تلبث تلك الرتابة إلى أن تتحول إلى أحداث متسارعة، وما تلبث النهاية بالانكشاف إلا وتتخذ مسلكاً مختلفاً، لم تكن تتوقعه، وحين تنتهي من القراءة، تطوي الصفحات، وتغلق الكتاب، ثم تجلس مع نفسك وتسترجع ما حصل غير مصدق كيف حصل، لكنه أمر منطقي جدا، كما هي الحياة التي تستغرب أحداثها الموجعة ثم حين تفكر فيها، تجدها منطقية، لأنها هكذا، لأنها الحياة.”

أفلام تستحث الأقلام، مراجعات وأكثر

في الحقيقة، أنا لا أكتب عن الفلم نفسه بقدر ما أكتب عن نفسي، بقدر ما أتنفس وأعرب عن أفكاري، فالفلم ليس سوى وسيلة، يمكن أن يحسنها صانعها، فتصبح قطعة فنية رائعة الجمال، رسالة مزخرفة توصل فكرة أو أفكار، وسيلة حضارية يمكن لها أن تحدث التغيير، وأنا حين أكتب عن بعض الأفلام، أكتب عن ما تحمله تلك الأفلام من رسائل، عن الأفكار التي أثارتها وعن الأبعاد التي -ربما- لم تصل إليها، هي تمهد لي الطريق حتى أغوص أعمق، هي تشعل شرارة الأفكار التي ما تلبث أن تنير موقداً، أو حتى منارة.

في أحد الأيام، شاهدت فيلماً في المنزل، فيلماً بدا عادياً في أوله وحتى أوسطه، لكن ما أن وصلت للنهاية، حتى تغير كل شيء، انتهى الفيلم وظهرت الأسماء ترقص على نغمة تتر النهاية وأنا لازلت مشدوهاً متسمرة عيناي على الشاشة، لازلت أتذكر الانطباع الأول والشعور المميز الذي يصعب علي نسيانه، لقد تأثرت من ذلك الفيلم وشعرت بشيئ غريب، أنا غير قادر على وصفه لكن يمكن أن أقول عنه أنه شيء “إيجابي”، شعور، طاقة، نظرة إيجابية، شيء من هذا القبيل، المهم أنه ترك فيّ بصمة دامغة.

لكن ليس هذا هو الأمر العظيم، أتدري يا صديقي ماهو الأعظم، هو أن هذا الفلم بالتحديد قد شُوهد من قبل ملايين الأشخاص حول العالم، فكم هي البصمات، والآثار التي تركها في حيوات الناس يا ترى؟ الله أعلم.

كثيرة هي المرات التي غمرني فيها شعور وإرادة قوية بالكتابة بعد مشاهدة فلم عظيم، والأغلب هي أفلام درامية تغوص في واقع الحياة أو واقع الإنسان، أحياناً؛ يظهر لي أبعاد كانت مخفية، وأحياناً أخرى أتعلم الشيء الكثير، أتعلم دون معلم أو كتاب، من خلال التجربة، التجربة التي عشتها في فيلم دون أن أتحمل عناء العيش فيها حقيقتاً، والتجارب هي التي تصنع الإنسان وتبني وعيه وتنمي روحه.

الفيلم ما هو إلا رواية متحركة، والرواية هي أصل الحكاية، حكاية الكون والأرض والإنسان، والإنسان هو محور الإلهام وسر الوجود، وقد علمنا ربنا في القرآن عبر القصة، ذكر لنا الأمثلة وأورد لنا الأحداث، لنأخذ العبرة ونتعلم من التجارب، ومن تلك التجارب يستقي الإنسان فهمه ويبني وعيه، يعرف أكثر ويشعر أكثر، وكل قصة تقربه إلى الحقيقة العظمى، إلى خالقه وربه عز وجل.

بعض الأفلام يقربنا إلى الله، ويزيد من إيماننا.

والكثير منها يلهينا عن الله ويسرق من إيماننا.

وهنالك ما فيه وفيه، فيغلب أمر على أمر، والحاذق من مد يده بهدوء واستخرج العسل دون أن يوقظ النحل.

أنوه في الأخير إلا أن “الفلم” و “السينما” ماهي إلا أداة يمكن أن تستخدم في الخير أو الشر، كأي أداة في العالم، لكنها أداة قوية جداً، وسيلة شائعة بين الشعوب والحضارات وتؤثر على ملايين البشر، فإن لم نكن نحن -كعرب- من صناع هذا الفن لأجل الخير ومعالي الأمور، فعلى الأقل؛ نسلط الضوء على بعض تلك الأعمال التي تهدف لذلك.

هذه الكلمات هي افتتاحية لسلسلة مقالات ومراجعات لبعض الأفلام التي تستحث قلمي، فلا أجد مهرباً من الكتابة عنها، فلعل شخصاً يشاهد نفس الفيلم فيبحث فيصل لمقالتي، فيشفي بها غليله، ويروي بها ضمأه.

ملاحظة: الفيلم الذي نوهت إليه في الأعلى هو: The Shawshank Redemption

حكاية صوفية ترويها امرأة تركية: قراءتي لرواية: قواعد العشق الأربعون

كتاب رقم 2 في 2020
رواية “قواعد العشق الأربعون” لـ “إليف شافاق” (500 صفحة)

نالت هذه الرواية شهرة واسعة، وأتذكر حين سمعت عنها لأول مرة قبل أكثر من خمس سنوات، حين أخبرني بها زميلي في العمل، وهو ينهال عليها بالشكر والثناء، ومرت السنوات، وفي السنة الماضية قررت أن أقرأها، بدأت وشدتني الأحداث لكني لم أكمل القراءة، فالرواية طويلة نسبياً، لكن حين بدأت هذه السنة بهدف القراءة قررت أن أكملها، وقد تم ذلك بحمد الله، وهذه مراجعة سريعة لقراءتي لها.

الرواية عن العالم الصوفي المشهور عند الغرب قبل العرب (جلال الدين الرومي) وعن صديقه (شمس التبريزي) لا أدري كم هي الحقائق التي في الرواية وكم هو المنسوج من خيال المؤلفة التركية.

