أفلام لم أندم على مشاهدتها

يمكن أن أقسم الأفلام التي أشاهدها إلى ثلاثة أصناف، الأول هو الأفلام التي أندم على مشاهدتها وتضييع الوقت فيها، وهي قليلة في الغالب لأني أحرص على اختيار أفلام جيدة، لكن رغم ذلك يقع هذا الأمر بين الفينة والأخرى وأخدع بأفلام وأكتشف أني قد أخذت مقلب فيه.

الصنف الآخر هو الأفلام التي تعجبني جداً، ليس على المستوى الفني فقط، بل الأهم من ذلك على مستوى القصة والرسالة التي يحاول الفيلم إيصالها، وهذه الأفلام أجدني مرغماً أن أكتب عنها وفيها، لذلك ففي الغالب أنشر عنها مقالة في تصنيف مستقل في المدونة أسميته (أفلام تستحث الأقلام)

أما الصنف الثالث فهي أفلام بين بين، هي التي لم أندم على مشاهدتها، وفي ذات الوقت هي أفلام ليست عظيمة (من وجهة نظري) أو لا تحمل رسالة وتأثيراً كبيراً في المشاهدين.

هذا الصنف من الأفلام سأكتبه هنا مع تعريف مختصر لكل فيلم، فهي أفلام جميلة في نهاية المطاف، بعضها يحمل رسائل إيجابية، والبعض الآخر فيه كوميدا طريفة، أو قصة قوية وأداءً مميزاً

5- Imagine That

تشدني دائماً الأفلام التي تُعنى بعلاقة الأب بالأبناء، ولقد شدتني عبارة سمعتها في اعلان الفيلم، حين قيل للبطل: “أنت لديك وظيفتين، أحداهما أن تكون أباً”، وهو فيلم عائلي نظيف شاهدته مع أطفالي، يحكي قصة رجل ناجح مهنياً لكنه فاشل أسرياً، يعيش مع بنته التي طالما تجاهلها ولم يعطيها حقها من الحب والاهتمام، تبدأ القصة حين يكتشف أن لديها بطانية عجيبة تخبرها ببعض الأسرار والأمور المستقبلية، وأنها دائمة الانعزال وتلعب مع صديقاتها المتخيلات، والمضحك أنه -وبسبب بعض الأمور- يصدقها الأب ويبدأ بالتعامل هو كذلك مع تلك الفتيات الخياليات.

الفيلم كوميدي لطيف، والقصة جيدة لكن الأداء والإخراج لم ين قوياً كفاية من وجهة نظري، لكن الرسالة التي ينطوي عليها الفيلم هي رسالة إيجابية ومباشرة، يمكن اختصارها بعبارة (أولادك أهم من نجاحاتك).

4- Liar Liar

فكرة الفيلم جميلة وجديد؛ طفل يتمنى -في عيد ميلاده- أن يتوقف أبوه عن الكذب ليومٍ كامل، فتتحقق الأمنية، والأب هنا هو محامي ناجح يمارس الكذب كما يتنفس، وقد مثل دور البطولة (جم كاري)، والذي كان مناسباً جداً لهذا الدور، لأنه يحتاج لمهارة جسدية وقدرات تعبيرية قوية، الفيلم كوميدي لكنه يحمل رسالة أخلاقية متعلقة بالصدق، وأيضاً هو يوجه رسالة متعلقة الأسرة وعلاقة الأب بأبناءه، وأن النجاح المادي ليس كل شيء أو أهم شيء، ولقد أعجبني مشهد يحمل في طياته بعض العمق الفلسفي. هنالك بعض التحفظات على الفيلم بسبب بعض المشاهد (القليلة).

