شعر برغبة قوية بالكتابة، الكتابة جعلته يشعر بالتحسن، بدنيًا ونفسيًا، كان يستعد للرحيل، لكن الكتابة أعادت له رمق الحياة الأخير، إنه أسامة الدناصوري في كتابه هذا الذي وثق فيه سيرة حياته، مقتطفات من أيامه وبعض أفكاره، بلغته السهلة المريحة، وقفشاته التي تعكس روحه الجميلة، لقد بدأ بالكتابة في أبريل 2006، وانتهى منه في آخر العام، ثم توفاه الله في الشهر التالي، لقد أمده الله بضعة أشهر حتى ينهي كلماته الأخيرة، ويحول حياته التي علم بها المقربون فقط، إلى كلمات يقرأها الأبعدون أيضًا، فيأخذ كل قارئ منها ما يأخذ، أما أنا فإني قد أخذت العبرة ودلوًا كبيرًا من شعور الامتنان.
متابعة قراءة مراجعة كتاب/ كلبي الهرم كلبي الحبيبآه منك أيه الإنسان
حصل على الدكتوراة ثم ما بعد الدكتوارة، لم يصل للـ(د) فحسب، بل لما بعد الـ(د)، وكان عقله مليئ بالأفكار والمشاريع والآمال و…الخ، ثم حدث الذي حدث!
حدث بأن كان ذات يوم، وهو يمشي في الطريق آمنًا مطمئنًا، حاملًا ألقابه الثقيلة فوق ظهره وآماله العريضة أمام عينه، إذ برجله تثقل عن الحركة، ثم تتمادى أكثر وتلحقها أختها، يوم بعد يوم، أسبوع بعد أسبوع، حتى أصبح قعيدًا لا يستطيع المشي.
المشي !!
أنا البروفيسور فلان بن فلان، أنا الذي للتو بدأت حياتي، أنا لا أستطيع المشي !
متابعة قراءة آه منك أيه الإنسانفُلَّتي العزيزة
أعرفكم على فُلّه، أو كما أناديها داخل المنزل (فلّتي)، كنت في الأيام السابقة حين أدخل المنزل أبادر بالسؤال وأقول (كيف حال فلتي اليوم) فلا أتلقى سوى نظرات التعجب والسخرية، ربما بالغت في الأمر، لكن الأمر قد تطور إلى علاقة حب ومشاعر فياضة.
أتيت بها قبل شهر إلى المنزل، لقد سحرني جمالها ووقعت في حبها من أول نظرة، دخلت المشتل أبغي نبتتة ظلية، لأن الشمس لا تدخل إلى الشرفة إلا قليلاً، فأشار علي البائع بأن ألج إلى الداخل، لكني وقفت أمام نباتات الفل وقد أسرني جمال المنظر، الكثير منها يتراص بجانب بعض، وقد تزينت بزهور الفل الأبيض الفواح، كل نبتة تعرض أجمل ما لديها، تتسابق لتفوز بفرصة الحب الأول، حب من أول نظرة، حينها قررت أن أشتري واحدة، قال لي البائع أن هذه النباتات تحتاج إلى الشمس ست ساعات في اليوم، وأنا لا أملك ذلك، لكني عزمت أن أتحايل على أشعة الشمس، عزمت على أن أقتني نبتة فل، والتي أصبحت (فلّتي العزيزة).
متابعة قراءة فُلَّتي العزيزةساعة من نهار أعادت للحياة ألوانها
ثم تأتي ساعة من نهار، تقلب حياتك وتغير واقعك، تعيدك لرشدك وصوابك، تُهدِّأ من أعصابك وتطمئن قلبك، تخفف من قلقك وتحسّن من طباعك، إنها ساعة تزيل عنك غشاوة أضنتك وتعيد لك بصيرة القلب المفقودة، ساعة تحتاجها كما يحتاج الغارق لطوق نجاة، أو هالكُ الصحراءِ لشربة ماء.