أنا أعتبر الرواية انعكاس لما تؤمن به المؤلفة عن الدين والتصوف، فبرغم ما تحتويه الرواية من قيم وأخلاقيات راقية، إلا أنها تسوق كذلك لأفكار أرفضها ويرفضها معظم علماء الدين، فقد تم تمييع الدين بداخل القصة إلى درجة كبيرة، وأيضاً هنالك جرأة لم تعجبني بخصوص التحدث عن العلاقات الجنسية.

هنالك أربعين قاعدة تظهر مع أحداث الرواية، وفي الغالب يقول بها بطل الفيلم (شمس التبريزي)، معظم تلك القواعد عبارة عن حكم صوفية وأخلاقية جميلة وعميقة أحياناً. تصور الكاتبة البطل بأنه ذو حكمة وبصيرة بل وحتى بعض الخوارق للطبيعة.

في العموم؛ الرواية جيدة على ما فيها من هنات وشطحات، وقد أخذت منها الكثير من الاقتباسات التي نالت اعجابي، هذه أبرزها:

قواعد العشق الأربعون

الفلسفة لغير المتفلسفين؛ مراجعة كتاب: مبادئ الفلسفة

الكتاب رقم 1 في 2020
إسم الكتاب: مبادئ الفلسفة
تأليف: أ. س. رابوبرت
ترجمة: أحمد أمين
عدد صفحاته: 138
( متوفر بنسخة رقمية في موقع هنداوي)

بدأت به بسبب ما أجد في نفسي من انجذاب لهذا المجال الذي لا أعرف عنه سوى طراطيش كلام، وقد رأيت أن هذا الكتاب قد يكون مناسباً لأفتح لعيني نافذة تطل على هذا العالم وأعرف أعمدته الرئيسية، وقد كان كتاباً جيداً شاملاً لأمور كثيرة، كما يعتبر مدخل تعريفي وتاريخي جيد للفلسفة.

الكتاب قديم نوعاً ما، تم تأليفه قبل أكثر من 100 سنة، لكن هذا لا يؤثر كثيراً عن قيمة الكتاب وفائدته في هذا العصر، كونه يتطرق أساساً للمنابع التاريخية التي ظهرت فيه الفلسفة وفروعها، وهو العصر اليوناني حين أوغل العقل الإنساني في التفكير فيما حوله من طبيعه وما وراء الطبيعة أيضاً.

يُعرّف الكتاب الفلسفلة في بادئ الأمر بعبارات بسيطة سهلة ويشير إلى أن الإنسان هو كائن متفلسف بطبعه، وأن كل إنسان هو فيلسوف صغير بمعنى من المعاني ودرجة من الدرجات، ثم يبدأ الكتاب بسرد فروع الفلسفة وتخصيص فصل منفصل لكل فرع من الفروع، وبداية كل فصل يسرد المؤلف كلاماً نظرياً سهل الفهم جميل البنية كمدخل لفهم هذا الفرع.

يضيف المترجم فصلاً إلى الكتاب عن الفلسفة الإسلامية كون الكاتب الأصلي لم يذكرها لا من قريب ولا من بعيد، حيث وقد خصص المؤلف فصلاً كاملاً لتاريخ الترقي الفلسفي وقسم الأزمنة والعصور بطريقة مجملة ليعطي القارئ نظرة شمولية لتاريخ الفلسفة وكيف تطورت وعن أهم رموزها وشخصياتها.

أما الجزء الثاني من الكتاب فقد كان عن مسائل الفلسفة ومذاهبها، وفيه تطرق لثلاث مسائل مهمة آخرها (نظرية المعرفة) والتي تطورت وتعمقت الكتابات فيها في القرن السابع والثامن عشر الميلادي، حين بدأت بعض عقول الفلاسفة تعيد النظر إلى الأصل والمنبع، إلى المعرفة وكيف نتلاقها أو ننتجها.

الكتاب يفتح عينيك إلى أمور كثيرة، هو مدخل وباب لمن يحب استكشاف كيف يفكر العقل البشري وكيف يصل إلى الحقائق والنتائج بنفسه من خلال التفكير والنظر والتجربة، قد تتعرف من خلال الكتاب على مباحث وأمور جديدة يعطيك فيها خيطاً لتكمل أنت المشوار عبر كتب أخرى متخصصة أكثر.

يوجد في آخر الكتاب معجم لأشهر الرجال الذين ورد ذكرهم في الكتاب، وهو جزء مفيد للتعرف أكثر على بعض الفلاسفة، فيما لو أراد القارئ أن يتبحر في مجال من المجالات بعد إتمام الكتاب، فيبحث عن كتب أخرى كتبها فلاسفة ومتخصصون.

لقد كانت قراءة جيدة وممتعة ومفيدة، وقد فتحت شهيتي للقراءة في بعض مباحث الفلاسفة ولبعض رجالها.

كيف لك أن لا تؤمن؟؟؟

لإن كان بالإمكان لبعض قساة القلوب، أجلاف الطبائع، أن يعيشوا ملحدين لا يعترفون بوجود الخالق، من إلى الوجود بعثهم، وبالنعمة أشهدهم، إلا أنه يصعب جداً، إن لم يكن مستحيلاً، على الإنسان ذو الأخلاق العالية، والطبائع السامية، أن يعيش ملحداً لا يمتلئ قلبه بالإيمان بوجود الخالق وهيمنته على كل الخلائق.

دعني أوضح وجهة نظري عبر موقف شخصي.

