اطمئن، فقدماه لن توصلاه بعيداً | Don’t Worry, He Won’t Get Far on Foot

تعجبني الأفلام التي تفتح لي نوافذ أخرى، إما نوافذ معرفية، أو نوافذ لاستكشاف دواخل الإنسان وغرائب طباعة، وهذا الفيلم فعل كلا الأمرين، بل أنه زاد على ذلك بأن جعلني أكثر امتناناً لكوني مسلماً، لهذه الحياة الثرية والتجربة الفريدة التي توفرها لنا هذه الرسالة السماوية التي ضمنت لنا العيش بأرقى درجات السعادة والفلاح.

فأما النافذة الأولى (نافذة المعرفة) فهي معرفتي للشخصية التي دار حولها الفلم، (مبني على قصة حقيقية)، شخص يدعى (John Callahan) أو (جون كالهان)، هو رسام ساخر (تتسم أعماله بالجرأة والوقاحة أحياناً)، مؤلف وكاتب أغاني، تعرض لحادث أفقده القدرة على التحكم في جسمه، فعاش مشلولاً على كرسي متحرك، وقد كتب قصة الفيلم بنفسه (توفي عام 2010 والفيلم من إنتاج 2018)، وعرض جانب من معاناته التي تمثلت أساساً في إدمانه لشرب الخمر.

ها هنا قصة إنسانية محسومة النتائج حول الخمر وآثار شربه، هاهنا دليلٌ واضح على عظمة دين الخالق الذي يعلم ما يصلح الإنسان وما يفسده، فمن يسأل ما الحكمة ولماذا؟ من يضيق ذرعاً بما يعتقد أنها (تقييدات) فرضها عليه الدين، فليشاهد هذا الفيلم ليعلم من خلال التجربة أن هذا الدين يُصلح ويُعلي ويُقيم، يُسعد ويُرشد ويصون.

الفلم يسير بوقع هادئ غير ممل، تميز في إظهار جانب من غرابة الإنسان وعجائبيته، أظهر مدى هشاشته وضعفه، القصة جيدة ومقنعة، أما طريقة الإخراج فقد سارت في غير ترتيب زمني واحد، بل أن هنالك تنقلات بين أزمنة مختلفة، تنقلات يسهل متابعتها وربط خيوطها، وهو ما أضفى جاذبية للفيلم دونما تعقيد.

في النهاية، قد تتفق أو تختلف مع شخصية الفيلم الحقيقية، من الراجح أنك لن يعجبك ما يختزنه من أفكار وما ينتجه من أعمال على أرض الواقع، وخاصة أنه يركز في بعض أعماله على مواضيع مثيرة للجدل والخجل، وقد تعتبر أن الفلم يسوق لهذه الشخصية ويظهرها بشكل حسن، لكن إن نظرت للفلم على أنه قصة إنسانية تركز على الأحداث والنتائج بغض النظر عن الأفكار والآثار، فستكون من معجبي الفيلم -كما أنا- مع الاحتفاظ بحقك في الاختلاف مع تلك الشخصية -كما أنا أيضاً-، تلك الشخصية التي غادرتنا منذ سنوات وانتقلت إلى خالقها، ليحكم كيفما يريد ويعطي رحمته لمن يشاء.

بالنسبة لي: فقد حرك الفلم فيّ مشاعر الامتنان والحمد، الامتنان لأني صحيح البدن حر الحركة، ولأني كذلك صحيح العقل والرؤية، نعمة الله علي التي عصمتني وأبعدتني من تلك المسالك، تفاصيل أقداره الخفية التي رسمت مسار حياتي بهذه الطريقة لا بتلك. أحمد الله على هداية الإسلام، وما أعظمها من هدية.

تنبيه: الفقرات التالية قد تحتوي على حرق لبعض أجزاء الفيلم، تجاوزها حتى فقرة (التقييم الأخلاقي) وعد إلى القراءة بعد المشاهدة إن كنت تنوي ذلك.

أما مسار “جون” بطل الفيلم؛ فقد كان مأساوياً لولا أن تداركه الله برحمته، لكن كيف تجلت رحمته فيه؟ بالحادث الذي أدى به إلى الشلل، نعم كان ذلك الحادث أحد وسائل العلاج وأحد أشكال الرحمة، علاج طعمه مر لكن -وكما يبدو- كان ضرورياً كي يتغير مسار حياته ثم تؤول الأمور إلى تحسن فرصته في الحياة وبعد ذلك النجاح فيها وحسب قنوانيها، صحيح أنه لم يتوقف عن الشرب فور الحادث، بل استمر وساءت حالته أكثر، تمادى في الأمر، حتى أتت تلك اللحظة التي انهار فيها، حين وقف عارياً أمام عجزه، عجزه التام، عجزه من أن يحضر قنينة الخمر من تحت الطاولة، تلك القنينة التي أذلته طوال حياته وعاش عبداً لها وأفقدته متعة الحركة، بل الحياة برمتها.

أعتقد أنه وفي تلك اللحظة الفارقة، حينها لمع نور في قلبه، غرست نبتة في روحة، تجلى الله بلطفه ورحمته عليه، يبدو أنه أحس بالعجز التام، فاقتنع ثم امتنع ولم يشرب بعدها أبداً، لقد كانت نقطة نور من خارج أسوار الحياة، ولقد حاول الفيلم أن يظهرها بعمقها دون أن يقدر، وتحدث عنها جون نفسه في الوثائقي لكنه لم يوفق، فنقطة النور تلك عظيمة جداً لا يمكن لبيان أن يحكيها، ولا لصورة أن ترويها، نقطة النور تلك تظهر دائماً في حيوات الناس بدرجات مختلفة، إنها تجليات نورانية ربانية تغير -في غمضة عين- ما صعب علينا تغييره في أعوام.

( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ)

من المعاني الجميلة التي عرضها الفيلم وسوق لها، هي الاعتماد على الله، الخروج من الحول والقوة إلى حول الله وقوته، وحين طبق “جون” نصيحة “دوني” بأن يرمي حمولته على الله، أن يكتب مشكلته في ورقة ثم يرميها في سلة (God) أو (الإله)، بعدها تغير الحال وتحسن المآل، تمكنت الرسوميات من الخروج من بين يديه، تلك الرسوميات ثم أعجب بها طيف من الناس، ونُشرت في صحف ومجلات، ثم أصبح رساماً ناجحاً يعمل في المجال الذي يحبه.

ما أجمل تلك اللحظات التي قرر فيها “جون” أن يسامح الآخرين، وأن يطلب السماح منهم، ما أعظم روح التسامح التي تحلا بها حين ذهب لصديقة الذي تسبب في إعاقته وقال له أنه يسامحه، والأعظم من ذلك حين طلب هو منه أن يسامحه، لكن مم يسامحه وهو من تسبب في مأساته؟ يسامحه على السنوات التي قضاها بعد الحادث دون أن لقاء، فعاش معذباً بألم الضمير، لم يتمكن من الخروج من ألم الذكرى فتمرغ في وحل الشرب والخطيئة، يحاول أن ينهض وفي كل مرة يقع من جديد، فلو أنه تحرر من شعور الذنب ذاك لربما تمكن من التصالح مع نفسه وتغيرت حياته، هكذا فكر فيها “جون” طلب من صديقه أن يسامحه لأنه تركه كل هذه السنوات مقيداً بأغلال الندم والذكرى الأليمة، وهو الذي كان بإمكانه أن يحرره من أغلاله ويريح من عذابه، إن هذا المعنى العميق لجدير بأن يستوقفنا كثيراً وأن نتعلم منه أكثر.

ما لم يعجبني في الفيلم هو حشر موضوع الشذوذ فيه، وتسويقه على أنه أمر عادي، وهو الأمر الذي -للأسف- أصبح ملاحظاً في الكثير من الأفلام الأمريكية الحديثة.

أخيراً: هنالك فيديو وثائقي في اليوتيوب فيه مقابلة مع “جون” نفسه قبل أن يموت، وفيه مختصر قصته وعرض لبعض أعماله الرسومية الثابتة والمتحركة، وهنالك فيلم رسوم متحركة بصوته يعرض مختصر قصته مع الشرب والإدمان.

التقييم الأخلاقي: الفلم مقيم في imdb على أنه متوسط في ما يخص الجنس والتعري، هنالك 2 أو 3 مشاهد قصيرة غير لائقة، أيضاً يحتوي على إيحاءات جنسية في اللغة وفي بعض الرسوميات، هنالك مشاهد لشرب الخمر لكنه يقدمه على أنه أمر سلبي ومشين. لا يحتوي على مشاهد عنف.

روابط

مراجعة لأحد أبرز أفلام رعاة البقر القديمة | Stagecoach

المراجعة التالية لا تحرق قصة الفيلم أو أحداثة البارزة

الفيلم المعنون بـ Stagecoach والذي أنتج سنة 1939، هو أحد أفلام رعاة البقر (الكاوبوي)، ورغم قدم إنتاجه إلا أنني استمتعت به واستثار قلمي حتى أكتب عنه، فبرغم أدوات الاخراج البسيطة والتقنيات القديمة، ورغم انعدام الألوان وضعف جاذبية الصورة، إلا أنه تميز في أهم عنصر لأي فيلم أو عمل سينمائي؛ القصة. فالقصة والحبكة ممتازة بحيث تجعل المشاهد متشوق لمعرفة المزيد وإكمال الفيلم، أضف إلى ذلك أداء بعض الممثلين المميز والذي قد يتفوق على كثير من الأداءات في هذا العصر الحديث: عصر طغيان الصورة على الفكرة.

