خواطر شهر مارس 2020

أتنفس الحروف والكلمات، فساعة أشهق وساعة أزفر، أعيش على شراب الحبر، فساعة أرشف وساعة أعصر، أستنشق الأفكار والتجارب والرؤى، فتمتزج أفكارهم بخواطري، وتجاربهم بحكاياتي، وبديع كلامهم بعبير كلماتي، أقرأ ثم أقرأ ثم أقرأ، حتى لا أجد إلا أن … أكتب.

أكتب لاتنفس
أتنفس … لأكتب.

13- ما بين الفعل ورد الفعل

بسبب العزلة الذاتية وبقائي في المنزل مع الأولاد (بسبب جائحة كورونا)، صحوت اليوم وبدأت في ممارسة حياتي، ثم صحى الأولاد، ولأني كنت عندهم في المنزل، فقد كانت الطلبات تنهال علي، ذلك يريد أن ألعب معه، والآخر أن أصنع له طائرة ورقية، ثم طلبت مني بنتي الكرتون الصغير الفارغ الذي رأته في دولابي، وحين رءاها أخيها الأصغر أتى إلي وبدأ بالبكاء يريد كرتوناً آخر مثلها، ثم انشغلت بالبحث عن بديل ….الخ

وهكذا يمكن أن يستنفذ وقتي بالكامل في (الاستجابة لمطالب الآخرين)، أي أن تكون أفعالي هي عبارة عن (ردات أفعال) أو (استجابة خارجية) بدلاً أن تكون نابعة من الداخل من صميم أهدافي في الحياة، طبعاً أنا لا أقول أن لا نلعب مع أولادنا أو نقضي معهم بعض الوقت كل يوم، بل أنا ممن يهتم بقضاء بعض الوقت مع الأولاد ودخول عالمهم واللعب معهم، لكني أستدل هنا بهذا الموقف لما هو أكبر.

يقال (إذا لم تقم بتصميم خطة لحياتك، فمن المحتمل أنك جزء من خطة أحدٍ ما) وهذا صحيح إلى حد بعيد، فمن لديه فراغ في حياته فسيقوم الآخرون بملئه سواءً أراد أم لم يرد، لكني أريد أن أذهب لأبعد من هذه النقطة …

حتى عندما أكون وحدي في مكتبي بعيد عن الأولاد وعن أي مؤثر خارجي، أنا للأسف أستجيب للمطالب وأضيع جزء من وقتي فيها، لكن أية مطالب يا ترى ؟؟ مطالب النفس، حين أشاهد فيديو عشوائي في اليوتيوب أو أتصفح أقوال الناس في الفيسبوك أو أتجول بدون هدف في الانترنت، تلك هي مطالب النفس التي لا تفتأ تطلب وتطلب وتطلب، وأنت أمامها إما أن تكون جاداً وتنهاها ثم تؤدي الواجب عليك تأديته، أو تستجيب لمطالبها، مثلما تستجيب لمطالب أطفالك، بل أسوأ من ذلك، فعلى الأقل هنالك فائدة تربوية لأطفالك حين تستجيب لبعض مطالبهم، لكن هنا فأنت خسران خسران.

12- الإيمان تجربة روحية

ونحن نتحدث عن الدعاء أنا وأبنائي، أدلى كبيرهم بمداخلة وقال لأخته الأصغر منه “أنه في مرة من المرات شرب ماء زمزم ثم دعى الله أن يعطيه لعبة عبارة عن سيارة ذات جهاز تحكم عن بعد (ريموت) وبعد أسبوعين حصل عليها”. انتهى كلامه، ولم أسأله عن التفاصيل، متى وأين وكيف كان ذلك، لم أسأله أياً من ذلك، لأن المهم أن هذه البذرة قد نبتت في قلبه، بذرة الدعاء والإجابة، أول خيط صغير من روضة معرفة الله، أعلم أن الطريق أمامه طويل، لكني أحمد الله أنه قد أمسك بأول الخيط وهو في هذا السن.

إن أكبر وسيلة لتحصين أبناءنا وتقوية عقيدتهم هي أن نسهل عليهم أن يحصلوا على تلك التجاربة الروحية (الإيمانية) ولأنها “تجارب” فأنت غير قادر أن تلقحها إلى طفلك عبر الكلام، بل يجب عليه أن يخوضها بنفسه (أن يجربها) أما دورك (كأب أو أم) فهو أن تحكي له عن تجاربك الإيمانية، أن توضح له الطرق والسبل التي تسهل عليه المضي: فيعرف رحمة الله وقدرة الله وسمع الله لكل من دعاه، ويعرف ضعف الإنسان وحاجته للرحمن وغيرها من المعاني، لكن كل تلك المعرفة لا تعطيه تجربة، بل تسهل عليه الحصول على التجارب في الوقت المناسب حين يريد الله ذلك.

نحن لا نهدي أولادنا، الهادي هو الله، بل نؤدي الواجب علينا، نفتح لهم الأبواب ليسلكوا هم الطريق، لا يمكننا أن نحملهم نحن على ظهورنا ونمضي بهم في الطريق، لن يكون لهم بذلك تجربة خاصة بهم، تجربة إيمانية تحميهم من موجات الضلال التي ستتلقاها عقولهم حين يكبرون، وخاصة في هذا العصر المنفتح على كل شيء.