حين طلب مني إبني أن أشتري له بعض الفاكهة ونحن في الخارج، تذكرت أن الجيب عطلان، والرصيد شبه فارغ، فأجلت له الأمر إلى يومٍ آخر، حين أستلم الراتب، فحدثت نفسي وحدثتني، وطمأنتها وطمأنتني، بأن هنالك رب يسمع ويرى، وقد اطلع -بالتأكيد- على رغبتك تلك يا ولدي الصغير، وهو المتكفل بي وبك وبكل الخلائق، فرزقك قبل رزقي عليه، وما أنا إلا رسولٌ أوصله إليك، ثم التفت إلى القلب وطلبت منه أن يطمئن، ففاضت منه نسمة سعادة خفيفة أبهجت الروح، وانعكست على الوجه عبر ابتسامه عابرة، فقد سَعُدَ القلب لأنني -بحمد الله- من معاشر المؤمنين، وأنني من جموع المعترفين والمقرين بوجود الخالق الأكرم سبحانه وبحمده، وبهذا الإيمان أنا أعيش دون خوف من مستقبل مجهول، ودون قلق على عيال أو على من أعول، فإن لي ولهم ربٌ مطلق العلم والرحمة والوجود، هو في السماء إله وفي الأرض إله وهو معنا أينما كنا، يسمع همسات القلب قبل أن ينطق بها اللسان، وهو لا يعجزه شيء، وهو أرحم من أي شيء، فكيف بعد كل ذلك نخاف أو نقلق، وكيف بعد ذلك لا نعيش في سعادة غامرة، وبهجة عامرة.

إن الإنسان بطبعه ضعيف، لكن فئة قليلة من الناس لا يعترفون بضعفهم ذاك، ويمضون في الحياة مثل الجرافة التي تدمر كل شيء في طريقها، يسعون لتحقيق مآربهم دون مراعاة للأخلاق وبلا اعتبار للرحمة، ينهشون في لحوم الغير متى تسنّى لهم ذلك، همهم أنفسهم، ولا يرون إلا الـ(أنا)، وهم يعتبرون الحياة ميدان سباق يسعون فيها لتحقيق أكبر مكسب، وينالوا أعظم مكانة، لا يسمعون حفيف قلوبهم حين تضعف وتئن، لا يترك -أحدهم- له الفرصة أن يطلب ويلجأ، وقد لا تجده يسمع لصوت طفله حين يطلب منه شيئ من فاكهة، فهو -اصلاً- بنفسه مشغول، أما الطفل فهو خائف أن يقول، فقد تعود منه القسوة والحرمان والبعد.

كيف للإنسان العاقل أن يعيش دون أن يعترف بوجود الإله العادل، كيف له أن يطيق ذلك، لأنه إن لم يقر -لذلك- قلبه، أصبح مآله لأحد أمرين: إما أن ينقلب لمثل أولئك؛ قساة القلوب، أو ينفطر قلبه، ويضرب عرق في روحه، فيصبح أحد المرضى النفسيين، سواءً اعترف بذلك، أم كابر.

لازلت أتذكر تلك الفتاة التي دخلت في دين الله -أو أوشكت- حين سمعت كلاماً جديداً عليها من فم أحد الدعاة، لم تكد تصدق أن إيمانها بوجود الخالق سيعفيها عن هم الرزق وسينجيها من براثن القلق على الراتب والوظيفة، انتعشت روحها وكأنما قد كان مسجوناً في قفص فطار، طار حين سمعت أن الإيمان بالله يقتضي أن توقن أنه المدبر لجميع أمرها، وأنه الراحم لها أكثر من نفسها، وأنه المتكفل برزقها والقادر على تسخير البلاد والعباد لعبده إن أراد ذلك، وأنت أيها العبد المسكين الضعيف، أبواب السماء مفتوحة لك، تدعوه متى تريد، وهو الرب الكريم، سمعه منصتٌ لحديث قلبك.

إن في دين الله عزاءٌ للطيبين، لهم فيه سلوى وموعدٌ جميل، إن في القرآن الكريم بشرى لمن يعمل الصالحات، لمن يرحم ويعطي ويسامح، إنه مصدر اطمئنان لكل قلب رحيم، يرحم صغاره وأقرباءه ومن حوله، ( وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا) إن فيه تطميناً لكل قلقٍ من مستقبل مجهول، أو رزقٍ غير معلوم (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)، إن فيه توكيداً للأخلاق الحميدة، تلك التي يجدها الإنسان السوي مغروسة في قلبه، فحين يرى من حوله يغايرون ما يجده في قلبه، يلتفت إلى الإيمان، فيجد فيه سلوته، وعزته، وفرحته، …. وكل أمله.

لهذا كله، وأكثر منه، أستغرب -أشد الاستغراب- كيف يعيش الأسوياء من بني البشر، بدون الإيمان بالخالق عز وجل؛ كيف يطيقون الحياة بدون الاعتقاد بوجوده، وربوبيته، وقيوميته …. سبحانه وبحمده.

قراءة خمسين كتاب كهدف لعام 2020

لم يزل الضمير ينخز لتركي للقراءة وللكتب، فحين أستعيد بعض الذكريات، أجدني من محبي القراءة من صغري، ففي مراحل الصبى، حين كنت ولداً يشق الطريق في المرحلة الإعدادية والثانوية، كنت أحب الإطلاع والقراءة، أخذت ذلك -ربما- عن والدي، وقد كان يشجعني باستمرار ويشتري لي الكتيبات والقصص، ولعلي أورد هنا بعض الأمثلة.

أتذكر قصص سفير، كان هنالك سلسلتين منها، سلسلة مغامرات وسلسلة خيال علمي، عشت مع تلك القصص أوقاتاً مميزة، سافرت بعقلي وخيالي إلى عوالم جديدة، وعجيبة، ثم كبرت، وكبر شغفي معي، كنت أقرأ بعض الكتب الممتعة من مكتبة أبي، مثل كتب الغرائب والعجائب، كتب الأسئلة والإجابات (سين جيم) وأحد الكتب في الفيزياء المسلية، وغيرها من الكتب مما كان يسهل هضمها.

أتذكر حين نويت أن أقرأ مختصر تفسير ابن كثير -والذي كان في ثلاثة مجلدات- لا أدري مالذي حملني على ذلك رغم صغر سني، بدأت اقرأ تفسير سورة مريم التي كنت أحبها، طبعاً لم أكمل التفسير ولم أصل لعُشره حتى.