فكرة الفيلم نابعة من اسمه، فكلمة Stagecoach تعني (عربة الجياد) أو (الحنطور): العربة التي كانت تستخدم قديماً كوسيلة مواصلات وتنقل بين المدن، تلك التي تجرها الخيول، فالفيلم عبارة عن رحلة بواسطة تلك العربة من مدينة إلى أخرى، رحلة تخللتها أحداث ومفاجئات، ورغم تميز القصة، إلا أن أكثر ما أعجبني هو أداء الممثلين في التعبير عن الحالات الإنسانية والمشاعر البشرية التي تدور بين ثنايا الأحداث وتختبئ بين سطور الكلمات.

تميز المخرج بإخفاء بعض المعلومات أو الاكتفاء بالتلميح إليها من بعيد، كي تكتشفها بنفسك أثناء المشاهدة، أضف إلى ذلك الأحداث الغير متوقعة والمفاجئات التي تخالف توقعاتك، وهذه نقطة مهمة لأي قصة أو حبكة.

عربة حملت عدة مسافرين، كلٌ له وجهته وهدفه، أتو من خلفيات مختلفة، جمعتهم الأقدار لمواجهة مشكلة واحدة ومن أجل تحقيق هدف واحد؛ هو الوصول بأمان، فتباينت الآراء واختلفت الطباع، وظهرت المعادن في مواقف الجد والعزم.

يحاول الفيلم معالجة بعض القضايا الاجتماعية بشكل غير مباشر: مثل التميز الطبقي، الفطرة الإنسانية لمساعدة الآخرين والمبادرة من لإسعادهم، صحيح أن تلك القيلم لم يتم معالجتها بشكل عميق، بل بطريقة بسيطة واضحة، لكنها في نفس الوقت كانت أقرب إلى الواقعية وبعيدة عن التصنع والتكلف.

فيما يخص المحتوى، ينتقده البعض ويصفوه كما يصفو مخرجه بأنه عنصري، بأنه يكرس الصورة النمطية للهنود الحمر، سكان القارة الأصليين، بمعنى: يشيطن تلك الفئة من الشعب.

استخدمت كلمة (Apache) أو (أباتشي) في الفيلم على أنه العدو ومصدر الخوف لركاب الحنطور، والذي يتضح فيما بعد أنهم مجموعة من مقاتلي الهنود الحمر، وقد قمت بالبحث بعد الفيلم في الأمر واتضح أن هذه الكلمة تطلق على قبائل من الهنود الحمر ممن استوطنوا جنوب غرب أمريكا، وقد دارت حروب ونزاعات بين تلك القبائل وبين الحكومة من جهة وبين المواطنين الأمريكيين من جهة أخرى (ممن يعتبرونهم الأباتشي محتلين لأرضهم) منذ عام 1849 حتى 1924 (انقر هنا لمزيد من المعلومات).

الفيلم مدته ساعة ونصف تقريباً، وقد حاز على ثناء النقاد وعلى تقييم مرتفع على منصة IMDB (حصل على 7.9 من اصل 10 نجمات)، كما حصل على جازئتين أوسكار: أفضل ممثل في دور مساعد (دور الطبيب) وأفضل موسيقى، أما المخرج فيدعى “جون فورد”، توفي في 1973 وحصل على ست جوائز أوسكار عبر مسيرة حياته، يعتبر – حسب موقع IMDB- أحد أهم مخرجي عصره.

التقييم الأخلاقي: الفيلم نظيف لا يوجد فيه أي مشهد جنسي، لا يوجد تعري ولا حتى قبلات، شرب الخمر موجود بكثرة، الكلام عادي ليس فيه إسفاف.

روابط ذات صلة:

خواطر شهر مارس 2020

أتنفس الحروف والكلمات، فساعة أشهق وساعة أزفر، أعيش على شراب الحبر، فساعة أرشف وساعة أعصر، أستنشق الأفكار والتجارب والرؤى، فتمتزج أفكارهم بخواطري، وتجاربهم بحكاياتي، وبديع كلامهم بعبير كلماتي، أقرأ ثم أقرأ ثم أقرأ، حتى لا أجد إلا أن … أكتب.

أكتب لاتنفس
أتنفس … لأكتب.

13- ما بين الفعل ورد الفعل

بسبب العزلة الذاتية وبقائي في المنزل مع الأولاد (بسبب جائحة كورونا)، صحوت اليوم وبدأت في ممارسة حياتي، ثم صحى الأولاد، ولأني كنت عندهم في المنزل، فقد كانت الطلبات تنهال علي، ذلك يريد أن ألعب معه، والآخر أن أصنع له طائرة ورقية، ثم طلبت مني بنتي الكرتون الصغير الفارغ الذي رأته في دولابي، وحين رءاها أخيها الأصغر أتى إلي وبدأ بالبكاء يريد كرتوناً آخر مثلها، ثم انشغلت بالبحث عن بديل ….الخ

وهكذا يمكن أن يستنفذ وقتي بالكامل في (الاستجابة لمطالب الآخرين)، أي أن تكون أفعالي هي عبارة عن (ردات أفعال) أو (استجابة خارجية) بدلاً أن تكون نابعة من الداخل من صميم أهدافي في الحياة، طبعاً أنا لا أقول أن لا نلعب مع أولادنا أو نقضي معهم بعض الوقت كل يوم، بل أنا ممن يهتم بقضاء بعض الوقت مع الأولاد ودخول عالمهم واللعب معهم، لكني أستدل هنا بهذا الموقف لما هو أكبر.

يقال (إذا لم تقم بتصميم خطة لحياتك، فمن المحتمل أنك جزء من خطة أحدٍ ما) وهذا صحيح إلى حد بعيد، فمن لديه فراغ في حياته فسيقوم الآخرون بملئه سواءً أراد أم لم يرد، لكني أريد أن أذهب لأبعد من هذه النقطة …

حتى عندما أكون وحدي في مكتبي بعيد عن الأولاد وعن أي مؤثر خارجي، أنا للأسف أستجيب للمطالب وأضيع جزء من وقتي فيها، لكن أية مطالب يا ترى ؟؟ مطالب النفس، حين أشاهد فيديو عشوائي في اليوتيوب أو أتصفح أقوال الناس في الفيسبوك أو أتجول بدون هدف في الانترنت، تلك هي مطالب النفس التي لا تفتأ تطلب وتطلب وتطلب، وأنت أمامها إما أن تكون جاداً وتنهاها ثم تؤدي الواجب عليك تأديته، أو تستجيب لمطالبها، مثلما تستجيب لمطالب أطفالك، بل أسوأ من ذلك، فعلى الأقل هنالك فائدة تربوية لأطفالك حين تستجيب لبعض مطالبهم، لكن هنا فأنت خسران خسران.

12- الإيمان تجربة روحية

ونحن نتحدث عن الدعاء أنا وأبنائي، أدلى كبيرهم بمداخلة وقال لأخته الأصغر منه “أنه في مرة من المرات شرب ماء زمزم ثم دعى الله أن يعطيه لعبة عبارة عن سيارة ذات جهاز تحكم عن بعد (ريموت) وبعد أسبوعين حصل عليها”. انتهى كلامه، ولم أسأله عن التفاصيل، متى وأين وكيف كان ذلك، لم أسأله أياً من ذلك، لأن المهم أن هذه البذرة قد نبتت في قلبه، بذرة الدعاء والإجابة، أول خيط صغير من روضة معرفة الله، أعلم أن الطريق أمامه طويل، لكني أحمد الله أنه قد أمسك بأول الخيط وهو في هذا السن.

إن أكبر وسيلة لتحصين أبناءنا وتقوية عقيدتهم هي أن نسهل عليهم أن يحصلوا على تلك التجاربة الروحية (الإيمانية) ولأنها “تجارب” فأنت غير قادر أن تلقحها إلى طفلك عبر الكلام، بل يجب عليه أن يخوضها بنفسه (أن يجربها) أما دورك (كأب أو أم) فهو أن تحكي له عن تجاربك الإيمانية، أن توضح له الطرق والسبل التي تسهل عليه المضي: فيعرف رحمة الله وقدرة الله وسمع الله لكل من دعاه، ويعرف ضعف الإنسان وحاجته للرحمن وغيرها من المعاني، لكن كل تلك المعرفة لا تعطيه تجربة، بل تسهل عليه الحصول على التجارب في الوقت المناسب حين يريد الله ذلك.

نحن لا نهدي أولادنا، الهادي هو الله، بل نؤدي الواجب علينا، نفتح لهم الأبواب ليسلكوا هم الطريق، لا يمكننا أن نحملهم نحن على ظهورنا ونمضي بهم في الطريق، لن يكون لهم بذلك تجربة خاصة بهم، تجربة إيمانية تحميهم من موجات الضلال التي ستتلقاها عقولهم حين يكبرون، وخاصة في هذا العصر المنفتح على كل شيء.

11- ثم تمضي إليه

عرفت شخصاً قبل سنوات، أتى إلى مصر ليسلك طريق النجاح وفتح شركة وتحقيق حلمه، أمضى الأشهر والسنوات وهو يكافح كي يستقيم أمرها لكن وكأنه يحرث على الماء، إلى أن أتى اليوم الذي قرر فيه أن يترك كل شيء ويعود لعمله السابق، والذي كان خطيباً في أحد المساجد في دولة أوروبية، فتخصصه الأصلي متعلق بالشريعة، لكنه أحب أن ينجز شيء، والآن وقد مرت على مغادرته عدة سنوات، أتتبع بعض أخباره وأعتقد أنه سعيد في حياته.

