مراجعة كتاب: قصة الإيمان – بين الفلسفة والعلم والقرآن

هو من الكتب الدسمة، يأخذك في رحلة طويلة وممتعة في نفس الوقت، نشر قبل 60 سنة تقريباً لكنه لا يزال صالحاً مهماً لهذا العصر، كون المشكلة التي يعالجها لاتزال ماثلة ومنتشرة، وخاصة مع الانفجار المعلوماتي الذي نعيشه والجفاف الروحي الذي نعاني منه بسبب طغيان الصورة والمادة للأسف.

يعالج الكتاب الفكرة السخيفة التي مفادها (عدم وجود إله) ويشن الغارات البيانية والبرهانية على كل من يدعي نشوء هذا الكون بالـ(صدفة).

الكتاب هو رحلة تعرج بك في سماء الفلسفة والعلم القرآن، يتدرج ليأخذ بيد من في قلبه شك بمنطق علمي وبحثي مقنع، ويقدم المادة على شكل أسلوب قصصي حواري يساعد على هضم المعاني الفلسفية والبراهين النظرية بسهولة ويسر، لذلك فهو كتاب لعامة الناس، وهذا ما أعتقد أنه كان هدف الكاتب، أن يكون الكتاب لعامة الناس وللشباب ممن يحبون القصص والروايات، فقدم لهم كتابه على شكل قصة وحوار مطول بين شاب حيران (اسمه حيران) وشيخ طاعن في السن.

محتويات الكتاب
الخمسين صفحة الأولى فيها ملخص لأهم أقوال فلاسفة اليونان بخصوص حدوث العالم ووجود الله سبحانه وتعالى، ثم انتقل إلى فلاسفة المسلمين وذكر منهم: ابن سينا والفارابي وابن رشد وابن طفيل والغزالي، وبالنسبة للغزالي فقد عرض أهم اعتراضاته على فلاسفة اليونان وطريقته في البرهان ثم حاول التوفيق بين الآراء، وكذلك لخص لنا بعض ما جاء في كتابه (تهافت الفلاسفة)، ثم انتقل إلى ابن رشد وعرض أهم آرائه التي كانت سبباً في اتهامه أو سوء فهمه، وحاول التقريب بين وجهات النظر، كما أنه أعطى ملخصاً جيداً لكتاب وقصة (حي بن يقضان) والتي تغني عن قراءة الكتاب الأصلي (من وجهة نظري). كما تحدث عن أبي العلاء المعري والذي نزع منه لقب الفيلسوف، وقد أتى ببعض أشعاره.
..
ثم بدأ بعدة فصول تحت باب أسماه (تلاقي العباقرة) وذلك من بعد الصفحة رقم 120، وقد تحدث فيها عن 10 فلاسفة غربيين في عصر النهضة الأوربي، أعطى تعريفاً مختصراً عن كل واحد ورأيه حول المسألة التي يطرحها الكتاب، وقد كان هذا التعريف مدخلاً جميلاً لكل من يريد أن يتعرف على هؤلاء الفلاسفة ويعرف توجهاتهم الرئيسية. هذه الشخصيات هي:
اكون – ديكارت – باسكال – مالبرانش – سبينوزا – لوك – ليبنز – هيوم – كانط – برغسون، مضيفاً إليهم (دارون) الذي تحدث عنه وعن نظريته بإسهاب فيما بعد.

ثم يأتي الدور على دارون ونظريته، فيفرد لها فصلاً عنونه بـ (بين دارون والجسر) حيث اقتبس بعض كلام والده الشيخ (حسين الجسر) الذي ألف كتاباً عام 1888 بعنوان: الرسالة الحميدية في حقيقة الديانة الإسلامية، وحقيقة الشريعة المحمدية، وفيه الكثير من المسائل العقدية والكلامية والتي سبق فيها زمانه.

يستمر الكتاب في سرد الحجج ضد الملحدين والماديين من الداروينيين، وذلك بتأصيل رصين ونظرة منفتحة على العلم، في محاولة منه لنفي التعارض بين الدين والعلم حين يثبت، مؤكداً في السياق نفسه أن نظرية داروين لم تصل بعد إلى حد اليقينيات (على الأقل في عصر الشيخ الجسر) وقد أعجبني التأصيل الشرعي للمسألة، وايضاً أسلوب المحاججة الرصين.

من الصفحة رقم 240 وما بعدها، ينتقل المؤلف لبيان الحجج الواضحة من القرآن الكريم، فيبدأ بسرد جميع الآيات دون تعليق (في 30 صفحة) الآيات التي تدل على الخالق سبحانه وبعض صفاته وأسمائه وعلى العالم والوجود وآيات الله المنتشرة في الآفاق، ثم يبدأ بتوضيح البراهين المختبئة في تلك الآيات وكيف أنها ذات البراهين التي توصلت إليها عقول الفلاسفة لكن بصيغة مختلفة.

ثم انطلق المؤلف في الآفاق ثم في النفس البشرية والعالم من حوله، يبحر في العلم الذي توصل إليها الإنسان، يورد المعلومات من علوم وفنون مختلفة، فيبدأ بالفلك والسماء والنجوم والكواكب، ثم الأرض والبحار والأنهار، ثم الحيوانات والحشرات، وينتهي بالإنسان وما فيه من إبداع وإتقان.

وقبل أن يبحر المؤلف في آيات الله في الكون والإنسان، كان قد بسط الحديث عن موضوع (الصدفة) الذي يتخذه بعض الملحدين حجة في نشوء الكون، ويوضح استحالة الأمر عبر المثال القريب والتجربة العملية السهلة، وقد أبدع في هذه الاستدلالات حيث قربها للأفهام، وأخذ بيد القارئ خطوة بخطوة في طريق الإقناع والبرهان (صفحة 289 وما بعدها)

ثم يختم المؤلف كتابه بفصل عنونه بـ وصية الشيخ، ولا يخلوا الكتاب من مشهد درامي مؤثر في نهايته، بحيث يطبع في عقل وقلب القارئ ذكرى جميلة مؤثرة، وقد أحسن في هذا.

جزاه الله خير الجزاء، لقد ترك عملاً ثرياً بذل فيه جهداً كبيراً، والحمد لله أولاً واخيراً.

مشاهدة المراجعة المرئية:

عمر الحمدي
18 فبراير 2022