أتذكر أول رواية قرأتها بالكامل، أو روايتين على الأرجح، لا أتذكر بأيهما بدأت، الأولى كانت “البحث عن امرأة مفقودة” والرواية الثانية لنفس المؤلف “دموع على سفوح المجد“، أما الأولى فقد عشت معها قصة حب قبل أن أعرف ماهو الحب، والثانية أدخلتني في عالم الحزن، قبل أن يتمرغ قلبي فيه، لقد تركتا في قلبي ندبة، ووضعتا علامة يصعب نسيانها.

ثم كبرت، وألهتني فترة الشباب المبكرة (أو المراهقة) عن القراءة، أنهيت الدراسة الثانوية ثم غادرت المكتبة والمنزل والبلد بأكمله، سافرت لأبدأ مرحلة جديدة لدراسة الجامعة، ثم تزوجت ودخلت معترك جديد، أحداث هنا وأحداث هناك، مضت السنوات سريعاً، وألهتني الحياة عن حبي الأول، عن القراءة.

أنهيت الدراسة الجامعية ثم عدت إلى أرض الوطن وقضيت سنة ونصف ثم سافرت من جديد إلى القاهرة وبدأت الماجستير، حتى قامت الثورات الشعبية، وسافرَت الزوجة وإبني الصغير، وعشت أياماً صعبة في قلق وحيرة، ولم يكن يخرجني من تلك الحالة إلى شيء واحد، هو القراءة.

في تلك الفترة عشت -حرفياً- نعيم القراءة، كان ذلك بين عامي 2011 و 2012، أحببت القراءة في المنتنزهات العامة، بجوار النيل، في الميادين وفوق المترو والأتوبيسات الكبيرة، كنت أقرأ حتى أخرج من الواقع إلى عالم الأفكار، كنت أقرأ لأعيد التوازن لحياتي وأهدئ من روعي، لقد بدأت مرحلة جديدة مع القراءة، مرحلة الحب والشغف.

للأسف أشغلتني الدنيا مرة أخرى، لم أبتعد حينها عن الكتب بشكل كامل لكني تكاسلت، وصار اهتمامي الأكبر هو في اقتناء الكتب وشرائها، والبحث عنها وقراءة ما قيل عنها، فكنت أقضي الكثير من الوقت متنقلاً بين صفحات Goodreads، وصرت أخرج من معرض الكتاب كل سنة برزم كبيرة من الكتب، جمعت الكتب بنية أن أبني لي مكتبة مستقبلية، وخاصة حين أعود لأرض الوطن، وبالفعل حين عدت مع كتبي الكثيرة المنوعة، أنشأت لها أرففاً جديدة بجانب كتب والدي، فصرت أشاهدها ليل نهار بفخر وأمسح على أغلفتها وأنظم أمكنتها، كنت أقوم بأشياء كثيرة، إلا أن أقرأها.

ومرت السنوات، وأتت الأزمات، ضاق الحال وتقطعت السبل، فكان الرحيل هو الحل، البحث عن أرض جديدة لتتنفس الروح، وتستمر الخطى، فأتيت إلى هنا، بجانب البحر، أبث له حزني، ويواسني وقت ضعفي، مرت أعوام قبل أن يستيقظ القلب من غفلته، قبل أن يكتشف خطيئته، حتى انتهى عام 2019، ودخل علينا العام الجديد، وفي أحد الأيام وأنا أسلي نفسي بفتات الفيسبوك، وقع نظري لمنشور الدكتور مروان الغفوري، والذي أورد فيه أسماء الكتب التي قرأها في 2019، فشعرت حينها بغصة في الحلق، وألم في الروح، شعرت بثقل الذنب الذي يخيم علي منذ سنوات، كنت أسوق الأعذار إلى نفسي، بأني مشغول، بأن لي هدف مهم يتطلب الإنهماك، وياله من عذر أخرق، لأني لا أمل من تضييع ساعات كل يوم في أمور جانبية، يكفي أن أخصص وقت الشبكات الاجتماعية للقراءة، إن كنت صادقاً مع نفسي.

حينها عزمت على التوبة، على العودة إلى القراءة، على أن يكون هدفاً محدداً وآلية واضحة، أن يكون أمراً ملزماً وغذاء لا ينقطع، أن تتحول إلى عادة لا يمكن الفكاك منها، أن تغدو القراءة من ضروريات الحياة، أن أستبدل قراءة الفتات ومشاهدة المسليات بقراءة الكتب الكاملة والدسمة.

فوضعت الهدف: 50 كتاب لعام 2020 أو أكثر، والآلية أن أنهي كتاباً كل أسبوع، بأي وسيلة كانت، المهم أن أستمر في القراءة، ولكي أشجع نفسي وألتزم على ذلك ، أعلنت هذا على الملأ، بل ودعوت الآخرين كي ينضموا معي إلى هذا التحدي، فكيف لشخص يدعو الآخرين لأمر ويشجعهم عليه ثم يكون أول من يترك وينقض، لقد وضعت نفسي كأول عربة في القطار، فالعربة الأولى لا يمكن أن تتوقف، مادام هنالك عربات من خلفها تدفعها إلى الأمام.

المهم، كان هذا ما حصل، وهاءنا -بحمد الله- أكتب بعد أن انقضى أول شهر في هذه السنة وأنا بحمد الله ملتزم بالقراء رغم بعض التقصير، بل أن هنالك أفكار أخرى بدأت بالتبرعم من رحم هذه العادة الحميدة، وقد تفتح القراءة أبواباً لم تكن في الحسبان، وتغير حياة الشخص لدرجة لا يمكن توقعها.

أخيراً: أحاول أن أنشر فيديو أسبوعي، عبارة عن خاطرة تخص القراءة، عبر اليوتيوب في قناتي الشخصية.

أحاول الالتزام بكتابة مراجعة أو تلخيص لكل كتاب أنهي قراءته، كي أذّكر نفسي به وبأهم ما قيل فيه، قبل أن أذّكر الآخرين، وسيشمل هذا التبويب أيضاً بعض المقالات المتعلقة بالقراءة وحب القراءة، وستكون جميع هذه المقالات في هذه المدونة -ان شاء الله- في تبويب خاص سأسميه “القراءة مستمرة“.