3- The Call Of The Wild

عائلي/دراما/مغامرة – إنتاج 2020 – تقييم 6.8

فيلم عائلي جميل، يحكي قصة كلب وفي تأخذه الأقدار بعيداً عن منزله الذي تربى فيه والمليئ بواسئل الراحة والترفيه فترميه في ظروف قاسية وتمر به أحداث صعبة، لكنه كلب مميز، قوي وذكي، ينتهي به المطاف ككلب مزالج ثلجية، تمر أحداث كثيرة وسط الثلوج والجليد، يتعرف على أشخاص حتى يلبي -أخيراً- نداء الطبيعة

الفيلم جميل وفيه قصة درامية جيدة، يحمل رسالة مفادها “يوماً ما سنعود جميعاً للمنزل الذي ننتمي إليه” وهو الواضح من عنوان الفيلم (نداء البرية) كما أنه يحتوي على لحظات تثار فيها المشاعر وتستدعى إليها العواطف، الفيلم خالي تماماً من أي مشاهدة خادشة أو غير لائقة، وقد شاهدته مع الأولاد وقضينا وقتاً ممتعاً معه.

2- Arlington Road

دراما/جريمة/تشويق – إنتاج 1999- تقييم 7.2

الفيلم تمكن من إيصال رسالته بقوة، الفكرة والإخراج قوي، والرسالة تتعلق بالعمليات الإرهابية (لحسن الحظ لم يكن الأمر يتعلق بالإسلام والمسلمين) النهاية صادمة والحكبة الدرامية قوية، أيضاً أداء الأدوار قوي وخاصة من قبل الممثلين الرئيسيين.

الفكرة تدور حول رجل يبدأ بالشك في جيرانه الجدد بعد أن يكتشف أشياء غريبة عنهم، يدخل الشك في قلبه على أنهم ربما يدبرون لأمر ما، يبدأ بالبحث، يكتشف أشياء، وتحدث أشياء، ثم تؤول الأمور إلى نهاية غير متوقعة. (يمكن اعتبراه من الأفلام التي تحس في نهايتها أنك كنت مخدوعاً وتضطر إلى اعادة مشاهدة الفيلم من جديد لتفهم الأحداث).

1- Game Night

كوميديا/أكشن – إنتاج 2018 – تقييم 6.9

فيلم كوميدي لطيف، فكرة الفيلم أن هنالك زوجين يحبان الألعاب الجماعية كثيراً، ويشترك معهم أصدقاءهم في اللعب، وفي أحد الأيام يدعوه أخوه الأكبر إلى اللعب في منزله، لكن هذه المرة بطريقة أخرى فيها إثارة ومغامرة، لكن الأمور تخرج عن السيطرة وتنقلب اللعبة إلى حقيقة، حيث يفترض أن تكون هنالك تمثيلية بعملية اختطاف لكن يصادف أن يكون هنالك خاطفين حقيقيين يصلون قبل المزيفين، فتحدث معركة ويتم اختطاف الأخ أمام الأصدقاء وهم يضنون أن هذا هو أحد أجزاء اللعبة، ثم تدور أحداث كثيرة ومغامرات مثيرة.

النص مكتوب بشكل جيد، فيه كوميدا أصيلة، والفكرة ذاتها جديدة (حسب علمي)، هنالك (توستات) عديدة في القصة، كذلك الأداء والتمثيل جيد جداً.

حبكة درامية رائعة في فيلم Knives out

يعتبر (Knives out) أحد الأفلام المذهلة في حبكتها الدرامية، أو ما يسمى بـ (Plot twist) والتي تترجم على أنها (تغير غير متوقع للأحداث)، بالنسبة لي هو أحد أكثر الأفلام إمتاعاً وإدهاشاً مما شاهدته في السنوات الأخيرة، صحيح أنني لم أخرج منه بأي معنىً عميق أو فائدة معرفية أو فكرية، لكنه يستحق الإعجاب والإشادة.