من تدابير الله ولطفه لبعض خلقه، أن يسد عليهم الأبواب، يخسرون هنا وهناك ثم حين يتعبون من كثرة السعي واللهث بعد الدنيا، يزهدون حينها في الدنيا ويبغون إلى ربهم سبيلا، فهو من حبه لهم يسد عليهم الأبواب، كي يتوجهوا إلى من أوجد الأبواب، إلى النور المطلق والحبيب الأول، وأي مطلب هو أعز من طلب وجه الأعز الأكرم.

بينما نجد أن الله قد يفتح لأناس في الدنيا، فينجحون ويكسبون ويصلون إلى مراكز مرموقة، ثم حين يكتشفون حقيقة الدنيا الخداعة ومتاعها الزائل، يغيرون وجهتهم ثم يسلكوا الطريق إليه سبحانه، وهذا ما حدث مع الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز.

وهكذا، كل إنسان له حال، وكل إنسان له ما يناسبه، والله يعلم كيف يجلبك إليه عاجلاً أم آجلاً، فقط عليك بالاستجابة حين تصلك الإشارة.

10- استعن بالصلاة، واستعن عليها بالصوم

الصلاة هي عماد الدين، هي التي تعينك على أن تكون الإنسان الذي تريد والذي تحب، هي التي تقوي صلبك وتشد من أزرك، لذلك يجب على كل فرد فينا أن يهتم كثيراً لصلاته، ويحاسب نفسه دائماً عليها، أن يعقد الاتفاقات مع النفس ويجري الحوارات معها، حتى تستقيم على أمر الصلاة، على إقامة الصلاة وليس مجرد أداءها بدون روح، أن تكون من المبكرين إلى المساجد، ومن الخاشعين، ومن الذاكرين بعد وقبل.

لكن الزمن صعب، والملهيات والمشتتات كثيرة وكبيرة، نعرف أن الصلاة عونٌ لنا، لكن يا ترى من يعيننا عليها أو على أنفسنا لإقامتها كما يجب، سأقول لك بكلمة واحدة –> الصوم، نعم إنه الصوم، جرب بنفسك دون أن أخبرك، صُم يوماً لله، سوف تجد أن نفسك أصبحت خفيفة ونشيطة للذهاب إلى المسجد ونشيطة لترك الذنوب وفعل الخيرات.

9- أن أصبح خفيفا، حياً وميتاً

مررت بمسجد وصليت فيه الظهر، ثم قدموا جنازتين وصلينا عليهما، احداهم كان رجلا نحيلا (ربما أنحل مني) فكان خفيفا سهلا في الحمل والتحرك، لم يكلفهم الكثير من الجهد.

انا بحمد الله نحيف الجسم نوعا ما (لكني صحيح)، وكم أتمنى أن أستمر خفيفا في جسدي، وخفيفا في طبعي كذلك، لا أثقل على أحد ولا أحرج أحداً، حتى إن علا شأني وتعددت مسؤلياتي، أستمر خفيفاً سهلاً قريب، أيضا عندما أكبر ويشيخ جسمي، أن تستمر خفتي المادية والمعنوية، فلا أكون مصدر إزعاج حتى إلى أشد الناس قرباً مني، أرجو من الله أن لا تخور قواي حتى لا أصبح كلاً على أحد، أحمل نفسي طيلة حياتي، والمرة الوحيدة التي أحمل فيها؛ هي عند المضي بي إلى قبري، أو ربما بدون هذه كذلك.

8- يوشك العالم أن ينقسم إلى نصفين؛ من يشاركون، ومن يشاهدون

وقعت اليوم على قناة يوتيوبية أجنبية لعائلة تشارك حياتها عبر اليوتيوب وتقتات من ورائها، لديهم 8 أطفال، لكن ليس هذا هو أغرب شيء، بل أن نصف أولئك الأطفال (الأكبر سناً) لديهم كذلك قنواتهم الخاصة بهم، وكلٌ على ليلاه يغني، كل واحد فيهم منشغل بعمل الفيديوهات، مقالب ويوميات وتحديات والكثير الكثير من إضاعة الأوقات.

ضحكت في نفسي وقلت، يوشك العالم أن ينقسم إلى نصفين؛ من يشاركون تفاصيل حياتهم عبر الانترنت، ومن يشاهدون تلك الحيوات، أصبح العالم غريباً جداً ويزداد غرابة، لا أدري إلى أين سنصل، لكن كل ما أعرفه أن الأمر غير مبشر، كل ما أعرفه أن لا أحد مستفيد من هذه العملية، لا من يشارك ولا من يشاهد، فأولئك وإن كسبوا بعض الدولارات، هم يفقدون ما هو أهم من المال؛ حياتهم وخصوصيتهم وراحة بالهم، أما المتفرجون فهم يفقدون أهم ما يمتلكون بعد صحتهم؛ وقتهم، ولعلي أشير هنا إلى فيديو نشرته مؤخراً يحكي بعض عجائب اليوتيوب. عموماً، كانت هذه مجرد ملاحظة ووضع لعلامة تعجب.

متابعة القراءة …

كورونا … آية من آيات الله

لدي من الأبناء ثلاثة، أصغرهم هو أفضلهم مناعة وأقواهم صحة بحمد الله، لكن قبل سنوات؛ وبعد ولادته بأيام؛ أصيب بالبرد، وزاره السعال الشديد لأيام كثيرة، كانت قلوبنا تتقطع ونحن نشاهده يسعل يومياً وعلى مدار الساعة، ولأنه كان صغيراً جداً فقد صَعُب علينا إعطاؤه أي دواء، فانتظرنا حتى شفاه الله بدون علاج.

سجل هذه المعلومة عندك، فسنعود إليها لاحقاً.

الآن سأحدثكم عن الموضوع الرئيسي الذي حثني على الكتابة، وهو موضوع البشرية الرئيسي اليوم وشغلها الشاغل، هذا الفيروس الحقير في حجمه والخطير في أثره؛ الجندي الذي أرسله الله إلينا كي نتعلم دروساً كثيرة لا حصر لها.

“لا تخرج قبل أن تقول لا إله إلا الله” تذكرون هذه العبارة والتي كانت تُلصق على بعض الصور الغريبة (والمفبركة في كثيرٍ من الأحيان)، ثم تنشر في الفيس ويطلب صاحبها من كل من يشاهد أن يكتب أو يقول كلمة التوحيد قبل أن يخرج، هذا هو حالي بالضبط حين أتابع المواقع الإخبارية هذه الأيام، فلا أخرج من تلك الصفحات إلا بعد أن أقول (لا إله إلا الله) و (آمنت بالله).

بالنسبة لي؛ ما يحدث هذه الأيام هو دليل كافٍ على وجود الله، وقدرة الله، وعظمة الله، هو دليل لكل إنسان كي يؤمن بالإله الواحد، بأنه هو القوي الفعال لما يريد، والمتصرف في الكون، وغيرها من الصفات التي تفرّد بها سبحانه.

بالأمس وأنا أتابع الأخبار، تذكرت الآية الكريمة (وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله)

وأنا هنا أتحدث عن البشرية ككل وليس عن شعب أو دولة بعينها.

هل منعتنا حصوننا (العلمية) اليوم من هذا الجندي البسيط؟ ماذا عن حصوننا (التقنية) والتي سمحت لي اليوم أن أكتب من غرفة منزلي لتقرأ أنت في بقعة أخرى من الكرة الأرضية، الحصون التقنية التي سهلت لنا اكتشاف الأمراض ومكافحتها والتلقيح ضدها، حصوننا (الطبية) التي وصلت إلى مرتبة عظيمة ربما لم تصل إليها البشرية في أي عصر آخر، هذه حصون وتلك حصون ولازال الإنسان يبني الحصون.

أن لا أقول أن لا نبني الحصون، بل واجبٌ علينا الاستمرار في البناء، وإلا فلمَ خلقنا إذاً؟

أنا أقول أن (لا يظن) الإنسان أن تلك الحصون (قد) تمنعه من الله، بل أن (لا تسول له نفسه) أن يظن مثل هذا الظن الشنيع.

طبعاً القلوب بيد الله، وأنا لا أدري ما قد يظنه جاري القريب، فكيف لي أن أعرف ما يجول في خاطر ذلك الإنسان البعيد.

لكنه يبقى درس، تبقى آية من آيات الله، موعظة بليغة للبشرية أن تفيق وتعي وتدرك الأخطار وتتأمل أين تمضي.

آيات الله موجودة لدينا منذ مئات السنين، مسطورة في الكتاب تتلى ليلاً ونهاراً، تتسرب بهدوء إلى قولب المؤمنين، لكن العالم اليوم أصبح صاخباً جدا، وكأن سريان الآيات بهدوء لم يعد يجدي معه، في عصر الدولار واليورو، في عصر الصراخ والعويل (الذي يسمى غناءً في قاموس هذا العصر)، في عصر أصبح الإنسان فيه بعيداً عن مصدر وجوده، عن النور الذي يهدي قلبه، في عصر انتشرت فيه الفواحش الباطنة، تلك التي تصل بالمجان إلى كل من يمتلك خط اتصال، في عصرٍ أصبح الشذوذ الجنسي فيه أمراً مقبولاً ومقنناً (في العالم الغربي).

حين لم تعد الآيات الهادئة تصل للآذان وسط هذا الصخب، أتتنا آية مدوية، قوية لدرجة أن صداها رج الأرض رجاً لم يعرف أبناء هذا الجيل مثله، فوصل صداها إلى كل الدنيا في أيامٍ وأسابيع قليلة، أصبح شغلنا الشاغل، أغلق المدن، وأقفل المطارات، أعلنت البشرية حالة الطوارئ.