الصبح يتنفس

وإني لأعشق تلك اللحظات، حين أطفئ أنوار الغرفة، وأفتح النافذة، ثم أتلمس أزرار الكيبورد باحثاً عن حروف لأكتبها، ثم رويداً رويداً، يتسلل النور إلى زوايا المكان، معلناً ولادة يوم جديد.

بعد صلاة الفجر، لا يزال الظلام مستغرقاً كل المساحة، لكنه يلقط أنفاسه الأخيرة، وخلال الدقائق التالية، يبدأ التحول التدريجي، يبدأ النور بالتغلغل في جنبات هذه الأرض، مثلما يتغلغل في جنبات روحك المهشمة، فيعيد لها الحياة، يلملم فتاتها، يجمع أجزائها، يعيد صياغتها، يبعث فيها الأمل، ينير لها الدرب ويعطيها دفعة نفاثة تعبر بها الزمان وتثبت بها في المكان.

الصبح يتنفس

فأين روحك المكتومة، ألا تريد هي أيضاً أن تتنفس؟

لقد كتمت بريقها الأحداث المتلاطمة، الهموم التي باتت معك، أتيت إلى حضن الفراش محملاً بما لا تطيق، ومأملاً أن تصحو الصباح وقد تغيرت الأحوال، أتيت تجر أحلامك التي ما تحققت، وأهدافك التي ما تيسرت، غابت عيناك عن وعي الحياة وهي تفكر في الوسائل الممكنة، والمصادر المحتملة، ونسيت أيها المسكين المصدر العظيم، للطاقة المتجددة.

هل نمت عن نسمات الفجر؟ هل خسرت جائزة النور؟

هاهي المكونات تظهر من انعكاس نور الشمس، الشمس التي ما ظهرت بعد، ها هي أصوات الطيور تصدح في أجواء الحياة، هي المعجزة تحدث، هي الولادة تجري في هدوء.

تسري صرخة غير مسموعة، ونداء لا تدركه الآذان؛ ألا أيها النائمون انتبهوا، أنتم تخسرون كل يوم، جزءً من أرواحكم.

إنه الصبح … يتنفس

بعد أن كان الليل من قبله … يعسعس

فمن لم يدرك عسعسة الليلة، لا يحضى بنفثات الصباح، من لم تتسق ساعته الداخلية مع ساعة الكون الخارجية، يخسر الجائزة … جائزة الفجر.

إنه النداء من جديد، نداء النور الذي يرن في أرجاء الكون، بصوت لا تسمعه الآذان، صوت تدركه الأرواح، النداء الأخير لركوب القطار، فهل أنت من عداد النائمين، أم من فوج الراكبين؟

علاقة حب من نوع آخر

لم أكن أتصور أن تتطور العلاقة بيننا لتلك الدرجة، جلبتها إلى المنزل، إلى غرفتي الخاصة والتي أتخذها مركزاً لإنجاز المهام والأعمال، من أجل المظهر فحسب، فإذا بي أتعلق بها، فلم يعد الأمر مجرد مصلحة، بل أصبحت “علاقة حب”.

إنها الزهرة الصفراء الفاقعٌ لونها، وهي أيضاً تسر الناظرين، عبارة عن نبتة صغيرة اشتريتها بثمن بخس من المركز التجاري الذي يعطيك البضائع بأقل الأثمان، جلبتها إلى غرفة التصوير كي تظهر معي في الفيديو، مجرد مصلحة، تبادل منفعة، تعطيني ما أريد مقابل رشفات من الماء كل يوم.

لكن الأمر تطور بطريقة غير متوقعة.

لقد ذبلت تلك الزهرة بعد أيام، كانت منكسرة حين اشتريتها، ظهرها منحني، وقد اخترتها دون غيرها لأن انحناءها ذاك كان في مصلحتي، فقد وجهتها ناحية الكاميرا وكأنها تنظر للمشاهدين، بينما في الواقع؛ كانت انحناءة ألم، كان هنالك حزن يختفي خلف اللون الساطع، وتحت الطلة المشرقة، ألم مكتوم لا يجد طريقة للتعبير عن نفسه، فلا الزهرة قادرة على الكلام، ولا أرواحنا قادرة على الفهم.

ربما لو كانت روحي شفافة كفاية، كنت فهمتها دونما كلام، وأحسست بمعاناتها دونما نظر.

قد يقول قائل: ما مصلحتك بعد الآن من تلك النبتة التي خسرت روحها، وتحولت من الصفرة إلى الخضرة، وخاصة أن بقية البراعم لا زالت صغيرة واحتمالية نجاتها ضعيفة، ألا فتخلى عنها، وتخصلت من هم سقياها ورعايتها.

لكني لم أفعل، بل أبقيت النبتة إلى جواري، حافظت على خضرتها يوم بعد آخر، أعترف أنني في أحد الأيام نسيت أن أسقيها، وحين رجعت إليها -وقد كانت في الشرفة آنذاك- وجدت أن بعض أوراقها قد يبست، وبدأ اللون البني يغزو كيانها، فسارعت إلى إمدادها بماء الحياة.

تلك الحادثة كشفت أكثر عن نوع العلاقة، وعن ذلك الحب المدفون، فقد حزنت يومها، وعاهدت نفسي على أن أهتم لموضوعها أكثر، فما دمت قد تحملت مسؤوليتها واشتريتها من البداية، إذاً علي بالاستمرار في رعايتها، رغم أني لا أعلم الكثير عن عالم التشجير والبستنة، بل أكاد لا أعرف شيئاً في هذا المجال، لكن يكفي أن أسقيها كل يوم وهذا أقل القليل.

أما الآن، فهي تؤنسني في وحدتي، تصنع ابتسامة خفيفة على القلب كلما وقعت عيني عليها، تشعرني بالانتماء إلى الأصل الذي أتيت منه، إنها صديق وفي لا يقاطعك في الكلام، ينظر إليك بهدوء وأنت تنجز أعمالك، ويقف هناك دونما حراك حتى ترمقها أنت بالنظر، فتؤنس فؤادك، وأنت تراقب خضرتها يوم بعد آخر، تستمتع برش رذاذ الماء فوق أغصانة، تشعر بالرضى بعد كل سقيا، فأنت بذاك قد أديت مهمتك، وساهمت في حياة كائن في هذا الوجود، حتى لو كانت مجرد نبتة صغيرة.

