مراجعة فيلم: الصبي الذي سخَّرَ الرياح

هو فيلم مبني على قصة حقيقية، لكنها ليست كالقصص الأخرى، لم تحدث في شوارع لندن أو في شواطئ كلفورنيا، لم تَدُر أحداثها في المنازل الفارهة ومع أشخاص لا يمكنهم الاستغناء عن الهاتف والانترنت، إنها قصة حدثت في إحدى القرى الإفريقية، بين أناس يعتبرون الماء هو الشيء الأساسي الذي به تقوم الحياة، وينظرون إلى الكهرباء كنوع من أنواع الترف الذي يحلمون به، ويتمنونه.

هو فيلم يشعرك بحجم النعم المحيطة بك، بحجم المعناة التي تحيط بأناس غيرك يعيشون في بقعة أخرى من هذا الكوكب، كما أنه فيلم يرسل رسائل إيجابية عديدة، يعطيك طاقة للعمل واستغلال ما بين يديك من فرص لصنع شيء، أو حل مشكلة، أو تحقيق حلم.

لنقل أنه دورة عملية لتعلم (المثابرة) أو كيف تتحقق (الأحلام).

فلم نظيف ليس به ما يخدش الحياء (تقريباً)، وهذا أمر طبيعي لمن لديه رسالة يود أن يشاركها مع العالم، فيرغب أن تصل صافية لمن تصل إليه، وهو يهدف بذلك أن تصل للصغار قبل الكبار، كي يتعلموا بعض الصفات التي تساعدهم لمواجهة الحياة بما فيها من أعباء.

المخرج هنا هو أحد أبطال الفيلم، وهو كذلك كاتب السيناريو، إسمه (تشوتل إيجوفور)، أما الفيلم فيسمى (The Boy Who Harnessed the Wind) أو بالعربي (الصبي الذي سخَّرَ الرياح)، يحكي قصة (وليام كامكوامبا) الذي تمكن من توليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية.

هنالك لقاء قديم مع الشاب الصغير بعد عدة سنوات من هذه الاختراع الذي قام به، نُشِر عبر منصة TED، لقد كانت قصة ملهمة حققت له بعض الشهرة آنذاك، ولم يكن سبب الشهرة حجم الاختراع وقوة الإنجاز، فهو شيء بسيط تافه مقارنة بما هو موجود اليوم من إنجازات تكنولوجية، لكن الفرق أن هذا الاختراع قد ولد في قرية فقيرة ليس فيها أدنى مقومات الحياة العصرية، وقام به طفل بعمر خمسة عشر عاماً، قام به في بيئة ليس فيها كهرباء أو انترنت، لم يكن هنالك مصادر للمعرفة غير مكتبة صغيرة كان من الصعب دخوله إليها، ولم تخصص له ميزانية ضخمة لتمويل مشروعه، بل أنه لم يجد الوقت الكافي لتحقيق حلمه بسبب أعباء الحياة القاسية.

تميز الفيلم في جميع الجوانب تقريباً، فالقصة ملهمة، والإخراج مميز، والتمثيل قوي وصادق (الكاتب والمخرج تولى تأدية أحد الأدوار الرئيسية في الفلم)، وبذلك يكون قد نجح في الجميع بين الهدفين، أن يقدم رسالة إيجابية مؤثرة، وأن يصنع قطعة فنية راقية.

يمكن أن نكتب صفحات عديدة حول الرسائل الإيجابية التي ينطوي عليها هذا الفلم، منها:

  • هذا الفلم هو مثال واضح وتطبيق صارخ لمقولة (الحاجة هي أم الاختراع).
  • لا يأس مع الحياة، لا يأس وهنالك عقل يفكر، لا يأس وهنالك يدان تعملان فتحولان الأفكار إلى منتجات وآلات، وقبل هذا كله: لا يأس وهنالك ربٌ يدبر.
  • يمكنك أن تصنع الكثير بما لديك من إمكانيات قليلة، ومصادر شحيحة.
  • هذه القدرة على الوصول للمعلومة ليست أمراً يستهان به، هنالك أقوام ليس لديهم انترنت ويصعب عليهم الحصول على كتاب يُقرأ أو محاضرة تُسمع.
  • أهمية تشجيع ودعم الأطفال الصغار وعدم تقييد عقولهم حين تفكر، أو أيديهم حين تبدع.
  • ويبقى الماء هو أساس الحياة، والزراعة هي أساس الحضارة.

أما الرسالة الأخيرة التي خرجت بها شخصياً من هذا الفلم، هو أن الفن يمكن أن يكون وسيلة عظيمة للبناء والنماء، وأن السينما هي أداة مهمة لغرس الأفكار الإيجابية، والقيم الأخلاقية.

أخيراً: هذا الفيلم نصفع به أفلام (مارفل) وغيرها من غثاء السينما التي تُكرَّس لأجلها الأموال الطائلة والجهود الضخمة، وفي النهاية لا تكاد تجد قصة محبوكة، أو أداءً مؤثراً، ليس سوى بهرجة الألوان، وزيف المؤثرات، فالربح بالنسبة لهم هو الهدف الأول والأخير.