ما بالكم يا قوم… إنه مجرد فيروس لا يرى بالعين المجردة، لم نقل بعوضة، لم نقل ذبابة، بل أصغر من ذلك بكثير، وهو لا يقتل نصف من يصيب، إنما فقط 3 أو 4%، أيحدث فيكم هذا المخلوق الصغير هذا الرعب الكبير؟

نعم، يحدثه فينا ويحدث أكثر من ذلك، أتدرون لماذا؟ ليس لأنه قوي (هذا الفيروس) بل لأننا ضعفاء، نعم هذا هو السبب، نحن ضعفاء مهما بنينا من حصون لنواري سوأة ضعفنا، سنبقى ضعفاء، وسيبقى هو -سبحانه- القوي.

أنا لا أتحدث هنا بمنطق (العقوبة) فهذه أمور يعلمها الخالق وليس لنا دخل فيها، فلقد ترك الله أصحاب الأخدود يفعلون ما يريدون وسمح لذلك الجرم الشنيع (إحراق المؤمنين أحياءً) أن يتم في نطاق ملكه وأخّر عقوبتهم إلى يوم القيامة، قد يفعل الله ذلك، وقد يعجل بالعقوبة أيضاً إن أراد، قد يستجيب لدعاء الضعفاء في الحال، وما أدراك أن دعوة من قلب وليٌ من أوليائه ناله الظلم فتوجه إلى الله بقلبه المكلوم ورفع يده لمن لا ترد عنده الأيادي، فلم ينزلهما حتى نزل أمر الله المحتوم، ألسنا نعرف حديث (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب).

طيب فما ذنب الناس الأبرياء، وما ذنب الأطفال والعجزة؟

إن هذه الآية، وغيرها من الآيات، هي من مظاهر رحمة الله سبحانه وتعالى، فحين لم تعد البشرية تستمع لآيات الله الهادئة (المكتوبة)، ظهرت لنا هذه الآية المدوية التي صرخت فينا بأعلى صوتها، حتى نعي وندرك أن سعادتنا في الحياتين لن تكون إلا في كنف الرحمان وفي إطاعة أمره بإذعان.

واعلم أن الله (له في خلقه شئون)، فما يصيب الإنسان من أمر، إلا وله حكمة ومغزى، فهذا يُؤدَب، وذاك يُكَفّر عنه الذنوب، وآخر لكي يصحو، ورابع لكي يتعلم، والله أدرى بخلقه، فما لنا وللخلق، يعذب من يشاء ويرحم من يشاء، إنما علينا الاشتغال بأنفسنا، بأن نتعظ ونتعلم، ونستمر على الصالح من العمل.

وقد يقول قائل؛ فما بال الطفل إن أصابه ابتلاء أو مرض، وهو الذي لم يعرف من الدنيا شيء، أي جرم قد ارتكب كي يعاقبه الله عليه، وأي درس يمكنه أن يتعلمه من مرضٍ أو وجع.

أعود وأقول (لله في خلقه شئون) وهل تقدر أنت أيها المسكين أن تحصي (شئون الله وطرائقه) ألم أخبرك في بداية المقالة عن ابني الذي اشتدت مناعته وقويت صحته، وقد كان ذلك بسبب المرض الذي ألمّ به بعد ولادته، الألم والعذاب الذي تجرعه وتجرعناه نحن معه بقلوبنا، ذلك الألم الذي أدى إلا أن يصبح أفضل إخوانه صحة وأقواهم مناعةً، وهذا بحمد الله وفضله أولاً وأخيراً.

أرأيت …. لقد حمدتُ الله للتو، شكرته على هذه النعمة، هذه النعمة التي كنت أراها قبل سنوات ألماً وعذاباً، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على ضعفي وجهلي، إلى ضعف الإنسان وقلة حيلته، مهما بنى من حصون، مهما ظن أنه قادر، هو الضعيف دائماً وأبداً.

إن علينا أن نتوب، أن نعود، نلجأ بضعفنا إلى قوته، نعود لآياته المسطورة ونتلوها حق التلاوة، وأن نعمل الصالحات ونستمر في البناء والتشييد، على أمل أن نفوز بمحبة الله وروضوانه، فهل يمكن أن يشقى من رضي الله عنه؟ لا، بل يسعد سعادة لا مثيل لها.

رضي الله عنّا وعنكم، وعافانا وإياكم، ولطف بنا وبكم.

صيد الفوائد والروابط – تحديث شهر مارس –

يحصل أن تمر على فيديو شديد التميز، أو مقالة عظيمة الفائدة، أو موقع مليئ بالمنافع، فتبحث عن مكان لتخبئها فيه لحين الحاجة، وتجد في نفسك رغبة لمشاركتها، وإعلام الناس بها، فتنشرها عبر فيسبوك أو تويتر، لكني أردت أن أخصص مكاناً آخر غير تلك الشبكات المزدحمة، قررت أن أخصص هذه الصفحة لأخزن فيها تلك الفوائد والنوادر، لنفسي وللمارين عبر أثير الشبكة العنكبوتية، وسأقوم بتحديثها بين الفينة والأخرى، مضيفاً إليها ما يستحق الإضافة، مما أجده أثناء رحلتي الرقمية، في خضم الحياة العصرية.

20- فيديو قصير معبر جداً بعنوان “افتح لنا يا رب“؛ شاب يطرق باب المسجد ويعتذر لربه ويطلب منه أن يفتح له من جديد (بعد أن أغلقت المساجد بسبب كورونا).

19- تعرفت على قناة “فقه تدبير المعرفة” في تليجرام، وعلى موقع “أثارة” الجديد في الانترنت، وهو موقع ينشر مقالات دسمة، عربية ومترجمة إليها، يستحق المتابعة والمطالعة.

18- تعرفت على قناة الأخ “غازي محمد” في التليجرام وأعجبتني كتاباته وأفكاره، يهتم بالاقتصاد ويثري قناته ومدونتة بمقالات وتعليقات تظهر الحياة المعاصرة بوجهها الآخر.

17- ربع فلمنك: فيديو ساخر فيه حكمة جليلة، أعجبني وأضحكني.

16- وثائقي قصير لأعجوبة دولة موريتانيا، شريان حياة الصحراء: القطار ذو العزم الشديد.

15- الاستحمام في برك الجليد لتقوية المناعة والوقاية من الفيروسات ومن كورونا: تجربة حجاجوفيتش في الغطس في بركة جليدية في القطب المتجمد.

14- فيديو (En) يشرح آلية عمل أقلام الحبر التي يمكن مسح حبرها، والتي تسمى (Pilot Frixion).

13- استعراض مذهل لـ 36 ألف طفل يتعلمون فنون الكونغ فو في مدرسة تعتبر الأضخم عالمياً، وموجودة في الصين.

12- شاهدت فيديو جودته عالية لشوارع خان الخليلي في القاهرة، يصوره سائح أجنبي متخصص في عمل فيديوهات سياحية عبر المشي في الشوار والأسواق بكاميرته دون أي كلام، وهو شخص كريم، فقد أهدى متابعيه كاميرا صغيرة بمناسبة وصوله لـ 100 ألف مشترك.

11- فيديو لتقرير إخباري مفادة أن كوريا الجنوبية تنقرض، الغالبية لا يريدون تحمل مسؤلية الأطفال والكثير من النساء لا يردن الزواج.

10- احتجت لأن أتأكد من عمل المايك فبحثت في النت ووجدت موقع يتيح لك تسجيل صوتك ثم تحميل الملف الصوتي إلى جهازك، ثم عرفت أن مقدموا هذه الخدمة يوفرون خدمات أخرى تتم عبر الانترنت مباشرة، كتقطيع الفيديو وتعديل البي دي إف ودمج ملفات الصوت وغيرها.

9- تعرفت على قناة يوتيوب لشاب مصري اسمه “إسلام شعراوي” مات على توبة، رأيت له فيديو ولمست فيه الصدق والشوق، ثم شاهدت بعض فيديوهاته التي لم تحصل على المشاهدات الكبيرة إلا بعد مماته، يتحدث والده عنه وكذلك أخوه. لقد ترك كلمة طيبة ثم رحل إلى من يحب، فسبحان الله.

8- قناة الشيخ “وجدان العلي” في التليجرام، فيها عذب الكلام، وما يقرب من خواطر إلى الرحمن، تعجبني، هو المسكين ويعلمنا فن التمسكن عبر مرئياته، اشتركت في قناته هذه منذ أسابيع، ولازلت أغترف من عذوبتها وأتزود من وردها يوماً بعد آخر.

7- موقع “عُلّمنا”، وصلت إليه بالصدفة، أعجبني التصميم، وأعجبتني بعض المواضيع، ولقد وقعت على مقالة رائعة بخصوص طريقة الكتابة الجيدة، ومنها تعرفت على شخص أجنبي اسمه “نِفال”.

6- إكتشفت أحد المدونيين والبودكاستيين الأجانب اسمه نِفال (Naval)، وجدت مدونته الأنيقة والتي تحتوي على مقالات بقلمه وصوته (بودكاست) استمعت لأحدها وهو قصير فأعجبتني طريقة تفكيره، وهممت بمتابعته، ثم وصلت لصفحة دسمة بعنوان (كيف تصبح غنياً) تحتوي على مقالة صوتية تزيد مدتها عن ثلاث ساعات، إن شاء الله أعود إليها للاستماع أو القراءة، أعتقد أن فيها الكثير من الفائدة.