يذكرني هذا الأمر بالأطباء، من هم سبب في إنقاذ الناس وبث الحياة فيهم من جديد، طبعاً مع وجود الفارق الكبير، لكن المبدأ واحد، والمطلوب مني الآن أن أتجرد من المصلحة، أن لا يكون إساهمي الصغير هو من باب المصلحة، بل بدافع بث الحياة في الوجود، وحينها قد أكون أحسن حالاً، وأعلى مقاماً، من ذلك الطبيب الذي لا يعمل إلا من أجل القروش والدراهم، (أقول “قد” ولا أدعي ذلك).

أحدثكم الآن وقد كبرت قليلاً، وقد بدأت بعض البراعم بالتبلور، إنها بنات الزهرة الأم، ولدت من رحم ألمها، وكأن موتها كان مخاضاً لولادة جيل جديد من الزهور الصغيرة، جيل يظهر للحياة ويضرب لنا أمثلة متجددة عن معجزة الخلق، تذكرنا بأن الله هو فعلاً من (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ)، سبحانه وتعالى جل في علياءه وتقدست أسماؤه.

وأخيراً … هذه صورة تجمعني بالمحبوب

برامج رمضان المفيدة (دينية ومعرفية) – 1440 (2019)

الحقيقة أن الإنتاج الإعلامي في رمضان في كلا الجهتين (الغث والسمين) هو إنتاج غزير ودسم جداً، فالعقول تُخرِج أفضل ما لديها والمهارات تبذل أقصى ما يمكنها لإنتاج أعمال إعلامية مميزة بحق، سواءً كان على مستوى المسلسلات، أو على مستوى البرامج النافعة والهادفة، سواءً الدينية والروحية أو المعرفية.

لكن المشكلة أن تلك الغزارة في الإنتاج تأتي في توقيت غير مناسب أبداً، إنه شهر رمضان الذي يصبح الوقت فيه أشد ضيقا مما سواه من الأشهر، وخاصة لمن يودون استغلاله على الوجه الأمثل، فأنت تُدخل إلى حياتك عبادات وعادات جديدة، فتقرأ من القرآن كذا وكذا، وتصلي التراويح، وقد تجلس في المسجد ساعة لتدبر آيات الله، بالإضافة إلى الأذكار وغيرها من الأعمال، طبعاً هذا كله بجانب إلتزاماتك الحياتية التي لا مناص منها، دراسة أو عمل، أسرة وعلاقات اجتماعية، وغيرها.

عني شخصياً؛ أكتفي ببرنامج رمضاني واحد أتابعه خلال الشهر الكريم، وأحياناً إثنين، واحد لقلبي (لتنمية الجانب الروحي) والآخر لعقلي (لتنمية الجانب المعرفي).

لكن تبقى تلك الحسرة في القلب على بقية البرامج ذات الفائدة الكبيرة، فهنالك ما أريد مشاهدته وعدم تفويت حلقاته، فأنا أعلم أن مثل ذلك الدر المنثور ليس مما يمكن التحصل عليه في أي وقت آخر من أوقات السنة.

لكن -وبحمد الله- لدينا اليوتيوب، هذا المستودع الضخم الذي يحمل على عاتقه الاحتفاظ بكل ما ينشر فيه، حتى تتمكن نسخنا المستقبلية من الإطلاع على ما مضى وفات، فكل البرامج الرمضانية تقريباً يتم بثها عبر اليوتيوب، وهي باقية إن شاء الله حتى يأذن الله، يمكن أن تعود إليها بعد رمضان، فتشاهد وتستفيد وتنهل من بحار العقول، كل ما عليك فعله هو عمل جدول وخطة بعد رمضان للاستفادة مما نشر في رمضان، بحيث تخصص لك كل يوم ساعة أو نصف ساعة (كي لا يؤثر ذلك على جدول أعمالك)، كي لا يأتي رمضان القادم إلا وقد ارضيت شغف نفسك وشهية عقلك فيما عند الناس من أفكار وأنوار.

المهم … سأقوم هنا بسرد بعض أهم البرامج المرئية التي تنشر هذه الأيام (خلال رمضان 1440) مع روابط صفحاتها في اليوتيوب (قوائم التشغيل التي تضم جميع المقاطع)، البرامج التي أعتقد أنها نافعة (لا مشكلة إن خالفتني في الرأي) حتى أتمكن -وتتمكن أنت أيضاً- بعد رمضان من العودة إليها، لتختار منها ما يناسب ذائقتك الفكرية واحتياجاتك المعرفية.

(يمكن أن تشارك معي في سرد أسماء البرامج الغير مذكورة هنا، في قسم التعليقات).

القرآن غيرني (عبدالرشيد صوفي)

الشيخ عبدالرشيد صوفي هو مقرئ وحافظ صواملي الأصل، يتميز بصوته الندي، تلاواته للقرآن الكريم المنتشرة في اليوتيوب لاقت رواجاً كبيراً، وهو في رمضان هذا العام، يقدم لنا برنامجاً خفيفاً لطيفاً، عبارة عن ذكرى سريعة في دقائق معدودة لا تتجاوز العشر، تخرج من قلب صادق فتدخل القلب مباشرة، تبدأ كل حلقة بآية كريمة ينطلق منها الشيخ لنثر الدرر ويحكي القصص والعبر، (قائمة الحلقات).

ذكرى وعبرة 3 (فاضل سليمان)

جرعات فكرة ومعرفية يلقيها الأستاذ فاضل سليمان، يتحدث فيها عن مواضيع مختلفة، وعن مواقف وقصص حصلت معه مما يمكن أن نستخلص منها العبرة، والتي -في الغالب- لها انعكاسات عملية في واقعنا المعاصر (مدة كل حلقة: ربع ساعة تقريباً)، (قائمة الحلقات).