اسمعوا له يحكي عن حاله، قال:
متابعة قراءة ساعة من نهار أعادت للحياة ألوانهاالشكر هو السر
الشكر هو المفتاح
الشكر هو السر،
سر السعادة
سر البركة والزيادة
سر العبادة بحب ومتعة
سر الخجل الدائم الذي يدفعك للخضوع للعلي العالِم
الشكر سر الحب الذي هو أسمى حب.
الحب الذي ينفي عن حياتك الضيق والضجر
يحمي قلبك من رياح الإكتئاب وتقلبات القدر
الحب الذي يعطيك الأمل الدائم، أن هنالك موعد قادم، فوق الزمان والمكان، لقاء مع الذي منح الحياة جمالها، وأودع فيها أسرارها، مع الذي يبهر بالعطايا، ويداوي بالرزايا، مع الرحمن الذي بفيض رحمته نتراحم، ومن فيض جوده نحب ونوِد.
لا تعول على الدنيا
هذا الدرس يتكرر بأكثر من شكل، وخلاصته: لا أمان للدنيا، تعطيك وهي تأخذ منك، تستدرجك كي توقِع بك، فحين تظن أنك قد امتلكت زمامها، وابتسم لك الحظ في أحضانها، تسلبك فجأة كل أملاكك.
.
تذكرت اليوم الكاتب محمد أبو الغيط رحمه الله (الذي هجم عليه السرطان في قمة نجاحه المهني)، وتذكرت غيره من الأقرباء والأصدقاء، فحين بدأت الحياة تتبسم لهم، فجأة انهارت الصحة، فحاولوا لملمة الجدار وإقامة الدار، لكن دون جدوى، نهش المرض أجسادهم وكان الموت في انتظارهم، ثم تركوا كل شيء إلا من خرقة بيضاء.
.
أنا لا أقول أن لا نسعى للدنيا، بل أن (لا نعول عليها) أن نتعامل معها كما قال الله (وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها) لكن (وما عند الله خيرٌ وأبقى)، هو يسعى للدنيا كما الآخرين، لكن بشيء من الــ(لامبالاة)، في المقابل هو حريص أن (يصل رحمه) وأن (يعطي غيره) وأن (يفعل الخير)، تجده يختلط بالناس ويحدثهم ويسمع منهم، لكنه لا ينسى الاستماع لله كل يوم (يقرأ القرآن)، يذهب ويزور ويسافر لكنه لا يقطع زياراته المتكررة للمساجد (بيوت الله) فهو يعيش هنا بأهدافٍ دُنيا، لكن هدفه الأكبر هناك، يسعى لما هنا وللذي هناك، لكن الأولوية دائمًا هي لما هناك (ما عند الله).
.
فإن غدرت به الحياة يومًا، فسينظر إليها بابتسامة ساخرة، ثم يوجه إليها الكلمة القاضية … (فلتأخذي مني كل شيء، أنا لم أعوّل عليكِ يومًا، إن رصيدي هناك ممتلئ بإذن الله، وأنا ذاهبٌ كي أبدأ الحياة الحقيقية).
…
انتهى كلامه رحمه الله، فقد عاش طيبًا سمحًا، امتلك الأموال والأملاك وعاش عيشة هنية، لكنه كان صديق المسجد، وكانت أخلاقه حسنة، ويده بيضاء معطاءة.
…
فاز بها فلان
فاز بها فلان
لقد ربح الدنيا والآخرة.
معلومة صادمة من كندا
بالأمس عرفت معلومة صادمة عن كندا ، وجعلتني أزيد قناعة إلى قناعتي، وهي القناعة التي بُنيت خلال سنوات مضت، ولم تكن موجودة حين أتيت إلى مصر قبل عدة سنوات.
.