5- هذه الصفحة المعنونة بـ “شذرات فكرية” مليئة بالكلمات العذبة والحكم البليغة، ومنها تعرفت على مدونة صاحبها (محمود الحديدي)، صاحب قلم جميل في الكتابة، لكنه متوقف عنها منذ سنوات.

4- صفحة فيسبوكية تنشر كلمات غزلية، ليست مثل تلك الصفحات الركيكة أو السطحية، وإلا لما أدرجتها هنا، بل يميزها تركيزها على بديع البيان وأقوال العرب في الحاضر ومنذ قديم الزمان، عنوان الصفحة (علم الغزل) لديهم منتجات وينشرون مقولات.

3- فيلم قصير من ست دقائق يريك بالعدسات المكبرة كيف تتطور الخلية الواحدة وتنقسم وتتكاثر حتى تصبح “سلمندراً“، والذي هو أحد الكائنات البرمائية، يكفي أن تشاهد الفيديو حتى ينطق قلبك -قبل لسانك- بالتسبيح، فسبحان الله أحسن الخالقين.

2- مبادرة “إحياء البيان” كل فترة يحددون كتاب جديد من روائع الكتب التراثية والأدب العريق، ويحددون جدول للقراءة بمعدل ثابت يومياً، ويتشاركون الاقتباسات والفوائد، أعجبني عرضهم لقصيدة “بانت سعاد” بما فيها من شرح مدمج لغريب الكلام، لديهم قناة تليجرام، وحساب في تيوتر.

1- أعجبتني أنشودة “عرفت الهوى” وعرفت من خلالها فرقة ابن عربي للسماع الصوفي.

خواطر شهر فبراير 2020

من القرارات الجيدة التي عقدتها بداية هذه السنة، هي أن أكتب كل الأفكار والتأملات دون تأجيل، فلقد أدركت أني إن لم أكتبها في حينها، ولو في صيغتها الأولية، فسيصبح من الصعب علي إمساكها بعد ذلك أو تدوينها كما كانت مشرقة ناصعة حين الولادة.

ومن القرارات السيئة؛ أني قررت أن أكتب تلك الخواطر في جدار الفيسبوك، ذلك الجدار سيئ السمعة، من ينمي الرياء في القلب كما تنمو النبتة في فصلٍ ماطر، لذلك فقد قررت أن أكتب هذه الخواطر هنا في المدونة، بعيداً عن الزحمة، أن أكتبها طيلة الشهر حين ورودها في صفحة واحدة ثم أنشرها نهاية كل شهر، وبالتالي ستكون سلسلة شهرية لتدوين الخواطر الفكرية، كل صفحة بها خواطر وتأملات ما جاد به العقل طيلة أيام الشهر.

7- أحلامٌ مؤجلة

ولي أحلامٌ تنتظر حكم التنفيذ، لا هيَّ أعتقتني ولا أنا قادرٌ على التخلي، تتناوبُ عليَّ أطيافها، وتنعش القلب بالتذكير، فأجبر خاطرها بكلمتين؛ سيأتي يوم ولادتك المشهود، وسأعلن عن هذا بفرحة وسرور، سأخبرهم أن ربي كريم، لا يُضيع حلمَ حالمٍ منا، سيأتي يومٌ، سيأتي يوم.

6- التكلف عدو الاستمرارية

وقعتُ على مدونة أحدهم وتصفحت بعض ما كتبه صاحبها فيها، وجدت كلام من أعذب الكلام، وتدوينات رائعة الجمال، لكن صاحبها متوقف عن الكتابة منذ 2015، قد يكون السبب هو انشغاله بالحياة وطلب الرزق فيها، وقد يكون أمرٌ آخر، ثم عدت إلى مدونتي هذه فحدثت نفسي: وأنت يا عمر، متى هو يا ترى موعد هجرك للمدونة؟ حزنت، ثم فكرت وقلت في نفسي: حين تصبح الكتابة أمراً سهلاً وسريعاً، حينها يمكن الاستمرار لأنها لن تعيقني عن الحياة والإنجاز، لذلك فلا يجب أن أتكلف كثيراً أثناء الكتابة، ما أن تردني فكرة أو خاطرة أو فائدة إلا وأكتبها بشكل عفوي، لا يجب علي أبالغ في البناء اللغوي أو في المحتوى المعرفي، كي لا أمل ولا أترك …. إن التكلف عدو الاستمرارية، هوس الإتقان يمنعك من الاستمرار.

5- ثقافة القتل

في الأفلام السينمائية، المخرج هو الذي يتحكم بمشاعرك، فساعة يغدو القتل أمراً هيناً جداً، وساعة يصبح أمراً عظيماً وفعلاً شائناً إلى أبعد الحدود، تشاهد البطل وهو يقفز ويصارع الأعداء فيطرح ثلة عن يمينة، ويقضي على ثلة أخرى عن شماله دون أن يغمض له جفن ولا أن يتوقف أو يتردد أو يفكر، وأنت تمضي معه في رتم الأحداث، وكأن أولئك ليسوا سوى دمىً أو بشر آليين ليس فيهم أرواح ولا من خلفهم قصص وآمال وأسر وأطفال.

ثم في فيلم آخر، حين يريد المخرج أن يحرك مشاعرك ويكسب تعاطفك، تغدو الحركة أبطأ، والأحداث أكثر تفصيلاً، حتى إذا انطلقت تلك الرصاصة الغادرة وأصابت ذلك الشخص الذي يريدك المخرج أن تتعاطف معه، حينها ستتوقف الكاميرا طويلاً عنده، وليست كاميرا بلا كاميرات كل واحدة من زاوية، سيصور لك ألمه ومعاناته، سيأتي رفيقه وينزل دمعتين على خده، حينها سيغدو القتل في نظرك أمراً فادح السوء والوحشية.

لهذا السبب -وأسباب أخرى- لا أحب الأفلام التي توصف بأنها (أكشن)، وللأسف هذه الأفلام خطيرة على المجتمعات وعلى الإنسانية بأكملها، القتل لا يجب أن يصبح ثقافة سائدة وأمراً عادياً، يفترض بنا أن نعالج المشكلة في شاشاتنا أولاً، حتى نتمكن من معالجتها في واقعنا.

4- من يحبون الله

قرأت بعض كلام جلال الدين الرومي، وتأملت بعض أحوال الصوفية، ثم تأملت في المحب حين ينغمس في حب فتاة تأخذ قلبه، كيف يتغير حاله، يعيش معنا بجسده لكن لديه أحوال مختلفة، وقد يقدم على أمور لا يمكن أن نقدم عليها نحن، وقد يوصف بالجنون، بل أنهم وصفوا بذلك أشخاص (مجنون ليلى على سبيل المثال)، وهذا كله عندما يحب الإنسان إنساناً مثله، فكيف بمن يحب الخالق جل وعلى، حباً صادقاً لا ادعاءً، من الطبيعي أن تتغير أحواله، وقد لا نعي ما يمر به من أحوال، وقد لا نصدق أو ننكر عليه، والكثير من المحبين الحقيقيين لديهم أشياء غريبة وخوارق لكن لا يظهرونها للآخرين، فلن يفهم أحد، لن يفهم إلا من ذاق الحب الحقيقي، فهو أمر خارق للعادة، أن يحب الإنسان -بصدق- ربه.

نسأل الله أن يرزقنا حبه، وحب من أحبه، وحب كل عمل يقربنا إلى حبه.

3- وقت خروج الطيبين

وقت خروجهم هو الصباح الباكر، ألقاهم حين أركب قطار المدينة الذي يشقها نصفين، ويقطعها من الأول إلى الآخر، بعد الفجر، ووقت الشروق تسمع هديره يشق جدار الصمت، أركب فيه لأجد الرجال الحقيقيين، من يبكرون إلى أعمالهم ويعيلون أسرهم، وعادة ما يكونوا العمال الكادحين، والموظفين المغمورين.

حين أركب القطار باكراً، أجد صنف خاص من البشر، الصنف الذي تطمئن إلى الحياة بوجودهم فيه، فعلى الوجيه ترتسم ملامح السماحة، البعض منهم يمسك مسبحته ولا يفتأ يفرك حباتها بأصبعه، أخرون يحملقون في شاشة الهاتف وينهلون من معين الحقيقة (القرآن)، وحتى أولئك الذين لا يفعلون شيئا، يكفيهم فخرا أنهم من أصحاب البكور، ينامون مع اختفاء الشمس، ويصحون وقت ظهورها.

أحب أن أركب القطار باكراً، فهذا يعطيني طاقة كبيرة، ويبعث على نفسي السكينة، ويذكرني بأن أستمر في العمل، في السعي، في خوض هذه التجربة الفريدة؛ تجربة الحياة.

2- مجلس غِيبة داخل المسجد

قضيت مساء الأمس مع صديقي، لقيته في المغرب وجلسنا نصف ساعة نتحدث بينما كان المطر ينهمر، خرجنا فاشتهينا المشي على الأرض المبتلة بعدما توقف، وبعد مسافة ليست قصيرة، دخلنا مسجداً آخر لصلاة العشاء، وبعد الصلاة رأى صديقي ورقة مكتوبٌ عليها “لا تنسى نية الاعتكاف في المسجد” فاقترح علي أن نعتكف نصف ساعة في المسجد، نظرت إليه وابتسمت وقلت “ماذا نفعل في هذه النصف ساعة؟ نغتاب كما فعلنا بعد المغرب!”