مسكين (وجدان العلي)

كلمات رقيقة بصوت حاني، يلقيها علينا الشيخ وجدان في برنامج جديد لهذا العام، والبرنامج كما هو واضح من اسمه؛ يتحدث عن الإنسان (المسكين) وعن ربه (الكريم) في حلقات إيمانية روحانية ذات مستوى رفيع، (ربع ساعة)، (قائمة الحلقات).

فاذكروني (عمرو خالد)

برنامج الداعية (عمرو خالد) لرمضان هذا العام، وهو يتحدث عن موضوع روحاني راقي هو (ذكر الله)، حلقات لا تزيد عن 15 دقيقة لكل منها، كل حلقة تتحدث عن ذكر من الأذكار، أو طريقة من الطرق لذكر الله، والمميز في هذه الحلقات أنه يتخللها بعض مقاطع الابتهال والتواشيح بأصوات ندية وبكلمات جميلة، مما يبعث على النفس بالطمأنينه والخشوع (ربع ساعة) (قائمة الحلقات).

اللغة العالية (عارف حجاوي)

لم أكن أعرف من هو الأستاذ (عارف الحجي) قبل أن أشاهد حلقات هذا البرنامج، لكني أنجذبت لفصاحته وحلاوة لسانه وهو يتحدث بالعربية الفصحى في هذا البرنامج الرمضاني، وفيه يعطيك من نثرات اللغة العربية وفوائدها ومن تنوعات اللهجات ونوادرها، يزين الأمر إلقاء الأستاذ عارف، الذي ألف كتاباً سابق بنفس الاسم، (25 دقيقة) (قائمة الحلقات).

بيت المسلم (النابلسي)

للدكتور محمد راتب النابلسي في شهر رمضان هذا العام برنامج متعلق بالأسرة، يطل علينا فيه كل يوم ليحدثنا بأسلوبه الهادئ والممتلئ حكمة؛ عن أمور متعددة لها علاقة بالبيت المسلم والأسرة وكيف لنا أن نجعلها سعيدة (ربع ساعة)، (قائمة الحلقات).

تفسير القرآن الكريم (عدنان ابراهيم)

يطل علينا المفكر والدكتور عدنان ابراهيم في رمضان هذا العام ببرنامج يوتيوبي وحلقات يومية، عبارة عن دروس تفسير يلقيها في مسجده في النمسا، تبثها قناته الرسمية في اليوتيوب، وعبر هذه السلسلة ينثر علينا الدكتور فوائد تفسيرية وتفرعات فكرية لا تخرج منها إلا بفائدة (أكثر من نصف ساعة). (قائمة الحلقات).

سواعد الإخاء 7 (مجموعة مشايخ)

للسنة السابعة على التوالي، يستمر هذا البرنامج الرمضاني بنثر درر ما تجود به عقول مجموعة من المشايخ والدعاة الفضلاء، وميزة هذا البرنامج عن البقية أنه لا يرتبط بشخصية واحدة هي من تقدم المحتوى، ولكن هي سواعد تجتمع على الإخاء وتتعاون لطرق المواضيع المختلفة وإثراء النقاشات بخبرات تراكمت على مدى سنوات، أما مدار موضوعات هذه السنة فهو عن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم، (نصف ساعة)، (قائمة الحلقات).

ملاحظة: قناة سواعد الإخاء في اليوتيوب تنشر محتوى مفيد خارج إطار البرنامج، منها سلسلة فيديوهات عن تربية الأبناء.

فسيرو 3 (فهد الكندري)

يستمر الداعية والمقرئ الشيخ فهد الكندري في نشر سلسلة جديدة كل رمضان، وهذه السنة تنشر قناته الجزء الثالث من (فسيروا) والذي يتجول فيه على عدة مواضيع تهم الإنسان، وفي كل حلقة؛ يستضيف شخصيات متخصصة للتحدث عن موضوعات الحلقات المتنوعة، (ربع ساعة)، (قائمة الحلقات).

رحلة حياة (مصطفى حسني)

للداعية المصري مصطفى حسني برنامج يومي في رمضان، في كل حلقة يمسك شيء معين ويتحدث عن علاقتك أنت -كمسلم- معه، الإخراج والإعداد مميز والمحتوى مركز وليئ بالفوائد (نصف ساعة)، (قائمة الحلقات).
كما أنه أيضاً ينشر -خلال رمضان- فيديوهات قصيرة وجميلة؛ بعنوان “خاطرة الفجر“.

مع الله (عمر عبدالكافي)

يتحدث الدكتور عمر عبدالكافي في رمضان هذا العام عن العلاقة بين العبد وربه، عن القرب من الله جل جلاله وعن مواضيع متفرقة تدور في نفس الفلك، (20 دقيقة) (قائمة الحلقات).

حصاد الفكر (طارق السويدان)

في ست دقائق، يطل علينا الدكتور طارق السويدان، ليعطينا جرعات فكرية يحصدها من مزرعة عقله، بعد أن نبتت على مر الأوقات والأحداث، ونمت من كثرة التجاربة والمواقف، (قائمة الحلقات).

قرآناً عجبا (محمد حسين يعقوب)

يطل علينا الشيخ المربي: محمد حسين يعقوب ببرنامج رمضاني يتحدث فيه عن القرآن الكريم وآي القرآن الكريم، يتحدث -بأسلوبه المميز- عن بعض الآيات الكريمة ويبحر في سمائها وتحت ظلالها، والهدف هو أن يعيش المسلم بالقرآن ومع القرآن في شهر القرآن، (ربع ساعة) (قائمة الحلقات).

وهذه بعض البرامج الرمضانية الأخرى، والتي سأترك لك مهمة استكشافها والتعرف عليها:

لو كنت تعرف -عزيزي القارئ- أي برنامج رمضاني مفيد ونافع (ديني أو فكري)، فشاركه معنا في الأسفل حتى تكون هذه الصفحة مرجعاً لكل من أحب الاطلاع في المستقبل.