11- ثم تمضي إليه

عرفت شخصاً قبل سنوات، أتى إلى مصر ليسلك طريق النجاح وفتح شركة وتحقيق حلمه، أمضى الأشهر والسنوات وهو يكافح كي يستقيم أمرها لكن وكأنه يحرث على الماء، إلى أن أتى اليوم الذي قرر فيه أن يترك كل شيء ويعود لعمله السابق، والذي كان خطيباً في أحد المساجد في دولة أوروبية، فتخصصه الأصلي متعلق بالشريعة، لكنه أحب أن ينجز شيء، والآن وقد مرت على مغادرته عدة سنوات، أتتبع بعض أخباره وأعتقد أنه سعيد في حياته.

من تدابير الله ولطفه لبعض خلقه، أن يسد عليهم الأبواب، يخسرون هنا وهناك ثم حين يتعبون من كثرة السعي واللهث بعد الدنيا، يزهدون حينها في الدنيا ويبغون إلى ربهم سبيلا، فهو من حبه لهم يسد عليهم الأبواب، كي يتوجهوا إلى من أوجد الأبواب، إلى النور المطلق والحبيب الأول، وأي مطلب هو أعز من طلب وجه الأعز الأكرم.

بينما نجد أن الله قد يفتح لأناس في الدنيا، فينجحون ويكسبون ويصلون إلى مراكز مرموقة، ثم حين يكتشفون حقيقة الدنيا الخداعة ومتاعها الزائل، يغيرون وجهتهم ثم يسلكوا الطريق إليه سبحانه، وهذا ما حدث مع الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز.

وهكذا، كل إنسان له حال، وكل إنسان له ما يناسبه، والله يعلم كيف يجلبك إليه عاجلاً أم آجلاً، فقط عليك بالاستجابة حين تصلك الإشارة.

10- استعن بالصلاة، واستعن عليها بالصوم

الصلاة هي عماد الدين، هي التي تعينك على أن تكون الإنسان الذي تريد والذي تحب، هي التي تقوي صلبك وتشد من أزرك، لذلك يجب على كل فرد فينا أن يهتم كثيراً لصلاته، ويحاسب نفسه دائماً عليها، أن يعقد الاتفاقات مع النفس ويجري الحوارات معها، حتى تستقيم على أمر الصلاة، على إقامة الصلاة وليس مجرد أداءها بدون روح، أن تكون من المبكرين إلى المساجد، ومن الخاشعين، ومن الذاكرين بعد وقبل.

لكن الزمن صعب، والملهيات والمشتتات كثيرة وكبيرة، نعرف أن الصلاة عونٌ لنا، لكن يا ترى من يعيننا عليها أو على أنفسنا لإقامتها كما يجب، سأقول لك بكلمة واحدة –> الصوم، نعم إنه الصوم، جرب بنفسك دون أن أخبرك، صُم يوماً لله، سوف تجد أن نفسك أصبحت خفيفة ونشيطة للذهاب إلى المسجد ونشيطة لترك الذنوب وفعل الخيرات.

9- أن أصبح خفيفا، حياً وميتاً

مررت بمسجد وصليت فيه الظهر، ثم قدموا جنازتين وصلينا عليهما، احداهم كان رجلا نحيلا (ربما أنحل مني) فكان خفيفا سهلا في الحمل والتحرك، لم يكلفهم الكثير من الجهد.

انا بحمد الله نحيف الجسم نوعا ما (لكني صحيح)، وكم أتمنى أن أستمر خفيفا في جسدي، وخفيفا في طبعي كذلك، لا أثقل على أحد ولا أحرج أحداً، حتى إن علا شأني وتعددت مسؤلياتي، أستمر خفيفاً سهلاً قريب، أيضا عندما أكبر ويشيخ جسمي، أن تستمر خفتي المادية والمعنوية، فلا أكون مصدر إزعاج حتى إلى أشد الناس قرباً مني، أرجو من الله أن لا تخور قواي حتى لا أصبح كلاً على أحد، أحمل نفسي طيلة حياتي، والمرة الوحيدة التي أحمل فيها؛ هي عند المضي بي إلى قبري، أو ربما بدون هذه كذلك.

8- يوشك العالم أن ينقسم إلى نصفين؛ من يشاركون، ومن يشاهدون

وقعت اليوم على قناة يوتيوبية أجنبية لعائلة تشارك حياتها عبر اليوتيوب وتقتات من ورائها، لديهم 8 أطفال، لكن ليس هذا هو أغرب شيء، بل أن نصف أولئك الأطفال (الأكبر سناً) لديهم كذلك قنواتهم الخاصة بهم، وكلٌ على ليلاه يغني، كل واحد فيهم منشغل بعمل الفيديوهات، مقالب ويوميات وتحديات والكثير الكثير من إضاعة الأوقات.

ضحكت في نفسي وقلت، يوشك العالم أن ينقسم إلى نصفين؛ من يشاركون تفاصيل حياتهم عبر الانترنت، ومن يشاهدون تلك الحيوات، أصبح العالم غريباً جداً ويزداد غرابة، لا أدري إلى أين سنصل، لكن كل ما أعرفه أن الأمر غير مبشر، كل ما أعرفه أن لا أحد مستفيد من هذه العملية، لا من يشارك ولا من يشاهد، فأولئك وإن كسبوا بعض الدولارات، هم يفقدون ما هو أهم من المال؛ حياتهم وخصوصيتهم وراحة بالهم، أما المتفرجون فهم يفقدون أهم ما يمتلكون بعد صحتهم؛ وقتهم، ولعلي أشير هنا إلى فيديو نشرته مؤخراً يحكي بعض عجائب اليوتيوب. عموماً، كانت هذه مجرد ملاحظة ووضع لعلامة تعجب.

متابعة القراءة …