لقد حدثني في المسجد بعد المغرب عن زوجته، كان يشتكي منها ومن أفعالها، في تلك الأثناء حين كنت أستمع له، لم أكن أدرك أنني كنت أستمع للغيبة، أنني كنت أرتكب إثماً، بل اعتقدت أني كنت أعمل صالحاً، بأني أفتح له قلبي ليبث فيه ما يريد، لكن ما كنت أجهله أن صورة سيئة عن زوجته قد انطبعت في عقلي اللاواعي بسبب ما سمعت منه.

هذه هي خطورة الغيبة بشكل عام، خطورتها في أنها تشكل الصور السلبية للأشخاص في العقل اللاواعي، فيتسرب الكره وبقية المشاعر السلبية إلى القلب ولو بالشيء اليسير دون أن تشعر، أو تقل مشاعر الحب والرأفة والرحمة لذلك الإنسان الذي تمت غيبته أياً كان، والمفروض أن يمتلئ قلب المؤمن بهذه المشاعر لا بتلك، فهي التي يرتقي بها ومعها في مدارج الكمال.

كأن الامتناع عن الغيبة هذا هو هدفه، يريد ربنا أن ترتقي أرواحنا، أن نتخلق -حقيقتاً- بصفاته، ولن يكون ذلك الا بصدق مشاعرنا وأحاسيسنا، والغيبة تقتل ذلك فينا.

إن الغيبة منتشرة جداً فيما حولنا، نتورط فيها كثيراً سواءً قائلين أو سماعين، ويجب على المؤمن أن يشدد الحراسة على لسانه وسمعه، وهذا هو تطبيق عملي لمفهوم “التقوى”.

1- إجري على رزقك إجري

اليوم دخلت المتنزه الكبير بعد أن أوصلت ابنتي إلى المدرسة، كنت ألبس المعطف وأضع الشال على رقبتي لتحميني من برد الشتاء، وحين دخلت وانفتحت روحي أمام المشهد الفاتن، بدأت بالركض، ركضت ولست أرتدي ملابس الجري أو الملابس الرياضية، وبدأت أردد مع نفسي “إجري … إجري على رزقك إجري“!

مع بداية هذا السنة، صرت أكثر تهاوناً في موضوع العمل الذي يدر المال، ذلك المصدر الأهم للدخل والذي أستعين به على مصاريف العيال، تولدت عندي قناعة -رغم معرفتي بذلك- بأن الأسباب هذه التي نقوم بها ليس لها علاقة بالرزق، لأن الرزاق هو الله، وكم من مرة سعيت وسعيت ثم خرجت صفر اليدين، وأحياناً يأتيني رزقي دون حيلة مني، قررت أن أمضي في عملي لكن على هون، وسأتوجه إلى ربي وأخلص له في العبادة.

في الحقيقية؛ هنا يقع منزلق شيطاني، فالرزاق هو الله لاشك في ذلك، لكن الأخذ بالأسباب هو طاعة لله كذلك، وطريقة الأخذ بالأسباب تختلف من شخص لأخر بحسب طموحه، وأنا من الناس الطامحين في ما أعتقد، فلدي أحلام وأهداف وأفكار كثيرة، والله هو من يحقق لنا آمالنا وهو من يوصلنا إلى أحلامنا لا شك، لكن الله يريد منّا أن نجتهد في العمل والطلب، كلٌ بقدر أحلامه.

أنا لا أقول أني تركت الأخذ بالأسباب، لكن همتي في العمل ضعفت، وتكاسلي قد زاد، في حين أن أملي لازال كما هو بأني سأصل يوماً لتلك الأحلام الكبيرة، أعني: الله سيوصلني إليها.

بالطبع سيوصلني الله إليها ولست أنا من يفعل ذلك، بل أني لا أمتلك زمام أهم عضو في جسمي والذي يمدني بشرايين الحياة، لكن بجانب هذا كله، يجب أن أتذكر أن الله قد وضع قوانين ونظام دقيق، نظام قائم على السببية، ويجب علي أن أحترم هذا النظام وأن أمشي في ركبه، طاعة له وليس للأسباب.

أهم شيء هو أن لا يطغى العمل على الخطوط الحمراء التي أضعها لنفسي لحراسة الإيمان، أن لا يسرق العمل من وقت ذكر الله، لأنه كما نعلم وكما قال الله في كتابه (ولذكر الله أكبر)، وذكر الله ليس فقط (سبحانه الله والحمد لله و…الخ) وإنما الصلاة وقراءة القرآن وذكر الله باللسان وبقية الأشياء المعروفة. إذاً يجب علي الاجتهاد في كلا الأمرين، في ذكر الله (الخطة الإيمانية) وفي العمل والأخذ بالأسباب (الخطة المعاشية)، والإيمان سيحمي القلب من التعلق بالأسباب أو النتائج.

المهم أني منذ اليوم -ان شاء الله- سأعود للجري، لن أكتفي بالمشي فقط، سأجري في طلب الرزق وفي إنجاز الأعمال وفي تحقيق التميز، سأخفف ساعات النوم وأستغل كل الوقت وأترك الملهيات ما استطعت إلى ذلك سبيلا (وأهمها الفيسبوك)، وهذا كله بجانب الجدية في ذكر الله، سأستمر في الجري، بجوارحي وقلبي، فنحن في دار العمل، في دار الجري.

ملخص كتاب: أيها الولد، للإمام أبو حامد الغزالي

الكتاب رقم 5 لسنة 2020
كتاب صغير بعنوان “أيها الولد” للإمام “أبي حامد الغزالي” (150 صفحة)

هؤلاء العلماء الأجلاء، والربانيون العظماء، يكفي أن تقرأ لهم بعض النصح والعبارات التي تخرج من قلوبهم المخلصة (كما نحسبهم والله حسيبهم) لتجد أثرها وثمرتها في قلبك وحياتك، وخاصة إن أتبعت العلم العمل، ولقد كنت أريد أن أقرأ لأبي حامد الغزالي منذ زمن، منذ أن عرفت بعض جوانب سيرته العطرة من عدة محاضرات منشورة للدكتور عدنان ابراهيم في اليوتيوب، فعرفت أنه في فترة من فترات حياته ترك كل شيء وذهب مهاجراً إلى الله، يبحث عن قلبه ويرجو معرفة ربه، بعد أن وصل إلى مكانة مرموقة في الحياة وبعد أن أصبح عالماً مشهوراً، لكن كل ذلك لم يغنِ عنه وترك كل حياته خلفه وتوجه ليصبح عابداً في المساجد ودرويشاً في الجوامع، ثم ولد من جديد وعاد إلى الدنيا بضياء قلبه الذي امتلأ بحب الله، فألف وكتب لنا كتباً لازالت شموعاً بارزة في كل عصر.

لقد أردت أن أبدأ قراءاتي لكتب الشيخ بهذا الكتاب الصغير الخفيف، حتى يكون فاتحة خير، وخيط يدخلني إلى روضة مؤلفاته.

ملخص الكتاب

أصل كتاب الإمام الغزالي صغيرٌ جداً، لكن المحقق زاد عليه الكثير في البداية، فالكتاب يقع في 150 صفحة، نصفه الأول عبارة عن ثلاثة فصول زائدة على الكتاب، والنصف الثاني هو محتوى رسالة الإمام نفسها، وهنالك الكثير من الحواشي والتوضيحات على كلام الإمام (وتخريج الاحاديث والآيات) ولو حذفنا كل هذا لأمكن وضع هذه الرسالة في كتيب صغير.

والكتاب في مجمله يمكن أن يوضع في باب (الوعظ والتذكير) فهي نصائح من شيخ مشفق إلى تلميذه، ويمكن أن تعتبر أنها موجهة إليك، حيث لا يمل الشيخ من ترداد (أيها الولد) قبل كل موضوع، كما أن الكتاب يحتوي على الأحاديث والأخبار المرققة للقلب والموقظة لباعث الإيمان في النفس.

الفصل الأول (من تأليف المحقق) يحتوي على تعريف بالغزالي، والفصل الثاني فيه تعريف بهذه الرسالة والمصادر التي تم التزود بها لتحقيقها الرسالة وغيرها من التفاصيل الفنية، أما الفصل الثالث والذي يقع في 40 صفحة فقد خصصه المحقق لـ (آداب المتعلم والعالم) من كلامه وبعض المقتبسات من كلام الغزالي.

ثم يأتي الجزء الأصلي والذي فيه رسالة الإمام الغزالي إلى تلميذه. وهذه الرسالة كما يبدو أنه قد ألفها بعد تأليفه لكتابة الأشهر (إحياء علوم الدين) لأنه ذكره في بعض المواضع.

بدأ نصائحه الجليلة بالتشديد على أهمية الوقت وعدم إضاعته، ثم في قبول النصيحة، فهي سهلة لكن الصعب قبولها، ثم ذكر أمر آخر هو مشكلة عدم العمل بما تعلمت (أو بالنصيحة)، وهذه آفة كثير من الناس.

بعدها دخل في موضوع النية، فسأل تلميذه عن كم الليالي التي سهرها في التعلم، ثم سأله عن الباعث لذلك والقصد والنية، (فإن كانت نيتك نيل عرض الدنيا، وجذب حطامها وتحصيل مناصبها، والمباهاة بين الأقران والأمثال فويل لك ثم ويل لك، وإن كان قصدك …) ثم تكلم عن تطهير موضع نظر الله (القلب).