رمضان العجيب

وفي كل عام، في أول يوم من رمضان، يتكرر المشهد، وتتكرر الدهشة والشعور الغامر بالعظمة؛ عظمة تلك الجموع التي تملأ المساجد.

صليت فجر أول يوم في رمضان في المسجد، فتفاجأت من العدد الكبير للمصلين، ثم في صلاة العصر، ذهبت لمسجد الحي الكبير، ذهبت إليه باكراً، وصلت المسجد فور انتهاء الأذان مباشرة، لكني للأسف لم أجد موضع قدم في الداخل، لقد امتلأ المسجد عن بكرة أبيه قبل أن يكمل المؤذن مهمته، فما كان مني إلا أن أخذت نفسي وبحثت عن مسجد آخر.

لقد تذكرت أن هذه الدهشة تتكرر في كل عام، في أول رمضان، دهشتي من الناس كيف يقبلون على الصلوات في المساجد، ودهشتي من نفسي كي تنقاد بكل سهولة إلى بيوت الله، وأعتقد أن لديك مثل هذه الدهشة من نفسك، ألم تستغرب من نفسك كي تدفعك كلما نادي المؤذن، ألم تجد تلك اللذة والحلاوة حين وقفت بين المصلين، ثم ذلك الشعور بالطمأنينة بعد الانتهاء من الصلاة، ألم تسبح نفسك في هدوء الكون وعظمة الوجود وأنت هناك، وسط تلك الجموع المتوضئة.

إنه رمضان العجيب …

ذلك الشهر الذي تتنزل فيه رحمات الله لتعم العباد، فكل من عانا من جور البعد وصعوبة الالتزام هو موعود في هذه الأيام المباركة بسهولة السير إلى الله، بحلاوة العبادة، وما عليه إلا أن يترك نفسه لتلك الرحمات كي تسوقه سوقاً، وتقوده بكل هدوء إلى مصادر النور … (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ….)

الله ما أجمل رمضان، ما أجمل المساجد المليئة بالمصلين، ما أجمل تلك الساعة التي تختلي فيها مع كتاب الله في بيت من بيوت الله، فتسبح في خضم الآيات الجليلة، تبحر لا تلوي على شيء سوى استكشاف اسرار الوجود، تتلقى كلمات الله التي تهبط على قلبك فتعيد صياغته، تعبر بخيالك حدود الزمان والمكان وتعيش أدوار المرسلين وتمتطي خيول المجاهدين، ثم تعود إلى حياتك الدنيا، وتهدأ، وربما تبكي، ثم تخشع، فلا تخرج من المسجد إلا بطاقة تملأ عالمك الصغير بالحماس والشوق، فترى بها الحياة بشكل مختلف.

دعونى نتوقف عن التحدث عن أول رمضان، فنحن الآن قد قاربنا على البدء في المرحة الجديدة، والخطيرة في نفس الوقت …

إن كانت نفوسنا ستقودنا إلى الله بدون جهد منا، فأين الاختبار إذن؟ وكيف يعرف المجتهدين من الكسالى والعاطلين؟

إن تلك الأيام ما تلبث أن تنقضي، ثم تأتي أيام أخر، تتبدل فيها الأدوار، فبعد أن كانت نفسك هي من تسوقك، يصبح الدور عليك أنت، أنت من عليه أن يقود نفسه وتجبرها على الاستمرار في السير، لقد أطعمك الله من رحيق النعيم رشفة صغيرة، رحمة منه، وعليك الآن أن تتمسك وتكمل المشوار، مشوار الثلاثين يوم، فمن يصبر ويستمر، يجد الفتوحات الربانية في الأيام الأخيرة.

ستكسل نفسك عن القيام، ستتقاعس عن إكمال الأوراد والأذكار، سوف وسوف وسوف، وما عليك إلا أن تلتزم بما عزمت عليه، إن كنت قد عزمت على شيء، وهنا مشكلة أخرى، هي عدم الاتفاق مع النفس على خطوط حمراء لا يجب أن تجاوزها في رمضان، أو سمها إن شئت خطة (رمضانية)، كي يمضي عليها في رمضان، حتى إذا ما بدأت مرحلة التكاسل والتنصل، يذكرها بما تم الاتفاق عليه، ويكشر عن أنيابه ليخيفها، كي تمضي على الصراط المستقيم، والنهج القويم.

إن لم تقم بتلك الخطوة قبل رمضان، فلا مشكلة، قم بها الآن، اعزم على أن لا تخرج من المسجد في التراويح إلا بعد إن يقوم الإمام، واعزم على عدم تفويت تكبيرات الاحرام، ولا تنسى، تلك الساعة التي تبحر فيها مع آيات الله الجميلة.

إنه رمضان العجيب يا سادة …

رمضان الذي هو هدية الرحمان لعبادة المساكين، وكلنا مساكين، التائهين في دروب الحياة، الغافلين عن حقيقة الوجود، المتذبذبين بين هنا وهناك، المتخبطين وسط سياط الإرادات، فساعة تريد هذا، وساعة تريد ذاك.

رمضان الذي هو نقطة تغيير، فكم من شخص في هذا العالم قد تغير، والسبب: رمضان، وكم من إنسان قد سلك الطريق إنطلاقاً من رمضان، وكم من بعيد قد تذوق نعيم القرب في رمضان.

إن رمضان ليس الهدف، بل ما بعد رمضان، بل الحياة بأكملها هي الهدف، هي من يجب أن تعاد صياغته، لكن الصياغة صعبة، وخاصة في عالم اليوم المليئ بالملهيات والمشتتات، كيف لنا أن نقوم ونخرج من رحم الغفلة، ولهذا السبب يأتينا رمضان كل سنة، هو الخيط الممتد من السماء والمخترق لطبقات الأرض، حتى يصل لكل شخص، سواءً ذاك الذي يتخبط قريباً من السطح، أو من هو غارق مدفون في الأعماق، فالحبل طويل ويصل للجميع.

إنه رمضان العجيب يا سادة يا كرام …

إن في عالم الوجود أسرار وخفايا يصعب علينا إدراك كنهها وآلية عملها، ومن أهم تلك العجائب: رمضان.