يبدأ الفيلم بحضور محقق شرطة لأخذ أقوال أفراد أسرة توفي أبوهم قبيل أيام، أما طريقة الوفاة فقد كانت (انتحاراً)، الأب هو كاتب مشهور له روايات منشورة بعشرات اللغات وملايين النسخ، وقد خلف وراءه ثورة طائلة، يظهر في غرفة المقابلات رجل يحسن فن الإنصات ويتضح فيما بعد أنه رجل تحقيقات مشهور تم استئجاره لكشف شيء غامض تفوح رائحته حول القضية.

مسار القصة وعبقرية الإخراج تدفعك للشك بأكثر من طرف بأنه المتسبب في عملية القتل، وكلما اقتربت من حبك نسيج القصة في رأسك تأتي الأحداث لتقلب الطاولة وتعيدك إلى مسار مختلف تماماً، فالفيلم لا يحتوي على (بلوت توست) واحدة، بل عدة (توستات) مركبة واحدة فوق الأخرى.

في جزء مبكر من الفيلم، تكتشف -كمشاهد- السر، لكن تشك أنه قد يكون فعلاً السر، فكيف للنهاية أن تعلن منذ البداية، ثم يتضح أن تشككاتك في محلها، فالأحداث تخبئ المزيد والمزيد.

الفيلم نجح في الجمع بين أمرين؛ نهاية سعيدة، وأحداث غير رتيبة، فأفلام النهايات السعيدة عادة ما تبدو مملة وأحداثها متوقعة، بينما تميل أفلام النهايات الغير سعيدة بأن تعطي (بلوت تويست) قوية، أما هذا الفيلم فقد نجح بأن يخيب توقعاتك وأن يلبي تطلعاتك.

هنالك لمسات إخراجية جميلة، وأداء مميز لعدة ممثلين في الفيلم، أهمهم (دانيال كريج) الممثل البريطاني الذي أدى دور (جيمس بوند) في أفلام سابقة، فقد ظهر بلكنته البريطانية وسط الأمريكان فأعطى تنوعاً في المذاق وتنغيماً في الأصوات.

مخرج الفيلم شخص يدعى (رين جونسون) وهو من كتب القصة كذلك، وهذا أحد أسباب تميز هذا الفيلم، أن كاتب القصة والمخرج شخص واحد، فمن كتب القصة سيعرف فعلاً كيف يخرجها بأفضل طريقة.

في نهاية المطاف يمكن اعتبار هذا الفيلم مادة ممتعة نظيفة نسبياً، فهو خالي من المشاهد الخادشة للحياء (تقريباً)، ولا يحتوي إلا على القليل من كلمات الشتم والسباب.

اطمئن، فقدماه لن توصلاه بعيداً | Don’t Worry, He Won’t Get Far on Foot

تعجبني الأفلام التي تفتح لي نوافذ أخرى، إما نوافذ معرفية، أو نوافذ لاستكشاف دواخل الإنسان وغرائب طباعة، وهذا الفيلم فعل كلا الأمرين، بل أنه زاد على ذلك بأن جعلني أكثر امتناناً لكوني مسلماً، لهذه الحياة الثرية والتجربة الفريدة التي توفرها لنا هذه الرسالة السماوية التي ضمنت لنا العيش بأرقى درجات السعادة والفلاح.

فأما النافذة الأولى (نافذة المعرفة) فهي معرفتي للشخصية التي دار حولها الفلم، (مبني على قصة حقيقية)، شخص يدعى (John Callahan) أو (جون كالهان)، هو رسام ساخر (تتسم أعماله بالجرأة والوقاحة أحياناً)، مؤلف وكاتب أغاني، تعرض لحادث أفقده القدرة على التحكم في جسمه، فعاش مشلولاً على كرسي متحرك، وقد كتب قصة الفيلم بنفسه (توفي عام 2010 والفيلم من إنتاج 2018)، وعرض جانب من معاناته التي تمثلت أساساً في إدمانه لشرب الخمر.

