أنا أنقرض … وأنت كذلك

تأمل فيني ونظر إلى جسدي النحيل وقال: جسمك ينحل يا أبتي
أجبته: إني أنقرض يا بني

– لا تقل هذا

– فعلاً، أنا أنقرض، وأنت كذلك، وكل إنسان في هذه الحياة، كل يوم يمر يأخذ من أعمارنا شيئاً يسيراً، نحن ننقرض بفعل الزمن، مع كل إشراقة صباح نقترب أكثر نحو نهايتنا المحتومة، إن لم أكن في سبيل الانقراض الجسدي، فأنا في سبيل الانقراض العمري.

كان ذلك حواراً عابراً، لكن ما ليس بعابر، ما يبقى في الذهن على الدوام، يقرع طبلة الوعي كل ما صفى لي فكر أو تاه عقلي في تأمل، هو ذلك الشعور بأن العمر يتفلت من بين يدي، هو أنني قد اقتربت من سن الأربعين، أن أحلامي الكثيرة وأهدافي العديدة لاتزال قابعة في صالة الانتظار، لا تدري متى يأتي دورها،،، أو هل يأتي أصلاً.

الحياة مركب عظيم، مركب في بحر الزمان والمكان يقودك في رحلة عظيمة، رحلة تكوين إنسان وتشكيل وعي ونضوج روح، وخلال هذه الرحلة أنت مطالب بالعمل، العمل الصالح تحديداً، مع الإيمان طبعاً، لذلك، فبقدر الإمكان … اعمل، أنجز كلما سنحت الفرصة، أكمل عملك كي تنتقل سريعاً للعمل التالي، للمشروع التالي، للفكرة التالية، استغل وقتك واستثمره بشكل أفضل، أيامك معدودة، حياتك محدودة، مركبك يمر وسط بحر الزمكان لا يتوقف أبداً، كانت بدايتك قبل سنوات عديدة، وقد وصلت إلى ما وصلت إليه واكتسبت ما اكتسبه، سخر ما معك من موارد (صحة + وقت + خبرة + مال) في العمل أكثر والإنجاز أفضل، استمر وسابق رحلة انقراضك.

نعم أنا أنقرض، وأنت وهو وهي وكلنا نسير في رحلة الانقراض هذه، صحيح أن جسمي قد نحل ووزني قد خف، كذلك هو عمري قد قصر ووقتي قد صغر، وليس المهم هنا هو انقراض الجسد، ما دمت في صحة جيدة، المهم هنا هو عمرك الذي ينقرض شيئاً فشيئاً، زمانك الذي يقل تدريجياً مع كل مساء وصباح، كن على وعي بذلك، ولا تضيع وقتك الثمين.

اعمل ثم اعمل ثم اعمل
(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)