ثم توجه الشيخ في كلامه إلى مسألة (قيام الليل) وذكر الأحاديث والأخبار والآيات وشدد على الأمر، ثم تحدث عن موافقة الشرع في العمل، والاقتداء بالمعلم الأول (صلى الله عليه وسلم)، ثم تحدث عن أمر مهم:

قال رحمه الله (واعلم أن بعض مسائلك التي سألتني عنها لا يستقيم جوابها بالكتابة والقول، إن تبلغ تلك الحالة عرف ما هي وإلا فعلمها من المستحيلات، لأنها ذوقية، وكل ما يكون ذوقياً، لا يستقيم وصفه بالقول. كحلاوة الحلو ومرارة المر، لا تعرف إلا بالذوق) وهو يشير هنا إلى الحالات الروحية التي يصل إليها أولياء الله والصديقين، والتي لم يصلنا من أخبارها إلى الجزء اليسير، لأنك إن أردت أن تعرفها حقاً فعليك بالتجربة، لن تعرفها بالقول والكلام، وهذا الأمر المكنوف بالأسرار يجعل القلب يشتاق لأن يستكشف وأن يتذوق، وهذا لا يأتي إلا بكثرة الأعمال الصالحة، وإطالة الصلاة في الخلوات، والذكر بالقلب قبل اللسان، وغيرها مما يقرب العبد إلى ربه حقاً وليس تظاهراً.

ثم ذكر ما يجب على السالك، وهي أربعة امور: إعتقاد صحيح لا يكون فيه بدعة، (2) توبة نصوح لا يرجع بعدها إلى الذلة (3) استرضاء الخصوم حتى لا يبقى لأحد عليك حق (4) تحصيل علم الشريعة قدر ما تؤدي به أوامر الله تعالى، ثم من العلوم الآخرة ما يكون به النجاة.

ثم ذكر في مقال طويل ما حكاه (حاتم الأصم) عندما سأله (شقيق البلخي) عن ماذا حصل عبر الثلاث سنوات من مصاحبته له، فأجاب في ثمانٍ نقاط وفوائد، ذكرها بشيء من التفصيل، وملخصها كالتالي: (1) أفضل محبوب هو الذي يدخل معك قبرك ولا يفارقك وقت موتك، وهو العمل الصالح (2) مجاهدة النفس وعدم اتباع الهوى (3) بذل المحصول الدنيوي لوجه الله (4) اختيار التقوى لتكون مصدر العز والكرامة (5) عدم الحسد والرضى بما قسمه الله لك (6) لا تعادي أحد غير الشيطان (7) اليقين أن الرزق بيد الله والاشتغال بالعبادة وقطع الطمع عن ما سواه (8) التوكل على الله والاعتماد عليه.

ثم ذكر أهمية وجود الشيخ المربي في حياة السالك، وماهي مواصفاته، وما يجب على السالك من آداب نحوه، ثم ذكر صفتا الصوفي الحق (تجده تحت في الاقتباس رقم 11) ثم أجاب عن ماهية هذه الأشياء: العبودية (ص131) – التوكل (ص132) – الإخلاص (ص133).

تحدث بعد ذلك بكلام جميل (من ص133 إلى 135) عن الأمور الذوقية (التصوف) وكيف السبيل للوصل إليها.

ثم أورد ثمان نصائح، أربعة أمور يدعهن، وأربعة يتمسك بهن: أن يدع المناظرات إلا في حدود ضيقة جدا ووفق شروط خاصة، وحذر من أن تكون واعظاً إلا بشروط، وعدم مخالطة الأمراء والسلاطين وأن لا تقبل شيئاً من عطاياهم، وأما الأربعو التي ينبغي عليه فعلهن: أن تجعل معاملتك مع الله – حب لأخيك ما تحب لنفسك – أن تصب القراءة والمطالعة في اكتساب علم يفيدك وينجيك، وأخيراً: أن لا تجمع من الدنيا أكثر مما يكفيك لسنة، ثم ختم رسالته بدعاء أعطاه لتلميذه كي يدعو به، وقبل ذلك ذكر هذه العبارة:

أيها الولد: إني كتبت في هذا الفصل ملتمساتك، فينبغي لك أن تعمل بها ولا تنساني فيه من أن تذكرني في صالح دعائك.

اقتباسات جذبتني

1- “إن امرأ ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لجدير أن تطول عليه حسرته”
2- “روي أن الجنيد قدس الله روحه رُئي في المنام بعد موته، فقيل له: ما الخبر يا أبا القاسم؟ قال: طاحت العبارات وفنيت الإشارات، وما نفعنا إلا ركعات ركعناها في جوف الليل”
3-” أيها الولد: لا تكن من الأعمال مفلساً، ولا من الأحوال خالياً، وتيقن أن العلم المجرد لا يأخذ باليد”
4-“أيها الولد: لو قرأت العلم مئة سنة، وجمعت ألف كتاب، لا تكون مستعداً لرحمة الله تعالى إلا بالعمل لقوله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) وقوله تعالى (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً)”
5-” قال الحسن البصري رحمه الله: يقول الله تعالى لعباده يوم القيامة: ادخلوا يا عبادي الجنة برحمتي واقتسموها بقدر أعمالكم”
6-“قال الحسن رحمه الله (طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب) وقال (علامة الحقيقة ترك ملاحظة العمل لا ترك العمل)”
7-“أيها الولد: العلم بلا عملٍ جنون، والعمل بغير علم لا يكون”
8-” قال عليه الصلاة والسلام لرجل من أصحابه: يافلان … لا تكثر النوم بالليل، فإن كثرة النوم بالليل تدع صاحبه فقيراً يوم القيامة”
9-” قال سفيان الثوري: إذا كان أول الليل ينادي منادٍ من تحت العرش: ألا ليقم العابدون، فيقومون ويصلون ما شاء الله، ثم ينادي منادٍ في شطر الليل: ألا ليقم القانتون، فيقومون ويصلون إلى السحر، فإذا كان السحر ينادي مناد: ألا ليقم المستغفرون، فيقومون ويستغفرون، فإذا طلع الفجر ينادي منادٍ: ألا ليقم الغافلون، فيقومون من فروشهم كالموتى نشروا من قبورهم”.
10-“واعلم أن بعض مسائلك التي سألتني عنها لا يستقيم جوابها بالكتابة والقول، إن تبلغ تلك الحالة عرف ما هي وإلا فعلمها من المستحيلات، لأنها ذوقية، وكل ما يكون ذوقياً، لا يستقيم وصفه بالقول. كحلاوة الحلو ومرارة المر، لا تعرف إلا بالذوق”
11-” ثم اعلم أن الصوفي له خصلتان: الاستقامة، والسكون عن الخلق، فمن استقام وأحسن خُلُقه بالناس وعاملهم بالحلم فهو صوفي”
12-” أيها الولد: الباقي من مسائلك بعضها مسطور في مصنفاتي، فاطلبه ثمة، وكتابة بعضها حرام. اعمل أنت بما تعلم، لينكشف لك ما لم تعلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عمل بما علم ورثه الله ما لم يعلم.”

مراجعة سريعة للمجموعة القصصية (وشاية الليلك) للكاتب اليمني الدكتور فارس البيل

الكتاب رقم 4 في 2020
مجموعة قصصية بعنوان (وشاية الليلك) لـ: فارس البيل

لو أردت أن أعبر عن هذه القصص بكلمة او كلمتين، لقلت أنها (دافئة).
لغة الدكتور فارس عذبة رقراقة، أما القصص التي عددها 12 فهي متنوعة، منها ما تدور أحداثه في الريف، ومنها ما هو في الحضر، منها ما ينتهي ببعض الحزن، ومنها ما يدغدغ عواطفك ويستثير ضحكتك، هي قصص تعبر عن بعض الواقع، وتعكس جوانب من الحياة وما فيها من تناقضات.

هنالك من القصص ما يختزل سنوات في أسطر، وقد أعجبتني خفة الانتقال في الأزمنة التي يتبعها الكاتب، حيث يدع للقارئ بعض الفجوات التي من خلالها يستنتج بنفسه أن أشهراً أو سنوات قد مرت، دون أن يطنب أذنيك بعبارات تزيد على النص وتأكل بعض جماله.

يبدع الكاتب في وصف المكان، وينتقل بالقارئ بعقله إلى عالم القصة بما فيها من مشاعر وأحاسيس، يختار كلماته بحرص، وينتقي الألفاظ البلاغية التي تستوقفك مراراً لتتأمل بعض جمالها.

بدأت رحلتي بقصة (وراء البريق)، وأعادتني الكلمات إلى جو الريف العليل وطيبة الناس الأصيلة، ثم حلقت بي القصة وأوصلتني في نهاية المطاف إلى حكمة اختزلها أحد الحكماء اليمنيين بقوله (عز القبيلي بلاده… ولو تجرع وباها).

ثم انتقلت إلى (تحت المطر)، والتي تباطأ الزمن فيها بشدة، فبدلاً من أن تحكي لك القصة ما حدث في فترة، ركزت على مشهد حدث في نصف ساعة، يحكي مصادفة غريبة، لقاء وحوار تفهم من خلاله كيف سارت الأمور وإلى أين آلت، كي تستخلص -في نهاية المطاف- الرسالة التي تعبر عن حال هذا الزمان، وما يحدث من بني الإنسان.

تحاول القصص -في الغالب- عرض مشاكل اجتماعية من الواقع العربي، لكن بأسلوب أدبي يدع للقارئ حرية القرار والحكم، والبعض منها يكتفي بالسرد الجميل لمواقف ومشاهد من الحياة.

في الأسفل بعض الاقتباسات التي تعكس جمال لغة الكتاب، والكاتب.

