قصة الفتاة والقطة السوداء

كتبت هذه القصة مع ابنتي بعد موقف حصل لها، حين مازحتها أثناء دخولنا إلى المنزل في المساء، حيث انشغلت بملاعبة قطة سوداء فقمت -متعمدا- بغلق باب العمارة فخافت وهرعت تطرقه، ففتحت وتبسمت لكنها عبست واكفهر وجهها، وحين دخلنا الشقة، قلت لها أن مواقف الحياة هذه، الحزينة منها خاصة، هي ما يثير خيال المبدعين ويحفزهم على الإبداع، واقترحت عليها أن نكتب هذه القصة التي تنطلق من هذا الموقف، فقد سمحنا لخيالنا أن ينطلق، ماذا لو نسيت ابنتي في الشارع وبقيت بقرب القطة؟

ذات مساء، وبينما كان الأب عائداً مع طفليه الصغيرين من السوق، وعند بوابة العمارة، وبعد أن دخل الأب مع ابنه الصغير، كانت الفتاة لا تزال في الخارج قد شغلتها قطة سوداء رأتها بجانب العمارة، تقدمت إليها وقربت يدها منها فاقتربت القطة مستأنسة بها، وأثناء انشغالها أغلق الأب بوابة العمارة دون أن يشعر أن ابنته لاتزال في الخارج، وانشغل مع بعض سكان العمارة، أما الفتاة فقد التفتت إلى البوابة وحاولت الدخول فوجدته قد أغلق في وجهها، حاولت أن تطرق الباب بهدوء لكن لم يسمعها أحد، وحين طرقته بقوة كان الأب قد صعد في المصعد مع الآخرين.

وحينها أصيبت الفتاة بالذعر، وخافت لأن الوقتك قد تأخر، وارتسمت على وجهها ملامح البكاء، وقبل أن تذرف دمعتها الأولى، كانت القطة قد اقتربت منها وبدأت بالمواء بطريقة غريبة، وكأنها تريد أن تطمئنها، أو تخبرها بشيء لم تفهمه الفتاة، فانشغلت الفتاة قليلاً بصوت القطة الغريب، ثم انشغلت بقربها منها وملامستها لها، لكنها عادت لتطرق الباب على أمل أن يسمعها أحد، وقد بدأت الأفكار تراودها والشكوك تفتك بها، وتساءلت: هل أبي لا يحبني، لماذا تركني ورحل، أيعقل انه لم يسمعني، ثم سقطت أول دمعة فلامست الأرض، وحينها اقتربت القطة من تلك الدمعة الوحيدة وبدأت تتشممها، ثم رفعت رأسها إلى الفتاة واستمرت في المواء.

كان تصرف القطة غريباً، هل يمكن أنها أحست بالفتاة؟ لا ندري على وجه التحديد، فبعد أن سقطت تلك الدمعة من عين الفتاة، انطلقت القطة إلى العمارة المقابلة، وكان فيها شرفة قريبة من الشارع، قفزت إليها ثم توجهت ناحية الفتاة وعادت للمواء بصوت مرتفع، هذه المرة كانت القطة تحاول أن تقول شيء للفتاة، وكأنها تريدها أن تأتي إليها، فقد عادت القطة إلى الفتاة ثم رجعت إلى الشرفة أكثر من مرة، فأخذ الفضول الفتاة لمعرفة ما يوجد في تلك الشرفة، فذهبت إليها، وإذا بها تجده منزلاً متواضعاً للقطة، فهي تبيت فيه وتأكل وتشرب، وبعد عدة محاولات قامت بها القطة، اقتنعت الفتاة أن تقفز إلى تلك الشرفة الصغيرة، وبدأت القطة تتقرب من الفتاة وتواسيها، فهدأت الفتاة وعادة البسمة إلى وجهها.

قالت الفتاة: يبدو أنكِ أيتها القطة من يحبني بصدق، لقد تركوني وذهبوا، وأنت فقط من بقي معي، فأجابتته القطة بالمواء، فتمنت الفتاة لو أنها تفهم لغة القطط، ثم نامت الفتاة والقطة في حجرها.

كانت ليلة قمرية جميلة، أحاطت الملائكة بالفتاة وحرستها، وقبل أن تشرق الشمس من جديد، كانت الملائكة قد أعطت الفتاة هدية لم تكن تتوقعها.

حين قامت الفتاة في الصباح، وتذكرت أنها نامت في هذه الشرفة بعيداً عن أسرتها، غمر الحزن قلبها، ثم التفت إلى القطة ومسحت رأسها بيدها، وحينها ماءت القطة وكانت المفاجأة، لقد فهمت الفتاة كلام القطة، بل أنها تمكنت من الرد بنفس الطريقة، أي أن الفتاة قد اكتسبت لغة القطط، ففرحت الفتاة فرحاً شديداً، وبدأت في التحدث مع القطة بلغة المواء، وعرفت من القطة قصتها وماضيها، ولماذا هي وحيدة، وأخبرتها بقصتها هي كذلك، ومر الوقت سريعاً وكان الجو بديعاً.

كان الأب المسكين، قد خرج بعد أن نامت الفتاة باحثاً عنها، وأبلغ الشرطة بفقدها، ثم خرج كذلك في الصباح الباكر يبحث عنها، وعند عودته، رأته الفتاة من الشرفة، فقالت له (أبي أبي) لكن الصوت خرج منها بصوت (ميو ميو) فأدركت أنها حدثته بلغة القطط، ثم أعادت كلمتها وقالت (أبي أبي) لكن بلغة الإنسان، فالتفت إليها أبوها وانطلق مسرعاً واحتضنها والسعادة قد غمرت قلبه.

قررت الفتاة أن تأخذ القطة معها إلى المنزل، وعاشت القطة مع الفتاة التي أصبحت صديقتها المقربة، كيف ولا وقد أصبحت تفهم حديثها وتتحدث معها كل يوم، أما الفتاة فقد عاشت عمراً طويلاً، وكانت الوسيط بين بني الإنسان ومجتمع القطط، تفهم أحاديثهم وتشاركهم أحداثهم.