على هامش فلم Soul

كثيرون هم من يوهبون فرصة ثانية، أقصد في الحياة الواقعية وليس في الخيال السينمائي، أولئك هم من يخوضون تجربة الاقتراب من الموت، من تتوقف قلوبهم لدقائق وهم في غرفة الإنعاش مثلاً، ثم تعود من جديد، وهم حين يعودون يروون لنا أشياء غريبة، ليست أحلاماً، فهنالك شواهد تدل على حضورهم أثناء غيابهم، بل كانوا في عالمٍ آخر، ليس هناك ولا هنا، بل بين بين.

ينطلق فلم Soul من هذه النقطة، ويبدأ الحدث الأبرز بعد الدقيقة العاشرة، حيث ينتقل البطل لذلك العالم الوسطي، ثم يتشبث بالحياة بكل طاقته لأن لديه حلم يريد تحقيقه، وهدف سعى إليه طويلاً ثم حين أتت الفرصة، أتاه الموت كذلك.

متابعة قراءة على هامش فلم Soul

أفلام تستحث الأقلام، مراجعات وأكثر

في الحقيقة، أنا لا أكتب عن الفلم نفسه بقدر ما أكتب عن نفسي، بقدر ما أتنفس وأعرب عن أفكاري، فالفلم ليس سوى وسيلة، يمكن أن يحسنها صانعها، فتصبح قطعة فنية رائعة الجمال، رسالة مزخرفة توصل فكرة أو أفكار، وسيلة حضارية يمكن لها أن تحدث التغيير، وأنا حين أكتب عن بعض الأفلام، أكتب عن ما تحمله تلك الأفلام من رسائل، عن الأفكار التي أثارتها وعن الأبعاد التي -ربما- لم تصل إليها، هي تمهد لي الطريق حتى أغوص أعمق، هي تشعل شرارة الأفكار التي ما تلبث أن تنير موقداً، أو حتى منارة.

في أحد الأيام، شاهدت فيلماً في المنزل، فيلماً بدا عادياً في أوله وحتى أوسطه، لكن ما أن وصلت للنهاية، حتى تغير كل شيء، انتهى الفيلم وظهرت الأسماء ترقص على نغمة تتر النهاية وأنا لازلت مشدوهاً متسمرة عيناي على الشاشة، لازلت أتذكر الانطباع الأول والشعور المميز الذي يصعب علي نسيانه، لقد تأثرت من ذلك الفيلم وشعرت بشيئ غريب، أنا غير قادر على وصفه لكن يمكن أن أقول عنه أنه شيء “إيجابي”، شعور، طاقة، نظرة إيجابية، شيء من هذا القبيل، المهم أنه ترك فيّ بصمة دامغة.

لكن ليس هذا هو الأمر العظيم، أتدري يا صديقي ماهو الأعظم، هو أن هذا الفلم بالتحديد قد شُوهد من قبل ملايين الأشخاص حول العالم، فكم هي البصمات، والآثار التي تركها في حيوات الناس يا ترى؟ الله أعلم.

كثيرة هي المرات التي غمرني فيها شعور وإرادة قوية بالكتابة بعد مشاهدة فلم عظيم، والأغلب هي أفلام درامية تغوص في واقع الحياة أو واقع الإنسان، أحياناً؛ يظهر لي أبعاد كانت مخفية، وأحياناً أخرى أتعلم الشيء الكثير، أتعلم دون معلم أو كتاب، من خلال التجربة، التجربة التي عشتها في فيلم دون أن أتحمل عناء العيش فيها حقيقتاً، والتجارب هي التي تصنع الإنسان وتبني وعيه وتنمي روحه.

الفيلم ما هو إلا رواية متحركة، والرواية هي أصل الحكاية، حكاية الكون والأرض والإنسان، والإنسان هو محور الإلهام وسر الوجود، وقد علمنا ربنا في القرآن عبر القصة، ذكر لنا الأمثلة وأورد لنا الأحداث، لنأخذ العبرة ونتعلم من التجارب، ومن تلك التجارب يستقي الإنسان فهمه ويبني وعيه، يعرف أكثر ويشعر أكثر، وكل قصة تقربه إلى الحقيقة العظمى، إلى خالقه وربه عز وجل.

بعض الأفلام يقربنا إلى الله، ويزيد من إيماننا.

والكثير منها يلهينا عن الله ويسرق من إيماننا.

وهنالك ما فيه وفيه، فيغلب أمر على أمر، والحاذق من مد يده بهدوء واستخرج العسل دون أن يوقظ النحل.

أنوه في الأخير إلا أن “الفلم” و “السينما” ماهي إلا أداة يمكن أن تستخدم في الخير أو الشر، كأي أداة في العالم، لكنها أداة قوية جداً، وسيلة شائعة بين الشعوب والحضارات وتؤثر على ملايين البشر، فإن لم نكن نحن -كعرب- من صناع هذا الفن لأجل الخير ومعالي الأمور، فعلى الأقل؛ نسلط الضوء على بعض تلك الأعمال التي تهدف لذلك.

هذه الكلمات هي افتتاحية لسلسلة مقالات ومراجعات لبعض الأفلام التي تستحث قلمي، فلا أجد مهرباً من الكتابة عنها، فلعل شخصاً يشاهد نفس الفيلم فيبحث فيصل لمقالتي، فيشفي بها غليله، ويروي بها ضمأه.

ملاحظة: الفيلم الذي نوهت إليه في الأعلى هو: The Shawshank Redemption