ها هنا قصة إنسانية محسومة النتائج حول الخمر وآثار شربه، هاهنا دليلٌ واضح على عظمة دين الخالق الذي يعلم ما يصلح الإنسان وما يفسده، فمن يسأل ما الحكمة ولماذا؟ من يضيق ذرعاً بما يعتقد أنها (تقييدات) فرضها عليه الدين، فليشاهد هذا الفيلم ليعلم من خلال التجربة أن هذا الدين يُصلح ويُعلي ويُقيم، يُسعد ويُرشد ويصون.

الفلم يسير بوقع هادئ غير ممل، تميز في إظهار جانب من غرابة الإنسان وعجائبيته، أظهر مدى هشاشته وضعفه، القصة جيدة ومقنعة، أما طريقة الإخراج فقد سارت في غير ترتيب زمني واحد، بل أن هنالك تنقلات بين أزمنة مختلفة، تنقلات يسهل متابعتها وربط خيوطها، وهو ما أضفى جاذبية للفيلم دونما تعقيد.

في النهاية، قد تتفق أو تختلف مع شخصية الفيلم الحقيقية، من الراجح أنك لن يعجبك ما يختزنه من أفكار وما ينتجه من أعمال على أرض الواقع، وخاصة أنه يركز في بعض أعماله على مواضيع مثيرة للجدل والخجل، وقد تعتبر أن الفلم يسوق لهذه الشخصية ويظهرها بشكل حسن، لكن إن نظرت للفلم على أنه قصة إنسانية تركز على الأحداث والنتائج بغض النظر عن الأفكار والآثار، فستكون من معجبي الفيلم -كما أنا- مع الاحتفاظ بحقك في الاختلاف مع تلك الشخصية -كما أنا أيضاً-، تلك الشخصية التي غادرتنا منذ سنوات وانتقلت إلى خالقها، ليحكم كيفما يريد ويعطي رحمته لمن يشاء.

بالنسبة لي: فقد حرك الفلم فيّ مشاعر الامتنان والحمد، الامتنان لأني صحيح البدن حر الحركة، ولأني كذلك صحيح العقل والرؤية، نعمة الله علي التي عصمتني وأبعدتني من تلك المسالك، تفاصيل أقداره الخفية التي رسمت مسار حياتي بهذه الطريقة لا بتلك. أحمد الله على هداية الإسلام، وما أعظمها من هدية.

تنبيه: الفقرات التالية قد تحتوي على حرق لبعض أجزاء الفيلم، تجاوزها حتى فقرة (التقييم الأخلاقي) وعد إلى القراءة بعد المشاهدة إن كنت تنوي ذلك.

أما مسار “جون” بطل الفيلم؛ فقد كان مأساوياً لولا أن تداركه الله برحمته، لكن كيف تجلت رحمته فيه؟ بالحادث الذي أدى به إلى الشلل، نعم كان ذلك الحادث أحد وسائل العلاج وأحد أشكال الرحمة، علاج طعمه مر لكن -وكما يبدو- كان ضرورياً كي يتغير مسار حياته ثم تؤول الأمور إلى تحسن فرصته في الحياة وبعد ذلك النجاح فيها وحسب قنوانيها، صحيح أنه لم يتوقف عن الشرب فور الحادث، بل استمر وساءت حالته أكثر، تمادى في الأمر، حتى أتت تلك اللحظة التي انهار فيها، حين وقف عارياً أمام عجزه، عجزه التام، عجزه من أن يحضر قنينة الخمر من تحت الطاولة، تلك القنينة التي أذلته طوال حياته وعاش عبداً لها وأفقدته متعة الحركة، بل الحياة برمتها.