قدمت إلى أرض مصر قدوم استقرار مؤقت، كنت أطمح للسفر إلى الخارج، إلى العالم المتقدم (حسب وهمي) بل كنت أقول لصديقي مازحًا: يمكن أن تعتبرني صديقك الكندي من الآن، كان اعتقادي الساذج أن جمال الطبيعة لا يوجد إلا هناك، والتقدم الحضاري غير متوفر إلا عندهم، والحقيقة تقال، أن الحضارة عندهم بالفعل، لكن ليست الحضارة أهم شيء، يكفي أن تقرأ كتاب المفكر (بيجوفيتش): الإسلام بين الشرق والغرب، وأن تطلع على بعض أفكار الدكتور (عبدالوهاب المسيري) وأن تتقفى تجارب من عاش هناك، حتى تدرك إدراك اليقين أن الحضارة ليست أهم شيء، وأنك، كـ(فرد وزوج وأب)، تحتاج لأشياء أخرى أهم من الحضارة المادية.
يا نوح اهبط بسلام منا وبركات ….
هبط في صمت، لا أدري متى على وجه التحديد نزل الملك ونفخ فيه الروح، فلقد كان مختفيًا عنا سبعة أشهر في ظلماته الثلاث، مر الشهر الأول قبل النفخ، أما الشهر الأخير فلم يكمله، أراد الله أن يخرج مبكرًا ليبدأ مسيرته الأرضية.
.
هنالك، في تلك الغرفة الهادئة، بجانب غرفة العمليات، جلسنا أنا وأخويه نترقب، كنا نتحدث عن الإسم المناسب، وقبل أن نقرر كانت الممرضة قد انطلقت مسرعة إلى غرفة الحضانة، فلحقناها نبغي نظرة خاطفة، ثم اختفت عنا لعشر دقائق ولم نكن نسمع إلا صراخًا خفيفًا، كانت هنالك فرحة تسري في قلوبنا بقدوم هذا الضيف الجديد، لقد وصل بسلامة الله، وتبقى لنا سلامة الأم، ثم سلمها الله وخرجت بخير وعافية، أما نوح فقد أذنوا لي برؤيته سريعًا وترديد الأذان في أذنه، ففعلت ثم عدت إلى الغرفة، وبعد ساعة أو أكثر أتانا وهو نائمٌ في سلام.
لحظتك لحظتك
الأوهام تحاصرك، المخاوف تحاول اختطاف قلبك، تحوم حوله لتوقعه في شباكها الخبيثة، وصوتٌ يرن في أرجاء الروح ينادي (لحظتك لحظتك) فتحاول جاهدًا الإنقياد إليه موقنًا أنه حبل النجاة، فتقطع حبال أفكارك التي ما فتئت تتخيل المستقبل وترسم الاحتملات الأسوأ، رسوم ظهرت في جدران القلب مذ وصلتك الأخبار السيئة، أخبار متعلقة برزقك المكتوب في حاضرك المحسوب.
متابعة قراءة لحظتك لحظتكالنشاط المحبب إلى قلبي
تسللتُ إلى الخارج، بعد أن أقعدني المرض خمسة أيام، متلحفًا بأغطيةٍ في كل بدني مخافة البرد، وطئت قدماي صفحة الشارع، ورأت عيناي وجه الحياة، آه ما أجمل الحياة، ثم رأيت شعاع الشمس، آه ما أجمل الشمس، ثم ما لبثت أن سمعت زقزقةً خفيفةً من جهةٍ مجهولةٍ داخل روحي، أهي روحي حقًا؟ أم هو طائرٌ حبيس قد ابتسم حين اشتم رائحة الحرية، مشيت ومشيت، خطوة بعد خطوة، ثم تذكرت ذلك النشاط، نعم إنه النشاط المحبب إلى قلبي، لربما أنا قادرٌ على القيام به اليوم، ولو بشيءٍ يسير، نصف ساعة أو ساعة، آه ما أحلى النشاط.
متابعة قراءة النشاط المحبب إلى قلبي