وشاية الليلك

أهمية الطقوس اليومية

عمر الإنسان يتكون من مراحل، والمرحلة من سنوات، والسنة من أشهر، وكل شهر به عدد محدود من الأيام، أما اليوم فهو الوحدة الأساسية التي يتكون منها عمرك، هي الدورة الكاملة التي تعاد وتعاد وتعاد، مع إشراق يومٍ جديد؛ هنالك دورة أخرى تبدأ بالصباح وتختمها بالمساء، وعليك أن تفعل شيئاً -أو أشياء- في هذه الفترة الضيقة، قد يكون شيء مختلف في كل يوم (ضمن إطار عملك)، لكن هنالك أشياء تعيدها وتكررها كل يوم بنفس الطريقة وفي نفس التوقيت.

الصلوات أمور مشتركة بين جميع المسملين (وحتى من غير المسلمين؛ كلٌ له صلاته وطريقة اتصاله بخالقه)، لكن ورغم توحد شكل وطريقة أداء الصلاة، إلا أن هنالك تفاصيل قد تختلف من شخص لآخر، مثلاً: أماكن تأديتها، ما يأتي قبلها وما يأتي بعدها، هذه أمور قد تختلف من شخص إلى آخر، وكذلك الذِكْر، البعض لديه ورد من الذكر يؤديه في مكانٍ معين، في المسجد بعد المغرب، أو في المنتزه أو قبل النوم، وكذلك قراءة القرآن، ما هي طقوسك في قراءته، بعد الفجر مثلاً، في المسجد أو في حديقة بيتك أو في البلكونة وأنت تحتسي كوب القهوة، وغيرها من التفاصيل التي تختلف من إنسان إلى آخر.

كل ذلك يتعلق بالجانب الروحي (الإيماني) والحياة السعيدة هي التي توازنها بين الثلاثة جوانب: الروحي – العقلي – الجسدي، ويكون فيها لكل جانب جزءٌ معلوم من يومك، وبقية اليوم يكون لتأديه التزاماتك ومهامك في الحياة.

ثم تأتي طقوس تنمية العقل (الجانب المعرفي)، وأهم طريقة هي القراءة، لكن كيفية تأديتها يختلف من شخص لآخر، فكلٌ له طقوسه الخاصة في القراءة وتحصيل المعرفة بشكل عام، فأنا مثلاً لا أستطيع القراءة في البيت عند الأولاد، يجب أن أقرأ في مكان هادئ بعيد عن الملوثات السمعية، ومن أحب الأمور إلى قلبي هي القراءة في المتنزه الكبير وأنا أتمشى وسط الحشائش، البعض يحب القراءة في الضوضاء، والبعض يقرأ قبيل النوم أو في المساء والجميع نيام، وهكذا كل إنسان له طقوسه الخاصة فيما يخص تطوير الجانب المعرفي.

ثم نأتي أخيراً إلى الجسد، وأهم طريقة لتنميته هي الرياضة والجري أو المشي، وكل إنسان له طقوسه الخاصة، فالبعض يمشي كثيراً، يختار المسجد البعيد دون القريب، والبعض متعودٌ أن يعود من العمل مشياً على قدميه، آخرون يحافظون على الجري بانتظام، شخص يجري في الحديقة وآخر في الحارات بشكل دائري على منزله وآخر على البحر، البعض يذهب إلى الصالة الرياضية (الجِم)، وكل شخص له طريقته (طقوسه).

أهم نوع من الثلاثة هو الجانب الروحي، وهو الذي يغفل عنه الكثير للأسف، ويمضون في الحياة دون تغذية لأرواحهم فيصابون بالمشاكل النفسية ويعانون في الحياة ويغيب عنهم طعم السعادة، وكل ذلك كان حله يسير لو أنهم تمسكوا بتلك الطقوس اليومية المتعلقة بالجانب الروحي، وطبعاً نحن -كبشر- لا نحدد كيفية تطوير الجانب الروحي ولا يجب أن تستقي ذلك من أي كتاب أو فكر إنساني، لأن كل البشر عاجزون عن فهم مكنون هذا السر الغامض (الروح) والعليم به هو من خلقه، لذلك فأنت تلتزم بما يقوله لك الخالق عبر كلامه وعبر صحيح سنة نبيه (الذي ارتضاه لنا قدوة وأمرنا باتباعه)، ثم تبني لنفسك طقوساً معينة ضمن الإطار الذي حدده لك الشرع.

فيما يخص الجانب العقل (الجانب المعرفي) فقد يكتفي المرئ بالتعلم في الجامعة أو في الدورات التدريبية التي تعينه على التمكن من تخصصه، وهذا يعتبر نوع من أنواع التغذية العقلية، لكن يفضل عدم الاكتفاء بالتخصص فقط، أن تقرأ ولو حتى نصف ساعة يومياً في مجالات مختلفة ومتنوعة، كي تصبح القراءة جزء من طقوسك اليومية.

أما الرياضة والحركة (تغذية الجسد) فهي مهمة ويغفل عنها أكثر الناس، والناس لديهم أعذار كثيرة، أهمها ضيق الوقت، ولو رأيت حياتهم لوجدت أن هنالك ساعة على الأقل أو ساعات تضيع منهم كل يوم، ما بين تصفح غير موجه للانترنت وبين نوم أكثر من اللازم أو مسامرات وأحاديث ليس لها داعي وجلوس في القهوات أو مقائل القات، بينما يمكن أن تدمج طقوس الرياضة مع فعاليات يومك، يمكن أن تذهب لعملك باكراً لكن ماشياً لا راكباً، يمكن أن تصلي في المسجد البعيد في أحد الصلوات أو تعود منه جرياً، وبالتالي أنت تدمج طقوس الروح مع طقوس الجسد، تضرب عصفورين بحجر.

يمكنني أن أشارك معك بعض طقوسي اليومية، لكن لا يمكن أن أمليها عليك وأطلب منك تنفيذها في حياتك، فكل إنسان مختلف، ولكل إنسان ظروفه المختلفة، وهذه الطقوس لا تتشكل بين ليلية وضحاها، كما أنها لا تدوم إلى الأبد، لكنك تطورها مع الأيام، حتى تصل إلى الطريقة الأمثل والأفضل، وتستمر على التعديل عليها والتحسين كي تستمر في الترقي والتقدم، والأهم دائماً هو المحافظة عليها، ليست العبرة في الحسن والجودة يل في الاستمرارية.

الهدف من هذا كله هو أن تعيش في توازن، في سعادة، أن تتطور روحك وتتوسع معارفك، وبالتالي تتوسع مدارك فهمك ورؤيتك للحياة، أنت بهذا تترقى في مدارج الكمال (التي ليس لها نهاية) وتتحول من مخلوق من طين إلى روح تهيم في عليين، وتفوز يوم توزع الجوائز يوم الدين.

الإنسان وكورونا والسينما الغربية

هنالك العشرات، وربما المئات مما يسمى بأفلام الخيال العلمي والرعب وغيرها من الأفلام التي يبدع فيها الإنسان بتخيل أفضع الأمور وأشد المصائب التي يمكن -ولا يمكن- أن تحدث للبشرية.

عشرات الأفلام التخيلية التي تحكي تفشي الفيروسات وموت الناس (هذا مثال)، بل أسوأ من ذلك، أن يتحول الإنسان إلى (زومبي) يقتل بعضه بعضا، تُصدّر تلك الافلام ويستمر إنتاجها سنة بعد أخرى وتصرف فيها الملايين وتُسخّر لأجلها الجهود البشرية والتقنية لتصوير تلك الفضائع بأقوى المؤثرات البصرية كي تخرج واقعية إلى أبعد الحدود.

في حياتنا اليومية، إذا تحدث أحدنا بالسوء قلنا له أصمت لا تقل، إذا حلم أحدنا حلما سيئاً أصبح كاتماً له لم يحدث به أحدا كي لا تلتقطه يد الأقدار، نحن الذين نردد مقولة (لابن آدم ثلث ما نطق) فنقدم الكلام الطيب على السيء، ونتحدث بالخير دون الشر، ونتفائل ونكره من يتشاءم.

أنمتنع عن هذه الأمور في الكلام، ثم نطبقها بالصوت والصورة، في الأفلام؟

هاهو ما تنبأتم به طيلة العقود الماضية، فيروس صغير أحدث رعبا في العالم لا يوازي ربع رعب أفلامكم، ها هو الفأل السيء يتحقق في أبسط صُوره، ألم تنفقوا مئات الملايين في إنتاج هذا الشؤم عبر شاشات السينما وعبر أقراص  الترفيه المنزلي، ألم يشارك في حفلات الرعب تلك ملايين البشر حول العالم، لا أدري كيف أصبح هذا نوعا من “الترفيه”، أيعقل أن نشاهد الناس وهم يموتون ويتعذبون -وإن كان تمثيلاً- ثم نسمي هذا فناً، أما أنا فأسميه مسخاً للذوق وطمساً للإحساس.

الفن رسالة، والخيال وسيلة، والقصص التي تكتب بحرفية وحبكة ذكية؛ يفترض بها أن تساهم في تنمية الإنسان، وفي تشكيل الواقع المأول، ولو في الأذهان.

وأخيرا، وكما قال “تولستوي” في إحدى قصصه “بمَ يعيش الناس، فأتاه الرد: بالرحمة”، فالرحمة هي الباقية، بها نعيش وعليها نؤمل، رحمته سبحانه بنا ورحمتنا فيما بيننا، فهو الرحيم اللطيف الحليم، وسبحانه.

نسأله اللطف والسلامة، والعفو والعافية، لنا ولجميع خلقه.