أعتقد أنه وفي تلك اللحظة الفارقة، حينها لمع نور في قلبه، غرست نبتة في روحة، تجلى الله بلطفه ورحمته عليه، يبدو أنه أحس بالعجز التام، فاقتنع ثم امتنع ولم يشرب بعدها أبداً، لقد كانت نقطة نور من خارج أسوار الحياة، ولقد حاول الفيلم أن يظهرها بعمقها دون أن يقدر، وتحدث عنها جون نفسه في الوثائقي لكنه لم يوفق، فنقطة النور تلك عظيمة جداً لا يمكن لبيان أن يحكيها، ولا لصورة أن ترويها، نقطة النور تلك تظهر دائماً في حيوات الناس بدرجات مختلفة، إنها تجليات نورانية ربانية تغير -في غمضة عين- ما صعب علينا تغييره في أعوام.

( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ)

من المعاني الجميلة التي عرضها الفيلم وسوق لها، هي الاعتماد على الله، الخروج من الحول والقوة إلى حول الله وقوته، وحين طبق “جون” نصيحة “دوني” بأن يرمي حمولته على الله، أن يكتب مشكلته في ورقة ثم يرميها في سلة (God) أو (الإله)، بعدها تغير الحال وتحسن المآل، تمكنت الرسوميات من الخروج من بين يديه، تلك الرسوميات ثم أعجب بها طيف من الناس، ونُشرت في صحف ومجلات، ثم أصبح رساماً ناجحاً يعمل في المجال الذي يحبه.

ما أجمل تلك اللحظات التي قرر فيها “جون” أن يسامح الآخرين، وأن يطلب السماح منهم، ما أعظم روح التسامح التي تحلا بها حين ذهب لصديقة الذي تسبب في إعاقته وقال له أنه يسامحه، والأعظم من ذلك حين طلب هو منه أن يسامحه، لكن مم يسامحه وهو من تسبب في مأساته؟ يسامحه على السنوات التي قضاها بعد الحادث دون أن لقاء، فعاش معذباً بألم الضمير، لم يتمكن من الخروج من ألم الذكرى فتمرغ في وحل الشرب والخطيئة، يحاول أن ينهض وفي كل مرة يقع من جديد، فلو أنه تحرر من شعور الذنب ذاك لربما تمكن من التصالح مع نفسه وتغيرت حياته، هكذا فكر فيها “جون” طلب من صديقه أن يسامحه لأنه تركه كل هذه السنوات مقيداً بأغلال الندم والذكرى الأليمة، وهو الذي كان بإمكانه أن يحرره من أغلاله ويريح من عذابه، إن هذا المعنى العميق لجدير بأن يستوقفنا كثيراً وأن نتعلم منه أكثر.

ما لم يعجبني في الفيلم هو حشر موضوع الشذوذ فيه، وتسويقه على أنه أمر عادي، وهو الأمر الذي -للأسف- أصبح ملاحظاً في الكثير من الأفلام الأمريكية الحديثة.

أخيراً: هنالك فيديو وثائقي في اليوتيوب فيه مقابلة مع “جون” نفسه قبل أن يموت، وفيه مختصر قصته وعرض لبعض أعماله الرسومية الثابتة والمتحركة، وهنالك فيلم رسوم متحركة بصوته يعرض مختصر قصته مع الشرب والإدمان.

التقييم الأخلاقي: الفلم مقيم في imdb على أنه متوسط في ما يخص الجنس والتعري، هنالك 2 أو 3 مشاهد قصيرة غير لائقة، أيضاً يحتوي على إيحاءات جنسية في اللغة وفي بعض الرسوميات، هنالك مشاهد لشرب الخمر لكنه يقدمه على أنه أمر سلبي ومشين. لا يحتوي على مشاهد عنف.

روابط

أفلام تستحث الأقلام، مراجعات وأكثر

في الحقيقة، أنا لا أكتب عن الفلم نفسه بقدر ما أكتب عن نفسي، بقدر ما أتنفس وأعرب عن أفكاري، فالفلم ليس سوى وسيلة، يمكن أن يحسنها صانعها، فتصبح قطعة فنية رائعة الجمال، رسالة مزخرفة توصل فكرة أو أفكار، وسيلة حضارية يمكن لها أن تحدث التغيير، وأنا حين أكتب عن بعض الأفلام، أكتب عن ما تحمله تلك الأفلام من رسائل، عن الأفكار التي أثارتها وعن الأبعاد التي -ربما- لم تصل إليها، هي تمهد لي الطريق حتى أغوص أعمق، هي تشعل شرارة الأفكار التي ما تلبث أن تنير موقداً، أو حتى منارة.

في أحد الأيام، شاهدت فيلماً في المنزل، فيلماً بدا عادياً في أوله وحتى أوسطه، لكن ما أن وصلت للنهاية، حتى تغير كل شيء، انتهى الفيلم وظهرت الأسماء ترقص على نغمة تتر النهاية وأنا لازلت مشدوهاً متسمرة عيناي على الشاشة، لازلت أتذكر الانطباع الأول والشعور المميز الذي يصعب علي نسيانه، لقد تأثرت من ذلك الفيلم وشعرت بشيئ غريب، أنا غير قادر على وصفه لكن يمكن أن أقول عنه أنه شيء “إيجابي”، شعور، طاقة، نظرة إيجابية، شيء من هذا القبيل، المهم أنه ترك فيّ بصمة دامغة.

لكن ليس هذا هو الأمر العظيم، أتدري يا صديقي ماهو الأعظم، هو أن هذا الفلم بالتحديد قد شُوهد من قبل ملايين الأشخاص حول العالم، فكم هي البصمات، والآثار التي تركها في حيوات الناس يا ترى؟ الله أعلم.

كثيرة هي المرات التي غمرني فيها شعور وإرادة قوية بالكتابة بعد مشاهدة فلم عظيم، والأغلب هي أفلام درامية تغوص في واقع الحياة أو واقع الإنسان، أحياناً؛ يظهر لي أبعاد كانت مخفية، وأحياناً أخرى أتعلم الشيء الكثير، أتعلم دون معلم أو كتاب، من خلال التجربة، التجربة التي عشتها في فيلم دون أن أتحمل عناء العيش فيها حقيقتاً، والتجارب هي التي تصنع الإنسان وتبني وعيه وتنمي روحه.

الفيلم ما هو إلا رواية متحركة، والرواية هي أصل الحكاية، حكاية الكون والأرض والإنسان، والإنسان هو محور الإلهام وسر الوجود، وقد علمنا ربنا في القرآن عبر القصة، ذكر لنا الأمثلة وأورد لنا الأحداث، لنأخذ العبرة ونتعلم من التجارب، ومن تلك التجارب يستقي الإنسان فهمه ويبني وعيه، يعرف أكثر ويشعر أكثر، وكل قصة تقربه إلى الحقيقة العظمى، إلى خالقه وربه عز وجل.

بعض الأفلام يقربنا إلى الله، ويزيد من إيماننا.

والكثير منها يلهينا عن الله ويسرق من إيماننا.

وهنالك ما فيه وفيه، فيغلب أمر على أمر، والحاذق من مد يده بهدوء واستخرج العسل دون أن يوقظ النحل.

أنوه في الأخير إلا أن “الفلم” و “السينما” ماهي إلا أداة يمكن أن تستخدم في الخير أو الشر، كأي أداة في العالم، لكنها أداة قوية جداً، وسيلة شائعة بين الشعوب والحضارات وتؤثر على ملايين البشر، فإن لم نكن نحن -كعرب- من صناع هذا الفن لأجل الخير ومعالي الأمور، فعلى الأقل؛ نسلط الضوء على بعض تلك الأعمال التي تهدف لذلك.

هذه الكلمات هي افتتاحية لسلسلة مقالات ومراجعات لبعض الأفلام التي تستحث قلمي، فلا أجد مهرباً من الكتابة عنها، فلعل شخصاً يشاهد نفس الفيلم فيبحث فيصل لمقالتي، فيشفي بها غليله، ويروي بها ضمأه.

ملاحظة: الفيلم الذي نوهت إليه في الأعلى هو: The Shawshank Redemption